الدماغ البشري هو عضو معقّد ومتشابك وهذا أمر جيد وسيء على السواء. إنّه يمنحنا ميزة كبيرة عن سائر الحيوانات الأخرى، ولكن حين يحدث خطأ ما، فقد يتسبّب ذلك بمجموعة متنوعة من الأمراض النفسية. فيعاني عشرات الملايين من البشر حول العالم من تلك المشاكل، وتجعل الأمراض الأكثر ندرة المصابين بها يُظهرون سلوكيّات غريبة بشكل خاصّ. حاولنا أن نلخّص ونقدّم لكم بإيجاز بعض الاضطرابات النفسية الأغرب في العالم:

متلازمة القدس (Jerusalem Syndrome): “أنا المسيح”

الذين يعانون من "متلازمة القدس" هم أكثر تديّنًا من المعدّل (Miriam Alster/FLASH90)
الذين يعانون من “متلازمة القدس” هم أكثر تديّنًا من المعدّل (Miriam Alster/FLASH90)

رغم أنّ إسرائيل تعتبر دولة صغيرة ولكنها تحظى باضطراب نفسي خاص بها. يعاني المصابون بمتلازمة القدس من أوهام وضلالات ذات طابع ديني، وهم واثقون أنّهم المسيح المنتظر كما في الكتب المقدّسة (عادة يسوع، وفي حالات معيّنة النبي موسى).

وغالبًا ما يتصرّف المصابون بهذه المتلازمة بطريقة متطرّفة، بحيث يرتدون الملابس بنمط توراتي ويحاولون التبشير أمام المارة في القدس. رغم أنّ هذه المتلازمة تميّز الحجاج المسيحيين، ولكن يعاني منها اليهود أيضًا.

وتظهر الأوصاف الأولى للمرض في أدب الحجاج في العصور الوسطى. فتشير الدراسات إلى أنّ معظم المرضى المصابين بهذه المتلازمة قد عانوا من أمراض نفسية قبل ذلك، وغالبًا ما يكونون في جيل الشباب من دولة غربية، ذوي خلفية دينية، يعيشون وحدهم، وكذلك يزورون المدينة وحدهم. يقوم مركز الصحّة النفسية في القدس بعلاج عدد من المرضى يتراوح بين ثلاثة حتى خمسين مريضًا في كلّ عام.

متلازمة كوتار (Cotard’s Syndrome): “سأموت وأتعفّن، وأعيش للأبد”

الزومبي الموتى الأحياء (Thinkstock)
الزومبي الموتى الأحياء (Thinkstock)

قبل وقت طويل من أن تصبح “الزومبي” (الموتى الأحياء) من أبطال الثقافة، كان هناك أشخاص عانوا من هذه المتلازمة الغريبة جدًا، والتي تسمّى أيضًا “وهم الزومبي”. يؤمن الذين يعانون من المتلازمة بأنّهم أموات، تعفّنوا أو أنّهم فقدوا جميع أعضائهم الداخلية أو حتى دمهم، وأحيانًا يكونون متأكّدين بأنّه يمكنهم العيش للأبد كمصّاصي الدماء.

تم توثيق أول مريضة عام 1880، وذلك عندما وصف عالم الأعصاب الفرنسي، جول كوتار، مريضة له رفضت الاعتراف بوجود الله أو الشيطان وأنكرت أيضًا وجود أجزاء من جسدها. لقد رفضت تناول الطعام زاعمةً بأنّها لن تموت، وفي النهاية ماتت جوعًا.

ينتشر المرض بشكل أساسيّ في أوساط النساء في سنّ اليأس، ويظهر غالبًا بشكل مفاجئ لدى المرضى الذين ليس لديهم تاريخ من الأمراض النفسية. في حالات نادرة، لا يعترف المرضى مطلقًا بوجود أنفسهم وتترافق المتلازمة في الكثير من الأحيان بالاكتئاب.

متلازمة كابجراس‏ (Capgras syndrome): “أنت لستِ أمي رغم أنّك تشبهينها”

“وهم المستنسخين”، أو كما تسمّى بالاصطلاح العلمي “متلازمة Capgras”، وهي حالة يعتقد فيها الإنسان أنّه أو أقرباءه (عادة الزوجين أو أبناء الأسرة) قد حلّ مكانهم مستنسخ منتحل. يخاف الكثير من الذين يعانون من هذه المتلازمة من “المستنسَخ” بل ويحاولون قتله أو إبلاغ الشرطة عنه.

من غير الواضح ما الذي يسبّب هذه المتلازمة، ولكن تعاني منها النساء أكثر من الرجال وهي شائعة لدى النساء اللواتي يعانين من انفصام الشخصية، الخرف وأيضًا لدى الأشخاص الذين عانوا من إصابات في الرأس. قد يصبح الذين يعانون من هذه المتلازمة عنفوانيّين بهدف حماية أنفسهم، ووفقًا لإحدى النظريات الرائدة، فالسبب هو اضطراب في مركز الرؤية والذي يُلحق الضرر بالقدرة على التعرّف على الوجوه المألوفة.

تظهر متلازمة كابجراس في عدّة صور: يعتقد المريض أنّه شاهد المستنسَخ عنه بأمّ عينه، وأنّ المستنسَخ لا يُرى، وهو رجل مألوف يرتدي صورة شخص آخر، وأنّ الشكل الخارجي وشخصية شخص مألوف قد تغيّرا، وأنّ الناس لا يعرفونه في الواقع وفي حالات معيّنة يعتقد المريض أنّه قد تمّ استنساخه وهناك مستنسَخ عنه.

https://www.youtube.com/watch?v=vFZM3mohiDg

هل أنت مصاب بمتلازمة ستندال (Stendhal syndrome)؟ يُحظر الدخول إلى المتحف…

متحف اللوفر (AFP)
متحف اللوفر (AFP)

هل تأثّرتم مرّة بصورة كبيرة من إبداع فنّي في متحف؟ لقد تبيّن أن هناك أشخاص قد يتأثّرون حتى الموت من الفنّ. يزيد هذا المرض النفسي الجسدي من معدّل ضربات القلب، يؤدي إلى الدوار، الارتباك والهلوسة، وفي حالات نادرة إلى الموت أيضًا. تحدُث جميع هذه الأعراض حين يتعرّض المصاب بالمتلازمة لأعمال فنّية، وخصوصًا حين يكون تعرّضه مركّزًا. كما في المتحف.

سمّيتْ المتلازمة على اسم الكاتب الفرنسي ماري هنري بيل (الذي يُدعى ستندال)، والذي عانى منها لدى زيارته لمدينة فلورنسا. ومثل ستندال نفسه، فالأشخاص المصابون بها هم عاديّون تمامًا، يتصرّفون بشكل طبيعي عادة، ولكنّهم يتجنّبون الدخول إلى المتاحف أو المعارض. تنتشر المتلازمة بشكل خاصّ في أوساط السائحين الذين يأتون لزيارة الأعمال الفنّية الشهيرة وفي بعض الحالات يحاولون أيضًا تدمير اللوحة، كما حدث في مرات لا تُحصى مع لوحة الموناليزا، حتّى تمّت تغطيتها في النهاية بزجاج سميك.

متلازمة باريس: وهذا ينطبق على اليابانيين فقط

سياح يابانيون يزورون مواقع تاريخية في باريس، فرنسا (AFP)
سياح يابانيون يزورون مواقع تاريخية في باريس، فرنسا (AFP)

بخلاف سائر الأمراض النفسية، فهذه المتلازمة تنطبق على السائحين اليابانيين الذين يزورون باريس. لقد تبيّن أنّ الكثير من اليابانيين الذين يزورون المدينة الأكثر رومانسية في العالم يعانون من انهيار عصبي ويضطرّون لدخول المستشفى أو العودة إلى بلادهم في أسرع وقت.

يعرف السائحون اليابانيون باريس من الأفلام الرومانسية والصور الجميلة لبرج إيفل فقط، وعند وصولهم للمدينة يعانون من نوع من الصدمة الثقافية الزائدة. إنّهم يمرّون بأزمة حين يكتشفون أنّها مجرّد مدينة، قد تكون أيضًا قذرة، ولا يستطيعون مواجهة هذا الواقع القاسي.

وفقًا لكلام الخبراء، فإنّ حقيقة أنّ معظم مقدّمي الخدمات الفرنسيين بالكاد يتحدّثون الإنجليزية ويُظهرون الازدراء تجاه السائحين، تزيد فقط من هذه الظاهرة، وقد يبدو ذلك مضحكًا، إلا أنّ هذه الظاهرة جدّية بشكل كبير في اليابان.

أقامت السفارة اليابانية في باريس مركزًا خاصّا للسائحين، يعمل على مدار الساعة، بل ويعمل فيه بعض علماء النفس والأطبّاء النفسيّين لعلاج هذه المتلازمة تحديدًا.

اقرأوا المزيد: 783 كلمة
عرض أقل