الزعيم الإيراني أية الله علي خامنئي (AFP)
الزعيم الإيراني أية الله علي خامنئي (AFP)

الزعيم الإيراني على وشك الحَسم

يقف علي خامنئي أمام لحظات حاسمة: قراره يمكن أن يؤثر ليس في مستقبل الاتفاق المتبلوِر بين إيران والغرب في الشأن النووي فحسب، بل أيضًا في صورة إيران ومستقبلها

في مطلع الأسبوع، نشرت وكالة “رويترز” للأنباء تحقيقًا جاء فيه أنّ الزعيم الروحي لإيران، علي خامنئي، يسيطر على منظمة تحتفظ سرًّا بعشرات الممتلكات والشركات في السوق الإيرانية، والتي تُقدَّر قيمتها بأكثر من 95 مليار دولار. وشدّد معدّو التحقيق على أن لا دليل أبدًا على استخدام خامنئي أموال المنظمة لأغراضه الشخصية، لكنهم ذكروا أنّ المنظمة تمثّل بالنسبة له مصدر قوة، وتمنحه أدوات اقتصاديّة هامة غير قابلة للمراقبة. وأثار نشر التحقيق مجدّدًا مسألة السلطة العليا لخامنئي في إدارة السياسة الإيرانية، وكذلك قضية مكانته الشعبية.

في السنوات الماضية، عمل المقرَّبون من المرشِد على تحصين صورته ومكانته. وبين الطرق التي اعتُمدت كان التشديد على تواضعه ونمط حياته البسيط. بالتوازي، جرت محاولة لتعظيم شخصيته، وحتّى نسب صفات تفوق الطبيعة له. في نيسان 2011، انتشر في إيران فيلم على يوتيوب يوثّق خطبة دينية ألقاها خطيب الجمعة في مدينة قُم، حجة الإسلام محمّد سعيدي. في الخطبة، نقل رجل الدين عن مقرَّبين من المرشِد الأعلى أنه في الساعة التي وُلد فيها خامنئي صرخت القابلة وادّعت أنه صرخ: “يا عليّ”، نداء متعارَف عليه بين الشيعة، يشير إلى الإمام الشيعيّ الأول، عليّ بن أبي طالب. يمكن رؤية مساعي تحصين مكانة خامنئي السياسية والدينية ردًّا مباشرًا على تآكُل قيادته السياسية وسلطته الدينية، لا سيّما منذ الأزمة السياسية التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية صيف 2009. ولا يقتصر انتقاد قيادته كما في الماضي على دوائر صغيرة نسبيًّا من المثقفين اليساريين، رجال الدين الإصلاحيين، والمعارِضين للنظام، بل أضحى يُسمَع وسط المعارضة الإصلاحيّة، وحتى من قِبل عناصر في المعسكر المحافظ نفسه.

من طالِب دينيّ إلى مُرشِد أعلى

المرشد الأعلى أية الله روح الله الموسوي الخميني (AFP)
المرشد الأعلى أية الله روح الله الموسوي الخميني (AFP)

وُلد علي خامنئي عام 1939 في مشهد، وكان الثاني بين ثمانية أبناء. بعمر 19 عامًا، انتقل إلى مدينة قُم، المركز الديني الشيعي الأكبر في إيران، ليصبح أحد تلامذة الخُميني. في الستينات والسبعينات، لعب دورًا فاعلًا في حركة مقاومة حُكم الشاه، حتّى إنّ قوّات أمن الشاه اعتقلته وعذّبته مرارًا. في وقت الثورة الإسلامية، اعتُبر خامنئي أحد المقربين من الخُمينيّ. في حزيران 1981، نجا من محاولة اغتيال، أدّت إلى شلل يده اليُمنى. بعد أربعة أشهُر، عُيّن رئيسًا بعد حادثة اغتيال أخرى، أودت بحياة الرئيس محمد علي رجائي. وبقي رئيسًا حتّى موت الخميني، حيث عيّنه “مجلس الخبراء” مرشدًا للثورة.

جرى النظر إلى تعيينه خليفةً لخامنئي كخُروج صاخب عن مبدأ “حُكم الفقيه”. فوفقًا لنظرة خامنئي وانسجامًا مع دُستور الجمهورية الإسلامية من عام 1979، على المُرشِد الأعلى أن يكون عالِم الدين الأعلى رُتبة. أدّى اختيار خامنئي، الذي كان في رُتبة “حجة الإسلام” (رتبة أقلّ من تلك التي لآية الله) إلى إنتاج وضع ما عادت فيه الزعامة السياسية بين يدَي مصادر السُّلطة الدينية. في بداية قيادته، بدا أنّ خامنئي قانع بالمكانة التي اكتسبها وأنّ القوة السياسية المركزية هي بين يدَي الرئيس رفسنجاني. لكنّ خامنئي عمل تدريجيًّا على تثبيت سُلطته باستخدام سلطته على أجهزة الدولة، وعلى رأسها الحرس الثوريّ، لزيادة قوّته. وهكذا قوّى تدريجيًّا صلاحياته، حادًّا من قدرة الرؤساء رفسنجاني، خاتمي، ونجاد على المبادَرة.

خامنئي كمٌفتٍ حاسم في إدارة السياسات

أتاح تثبيت مكانة خامنئي له أن يركّز بين يدَيه معظم صلاحيات إدارة الدولة، وحتّى توسيعَها. يعمل القائد مصمِّمًا للخطوط العامّة للسياسة الإيرانية، يشرف على الأداء السليم للنظام، ويعمل قائدًا أعلى للقوات المسلحة. تمنحه صلاحياته في الواقع تحكُّمًا مطلَقًا بالسلطات الثلاث وتضعه فوق القانون عمليًّا، رغم أنّ الدستور ينصّ نظريًّا على أنه مساوٍ لباقي أفراد الشعب أمام القانون.

آية الله علي خامنئي  (AFP)
آية الله علي خامنئي (AFP)

رغم صلاحياته الواسعة، يعمل خامنئي إلى حدٍّ كبير خلفَ الكواليس، مستغلًّا المؤسسات ومراكز القوى الخاضعة له ليفرض استراتيجيته. لا يتجلّى تأثيرُه غالبًا في التدخُّل المباشر في إدارة شؤون الدولة اليومية، وهو يمتنع عامّةً عن التدخُّل بشكل واضح في عمل المؤسسات السياسيّة المُنتَخَبة. أمّا في الحالات التي رأى فيها خامنئي أنّ تدخّله مطلوب لمنع الانحراف عن قِيَم الثورة، فلم يتردّد في فِعل ذلك. هكذا، مثلًا، منع المُرشد عام 2000 نقاشًا في مجلس الشورى كان يهدف إلى زيادة حرية التعبير في البلاد. كذلك، توقّف الدعم الذي قدّمه خامنئي للرئيس محمود أحمدي نجاد في ولايته الأولى حين تبيّن للمرشِد أنّ الرئيس يشكّك في قيادته. أضحت الخلافات في وجهات النظر بين الرئيس والمرشِد أزمة سياسية حادّة في آخر عامَين من عهد أحمدي نجاد. وأتاح وقوف المؤسسة الدينية والحرس الثوريّ إلى جانب المرشِد لخامنئي تحييدَ قوة أنصار الرئيس، الذين دعاهُم خصوم أحمدي نجاد “التيار المنحرِف”، وتوطيد مكانته أكثر.

خامنئي، الغرب، والنووي: بين العدوانيّة والبراغماتية

خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)
خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)

تظهر صلاحيات المرشِد الواسعة خصوصًا في الشُّؤون الخارجية. ففي مقاربته للغرب، ولا سيمّا الولايات المتحدة، يحافظ خامنئي على الخطّ المضادّ لأمريكا الذي وضعه الخُميني. وتبرز عدوانيته الأساسية وشكُّه العميق بالولايات المتحدة حتّى في ذروة المفاوضات النووية بين إيران وممثّلي الولايات المتّحدة.

في الشأن النووي أيضًا، تبنّى خامنئي في السنوات الأخيرة موقفًا هجوميًّا. فالمسألة النووية تُشكّل، في نظره، ذريعة يستخدمها الغرب لإضعاف إيران وعزلِها. وهو يعتقد أنه حتى لو وافقت إيران على تفكيك برنامجها النوويّ، فلن يتنازل الغرب عن صراعه ضدّها. ويرى خامنئي أيضًا في البرنامج النووي بوليصة تأمين هدفها إحباط المؤامَرات الغربيّة. فقد فهم جيّدًا الدرس من تعامُل الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية، دولة ذات إمكانيات نووية عسكرية، مقابل تعامُلها مع العراق، الذي لم يمتلك إمكانيات كهذه، لذا يرى لزامًا على إيران أن تحافظ على ثرواتها النووية لوضعٍ قد تحتاجها فيه مُستقبَلًا.

علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)
علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)

في السنوات الماضية، ادّعى متحدّثون إيرانيّون أنّ خامنئي أصدر فتوى تحظُر تطوير، إنتاج، واستخدام سلاح دمار شامل، بما فيه السلاح النووي، لأنّه حرامٌ في الإسلام. لم تُنشَر هذه الفتوى مُطلَقًا، رغم أنّ خامنئي تطرّق في عدد من المناسبات للحظر الفقهيّ للسّلاح النوويّ. مع ذلك، تمنح الجمهورية الإسلامية في الكثير من الأحيان حاجات الدولة أولوية على الاعتبارات الفقهيّة. فقد قرّر الخميني نفسُه، في أواخر فترته كمُرشِد، أنّ الدولة مخوّلة أن تهدم مسجدًا أو تجمّد تنفيذ الوصايا الأساسية في الإسلام إن تطلّبت مصلحة الدولة ذلك. بناءً على ذلك، حتّى لو كانت ثمّة فتوى تحظر تطوير سلاحٍ نوويّ واستخدامه، يمكن أن يجري إلغاؤها مستقبلًا في حال تطلبت مصلحة الدولة ذلك.

رغم عدائه الجوهريّ للولايات المتحدة ونظرته المبدئية المناهضة لتسويات هامّة في الشأن النووي، يوفّر خامنئي دعمًا للرئيس روحاني في عملياته السياسية. حتى إنه صرّح في مؤتمر لقادة الحرس الثوري في أيلول أنّه لا يمانع تسويات تكتيكية في إطار أسلوب دعاه “مرونة بطوليّة”. يبدو أنّ تفاقُم الأزمة الاقتصاديّة نتيجةً للعقوبات الدولية وآثارها على استقرار النظام جعلت خامنئي يعي أنّ إيران تقف في مواجهة لحظة حاسمة، وأنّ قراراتٍ مؤلمة قد يُضطرّ إلى اتّخاذها. حتّى إن وافق خامنئي على اتّفاق نوويّ مع الغرب، يُتوقَّع أن يُصرّ على أن يتضمّن أيُّ اتّفاق رفعَ العقوبات وأن يُتيح لإيران أن تبقى على مسافة وثبة صغيرة قدر الإمكان نحو إمكانيات نووية عسكرية.

اقرأوا المزيد: 993 كلمة
عرض أقل
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)

إيران والولايات المتحدة: من “الشيطان الأكبر” إلى طاولة المفاوضات

التطبيع الكامل للعلاقات بين إيران والولايات المتحدة غير متوقّع في المدى المنظور، خصوصًا ما دام علي خامنئي صاحب الكلمة الفصل في تحديد الاستراتيجية الخارجية لبلاده.

في الأسابيع الماضية، وُضعت لافتات مضادّة لأمريكا في شوارع عدد من المدن الإيرانيّة. وكُتب على اللافتات: “النزاهة بالأسلوب الأمريكي”، وهي تعرض صورًا تُظهر ممثلي إيران في المفاوضات جالسين للتفاوُض مع ممثّلي الولايات المتحدة بطريقة تهدف إلى التشديد على عدم نزاهة الأمريكيين ونواياهم الخبيثة تجاه إيران.

وأثار نصب اللافتات بالتزامُن مع تقدّم المفاوضات بين إيران ومندوبي الغرب، بمَن فيهم مندوبو الولايات المتحدة، انتقادًا لاذعًا من جانب أنصار حكومة روحاني الذين ادّعَوا أنّ هذه خطوة سياسية من قِبل خصومهم، هدفها وضع العصيّ في دواليب المساعي الدبلوماسية للحكومة. بالمقابل، عبّرت مصادر محسوبة على اليمين المحافظ عن دعمها لوَضع اللافتات. فقد دافع رئيس بلدية مشهد، الذي قرّر إبقاء اللافتات، عن قراره قائلًا إنّ الولايات المتحدة حاربت مواطني إيران بطُرق مختلفة منذ الثورة الإسلامية. وادّعت مقالات تحليل نُشرت في الصحافة المحافِظة أنّ اللافتات تعكس بدقّة تعامُل الولايات المتحدة مع إيران: إدارة مفاوضات دبلوماسية معها مقابل استمرار التهديدات العسكرية لها.

منذ البداية، نظرت الثورة الإسلامية إلى الولايات المتحدة بصفتها “الشيطان الأكبر”، وتطوّر العداء تجاهها حتّى أصبح بمثابة معتقَد دينيّ. رأت إيرانُ الثورية الولاياتِ المتحدة مصدرًا لكلّ الشر في العالم ومسؤولة عن السياسة المضادّة لإيران في الإقليم والمسّ بمصالح إيرانيّة مباشرة عبر العقوبات الاقتصادية، دعم المعارضة الإيرانية، انتقاد سياسة النظام، دعم الأنظمة العربية المعتدِلة في الشرق الأوسط، دعم إسرائيل، والهجوم الحضاريّ ضدّ إيران. وضمن لائحة الاتهامات للولايات المتحدة شُملت بنود لا تتعلق بسياستها ضدّ إيران بعد الثورة فحسب، بل أيضًا بدعمها لنظام الشاه الاستبداديّ، الذي جرى التعبير عنه في تورّط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) في الانقلاب الذي أطاح بحكومة محمد مصدق في آب 1953.

مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)

وبقيت النظرة التي لا تقبل التسويات، التي انتهجها الخميني تجاه الولايات المتحدة قائمة حتّى بعد تعيين علي خامنئي مُرشدًا للثورة عام 1989. وعبّر خامنئي عن نظرته العدائية للولايات المتحدة حتى حين أبدت عناصر براغماتيّة في إيران، منذ التسعينات فصاعدًا، اهتمامًا أكبر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وبدأت تدافع عن التفاوُض معها. فحين دعا الرئيس محمد خاتمي إلى التفاوض مع الولايات المتحدة بُعَيد انتخابه رئيسًا عام 1997، رفض خامنئي أية إمكانية للتسوية. وبعد مقابلة أجرتها CNN مع خاتمي في كانون الثاني 1998، عاد المرشد الأعلى وكرّر إدانته للولايات المتحدة بشدّة، واعدًا أنّ إيران ستواصل الصراع ضدّها.

واشتدّ الجدل السياسي الداخلي في إيران بشأن سياستها حيال الولايات المتحدة أكثر فأكثر في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي على إيران في السنوات الأخيرة والأزمة الاقتصادية الخانقة. وفيما زعمت مصادر في اليمين المحافِظ، وعلى رأسها المرشد الأعلى، أنه لا يجب الانحراف عن الخط الأيديولوجي المعادي للولايات المتّحدة، فإنّ عناصر براغماتيّة في الوسط السياسي دعت إلى إعادة دراسة جدوى رفض إيران للمفاوضات مع واشنطن. وأثير هذا النقاش مؤخرا قرابة الذكرى السنوية للسيطرة على سفارة الولايات المتحدة في طهران، التي جرى إحياؤها في 4 تشرين الثاني. فعشية الذكرى السنوية، قال رئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إنّ مفجّر الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، وافَق مبدئيًّا على إلغاء الشعار “الموت لأمريكا”. وأثارت أقواله نقدًا لاذعًا من جانب أوساط في اليمين المتطرف اتهمته بتحريف أقوال مرشد الثورة.

وتتجلّى النظرة المتغيّرة تجاه الولايات المتحدة في العقد الأخير بين الشعب الإيراني أيضًا. في أيلول 2002، نشر معهد الأبحاث الإيراني “إيندا” نتائج الاستطلاع، الذي تناوَل مواقف الجمهور فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وأظهر الاستطلاع أنّ 74% مِن مواطني إيران يدعمون استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة، رغم أنّ 60% منهم لديهم مواقف سلبيّة من العلاقات مع الولايات المتحدة ومن سياستها. وسرعان ما رفض المرشد الأعلى بحزم نتائج الاستطلاع مصرِّحًا أنّ الإيرانيين يعارضون الحوار مع الولايات المتحدة وأنّ ذوي التفكير المغاير هم عديمو الفخر الوطني أو جهَلة. وفي أعقاب نَشْر الاستطلاع، أمرت السلطات بإقفال معهد الأبحاث واعتقال مُديريه. مؤخرا، أوعز الرئيس روحاني بإجراء استطلاعات رأي حديثة تفحص مواقف الشعب من المفاوضات مع الولايات المتحدة. من النتائج الأولية للاستطلاعات، التي نُشرت في تشرين الأول، تبيّن أنّ بين 80 و90 من المئة من الشعب يدعمون تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

رغم الدعم الذي وفّره خامنئي للرئيس روحاني لإدارة المفاوضات مع الأمريكيين، فمن الواضح أنّ موقفه الأصليّ من الولايات المتحدة لم يتغيّر. ففي خطابه في ذكرى السيطرة على السفارة الأمريكية، هاجم خامنئي بحدّة الولايات المتحدة، وأكّد أنه لا يثق بها. وتعبّر الجهود التي بذلها النظام لتجري تظاهُرات 4 تشرين الثاني كالمُعتاد، وحتى بطريقة أبرز، عن خشية النظام من أنّ التراجع عن سياسته التقليدية تجاه الولايات المتحدة سيُعتبَر انحرافًا صارخًا عن طريق الثورة، وبالتالي يمسّ بهويّته.

ومعنى هذه النظرة هو أنّ التسوية التامّة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة غير متوقّعة في المدى المنظور، خصوصًا ما دام علي خامنئي المفتي الأعلى في تحديد الاستراتيجية الخارجية لبلاده. مع ذلك، يمكن أن يؤدي استمرار المفاوضات بين مندوبي إيران والولايات المتحدة في الشأن النووي – لا سيّما إذا أدّى إلى تسوية في هذه المسألة – إلى تمهيد الأرض لحلّ خلافات أخرى بين واشنطن وطهران، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو فيما يتعلّق بالمصالح الإقليمية للبلدَين، مثل: الأزمة السياسية في سوريا، والتطوّرات في العراق. على المدى البعيد، يمكن أن تعيد اتفاقات كهذه ترميم الثقة بين الدولتَين، أو حتى تقود إلى تطبيع العلاقات بينهما.

اقرأوا المزيد: 777 كلمة
عرض أقل
الرئيس الإيراني حسن روحاني (ATTA KENARE / AFP)
الرئيس الإيراني حسن روحاني (ATTA KENARE / AFP)

لقد خرج القطار إلى طريقه: الولايات المتحدة وإيران في طريقهما إلى المفاوضات

تصبو الولايات المتحدة إلى إيجاد حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية وهي تعتقد أنها قد تستعين بإيران في حل الأزمات في سوريا والعراق.

في شهر كانون الثاني 1998، وبعد أربعة أشهر فقط من انتخابات الرئاسة الإيرانية، أجرى محمد خاتمي مقابلة مع مراسلة شبكة الـ CNN، كريستيان أمنفور. وفي توجهه إلى الشعب الإيراني، أثنى الرئيس على الشعب الأمريكي، وأعرب عن أسفه لسيطرة الطلاب الجامعيين الإيرانيين على السفارة الأمريكية في طهران في العام 1979، وأبدى تحفظه من عادة حرق العلم الأمريكي التي كانت ما زالت سائدة في المسيرات في إيران. بعد أيام معدودة من نشر المقابلة، خرج المرشد الأعلى، علي خامنئي، في هجوم لاذع ضد الولايات المتحدة. وعلى نقيض واضح من موقف الرئيس، عاد المرشد وكنّى الولايات المتحدة باسم “الشيطان الكبير”، وأعلن عن أن إيران ستواصل التصدي لها وادعى أنه لا توجد أية فائدة من الحوار معها.

بعد 16 سنة من ذلك الوقت، أجرت أمنفور هذا الأسبوع، مقابلة مع الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني. وفي توجه مباشر إلى الشعب الأمريكي، أعلن الرئيس أن بجعبته رسالة سلام وودّ إلى مواطني الولايات المتحدة، وأعرب عن الاستعداد المبدئي لبدء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وكانت ردود الفعل في إيران وفقا لأقوال روحاني، تُجسد بشكل جيد التغيير الذي طرأ منذ التسعينات في توجه الجمهورية الإسلامية بكل ما يتعلق بالولايات المتحدة.

الرئيس أوباما (TIMOTHY CLARY / AFP)
الرئيس أوباما (TIMOTHY CLARY / AFP)

وكانت صحيفة “كيهان” اليومية الموالية لليمين الراديكالي في إيران قد أبدت موقفًا استثنائيا، إذ حذرت الرئيس روحاني من مصافحة يد “المجرم” أوباما الملطخة بالدماء. أما الصحيفة اليومية المحافظة “جمهوري إسلامي”، التي كانت من بين المنتقدين المتشددين لسياسة التقارب مع الولايات المتحدة التي انتهجها خاتمي، فقد أعربت بالمقابل عن دعمها المبدئي لخطوات الرئيس وادعت أن الوضع الدولي الراهن يثير أملا في تبني توجه أكثر واقعية ومنطقية من قبل الغرب تجاه إيران. وقد ذهب المحلل السياسي صادق زيباكلام، الذي يعتبر مقربًا من الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى أبعد من ذلك، إذ ادعى في مقال نشره في الصحيفة الإصلاحية “شرق”، أن المحافظين في إيران لا يتعيّن عليهم أن يتخوفوا من احتمالات نجاح المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، بل من الحقيقة أن المجتمع الإيراني لم يعد ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها عدو.

ثمة شك ما إذا كان التقارب بين إيران والولايات المتحدة كان يمكن أن يحدث، لولا منح المرشد الأعلى ذاته “ضوءًا أخضر” للرئيس لدفع السياسية قدمًا أمام إدارة أوباما. أما موقف خامنئي المتشكك والمعادي للولايات المتحدة فقد بقي على ما كان عليه. في شهر تموز المنصرم نشر في موقعه الرسمي تصريحات له فيما يتعلق بالمفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة. وقد وضح خامنئي أنه لا يرفض إمكانية الحوار مع الولايات المتحدة حول مسائل معينة، مثل العراق، ولكنه شدد على أنه يجب عدم الاتكال على الأمريكيين. على الرغم من تحفظه المبدئي من الولايات المتحدة، إلا أن خامنئي سمح لروحاني بدفع مبادرته الدبلوماسية قدمًا. وفي مقابلة مع شبكة CNN، شدد الرئيس على أن المرشد الأعلى لا يعارض المفاوضات مع الغرب طالما كان الأمر حيويا لتحقيق المصالح الوطنية الإيرانية. وقد بدا التغيير في موقف خامنئي واضحًا في الخطاب الذي ألقاه بتاريخ 22 أيلول في مؤتمر قادة حراس الثورة في طهران، إذ أعلن فيه أنه لا يعارض الدبلوماسية وأنه يدعم التوجه الذي أسماه “المرونة البطولية” طالما كان معروفا من هو العدو الذي يقفون أمامه.

الرئيس الإيراني حسن روحاني (AFP PHOTO / IRANIAN PRESIDENCY WEBSITE)
الرئيس الإيراني حسن روحاني (AFP PHOTO / IRANIAN PRESIDENCY WEBSITE)

هذه ليست المرة الأولى، منذ نشوب الثورة الإسلامية، التي تفحص فيها الدولتان إمكانية التقارب فيما بينهما. ردًا على سياسية خاتمي المتساهلة، ألغت الولايات المتحدة في مستهل العقد السابق جزءًا من العقوبات التي فرضتها على إيران، وحتى أن وزيرة خارجية الولايات المتحدة، مادلين أولبرايت، كانت قد أبدت أسفها لتدخل بلادها في الانقلاب الذي أدى إلى الإطاحة برئيس حكومة إيران، محمد مصدق، في العام 1953. على الرغم من ذلك، يبدو أن زعماء الدولتين قد توصلوا وللمرة الأولى منذ الثورة إلى الاستنتاج أن المفاوضات المباشرة بينهما تخدم مصالحهما الوطنية.

تصبو الولايات المتحدة إلى إيجاد حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية وهي تعتقد أنها قد تستعين بإيران في حل الأزمات في سوريا والعراق. أما إيران من جهتها فقد اقتنعت بأن الطريق إلى إلغاء العقوبات، وهو أمر ضروري لحل الأزمة الاقتصادية، يستوجب التفاوض مع واشنطن.

يثير توجه التقارب بين إيران والولايات المتحدة المخاوف ليس في واشنطن فحسب، بل كذلك في إسرائيل وفي العالم العربي. صحيح أن الإدارة الأمريكية كانت قد أرسلت مؤخرا رسائل تهدئة إلى إسرائيل مفادها أن واشنطن لا تنوي إلغاء الضغط على طهران في جهودها لكبح برنامجها النووي. يبدو واضحًا، على الرغم من ذلك، أن هذه الرسائل غير كافية لتهدئة إسرائيل التي تتخوف من تسوية أمريكية-إيرانية تبقيها لوحدها في المعركة ضد إيران، وقد تبقى بين يدي طهران قدرة نووية تتيح لها تحقيق خيار نووي عسكري في المستقبل.

بنيامين نتنياهو ( Amos Ben gershom/GPO/FLASH90)
بنيامين نتنياهو ( Amos Ben gershom/GPO/FLASH90)

قد يكون تأثير التقارب الإيراني-الأمريكي على العالم العربي متفاوتًا. فمن جهة، ينصهر التقارب بين الدولتين في إطار سياسة خارجية مسالمة شاملة يقودها الرئيس روحاني مقابل جارات إيران العربية أيضا، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. إن توجه روحاني نحو تحسين العلاقات مع الدول العربية السنية يتجسد مؤخرا في سلوكه الحذر والمتوازن خلال الأزمة السورية. من شأن التقارب على محور طهران-واشنطن أن يُبعد إيران عن المحور الراديكالي وأن يساعد في تحسين علاقاتها مع دول الخليج ومع تركيا. من جهة أخرى، فإن تسوية بين إيران والغرب حول المسألة النووية قد تُفسر على أنها اعتراف أمريكي بقدرة إيران النووية التي تعتبرها الدول العربية، وبالأساس دول الخليج، تهديدًا حقيقيًا.

إن قدرة الرئيس الإيراني على دفع مبادرات سياسية على الحلبة الإقليمية والدولية وإحداث تغيير كبير في السياسة الخارجية الإيرانية، متعلقة بقدر كبير بحرية التصرف التي سيمنحه إياها المرشد الأعلى. من المتوقع، في أي حال من الأحوال، أن تكون المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة معقدة وشاقة، وخاصة حيال ترسبات الماضي وعدم الثقة المتبادل. يبدو، على الرغم من ذلك، أن معارضي هذا التقارب يدركون أن قطار المفاوضات قد خرج من المحطة وثمة شك كبير ما إذا كان من الممكن إرجاعه إلى الخلف.

اقرأوا المزيد: 869 كلمة
عرض أقل
خطاب حسن روحاني في مجلس الشورى الإيراني خلال مراسم أداء اليمين الدستورية (AFP)
خطاب حسن روحاني في مجلس الشورى الإيراني خلال مراسم أداء اليمين الدستورية (AFP)

حكومة روحاني المقترَحة: مميّزات ودلالات

قدّم الرئيس المنتخَب، حسن روحاني، بداية هذا الأسبوع، قائمةً بالمرشّحين للوزارة في حكومته الجديدة، إلى رئاسة مجلس الشُّورى. ويتطلب تعيين المرشّحين مصادقة أعضاء المجلس، الذين سيعقدون بدايةَ الأسبوع القادم جلسةً خاصّةً لمنح الثقة للمرشّحين.

وتتألف حكومة روحاني المقترَحة بمعظمها من وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة جامعية واسعة (أكثر من نصف الوزراء يحملون شهادة دكتوراه، بعضهم من جامعات غربيّة). معظم الوزراء المرتقَبين قريبون سياسيًّا من التيار المركزي في معسكر المحافظين. وقد سبق لعددٍ منهم شغل مناصب وزارية في حكومات الرئيسَين السابقَين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ولا تشمل الحكومة المقترَحة أية امرأة، كما لا تضمّ أي تمثيل للأقليات العرقية – اللغوية السنية (الكرد، البلوش، والعرب).

حكومة وسطية بأفضليّة إصلاحات اقتصادية لا إصلاحات سياسيّة

تعكس تشكيلة حكومة حسن روحاني المقترَحة طموحه إلى الموازنة بين القوى السياسية المتناقضة. فمن جهة، روحاني ملتزِم تجاه حلفائه في التيار المعتدل للمعسكر الإصلاحي، الذين دعموه خلال معركة الانتخابات. ومن جهة أخرى، تجنّب تعيين وزراء إصلاحيين مثيرين للخلاف، يمكن أن يُثيروا اعتراضًا من المؤسسة الدينية المحافظة برئاسة المرشد الأعلى، وحتّى أن يرفض مجلس الشورى تعيينهم.

ولمنع معارَضة اليمين المحافِظ، امتنع روحاني عَن ترشيح وزراء محسوبين على التيار الإصلاحيّ في وزارات “حساسة” في نظر المؤسسة الدينية – المُحافِظة، وعلى رأسها وزارات الداخلية، الاستخبارات، الإرشاد الإسلامي، والعدل. حتى إنه وضع في وزارتَي الداخلية والعدل مرشحَين محسوبَين بشكل جليّ على اليمين المحافظ. وتتجلى محاولة روحاني الامتناع عن الاحتكاك مع المؤسسة المحافِظة في امتناعه عن دعوة الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، إلى مراسم أدائه اليمين الدستورية.

وامتنع روحاني أيضًا عن الاستجابة لاقتراحات اليسار الإصلاحي بضمّ سياسيين إصلاحيين بارزين إلى حكومته، مثل: محمد رضا عارف ، الذي كان نائبًا للرئيس خاتمي، وانسحب لصالح روحاني قبل أيام معدودة من الانتخابات الأخيرة؛ أحمد مسجد جامعي، الذي كان وزير الإرشاد الإسلامي في حكومة خاتمي؛ وصفدر حسيني، الذي شغل منصبَي وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير الاقتصاد في حكومة خاتمي.

بالمقابل، ضمّن تشكيلتَه وزراء يُعتبَرون إصلاحيّين مُعتدِلين في وزارات أقل حساسية في نظر اليمين المحافظ، مثل: وزارات الخارجية، التربية، الصحة، النفط، العمل والرفاه، الاتصالات، والزراعة. وقد عيّن أيضًا عددًا من السياسيين، الذين اقترحهم التيار الإصلاحي، نوّابًا للرئيس، إذ لا يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشورى. مثلًا، عيّن الرئيسُ المنتخَب علي يونسي، الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة خاتمي نائبًا للرئيس للشؤون السياسية والأمنية، وكذلك مرتضى بانك ، الذي عمل مستشارًا له في مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، نائبًا للرئيس للشؤون التنفيذية.

ويعكس امتناع روحاني عن ترشيح وزراء محسوبين على اليسار الإصلاحي في وزارات أساسية مسؤولة عن بلورة السياسات في شؤون الداخلية وفرض القانون تفضيلَه إجراء إصلاحات اقتصادية على إصلاحات سياسيّة – مدنيّة. وكانت قدرة الرئيس المنتخَب على إجراء إصلاحات سياسيّة – مدنيّة ذات أهمية، مثل: إطلاق سراح سجناء سياسيّين، دعم مؤسسات المجتمع المدنيّ، رفع القيود في مجال فرض الشريعة الإسلامية والرقابة على وسائل الإعلام، محدودة جدًّا منذ البداية بفعل معارضة المؤسسة الدينية – المحافِظة لهذه الإصلاحات التي تُعدَ تهديدًا لقيَم الثورة والنظام. ويمكن أن يَحُدّ تعيين وزراء ذوي ميول يمينية – مُحافِظة في وزارات الداخلية، العدل، والإرشاد الإسلامي أكثر من قدرة الرئيس على أن يبرّ بالوعود التي قطعها إبّان معركة الانتخابات بخصوص إجراء إصلاحات مدنيّة، والتقليل من الجوّ الأمني في المجتمَع.

ويعزّز ضمّ وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة أكاديمية غربية، شغل بعضهم مناصب بارزة في الحكومة في عهدَي رفسنجاني وخاتمي، ليشغلوا مناصب اقتصادية هامّة، التقديرات المتعلّقة بنيته إجراء إصلاحات اقتصادية نيو ليبرالية. كذلك يُحتَمل أن يشير تعيين محمد نهاونديان ، الذي شغل حتى الآن منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة، رئيسًا لمكتب الرئيس، على نية الرئيس التركيز على السياسة الاقتصادية ودفع إصلاحات تعزّز القطاع الخاصّ.

ويمكن أن يشهد تعيين الدبلوماسي العريق، محمد جواد ظريف، وزيرًا للخارجية على طموح روحاني بتخفيف التوتّر مع المجتمع الدولي وتحسين علاقات إيران مع جيرانها. يُذكَر أيضًا أنّ بلورة استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية متعلقة إلى حدّ كبير بالمرشد الأعلى. إضافةً إلى ذلك، فإنّ صلاحيّات وزارة الخارجية محدودة بشكل عامّ، وهي مجرّد واحدة من الهيئات الفاعلة في مجال السياسة الخارجية، التي تشمل: المجلس الأعلى للأمن القومي، قسم الشؤون الدولية في مكتب المرشد، والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية.

خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)
خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)

“خائبو الأمل” من حكومة روحاني المقترَحة

ثمة ثلاث مجموعات مركزية يمكن أن تنتقد تشكيلة حكومة روحاني المقترَحة: النواة الأيديولوجية للمعسكر الإصلاحي، النساء، والأقليات العرقية – اللغوية السنّية. وقد أثار تعيين سياسيَّين مُحافظَين: عبد الرضا رحماني فضلي ، المقرَّب من رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، وزيرًا للداخلية، ومصطفى بور محمدي  وزيرًا للعدل، انتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي. ويثير تعيين بور محمدي نقدًا لاذعًا لا سيّما على اتّهام منظمات حقوق إنسان، له بالتورط في قضية قتل سجناء سياسيين في سجون في إيران عام 1988، وفي قضية “عمليات القتل المتسلسلة” لمثقفين إيرانيين في التسعينات.

ويثير قرار روحاني بعدم تعيين نساء في حكومته نقدًا من جانب منظمات حقوق إنسان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أيّام. فقد انتقدت ناشطة حقوق المرأة فاطمة راكعي‏)، الأسبوع الماضي غياب المرأة عن الحكومة المقترَحة. وكانت عضو مجلس الشورى الإصلاحية سابقًا قد صرّحت في مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أنّ على الرئيس أن يعيّن ثلاث نساء على الأقل في الحكومة. وذكرت أنّ ضمّ نساء إلى الحكومة لم يعُد أمرًا محرَّمًا إذ سبق أن عيّن الرئيسان خاتمي وأحمدي نجاد نساءً وزيراتٍ في حكوماتهما. لذلك، ليس بوسع أحد التذرّع بأنّ رجال الدين يعارضون تعيين النساء في مناصب وزاريّة. وقالت إنّ لدى النساء في إيران قدرةً على إدارة الكثير من الوزارات، مثل وزارات العمل والرفاه، التربية، الإرشاد الإسلامي، الرياضة، الشباب، والاقتصاد. وقد ذكرت أنّه لم يُتَح لناشطات حقوق المرأة في الأسابيع الماضية اللقاء بالرئيس المنتخَب، لكنّ مطالبهنّ نُقلت إليه بوسائل مختلفة (‏http://www.kaleme.com/1392/05/09/klm-153422‎‏/).

كما وُجّه النقد لعدم ضمّ التشكيلة الحكومية نساءً خلال مؤتمر عالج ضمّ النّساء في حكومة روحاني، عقدته صحفيات إيرانيات الأسبوع الماضي. وقالت زهرة بهرم نجاد، عضو نقابة الصحفيين، في المؤتمر إنّ المشاركة الفاعلة للنساء في الحكومة يمكن أن تسهم في تحسين مكانة المرأة في إيران. وذكرت أنّ ثمة جدرانًا مرتفعة في إيران تعيق دخول النساء المجالَ السياسي، وأنّ الحضور القليل للنساء يمنعهنّ من لعب دور بنيوي في اتخاذ القرارات. وادّعت أن تشكيلة الحكومة المقترَحة تناقض تصريحات روحاني قبل الانتخابات بشأن ضرورة إشراك النساء في القرارات السياسية في البلاد، ولا تدلّ على مساواة بين النساء والرِّجال (‏http://www.mehrnews.com/detail/News/2107668‎‏).

كما يُتوقّع أن يثير انتقاداتٍ أيضًا عدمُ تعيين ممثّلين عن الأقليات العرقية – اللغوية السنية (العرب، الكرد، والبلوش)، لا سيّما في ظلّ نسب الدعم المرتفعة التي حظي بها روحاني في المحافظات التي يقطنها الكرد، البلوش، والتركمان في الانتخابات الأخيرة. ومنذ الانتخابات، توقّع ممثّلو الأقليات أن يحقق روحاني وعوده عشيّة الانتخابات بخصوص الاهتمام بحقوق الأقليات، وإلغاء التمييز الممارَس بحقها، وضمّ ممثِّليها إلى حكومته.

على الرغم من ذلك، من الجدير بالذكر أنّ تشكيلة الحكومة بحدّ ذاتها ليست كافية لخلق أزمة توقعات بين مناصري روحاني، وأنّ الدعم الجماهيري للرئيس المنتخَب متعلق إلى حدّ كبير بسياساته على أرض الواقع، إنجازات حكومته في الشهور القادمة، ونجاحه في تحقيق وعوده فعليًّا.

اقرأوا المزيد: 1014 كلمة
عرض أقل