أثار اختيار شابة إيرانية من أصل بلوشي لرئاسة بلدية كلات في الجنوب الغربي لإيران، مؤخرًا اهتمامًا كبيرًا في وسائل الإعلام الإيرانية بل والعالمية. سامية البلوشية، هي مهندسة ذات 26 ربيعًا، تحمل شهادة الماجستير في إدارة الموارد الطبيعية، وقد أصبحت البلوشية الأولى التي اختيرت لرئاسة بلدية في دولة لا زالت تعاني النساء فيها من التمييز ومواجهة الحواجز التي تحول دون وصولهنّ إلى المناصب العامة.
بعد الثورة الإسلامية، حلّ تغيير على الوضع القانوني والاجتماعي للمرأة في إيران. وعلى الرغم من أن الدستور الإيراني قد أكد على حقوق متساوية للنساء أمام القانون، ولكن نفذت السلطات سياسة تمييزية في ما يتعلق بالنساء في الواقع.
بدأ النظام بفرض الزي النسائي على النساء، ومنع توظيفهن في مناصب معينة، مثل: القضاء. وفي تشرين الأول من العام 1979 قرر مجلس الثورة ملاءمة قوانين الزواج والطلاق للمبادئ الإسلامية. تم تحديد السن الأدنى للزواج بـ 9 سنوات للفتيات، و14 سنة للفتيان. في عام 2002 فقط، وافق “مجلس صيانة الدستور” على رفع السن الأدنى للزواج لـ 13 للفتيات، و15 للفتيان. ويتمتع الرجال بحق شبه مطلق في تطليق نسائهم، بينما تم تقييد حق النساء في الطلاق، رغم أنه في السنوات الأخيرة تم الاعتراف بحقهنّ في خلع أزواجهنّ. لا يسمح للنساء بالزواج دون إذن آبائهم إلا في الحالات الاستثنائية وبموافقة المحكمة. في حالة الطلاق يحق للأم الوصاية على أولادها فقط حتى بلوغهم سن 7 سنوات، وبعد ذلك ينتقلون لحضانة الأب. ويشيع زواج “المتعة” (وهو زواج لزمن محدد مسموح به في الإسلام الشيعي) بل في السنوات الأخيرة يوصى بهذا النوع من الزواج بسبب ارتفاع متوسط سن الزواج عند جيل الشباب. لا يحق للمرأة المتزوجة الحصول على جواز سفر، ولا السفر إلى الخارج دون إذن زوجها. بل يستطيع الزوج منع زوجته من العمل في وظيفة معينة تتعارض، بحسب رأيه، مع مصالح الأسرة أو يمكن لها في نظره أن تشكل خطورة على شرف العائلة.
إنّ التمييز الممارس بحق النساء لا يمنع اندماجهنّ المتزايد في القطاع العام وفي مؤسسات التعليم العالي، حيث تشكل النساء فيها اليوم أكثر من 60% من الطلاب. وفي الواقع أدى هذا الاندماج – مع ذلك – في السنوات الأخيرة إلى ردّة فعل مضادة من قبل السلطات التي ترى في ذلك تهديدًا لقيم الثورة والإسلام، وتحاول وقفه. وقد بدأت بعض الجامعات في تخصيص حصص لقبول النساء بل ومنعهنّ من التسجيل في بعض الأقسام التعليمية، وخصوصا في مجالات الهندسة والعلوم الدقيقة.
في عام 2013، بدأ المجلس التشريعي بمناقشة اقتراح قانون يهدف إلى تشجيع الزواج المبكر وكذلك إنجاب الأولاد، وذلك في أعقاب توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك لإعادة النظر في سياسة تنظيم الإنجاب بهدف زيادة عدد السكان وإيقاف تيار الشيخوخة في المجتمع. وقد لاقى هذا المقترح انتقادات لاذعة من قبل الناشطات في مجال حقوق المرأة، واللاتي يشعرن بالقلق لأن تنفيذ هذا المقترح سوف يزيد التمييز ضد النساء، ولا سيما في ضوء المادة 9 في المقترح والتي تعطي الأولوية لتوظيف الرجال أكثر من النساء، وخاصة النساء غير المتزوجات.
وبالإضافة إلى القيود القانونية المفروضة عليهنّ، تقف النساء الإيرانيات في مواجهة صعوبات اقتصادية قاسية، حتى بالمقارنة مع الرجال. وتشير معطيات البطالة التي نشرتها مؤخرًا منظمة الإحصاءات الإيرانية إلى أن معدل البطالة لدى النساء في شهر أيار لعام 2013 كان 26.8% مقابل 14.2% بالنسبة للرجال. إنّ تفاقم الصعوبات الاقتصادية يساهم في زيادة الظواهر الاجتماعية الخطرة بالنسبة للنساء، بما في ذلك الجريمة والدعارة والإدمان على المخدرات.
ولا تصمت النساء الإيرانيات في ضوء هذا التمييز المستمر والمبادرات التشريعية المثيرة للجدل. وقد اتسع نطاق صراعهنّ من أجل المساواة في الحقوق بشكل كبير منذ سنوات التسعين، وتلعب النساء دورًا مركزيًا في الحركة الإصلاحية وفي منظمات المجتمع المدني. ويثمر نضالهنّ العام أحيانًا، فعلى سبيل المثال: أجبر النظام على أن تتم هذا العام إزالة اقتراح من جدول الأعمال ينص على إلزام النساء غير المتزوجات حتى جيل 40 على إظهار موافقة من ولي الأمر أو من القضاء للحصول على جواز سفر للخروج من إيران. وكذلك، أدى الضغط على السلطات الإيرانية بهدف إيقاف استخدام عقوبة الرجم بالحجارة في جرائم الزنا إلى انخفاض كبير لهذه الظاهرة، على الرغم من عدم حدوث أي تغيير في صياغة القانون المتعلّق بذلك.
أثار انتخاب الرئيس روحاني آمالا كبيرة لتحسين أوضاع المرأة. على الرغم من أن روحاني لم ينفذ وعده بتعيين نساء مؤهلات في حكومته، ولكنه عيّن ثلاثة نساء في منصب نائبات للرئيس. ومن المبكر أن نقيّم إن كان الرئيس الجديد سينجح في تحقيق تحسن كبير في أوضاع المرأة، وخصوصًا على ضوء معارضة المؤسسة الدينية المحافظة للإصلاحات المهمة في هذه القضية. ومع ذلك يشير تعيين سامية البلوشية كرئيسة بلدية أنه حتى في المناطق غير المتطورة مقارنة بالمناطق المحيطة لا يمكن بعد إيقاف الإجراءات الاجتماعية التي تساهم باندماج النساء في القطاع العام وإزالة جزء من العوائق التي تقف أمامهنّ. وتبشّر هذه الإجراءات بالتغيير فيما يتعلق بوضع المرأة الإيرانية كذلك في مواجهة المعارضة من قبل المسؤولين في المؤسسة الدينية.