مساعدات عسكرية

نتنياهو خلال جولة خاصة بمناسبة وصول غوّاصات جديدة لسلاح البحرية الإسرائيلي عام 2014 (Kobi Gideon/ GPO/ FLASH90)
نتنياهو خلال جولة خاصة بمناسبة وصول غوّاصات جديدة لسلاح البحرية الإسرائيلي عام 2014 (Kobi Gideon/ GPO/ FLASH90)

هل هذه هي قضية الفساد الأكبر في تاريخ إسرائيل؟

نقدم لكم كل الأسئلة والإجابات عن "ملف 3000" الخاص بالفساد المتعلق بشراء غوّاصات ألمانية

يتساءل الكثيرون في إسرائيل كيف يدير رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعماله بينما يتعرض الكثير من أمناء سره في هذه الأيام للتحقيق المتشعب في الشرطة الإسرائيلية.

منذ بداية الأسبوع، يسمع مواطنو إسرائيل تقارير حول اعتقال مسؤول آخر، مقرّب من نتنياهو، وهناك شعور عام من التضييق على حكومة نتنياهو الحالية وقد يعرضها للسقوط.

وقد كشف الصحفي الإسرائيلي البارز، رافيف دروكر (القناة العاشرة) عن “قضية الغواصات” (المعروفة بملف 3000) للمرة الأولى، أمام الجمهور الإسرائيلي، في تشرين الثاني عام 2016، حيث كان هناك شك حول تحريف المناقصات ذات الصلة بشراء غوّاصات “الدولفين” وسفن من نوع “ساعر 6” من شركة “ThyssenKrupp” الألمانية، تلقي رشاوى، وتناقض في المصالح.

من أجل أن نسهّل عليكم معرفة الحقائق حول القضية، نظرنا سريعا إلى بعض الأسئلة المركزية، القادرة على توضيح أكبر قضية فساد تعصف في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وتتضمن مليارات الدولارات.

غواصة تابعة لأسطول سلاح البحرية الإسرايلي (Flikr IDF)
غواصة تابعة لأسطول سلاح البحرية الإسرايلي (Flikr IDF)

ما هي الصفقات التي يدور الحديث عنها؟

الصفقة الأساسية هي الصفقة بين دولة إسرائيل وشركة “ThyssenKrupp” الألمانية حول شراء ثلاث غوّاصات بتكلفة 1.2 مليار يورو. من المتوقع أن تزيد هذه الغواصات عدد غوّاصات الأسطول الإسرائيلي ليصل إلى 9 غوّاصات.

إضافةً إلى ذلك، تُفحص إمكانية وجود صفقة لشراء أربع سفن لضمان حقول الغاز الإسرائيلية من الشركة ذاتها، بتكلفة 430 مليون يورو بعد توقيعها في عام 2015. ساهمت حكومة ألمانيا بتمويل ‏115‏ مليون يورو من إجمالي الصفقة.‎

الصحفي الإسرائيلي، رافيف دروكر (Flash90/Yonatan Sindel)
الصحفي الإسرائيلي، رافيف دروكر (Flash90/Yonatan Sindel)

وأثارت هذه الصفقة أسئلة، من بين أمور أخرى، لأن الشركة الألمانية، لا تصنّع سفنا وقد استأجرت لتنفيذ هذه الصفقة خدمات شركة أخرى. لذا، هناك حاجة إلى إنجاز ملاءمات بين المنظومة المدنية الخاصة بالشركة الألمانية وبين المنظومة العسكرية الإسرائيلية، بتكلفة إضافية حجمها نحو 50 مليون يورو.

ما هي التهم الأساسية؟

المسؤولون الإسرائيليون الكبار الستة الذين اعتُقلوا في الأسبوع الماضي للتحقيق معهم، والمقربون من نتنياهو (هناك حظر لنشر اسمائهم في إسرائيل)، متهمون بارتكاب مخالفات فساد وتلقي رشاوى، غسيل الأموال، وبارتكاب مخالفات ضريبية.

ما هو تعليق ألمانيا حول التحقيق الجنائي؟

تفحص إسرائيل في هذه الأيام إمكانية شراء ثلاث غوّاصات إضافة إلى الغواصات التي لديها والتي في طريقها إليها. في ظل التحقيقات الجنائية، هناك اتفاق بين إسرائيل وألمانيا تؤكد أن هذه الصفقة لن يسري مفعولها في حال الكشف عن فساد في التحقيقات الجارية حاليا. أشار موظفون إسرائيليّون وألمانيون كبار إلى أن الاتفاق قد دخل إلى بند جديد في مسودة التسويات حول شراء الغواصات، كشرط ألماني على التوقيع القريب المتوقع أجراؤه بعد مرور بضعة أسابيع.

هل سيخضع نتنياهو للتحقيق أم أنه متهم؟

نتنياهو خلال حفل تدشين الغوّاصات الجديدة لسلاح البحرية الإسرائيلي عام 2014 (GPO)
نتنياهو خلال حفل تدشين الغوّاصات الجديدة لسلاح البحرية الإسرائيلي عام 2014 (GPO)

في شهر شباط من العام الحالي، قرر المستشار القضائي الإسرائيلي الرئيسي بعد استشارة المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، وبعد النظر في قضية الفساد، أن نتنياهو ليس متورطا في القضية. رغم ذلك، وُجد أن موكله، المقرّب منه، المحامي، دافيد شمرون، هو المتهم الرئيسي في القضية وقد تلقى مبلغ نحو 200 ألف دولار من ممثل شركة الغواصات الألمانية في إسرائيل.

لمَّ الحكومة الألمانية متورطة في الصفقة، ولمَّ تمنح تخفيضات؟

قدمت الحكومة الألمانية إلى إسرائيل مكافآت كان حجمها ثلثي سعر الغواصات، أي 400 مليون يورو. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الحكومة الألمانية بمبلغ 115 مليون يورو من صفقة شراء أربع سفن للدفاع عن حقول الغاز.‎

وساهمت الحكومة الألمانية في تمويل مشاريع كثيرة في إسرائيل على مر السنوات بسبب الدين التاريخي، الذي كان على ألمانيا، تجاه الشعب اليهودي في أعقاب الهولوكوست.

اقرأوا المزيد: 483 كلمة
عرض أقل
استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)
استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)

كيف حصل حزب الله على مركبات قتالية مصنعة في أمريكا ؟

استعراض القوة في القُصير يثير تساؤلات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول إذا كانت مركبات المشاة، المُصنّعة في أمريكا، قد سُرقت من جيش لبنان أو أُخذت من مكان آخر؟

نشرت وسائل إعلام عربية، في الأسبوع الماضي، صورًا من الاستعراض العسكري لحزب الله في سوريا بمشاركة المئات من مُقاتلي الحزب. ونشرت وسائل إعلام وجهات مُقرّبة من حزب الله تقارير عن الاستعراض العسكري أيضا. لم تنشر المنظمة الشيعية بشكل رسمي تلك الصور التي يدور الحديث عنها.

ويأتي الاستعراض العسكري لحزب الله في الفترة التي تُجرى فيها ترتيبات سياسية في لبنان، بعد انتخاب الرئيس ميشيل عون – حليف حزب الله.

استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)
استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)

حاولت المواقع الإخبارية اللبنانية أن تفهم الرسالة التي يُريد الحزب إيصالها، وخصوصًا أنه لم ينشر الصور رسميًا. وأشارت تعليقات في بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ربما بعض الوسائل القتالية، مثل مركبات المشاة القتالية M-113، من إنتاج الصناعة الأمريكية أُخِذ من الجيش اللبناني.

إلا أن رد حزب الله الرسمي لم يتأخر. “الاستعراض العسكري هو رسالة واضحة للجميع ولا حاجة لتوضيحات أو تحليلات تستكمل معناها”. هذا ما أوضحه نعيم قاسم البارحة (الأربعاء)، نائب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في تعليق على الاستعراض العسكري الذي قام به حزبه في مدينة القُصير عند الحدود السورية اللبنانية وأثار عاصفة في الدول العربية.

لكن السؤال المركزي، الذي بقي مفتوحًا وأثار اهتمام وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، هو: كيف وصلت إلى أيدي مُقاتلي الحزب مركبات المشاة القتالية 113‏M، التي كما هو معروف مصنّعة في أمريكيا.

توقع المُحلل السياسي الإسرائيلي المُخضرم، رون بن يشاي (يديعوت أحرونوت) أن “المعدّات القتالية التي تم استعراضها هي جزء من كتيبة المدرعات التي أنشأها حزب الله قبل عام وباتت قتالية الآن. يمكن أن نلاحظ وجود دبابات تي – 72 روسية الصنع ومركبات مشاة قتالية من نوع M-113، يمتلك مثلها الجيش الإسرائيلي أيضًا. يبدو أن الحزب حصل على مركبات المشاة تلك من جيش اللبناني”.

مركبة المشاة القتالية M-113 من صنع الولايات المتحدة (U.S. Army Flickr)
مركبة المشاة القتالية M-113 من صنع الولايات المتحدة (U.S. Army Flickr)

وأشار تحليل آخر نُشر البارحة (الأربعاء) في صحيفة واشنطن بوست إلى أن تلك المركبات أخذها مقاتلو حزب الله في عام 2000 مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وبعد تفكيك جيش لبنان الجنوبي. انشغلت جهات من البنتاغون ووكالات المُخابرات الأمريكية بالسؤال كيف وصلت تلك الآليات العسكرية إلى حزب الله، وتبين بعد الفحص أن الحديث يدور عن أنواع قديمة من مركبة المشاة القتالية M-113 ومن الأرجح أن الحزب حصل عليها بعد تفكيك جيش لبنان الجنوبي وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

يحصل الجيش اللبناني، كما هو معروف، على دعم كبير من الولايات المُتحدة كل سنة. وتُشير التقديرات إلى أن المعدّات العسكرية التي أرسِلت إلى الجيش اللبناني تقدر قيمتها بـ 221 مليون دولار (عام 2016) وذلك لمساعدة لبنان على التصدي للإرهاب ومنع تغلغل الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إلى الأراضي اللبنانية.

اقرأوا المزيد: 380 كلمة
عرض أقل
الرئيس الأمريكي باراك أوباما يلتقي برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو (AFP)
الرئيس الأمريكي باراك أوباما يلتقي برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو (AFP)

هل إسرائيل وأمريكا توقعان على اتفاق المساعدة العسكرية؟

مسؤول إسرائيلي يزور واشنطن في بداية الأسبوع القادم من أجل التوصل إلى مذكرة تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة، بخصوص المساعدة الأمنية بين عامي 2018-2027

بدأت تقارير أولية بالتقاطر في بداية الأسبوع حول أنّ إسرائيل والولايات المتحدة أصبحتا قريبتين جدا من التوصل إلى اتفاق حول المساعدة الأمنية التي ستحصل عليها إسرائيل بين عامي 2018-2027. هذا ما يظهر أيضًا من كلام رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الكنيست ومن البيانات التي ينشرها مكتبه في الأيام الأخيرة.

سيلتقي مسؤول نيابة عن نتنياهو بفريق من النظراء في البيت الأبيض من أجل مناقشة قضية المساعدة. يترأس الفريق الأمريكي رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس.

وقد بدأت المفاوضات بين إسرائيل والولايات المتحدة حول اتفاق المساعدات الأمنية الجديد، تواجه صعوبات على خلفية الفجوات الكبيرة بين الجانبَين بخصوص حجم المنحة التي ستحصل عليها إسرائيل كل عام. وهناك من بين أسباب الخلاف، اعتزام الأمريكيين زيادة المساعدة العسكرية بنحو 400 مليون دولار للسنة الواحدة فقط، وذلك بخلاف التوقّع الإسرائيلي للحصول على زيادة أكبر تصل إلى مليار وحتى ملياري دولار في السنة.

كما هو معلوم، فقد وقّعت إسرائيل والولايات المتّحدة على اتفاق التزم الأمريكيون في إطاره بتقديم مساعدة مالية تبلغ نحو 30 مليار دولار على مدى 10 سنوات، أي ثلاثة مليارات دولار في السنة بالمعدّل. ستنتهي صلاحية اتفاق المساعدة الأمنية الحالي في نهاية 2018. منذ شهر تشرين الثاني عام 2015، في أعقاب اللقاء بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض، بدأت المفاوضات بين الفريق الإسرائيلي والأمريكي حول صياغة اتفاق مساعدة أمنية جديد للعقد القادم، يُعرّف حجم المنحة التي ستحصل عليها إسرائيل كل عام حتى نهاية عام 2028.

رئيسة مجلس الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس في لقاء مع نتنياهو (AFP)
رئيسة مجلس الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس في لقاء مع نتنياهو (AFP)

وهناك خلاف آخر بقي كما يبدو دون حلّ حتّى الآن، هو السؤال إذا ما كانت هناك أجزاء من المساعدة ستوجّه للصناعة في إسرائيل أم فقط للشراء من الصناعة الأمنية الأمريكية. ترغب الولايات المتحدة في تغيير النظام القائم، الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بإنفاق نحو 40% من المساعدات مقابل شراء المعدّات من الصناعة الأمنية في إسرائيل وكذلك مقابل شراء الوقود.

في إطار اتفاقات المساعدة الأمنية التي وقّعت عليها إسرائيل والولايات المتّحدة بدءًا من الثمانينات، تمت صياغة البند التالي: “الشراء من خارج الولايات المتحدة” – وفي إطاره يُسمح لإسرائيل بتحويل 26.4% من المساعدة الأمريكية السنوية من الدولارات إلى الشواقل واستغلال ذلك لشراء معدّات من الصناعة الأمنية في إسرائيل بدلا من الصناعة الأمنية في الولايات المتحدة. وهكذا تموّل الولايات المتحدة بذلك في الواقع الصناعة الأمنية في إسرائيل لما يقارب الثلاثة عقود بمئات ملايين الدولارات كل عام.

حتى الآن تمكّنت إسرائيل من إنفاق نحو 800 مليون دولار كل عام مقابل الشراء بالشواقل من الصناعة الأمنية الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك تنفق إسرائيل في السنوات الأخيرة نحو 13% من المساعدة الأمريكية السنوية، وهو مبلغ يصل إلى 400 مليون دولار، مقابل شراء الوقود لصالح الجيش الإسرائيلي، وخصوصا وقود الطائرات. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها استخدام أموال المساعدة الأمريكية لهاتين الحاجتين.

منظومة القبة الحديدية (Uri Lenz Flash90)
منظومة القبة الحديدية (Uri Lenz Flash90)

ويوضح مسؤولون أمريكيون مطلعون على تفاصيل المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة لإسرائيل أنّ المنطق الكامن خلف الاتفاقات السابقة كان يهدف إلى مساعدة إسرائيل على تطوير صناعة عسكرية وأمنية قوية ومتطوّرة. ولكن في السنوات الأخيرة طرأت تغييرات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي الذي نما، وعلى قدرات الصناعات الأمنية الإسرائيلية التي صُنفت إسرائيل بفضلها في قائمة أكبر 10 مصدّري أسلحة في العالم. لقد تم تحقيق الهدف الأصلي من الاتفاقات السابقة ولذلك تعتقد الولايات المتحدة أنّه من الضروري إعادة التفكير بخصوص استخدام إسرائيل لأموال المساعدة الأمريكية من أجل الشراء من الصناعة الأمنية الإسرائيلية.

وأوضحت سوزان رايس أنّ إدارة أوباما مستعدة للتوقيع على اتفاق مساعدة يتضمّن منحة مالية بحجم غير مسبوق وأيضًا التزاما طويل الأمد لتمويل برنامج الدفاع الصاروخي في إسرائيل. وتوضح رايس بين حين وآخر للجانب الإسرائيلي ولأعضاء الكونغرس الأمريكي، أنّ اتفاق المساعدة الذي تقترحه الولايات المتحدة على إسرائيل سيكون أكبر منحة قدّمتها الولايات المتحدة لدولة ما في يوم من الأيام. “يتضمّن اقتراحنا على إسرائيل زيادة أساس ميزانية المساعدة العسكرية للدول الأجنبية – والتي تُموّل منها أيضًا المساعدة المقدمة لإسرائيل في هذه السنوات. تتلقّى إسرائيل اليوم فعليا أكثر من 50% من مجموع المساعدات العسكرية الأمريكية للدول في أنحاء العالم. إنّ الحزمة التي نقترحها ستزيد بشكل أكبر من الحصّة التي ستحصل عليها إسرائيل من مساعداتنا لكل دول العالم”، كما أشارت رايس مؤخرا في رسالة كتبتها للكونغرس.

اقرأوا المزيد: 626 كلمة
عرض أقل
السياسي اللبناني السيد سعد الحريري في زيارة الى السعودية (AFP)
السياسي اللبناني السيد سعد الحريري في زيارة الى السعودية (AFP)

عقاب لبنان هو رسالة لكل الشرق الأوسط

السعودية تعاقب لبنان على عدم وقوفها بشكل واضح بجانب القوى السنية وضدّ إيران. الرسالة موجهة إلى جميع الدول السنية في الشرق الأوسط، وإن كانت تتضمن أيضًا رهانا يمكن أن يتضح أنه غير محسوب

في مطلع الشهر، أعلنت السعودية وحلفاؤها في الخليج عن حركة حزب الله بصفته تنظيما إرهابيا، وأعلنت أنها ستوقف دعمهما الاقتصادي اللبناني الذي يعادل مليارات الدولارات. لم يمنع الصراع الطويل بين حزب الله والسعودية من الأخيرة، حتى الآن، دعم لبنان. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير السعودي هي عدم استعداد الحكومة اللبنانية للانضمام إلى المقاطعة الدبلوماسية ضد إيران بعد ضرب السفارة السعودية في طهران. وأضاف وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، خطيئة على ذلك عندما رفض طلب السعودية الصريح بقطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع إيران.

تميل الحكومة اللبنانية إلى الوقوف بجانب إيران في حربها التي تشنّها بهدف الهيمنة على الشرق الأوسط.‎ ‎وقد تأثر موقفها، من بين أمور أخرى، بتهديدات حزب الله المستمرة أنّه سيستخدم قوته العسكرية ضدّ جهات داخلية لبنانية، بشكل مماثل لإظهار القوة لدى الحركة في أيار عام 2008. جعل هذا الواقع لبنان، في نظر معظم دول الخليج العربي على الأقل، مواليا للشيعة وإيران. يدور الحديث عن تهمتين ثقيلتين في قاموس الصراع السني الشيعي والسعودي الإيراني في الشرق الأوسط، الذي يجعل الكثير من الدول في المنطقة ساحة معركة مدمّرة ودموية.

يعلم السعوديون منذ سنوات كثيرة أنّ إيران تسيطر على لبنان من خلال حزب الله. ومع ذلك، وربما لسبب آخر، سلّحت السعودية الجيش اللبناني (بما في ذلك اللواء الشيعي في الجيش). وقد أمل السعوديون أنّهم سيساعدون بذلك حلفاءهم من ائتلاف 14 آذار، بقيادة سعد الحريري، في إيقاف اتجاه الهيمنة الإيرانية على لبنان. ولكن خاب أملهم، وتقع لبنان الآن أكثر من أي وقت مضى تحت وطأة الهيمنة الشيعية – الإيرانية، التي تهدد دول الخليج. اتهم أحمد العسيري، رئيس الدعاية في الائتلاف العربي في اليمن، حزب الله بالتدخل العسكري في سوريا، الكويت، البحرين، واليمن، مدعيا أنّ الحركة تشكّل تهديدا مباشرا على المصالح الأمنية لدول الخليج.

الجيش اللبناني (AFP)
الجيش اللبناني (AFP)

ورفض أيضًا وزراء في الحكومة اللبنانية والمحسوبين على السعودية، مثل وزير الداخلية نهاد المشنوق، تأييد الإعلان عن حزب الله أنه تنظيم إرهابي. مصلحتهم واضحة: الحركة قادرة على جرّ لبنان إلى حرب أهلية ثالثة قد تكون نتائجها مدمّرة على الأقل مثلما يحدث في سوريا. ويفضّل خصوم حزب الله في لبنان مواجهة آثار الغضب السعودي على المخاطرة بتدمير بلادهم.

ويشير الإعلان السعودي إلى تغييرات عميقة في سياسة هذه القوة السنية.‎ ‎إنها تنتج تمييزا واضحا أكثر من أي وقت مضى بين “نحن” السنة وبين “أعدائنا” الشيعة، وقد انتقل لبنان، الذي لا يريد أو يستطيع مواجهة حزب الله، إلى معسكر العدو. يكتسب المبدأ السعودي في أعقاب الهجوم على السفارة في طهران زخما، والرسالة هي أنّ الدول التي لا تقف بشكل واضح إلى جانب السعودية ستعاني من مصير مماثل لما حدث للبنان: إيقاف المساعدات، طرد مواطنيها من السعودية، عدم تجديد عقود العمل، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، إلغاء اتصالات الطيران وغير ذلك.

ومع ذلك، تظهر السعودية بذلك أيضًا ضعفًا وخشية. فحربها ضدّ إيران تتعثّر في جميع الساحات: في اليمن، العراق، سوريا، والآن في لبنان، رغم الموارد الهائلة التي تستثمرها السعودية فيها.‎ ‎ورغم أن حالة إيران في لعبة الشطرنج الإقليمية ليست أفضل، وهي أيضًا تدفع ثمنا باهظا على كل خطوة، فهي تنجح حتى الآن في الحفاظ على حلفائها بشكل أفضل من السعوديين. على هذه الخلفية من غير الواضح إذا ما كانت التضحية بلبنان ستساعد المصالح السعودية على الأمد القريب والمتوسط، أم سيتضح لاحقا أنها تحديدا إحدى نقاط تدهور السعودية في حربها الباردة الطويلة ضدّ إيران.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 513 كلمة
عرض أقل
طائرة مروحيّة من نوع كوبرا (Flash90/Moshe Shai)
طائرة مروحيّة من نوع كوبرا (Flash90/Moshe Shai)

مساعدة عسكرية للأردن: شكرا لإسرائيل، وليصمت الخونة

حتى عندما تُعتبر المساعدة التي توفرها إسرائيل كمساعدة للمواطنين العرب وأمنهم، وليس للحفاظ على النخبة الحاكمة الاستبدادية، فإنّ إحراجا وخجلا يغمران الخطاب العربي العام

هدّأت ثورات “الربيع العربي”، إلى حدّ ما، من الخطاب العربي العام ضدّ “التطبيع” مع إسرائيل، لثلاثة أسباب رئيسية. أولا، لأنه ثبت أن الإخوان المسلمين لا يسارعون في إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل عندما يصعدون إلى الحكم. بكلمات أخرى، ما رآه الإخوان من “هناك” لم يعودوا يرونه من “هنا”، وإذا كان أشد المعرضين لإسرائيل قد تصرّفوا كذلك، فماذا يقول الضعفاء. ثانيا، في مشاهد الرعب وسيناريوهات الذعر التي تغرق الدول العربيّة على ضوء ما يحدث في المنطقة، يمكن لإسرائيل أن تكون تحديدا عامل استقرار، وبشكل أساسي للأنظمة الاستبدادية ولكن في أحيان كثيرة أيضًا للدول ولمواطنيها، إلى جانب المساعدة والتعاون العسكري – الأمني تجدّد أيضًا التعاون في مجالات المياه والطاقة، وفي بعض الأحيان المساعدة الإنسانية أيضًا. ثالثا، الكثير من سكان الدول العربيّة يشاهدون الحروب الأهلية الرهيبة والفظائع التي تزرعها عشرات الميليشيات المسلّحة الناشطة في دول مختلفة، ويقارنون ذلك بحروب إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، ويخرجون بنتيجة أنّ “إسرائيل أكثر رحمة من العرب”، كما يكتب إعلاميون عرب كبار مرارا وتكرارا، بلهجة من الألم.

The girls are still screaming, but the excitement was gone‏، كما قال المتحدث مالكولم ماكدويل في الفيلم الشهير عن البيتلز، مشيرا إلى شعبية الفرقة بعد تصريح لينون بأنّ البيتلز أكبر من يسوع. يبدو أنّ هذا ما يبثّه الرأي العام العربي في موقفه من الاكتشافات “المثيرة” الجديدة حول التعاون الإسرائيلي – العربي. لأجل ذلك تحديدا، فإنّ الخفايا التي يكشف عنها الخطاب العربي العام حول الموضوع هي أكثر إثارة بكثير من الماضي.

تمرين عسكري مشترك للأردن وأمريكا (Facebook)
تمرين عسكري مشترك للأردن وأمريكا (Facebook)

نشرت وكالة رويترز في نهاية الأسبوع الماضي أنّ إسرائيل قد نقلت إلى الأردن ستّ عشرة طائرة مروحيّة من نوع كوبرا مستخدمة، لأجل تأمين حدودها في الشمال والشرق من تهديد الدولة الإسلامية (داعش). وقال الجنرال الأمريكي مجهول الاسم الذي تحدث إلى رويترز أنّ هذه المروحيّات، التي تم إرسالها مجانا للأردنيين، تم إصلاحها قبل ذلك من قبل الولايات المتحدة.

لم يفقد الخطاب العام في الأردن سيطرته، في الإعلام المكتوب والإلكتروني وفي مواقع التواصل الاجتماعي (بما في ذلك خطاب المعارضة). ولكن التسلسل الجذاب لمتصفحي الفيس بوك في الصحيفة اليومية الشهيرة “الغد” قد كشف عن ساحة المناوشات الحقيقية: تلك التي بين الأردنيين وبين الأردنيين من أصول فلسطينية. هذه المرة، اعتبرت المساعدات العسكرية من إسرائيل مفيدة لمواطني الأردن وأمنهم ضدّ المخاطر الفظيعة التي تهددهم على الحدود المضطربة في الشمال والشرق. بعبارة أخرى، لا يدول الحديث هنا عن “خيانة” في “جانبنا” – معظم سكان المملكة، بالتأكيد، منذ قضية الطيار معاذ الكساسبة الذي أُحرق حيّا، يعرفون داعش كمحبة للشرّ – ولكن، على الأكثر، فمن العار أن تكون إسرائيل هي التي تقدّم المساعدة. في هذه الظروف، تتحول الخيانة إلى تهمة يوجّهها الأردنيون للفلسطينيين وعلى العكس، على شكل أنا لست خائنا ولكن أنت أكثر خيانة.

إعدام معاذ الكساسبة (لقطة شاشة)
إعدام معاذ الكساسبة (لقطة شاشة)

لكل من هو موجود في الخطاب العام الأردني كان واضحا أن المتصفح الذي ردّ على الخبر بعبارة: “من يغضب من الأردن مدعو لأن يسأل الفلسطينيين لماذا يبنون المستوطنات على أرض فلسطين المقدّسة”، فهو أردني يدعو الأردنيّين من أصول فلسطينية إلى المبارزة. تمّت الاستجابة للدعوة، وردّت إحدى المتصفّحات بادعاء أنّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يبنون المستوطنات من أجل اليهود لأنّهم واثقون بأنّ فلسطين ستعود إليهم. وقد أوضحت أن الفلسطينيين يبنون في الواقع من أجل أنفسهم وليس من أجل اليهود. وقد أثار ردّها موجة من الضحك وسلسلة طويلة من التعليقات بين المتصفّحين والمتصفّحات والذين أخذوا موقفا واضحا. اتهمت مجموعة من المتصفّحين الأردنيين بالخيانة، وتساءلت ما إذا كانت المروحيّات قد أصبحت “مستخدمة” بعد أن قتلت غزيّين أبرياء في الصيف الأخير.

على الجانب الآخر، مع ذلك، لم تكن هناك اعتذارات. ذكر عدد كبير من المتصفّحين أنّ إسرائيل تخدم، في نهاية المطاف، مصالحها (وكان هناك من اقترح فحص سلامة المروحيات أو إذا كانت قد وُضعت فيها أجهزة تنصّت)، ولكن عادوا إلى موقفهم: إسرائيل، كما أصرّوا، أكثر حرصا على الأردن من غيرها. شكرا لكم، أيها الأصدقاء، كما كتب بعض المتصفِّحين وهم يتوجّهون إلى إسرائيل: أنتم أفضل من بشار، أفضل من إيران، أفضل من داعش بل وأفضل من “إخواننا” الأثرياء في دول الخليج.

تدريبات للجيش الأردني في الستيلاء على إرهابيين إسلاميين (AFP)
تدريبات للجيش الأردني في الستيلاء على إرهابيين إسلاميين (AFP)

كان أحد العقول التمرية الذكية سيتطرّق إلى كل تلك التعليقات على نحو متساهل: معارضو الصفقة هم بطبيعة الحال “أصلاء” والمدافعون عنها هم “رجال مخابرات”. ولكن هذا التفكير يغفل الأحداث الخفية التي تم وصفها أعلاه. تغيّرت الظروف، وإذا واجه سكان الأردن خطرا وساعدت إسرائيل جيشهم، فهي ببساطة صديقة. يسمح هذا الاستعداد للمتصفّحين والمتصفّحات بكسر صفوف الجوقة المعروفة. هكذا، كان أحد الادعاءات: “من يعمل مع اليهود فهو سعيد وراض”، بما في ذلك من ناحية المزايا الاجتماعية التي يحصل عليها، وأقسم آخر قائلا: “يخرج الناس من الأردن من أجل العمل لدى اليهود ويقولون إنّ اليهود يتعاملون معهم بشكل أفضل من العرب”. ومن هناك انتقل المتصفّحون والمتصفّحات للجدال حول من أكثر خيانة، فسادا ونكرانا للجميل: الأردنيون الذين حصلوا على مروحيات من إسرائيل، أم الفلسطينيون الذين يعملون لدى اليهود في الأراضي المحتلة، ويعملون لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية كأفراد (عملاء) وكهيئات رسمية (السلطة الفلسطينية وأجهزتها)، ويحظون بمأوى وحماية الأردن كلاجئين، وفي النهاية يؤذونه عندما يتلقى المساعدة من إسرائيل من أجل حماية مواطنيه، ومن بينهم أولئك الذين من أصول فلسطينية. لماذا يحظر علينا ما يُسمح لهم به ولكل العرب الآخرين، ثار متصفّحون أردنيّون.

حتى عندما تعتبر المساعدة التي توفرها إسرائيل كمساعدة للمواطنين العرب وأمنهم، وليس للحفاظ على النخبة الحاكمة الاستبدادية على حساب رفاهية مواطنيها وإرادتهم الحرّة، فإنّ إحراجًا وخجلا يغمران، بشكل طبيعي، الخطاب العربي العام، هل لا يحدث شيء من هذا القبيل في كل حدث إنساني للعطاء المخفي الذي يصبح مكشوفا؟ ومع ذلك، فخلافا للماضي، إلى جانب الخلاف الداخلي الذي يزرعه هذا الكشف، ظهرت أصوات جديدة في الخطاب العام ترى في إسرائيل صديقا حقيقيّا في وقت الضائقة.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 860 كلمة
عرض أقل
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

التقارُب بين مصر وروسيا – إلى أين؟

تسارُع ملحوظ غير مسبوق في الأشهر الأخيرة للعلاقات بين روسيا والنظام الجديد في مصر

في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الرجل الأقوى في مصر، المشير عبد الفتّاح السيسي، ووزير الخارجية، د. نبيل فهمي، بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى. وبعد الزيارة، يجري الحديث عن زيارة أخرى بين الجانبَين على مستوى رفيع في نهاية آذار، كما تطرح تقارير صحفية إمكانية زيارة الرئيس بوتين إلى مصر.‎ ‎

كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات. ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014.

في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان.

لا شكّ أنّ كثافة الاتّصالات بين مصر وروسيا مرتبطة بالتوتّر الذي نتج في الشهور الأخيرة بين مصر والولايات المتحدة. ففي مصر، ثمة سُخط كبير من الانتقاد العلنيّ الذي توجّهه إدارة أوباما لإسقاط نظام “الإخوان المسلمين” بانقلاب عسكريّ، ولاستخدام القوى الأمنية القوّة ضدّ ناشطي الإخوان. أثار موقف الإدارة الأمريكية لدى القيادة المصرية إحساسًا بأنّ الإدارة لا تُدرك مشاكل مصر وضائقاتها، وأنها مستعدة لدعم نظام “الإخوان المسلمين” لمجرّد أنهم وصلوا إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، مستغلّةً حاجة مصر إلى المعونات الأمريكية للتدخل في شؤونها الداخلية.

الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)
الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)

لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل. فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات F-16‎‏، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.‏

السؤال الهامّ هو: هل تتمخّض العلاقات بين الدولتَين عن صفقة سلاح هامّة بينهما؟ إذا كانت هذه هي النتيجة، فسيشكّل ذلك تغييرًا هامًّا في السياسة المصرية. فمنذ 1974، توقّفت إمدادات السلاح من الاتحاد السوفياتي إلى مصر، بعد أن انتقلت الأخيرة من اتّجاه مؤيّد للسوفيات إلى اتّكال سياسيّ، عسكريّ، واقتصاديّ تامّ على الولايات المتحدة، بما في ذلك السلاح الأمريكيّ. ويعني قرار النظام المصري الحاليّ – بعد أشهر معدودة من صعوده إلى السلطة – أن يوقّع على صفقة سلاح كبيرة مع روسيا أنّه يريد أن يغيّر، ولو بشكلٍ محدود، توازُن علاقاته مع القوّتَين العُظميَين، ويوقف اعتماده التامّ على السلاح الغربيّ.

من جميع التقارير الواردة حتّى الآن، يُرجَّح أنّ صفقةً كهذه قد جرى التباحُث بشأنها بين الجانبَين، إذ لا مبرّر آخر لمشاركة وزيرَي دفاع البلدَين والوفدَين العسكريَين في المحادثات. ومن الواضح أيضًا أنّ روسيا معنيّة بصفقة كهذه. فمن ناحيتها، يُعتبَر التوقيع على الصفقة إنجازًا هامًّا، سواءٌ لعودتها إلى سوق السلاح في مصر، أو للرسالة التي سترسلها إلى الدول العربية المعتمدة على السلاح الغربي بأنّ صفقة سلاح مع روسيا هي أمر مُناسِب وشرعيّ. ويمكن أن تشكّل الصفقة أيضًا رافعة لتوسّع جديد لنفوذ روسيا في العالم العربي، كما جرى أواسط الخمسينات.‎

مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)
مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)

وفضلًا عن المصلحة الروسية الواضحة في توسيع حلقة التصدير العسكري إلى الشرق الأوسط، فإنّ الاعتبار الروسي في استئناف الحِوار مع مصر، ودول أخرى في الإقليم، هو سياسيّ – استراتيجيّ في الأساس. فمنذ بداية “الربيع العربيّ”، تخوضُ روسيا صراعًا على مكانتها في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن اضطُرّت إلى التراجُع عن مكانتها السابقة التي وصلت إليها بعد مشقّات كثيرة، تحت ضغط المعسكَر السنيّ مدعومًا بالغرب. اقتصر نفوذ روسيا، فضلًا عن إيران، على سورية وحدها، حيث نجحت في الحفاظ عليه، حتّى الآن. من جهتها، إنّ استئناف الحوار مع دُول أخرى في الإقليم هو فرصة إيجابية، يجب انتهازها لتقوية مكانتها وتعزيز أفضلياتها مقابل الغرب في النظام الاقتصاديّ العالميّ. سنحت هذه الفرصة على ضوء التغيير في سياسات بعض دول المنطقة، التي تشعُر بالتحدي جراء سياسة الولايات المتحدة. بين هذه الدول، فضلًا عن مصر، كلٌّ من المملكة العربية السعودية، الأردن، والعراق، التي تجري حوارًا جديدًا مع روسيا، سواء حول صفقات الأسلحة أو حول التعاوُن السياسيّ.‏

أمّا موقف النظام المصري مِن الصفقة فأقلّ وضوحًا، وهو متعلّق بثلاثة قيود. الأوّل – منذ الثمانينات، تقيم مصر علاقات عسكريّة وطيدة مع الولايات المتحدة. ولا تقتصر هذه على إمدادات سلاحٍ واسعة، بل تشمل أيضًا اكتساب العقيدة القتاليّة الأمريكية، منح الإرشاد والتدريبات للضبّاط المصريين، مناورات مشتركة، وبناء علاقات شخصية بين ضبّاط من الجيشَين. صحيح أنّ الجيش المصري بقيت فيه منظومات سلاح من فترة العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، لكنّ تلك أسلحة قديمة عمرها أربعة عقود أو أكثر، وليس للجيل الحاليّ من الضبّاط المصريين أية صلات بالمنظومة العسكرية الروسية. لذا، لن يكون سهلًا استيعاب منظومات سلاح روسية مجددًا على مدى كبير.

الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)
الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)

القيد الثاني ماليّ. فالسلاح الأمريكي يُقدَّم للمصريين كجزءٍ من المُساعَدة الممنوحة لهم منذ الثمانينات. يُرجَّح أنّ روسيا لن تزوِّد سلاحًا كهذا كمساعدة، وليست لدى المصريين القدرة – لا سيّما في الوضع الاقتصادي الحاليّ – على تمويل صفقة كهذه. السؤال المفتوح هو: هل ثمة مصلحة حقًّا لكلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بتمويل هذه الصفقة، كما ورد؟

أمّا القيد الثالث فهو الأكثر أهميّة. لم تردّ الإدارة الأمريكية عَلَنًا بعد على إمكانية توقيع الصفقة، لكن يمكن الافتراض أنها تنظر إليها بامتعاضٍ شديد، إذ إنّ توجّه حليف مركزيّ لها لعقد صفقة غير مسبوقة مع روسيا يُشير إلى وهن أمريكي آخر في المنطقة، ويشكّل إنجازًا لروسيا. وفق تقارير صحفيّة، جرت في الشهور الأخيرة عشرات الاتّصالات الهاتفيّة بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره المصري، كما زار وزير الخارجية الأمريكي القاهرة. يُرجَّح أنّ الأمريكيين مارسوا ضغوطًا في تلك المحادثات على المصريين لعدم التوقيع على الصفقة. على المصريين أن يأخذوا في الحُسبان أنّ التوقيع على الصفقة سيستجلب ردّ فعل أمريكيًّا سلبيًّا، ويمس بالعلاقات مع الولايات المتحدة.‏

في جميع الأحوال، ليس واضحًا بعد إن كان سيجري التوقيع على الصفقة. فلا يزال ممكنًا أن تردع القيود المذكورة أعلاه المصريين عن توقيعها، ويمكن أن يقلِّصوها إلى صفقة محدودة وغير هامّة، ويكتفوا بالتعبير عن امتعاضهم من سلوك الإدارة الأمريكية تجاههم في الشهور الأخيرة. لكن حتّى إن وقّع النظام المصري على الصفقة، يُرجَّح أن يستمرّ في النظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريكة الاستراتيجية الأساسيّة له، وأن لا بديل عنها، لكنه سيسعى إلى زيادة قدرته على المناورة معها والإيضاح لها أنه غير مستعدّ لقبول تدخُّلها في شؤونه الداخليّة.

نُشرت المقالة للمرة الأولى على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 1122 كلمة
عرض أقل
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو ومفابلته بفلاديمير بوتين الرئيس الروسي (AFP)
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو ومفابلته بفلاديمير بوتين الرئيس الروسي (AFP)

بعد إيران، روسيا أيضًا تزيد حجم المساعدات للأسد

للمرة الأولى، يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على قرار يدعو للسماح بوصول قوافل المساعدة الإنسانية لسكان سوريا

وقد وصل عشرات الضباط والخبراء من الجيش الروسي في الأسابيع الماضية إلى سوريا وانخرطوا في قتال جيش الأسد ضدّ الثوّار، هذا ما تشير إليه مصادر دبلوماسيّة غربية في موسكو. وتحدث هذه الخطوة الدراماتيكية بعد أن وجّهت روسيا خبراءها وأسرهم لتعزيز القتال.

ويعمل الضباط العسكريين الروس في الساحة كمستشارين فنّيين إلى جانب قادة الوحدات السورية في المعركة. وبالمقابل، يزيد الروس من حجم استثمارهم في التجهيزات العسكرية لصالح الأسد وزادوا في الآونة الأخيرة من التجهيزات اللوجستية والاستخباراتية التي منحوها للجيش السوري.

ووفقًا لشهادات لدبلوماسيّين روس، فقد أمر بوتين شخصيًّا بزيادة المساعدات للأسد، رغم أنّ جيشه لم يعد يسيطر على أكثر من 75% من مساحة البلاد. ويرغب بوتين في مواصلة الاستثمار في الزبون السوري وهذا معارض لموقف الولايات المتحدة التي أدارت ظهرها لمبارك في مصر وتمنح السيسي اليوم اهتمامًا قليلا، والذي أعلن مؤخرًا فقط عن ترشّحه لرئاسة مصر.

معظم المساعدات العسكرية للجيش السوري المصاب، والذي لا يزيد اليوم عن 200 ألف شخص مع أقلّ من عشرة في المائة من التجنيد كلّ عام؛ تأتي كلّ أسبوع عن طريق الرصيف التابع للبحرية الروسية في ميناء طرطوس شمالي البلاد. لا يرغب بوتين في أن يسقط النظام السوري على يد الجهاد العالمي ولذلك يبذل جهودًا كبيرة لتعزيز موقف الأسد والدفاع عن المصالح الروسية في الدولة المصدّعة.

وفي هذه الأثناء، قرّر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإجماع، تمكين إدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى سوريا.

ويدعو القرار الذي اتخذه أعضاء المجلس، النظام السوري وأيضًا قوات الثوار لتمكين القوافل من التحرك في أنحاء البلاد، وذلك في إطار عملها في تقديم المساعدات للمواطنين. ولا تتضمّن صياغة القرار التهديد بفرض عقوبات، ولكنها مع ذلك أدرجت نوعًا من التحذير الذي بحسبه إنْ لم يعمل الطرفان على تنفيذ القرار؛ “فستُتّخذ تدابير إضافية”.

وقد صوّتت روسيا والصين، اللتان استخدمتا حقّ النقض ضدّ قرارات مماثلة في المجلس سابقًا؛ لصالح القرار هذه المرّة. ويدعم الروس، الداعمون باستمرار لنظام الرئيس بشار الأسد، قرار مجلس الأمن مع الإصرار على ألّا تتضمّن الصياغة النهائية إشارة إلى العقوبات.

ورغم ذلك، تضمّن قرار مجلس الأمن إدانة للأعمال التي تقوم في سوريا، والتي تضرّ بحياة المواطنين. ومن بين أمور أخرى، تمت إضافة مطالبة لإيقاف إلقاء البراميل المتفجّرة، وكذلك إنهاء حصار المدن والذي لا يتيح إدخال المساعدات الإنسانية.

اقرأوا المزيد: 338 كلمة
عرض أقل

هيغل للسيسي: ملتزمون بالعلاقة الدفاعية

شدد وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في اتصال مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي على دعم بلاده لمصر، معبرا عن أمله في إنجاح العملية الانتقالية التي تمر بها البلاد...

20 ديسمبر 2013 | 09:03

وزيرا دفاع وخارجية روسيا إلى مصر لتعزيز التقارب

تستعد مصر لاستقبال وفد روسي حيث ستعقد مباحثات على مستوى وزراء خارجية ودفاع البلدين، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عقود. وتحظى الزيارة باهتمام، إذ تأتي...

13 نوفمبر 2013 | 17:19

الجانبان الروسي والمصري يسعيان لتقوية العلاقات

كشفت مصادر مسؤولة في القاهرة وموسكو عن اعتزام الجانبين إجراء مباحثات خلال الايام القليلة المقبلة حول بيع اسلحة روسية لمصر بقيمة أربعة مليارات دولار...