ازدادت الإشاعات بعد أن امتنع خامنئي بشكل استثنائي من إلقاء خطاب شعبي في العيد الشيعي غدير خم، الذي كان الأسبوع الماضي. بلّغ الإعلام الإيراني في الحقيقة في الأيام الأخيرة عن رسائل لا تزال تنشر باسم خامنئي في قضايا مختلفة، لكنه لم يظهر بنفسه أمام العامة. يصادف الرابع من تشرين الثاني في إيران الذكرى السنوية للسيطرة على سفارة الولايات المتحدة في طهران عام 1979، وبعد أسبوع من ذلك الوقت سيكون يوم حداد على وفاة الإمام الشيعي في إيران، الحسين بن علي، في معركة كربلاء. إن استمرار اختفاء القائد أمام الشعب في هذه الأحداث أيضًا، يشهد بوضوح على تطور غير عادي لوضعه وسيزيد الكثير من الإشاعات حول صحته.

يشغل القائد الأعلى منصب رئيس الدولة في إيران، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ويركز تحت سيطرته أساس صلاحيات إدارتها. لقد تم توسيع هذه الصلاحيات أكثر في نطاق إصلاحات تم إدخالها على دستور إيران في أعقاب وفاة مؤسس الثورة، آية الله روح الله خميني، وانتقال الحكم منه إلى وريثه، علي خامنئي، عام 1989. يعمل القائد كمصمم الإستراتيجية للسياسة الإيرانية، خاصة في القضايا الخارجية، ومفتش على الأداء السليم للحكم ويشغل منصب الضابط الأعلى للقوات المسلحة. إن صلاحياته الموسعة تمنحه في الواقع سيطرة تامة على السلطات الثلاث. إن القدرة العملية للمؤسسات المنتخبة من قبل الجمهور، وعلى رأسها الرئيس، تتعلق إلى حد كبير في حرية التي يمنحها لها القائد وهي مجبرة في الحقيقة على العمل بموجب الاستراتيجية العليا التي يحددها.

على الأمد القصير، إن موت القائد لا يُتوقع حتما أن يهز النظام السياسي في إيران، لأن الأخير أعد على مر السنين الأجهزة المطلوبة لنقل القيادة بشكل مرتب لوريث متفق عليه. إن المسؤولية لاختيار القائد الأعلى موجودة في حوزة “مجلس المختصين” المكوّن من 86 من رجال الدين ومسؤول وفق دستور الجمهورية الإسلامية عن التفتيش على نشاط القائد، تعيين وريث له وحتى إقالته في حال وجد أنه لم يعد مؤهلا على الاستمرار وإشغال منصبه. إن تشكيله الحالي، الذي تم تحديده في الانتخابات الأخيرة التي أجريت للمجلس في كانون الأول من عام 2006، يجسد سيطرة اليمين المتعصب. يقر الدستور الإيراني، أنه في حالة وفاة القائد أو أنه لم يعد بمقدوره أن يؤدي وظيفته، يختار مجلس المختصين قائدا جديدا في أقرب وقت من بين رجال الدين الكبار. وحتى أن يتم انتخاب القائد يؤدي وظائفه مجلس قيادة مكوّن من الرئيس، رئيس السلطة القضائية وأحد أعضاء “مجلس صيانة الدستور” الذي يتم تحديده من قبل رئيس “مجلس تحديد مصلحة الحكم”. في الحقيقة يتوقع أن يكون تعيين القائد القادم متأثرًا من نزاعات وراثة سياسية، تجري خلف الكواليس ضمن تدخل جهات قوة مختلفة في الجهاز السياسي، في ديوان القائد، في المؤسسة الدينية وفي حرس الثورة.

من الصعب تقدير من سيتم انتخابه كوريث لخامنئي. في الماضي، ظهر اسم رئيس “المجلس لتحديد مصلحة الحكم” والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كأحد المرشحين البارزين لوراثة القائد الحالي. يعد رفسنجاني أحد أقدم السياسيين وذوي التأثير الكبير في إيران، ولكن أيضًا أحد مثيري الاختلاف البارزين فيما بينهم. إن العلاقات بينه وبين خامنئي متوترة كثيرًا منذ سنوات الثمانين، عندما أشغل خامنئي منصب الرئيس ورفسنجاني منصب رئيس المجلس والمسؤول عن إدارة الحرب مع العراق. نظرًا للأزمة السياسية التي اندلعت في إيران بعد انتخابات الرئاسة عام 2009، تفاقمت العلاقات بين الاثنين. وقف رفسنجاني إلى جانب مرشح المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي، واعترض على تصرف خامنئي في الأزمة. ردًا على ذلك، قام خامنئي بإبعاد رفسنجاني من خطبة الجمعة في طهران وبعد ذلك أقاله أيضًا من وظيفته كرئيس “مجلس المختصين”. في الانتخابات الأخيرة لرئاسة إيران رفض “مجلس صيانة الدستور” ترشح رفسنجاني الذي عمره 79، رسميا من منطلق الجيل لكن في الواقع كما يبدو من اعتبارات تتعلق بوفائه المشكوك في أمرها للقائد.

رئيس "المجلس لتحديد مصلحة الحكم" والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (AFP)
رئيس “المجلس لتحديد مصلحة الحكم” والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (AFP)

بسبب فوز حسن روحاني في الانتخابات، الذي يعتبر أحد مقربي رفسنجاني، تعززت في الواقع مكانة رفسنجاني وقوي تأثيره السياسي. تتيح له ترقية مكانته مجددًا، في الواقع، مساعدة رفسنجاني على لعب دور مركزي في نزاعات الوراثة المتوقعة، لكن هنالك شك في أن تكفيه لكي يتم انتخابه كوريث. لا يزال رفسنجاني يُعتبر “قماشًا أحمر” في نظر القسم اليميني المتطرف في المعسكر المحافظ وفي أعين كبار في حرس الثورة. إن إمكانية تعيينه كقائد ستواجه دون شك معارضة شديدة من جانب جهات في اليمين المتطرف، رجال دين متطرفين، مثل رجل الدين عالي الرتبة، آية الله محمد تقي مصباح اليزدي وكبار في حرس الثورة. يمكن لهذه المعارضة أن تضعضع التكتل السياسي الداخلي، وثمة في ذلك شك كبير في أن يفضل كبار الشخصيات في الحكم تمرير قيادة الدولة إليه.

ظهر اسم آخر في السنوات الأخيرة كوريث ممكن للقائد وهو ابنه، مجتبى خامنئي، الذي يعتبر أحد أكثر الأشخاص تأثيرًا في ديوان الحاكم. كما تدعي جهات في إيران، عمل أبوه في السنوات الأخيرة في وسط كبار رجال الدين الشيعيين في إيران والعراق لتوطيد مكانة ابنه، الذي يعتبر ذا تأهيل ديني وحتى أنه تم الاعتراف به كمفتي (مجتهد) لكي يتمكن من وراثته عندما يحين الوقت. في الأسبوع الماضي، نشرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية بشكل استثنائي صورة مجتبى وهو يرتدي ملابس رجال الدين. لقد أثار نشر صوره مجددًا الشائعات فيما يتعلق بنية خامنئي بتجهيز الظروف لتعيينه كوريث. مجتبى الذي يحمل على ما يبدو مواقف محافظة متطرفة يقيم علاقات جيدة مع رجال دين كبار ومع ضباط كبار في حرس الثورة. إن تأهيله كوريث قائم، مع ذلك، في مراحل مبكرة نسبيا وهنالك شك كبير في أن يتمكن من خلافة والده قريبًا.

يمكن أن يقرر “مجلس المختصين” أن يعيّن كوريث واحدا من أكبر رجال الدين الذين يعتبرون ذوي تجربة سياسية غنية. من بين الأسماء المحتملة، يمكن الإشارة إلى رئيس السلطة القضائية، آية الله صادق آملي لاريجاني؛ رئيس السلطة القضائية سابقًا، آية الله محمد يزدي؛ عضو “مجلس صيانة الدستور” آية الله محمود هاشمي شاهرودي؛ وإمام صلاة يوم الجمعة في طهران، آية الله أحمد خاتمي. سيتأثر انتخاب الوريث، كما قيل، من نزاعات وراثة ستجري خلف الكواليس. إن إحدى الجهات الهامة، المتوقع أن تلعب دورًا في هذه النزاعات، هي حرس الثورة، الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى مصدر قوة مركزي في الجمهورية الإسلامية. على الرغم من وصية مؤسس الثورة، آية الله الخميني، بمنع تدخل القوى المسلحة في السياسة، ازداد تدخل حرس الثورة في النظام السياسي والاقتصاد كثيرًا. سيطمح حرس الثورة لإشغال منصب مركزي في نزاعات الوراثة بسبب إدراكهم للمسؤولية الملقاة على كاهلهم في الحفاظ على ثبات الحكم من جهة، ومن دافع السعي وراء الحفاظ على المصالح التنظيمية الخاصة بهم في العهد الذي يلي موت القائد من جهة أخرى.

كذلك إذا لم يضعضع موت القائد بشكل دراماتيكي النظام السياسي الإيراني على الأمد القريب، بحيث يكون له تأثير فعلي على عملية اتخاذ القرارات في إيران، في الأساس في مجال السياسة الخارجية الذي يشغل فيه القائد وظيفة مصيرية مقابل السياسة الداخلية التي يتم تحديدها غالبا من قبل الرئيس. إذا توفي خامنئي قريبا، سيترك وراءه إرثا معقدا قابلا لتحليلات مختلفة في مجال السياسة الخارجية. لقد منح في الأشهر الأخيرة حماية للسياسة الخارجية المصالحة للرئيس روحاني أمام الولايات المتحدة والغرب من جهة، وقد عاد ووضح معارضته على قطع “الخطوط الحمراء” الضرورية للمصالح الوطنية لبلاده، وعبر عن توجهه الأساسي القلق تجاه الولايات المتحدة من جهة أخرى. إن موته المفاجئ يمكن له أن يثير جدالا قويا حول وراثته بين الجهات البرغماتية في الحكم وبين جهات في اليمين المحافظ المتطرف. في جميع الحالات، ثمة شك كبير إن كان قائد جديد بمقدوره اتخاذ قرارات استراتيجية ضرورية من أجل توقيع اتفاق بين إيران والغرب في الملف النووي. وفقا لذلك، من الممكن أن يؤجل موت خامنئي، بشكل ملحوظ، المفاوضات الحالية بين إيران وإمبراطوريات الغرب حول برنامجها النووي.

كذلك في السياسة الخارجية الإقليمية، ستكون قدرة قائد جديد على إجراء التغييرات الهامة محدودة على الأقل حتى تثبيت حكمه. إن جهات مختلفة في الجهاز السياسي، في حرس الثورة وفي المؤسسة الدينية يمكنها استغلال استبدال القائد من أجل تشغيل تأثيرها في محاولة لإقناع القائد الجديد أن يتبنى رؤيتها السياسية. على الرغم من ذلك، يجب أن نفترض، أن كل قائد جديد سيفضل أولا تأسيس حكمه وتثبيت النظام السياسي قبل التفرغ لاتخاذ قرارات معناها تغيير الاتجاه في سياسة إيران.

على الأمد المتوسط والبعيد يمكن لموت خمانئي أن يضع تحد كبير أمام الحكم وحتى تهديد ثباته. يمكن لموت القائد أن يسرع تطور عمليات داخلية تجري في إيران في العقود الأخيرة. إن الضائقة الاقتصادية الصعبة التي تصيب إيران، الضوائق الاجتماعية والاقتصادية التي تقف أمام مواطنيها، وأساسا في وسط الجيل الشاب، والضرر المستمر لمركز رجال الدين وفي تبني “سلطة نابغة الشريعة” يمكن لجميعها أن تثير مجددًا الجدل حول شخصية وهوية الجمهورية الإسلامية في العهد الذي يلي خمانئي. لذلك يمكن أن يؤدي موته في المستقبل، إلى تغييرات استراتيجية في سياسة إيران ليس فحسب، بل حتى إلى تأثيرات داخلية بعيدة الأمد في مبنى الحكم.

اقرأوا المزيد: 1330 كلمة
عرض أقل