مبادرة جنيف

  • بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)
    بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)
  • اتفاقيات أوسلو البيت الأبيض 1993 (AFP)
    اتفاقيات أوسلو البيت الأبيض 1993 (AFP)
  • فشل محادثات كامب ديفيد (AFP)
    فشل محادثات كامب ديفيد (AFP)
  • جورج بوش, ايهود اولمرت, ومحمود عباس خلال مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة (AFP)
    جورج بوش, ايهود اولمرت, ومحمود عباس خلال مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة (AFP)
  • عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
    عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
  • صائب عريقات وتسيبي ليفني مع جون كيري بعد لقائهم في واشنطن (AFP)
    صائب عريقات وتسيبي ليفني مع جون كيري بعد لقائهم في واشنطن (AFP)

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية: محادثات دون هدف

لم يعط أي أحد تقريبًا فرصة لجهود جون كيري لإنقاذ المفاوضات مع الفلسطينيين، ويبدو أحيانًا أن القضية لا نهائية. هل السبب لذلك "صانعو السلام"، الذي يريدون فقط إجراء محادثات من غير وصول للحسم فيها؟

مضى ما يقرب 21 سنة منذ تصافح ياسر عرفات وإسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض واتفقا على بدء عملية تاريخية، من السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان الطموح المعلن عنه هو التوصل لاتفاق دائم بين الجانبين خلال خمس سنوات فحسب. لكن خلال 21 سنة من هذه المسيرة، لم يشهد الجانبان إلا الخيّبة والمرارة، وحتى عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بغاية الفخر والافتخار عن تجديد المحادثات في نيسان 2013 لم يستجب أحد لآماله.

هل مصير عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن تستمر للأبد بلا غاية؟ كيف وصلنا إلى هذا الوضع العسير، الذي  لا يجرؤ أي أحد فيه على تصوّر حل سياسي يضع نهاية لسفك الدماء، وحدًّا بين إسرائيل وفلسطين؟ إحدى الإجابات المحتملة هي أن في القدس ورام الله من يرغب في إجراء محادثات وألّا يوقّع على أي اتفاق. وهكذا يستمر الحاضر للأبد، ولن يحضر المستقبل أبدًا.

هناك من يدعي في اليمين الإسرائيلي أن  الإسرائيليين أنفسَهم المنفعلين بشدة لإجراء المفاوضات هم الذين يعثّرون إمكانية الوصول لاتفاق. صرّحت أييلت شاكيد عضو الكنيست من البيت اليهودي، وهي من كبار المعارضين اليوم لإقامة دولة فلسطينية أو حتى مجرد الاعتراف بأي حقوق للفلسطينيين، أن اليسار الإسرائيلي – الذي يعلن مرارًا وتكرارًا عن أهمية المفاوضات- لا يريد قطّ التوصل للسلام.

عضو الكنيست أييلت شاكيد: "اليسار الإسرائيلي مصمم على استيراد التحريض إلى الجامعات الإسرائيلية" (Hadas Parush/Flash 90)
عضو الكنيست أييلت شاكيد: “اليسار الإسرائيلي مصمم على استيراد التحريض إلى الجامعات الإسرائيلية” (Hadas Parush/Flash 90)

حسب ما تقول شاكيد، كل المنظمات الإسرائيلية التي تعمل من أجل منح الدعم لاتفاقيات السلام من الجمهور الإسرائيلي ليست إلا “ترتيبات عمل”، كمصلحة اقتصادية لجماعة اليسار الإسرائيلية. الأمثلة كثيرة: “مبادرة جنيف” هي حركة تعمل منذ 2003 لدفع الاتفاق السياسي، حركة “مستقبل أزرق أبيض” التي تدعم إخلاءً إراديًّا للمستوطنين، وهيئات مثل “مركز بيرس للسلام” الذي يدعم عدة مبادرين للتقريب بين الإسرائيليين والعرب- ترى شكيد (وعامّةُ اليمين الإسرائيلي) في كل هذا عملا غايتُه أن يؤمّن معاشا وربحًا ماليا لكل من يعْرض نفسه كمحب للسلام.

تحظى هذه الهيئات بتمويل كريم للغاية. هكذا مثلا، استلمت مبادرة جنيف سنة 2010 مبلغ 220000 ألف دولار من الوكالة الأمريكية  USAID ،  تقريبًا  نصف مليون فرنك سويسري من وزارة الخارجية السويسرية، نصف مليون شاقل من حكومة النرويج وغيرها من عشرات آلاف الدولارات من حكومة هولندا، إسبانيا والسويد.

طبعًا هذه المعطيات لا تثبت بأي حال من الأحوال ادعاءات شكيد أن منظمات السلام غير معنية حقًا بالسلام، إلا بربحها المالي. لكن مع كل هذا فهنالك دعوى واحدة صحيحة: تُضخُّ ملايين الدولارات كل سنة للحفاظ على مجرى عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ورغم الاستثمار الضخم، ما زال الأفق مسدودًا، ولا يتوقع أحد أن تزدهر عملية السلام.

في اليسار هنالك أيضًا من يوافق على أن المفاوضات أجريت لمجرد القيام بمفاوضات، لا لتمضي نحو سلام حقيقي. كتب مؤخرًا الصحفي الإسرائيلي أوري مسجاف، الذي يدلي بآراء يسارية في صحيفة “هآرتس”: “أنا قلق إن رأيت مرة أخرى ليفني وعريقات يجتمعان مع مبعوث أمريكي لإيجاد “صيغة لاستمرار المفاوضات”، إني قد أفقد تعقّلي”.

مؤتمر صحفي مشترك لكيري والمفاوضين صائب عريقات وتسيبي ليفني في واشنطن (U.S State Department)
مؤتمر صحفي مشترك لكيري والمفاوضين صائب عريقات وتسيبي ليفني في واشنطن (U.S State Department)

حسب ما يقول مسجاف: “في هذه المرحلة تقصي المفاوضات السلام بدلا من أن تُدنيه”. لكنه يدعي، أن المتهمين بذلك هم في الجانب الإسرائيلي: “ربما كانت هذه هي الخطوة العبقرية لجبان السلام نتنياهو. أن يطبع في الوجدان الإسرائيلي الصعوبة العظيمة المطلوبة لكي يستمر فقط في التفاوض. وأما بيت القصيد المطلوب: إن كان هذا هو الثمنَ من أجل إجراء المحادثات، فلا يمكن تصوَر ما يتطلبه تحقيق الأمر في الواقع”.

لن تجد يومًا تصريحًا متشائمًا من قبل الوسطاء. المتحدثة باسم الحكومة الأمريكية، جين ساكي، تكرر أسبوعًا بعد أسبوع  الأقوال المملة من نوع: “ما زالت الحكومة الأمريكية تؤمن أنه يمكن التوصل لاتفاق يمكنه  تقييم المحادثات”، “الفجوات ما زالت واسعة، لكننا نعتقد بإمكانية تقليصها”، “هذه فرصة عباس ونتنياهو لاتخاذ قرار تاريخي”، وهكذا دواليك، تصريحات لا تؤدي إلى أي مكان. تُسمع بعض التصريحات المماثلة بوتيرة مستمرة من أفواه كبار الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم مسؤولة العلاقات الدولية كاثرين آشتون.

على نقيض التفاؤل الأمريكي والأوروبي حول إمكانية التوصل لاتفاق سلام في الشرق الأوسط،  تقف تصريحات القادة الإسرائيليين والفلسطينيين كشواهد على مدى سوء الوضع القائم. إن محمود عباس وبنيامين نتنياهو حقا  يصرحان كُلَّ الوقت أنهما ملتزمان باستمرار المفاوضات، وأنهما يحترمان جهود الوساطة الأمريكية. لكن يظن بعض المحللين أن كليهما، عباس ونتنياهو، يشكلان مرآة الواحد للآخر: كلاهما لا يوافق على تقدم حقيقي في المفاوضات، وكلاهما ينتظر فشل المفاوضات كي يستطيع  اتهام الآخر بذلك.

 كلينتون مع نتنياهو وعباس (Flash90)
كلينتون مع نتنياهو وعباس (Flash90)

يكفي أن نفحص ما يحدث على مستوى الأفراد من غير القادة، كي نرى إلى أي مستوى يصل العداء: في شهر آذار السابق ألقى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سلطان أبو العينين خطابا أثنى فيه على دلال المغربي، التي قادت عملية إرهابية قُتل فيها 35 إسرائيليًّا- من بينهم 12 ولدًا قُتلوا بسابق الترصد سنة 1978. إن الثناء والمدح لأناس قتلوا أطفالا، يقوي فقط ادعاءات أولئك الذين لا يؤمنون بإمكانية السلام.

من الجهة الأخرى، يتذرع الفلسطينيون بتصريحات الإسرائيليين كدليل على عدم جديتهم في السلام. في مقابلة أجراها مع القناة الإسرائيلية الثانية، اقتبس جبريل الرجوب من كلمات الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي قال إنه إذا اجتمع في غرفة واحدة مع محمود عباس “فسيطلب منه إعداد القهوة”. “انظروا لأنفسكم في المرآة”، قال رجوب للمقابِلين الإسرائيليين.

جبريل الرجوب (Flash90/Nati Shohat)
جبريل الرجوب (Flash90/Nati Shohat)

على خلفية ذلك، كتب باراك رافيد مؤخرًا، وهو من كبار الكتاب السياسيين في إسرائيل، ويكتب في صحيفة “هآرتس”: يحاول وزير الخارجية الأمريكية أن يطيل أمد مفاوضات عقيمة لا تثمر شيئا”. لذلك، دعا ربيدُ كيري إلى نبذ جهود الوساطة غير الناجعة، حتى يتوسل الجانبان كي يعود وينقذهما. وإذّاك، يُنصح كيري بأن يبقى في الولايات المتحدة وأن يتخلى عن الإسرائيليين والفلسطينيين. إن لم يكونوا يملكون ما يكفي من الشجاعة لإنفاذ السلام، فلن تستطيع الولايات المتحدة إجبارهم على فعل ذلك.

اقرأوا المزيد: 825 كلمة
عرض أقل
اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)
اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)

مُصمم السلام توفي

رون بونداك، الذي كان من قادة الطريق لاتفاق أوسلو، توفي في سنّ 59. شارك في السنوات الأخيرة بمبادرات سلام مختلفة

11 أبريل 2014 | 16:00

رون بونداك، الذي كان “مهندس” اتّفاق أوسلو عام 1993، توفي اليوم بالسرطان. كان بونداك، ابن التاسعة والخمسين عامًا في وفاته، وهو أحد دعاة السلام الإسرائيليين الأكثر شهرة.

خدم بونداك في الاستخبارات الإسرائيلية بعدد من الأدوار المختلفة، قبل أن يبدأ بالعمل بصفته صحافيًّا في صحيفة “هآرتس” في السنوات 1991-1992. في وقت سابق، كتب بونداك أطروحته للدكتوراة في جامعة لندن، وكتب الكثير من المقالات والتقارير حول عملية السلام الإسرائيلي – العربي.

من بداية سنوات التسعينات شارك بونداك في قسم من المحادثات السريّة التي أجرتها دولة إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان بعد ذلك جزءًا من فريق المفاوضات الإسرائيلي المقلّص والذي صاغ اتفاق المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية، والذي مهّد لـ “اتفاق أوسلو” الشهير.

بعد اتّفاق أوسلو شارك في مبادرات سلام، مجموعات بحثية، لجان توجيهية وفرق عمل روّجت لفكرة السلام الإسرائيلي – العربي، في محادثات مع الفلسطينيين، من بينها، وثيقة بيلين أبو مازن منذ عام 1995 ومبادرة جنيف 2003.

رون بونداك (Miriam Alster/FLASH90)
رون بونداك (Miriam Alster/FLASH90)

حتى وفاته كان بونداك عضوًا في اللجنة التوجيهية التابعة لمبادرة جنيف ولمجموعة AIX، والتي هي مجموعة إسرائيلية – فلسطينية تهدف إلى ربط وتوزيع أوراق موقف لتعزيز النتائج المطلوبة لكلا الجانبين. وقد شغل أيضًا منصب المدير العامّ لمركز بيريس للسلام وغيره من المنظّمات.

كتب بونداك قبل عدّة سنوات أنّ المفاوضات التي أجراها محمود عباس وإيهود أولمرت، باعتباره رئيس الحكومة الإسرائيلية، تقدّمت بشكل كبير. كتب بونداك أنّه قبل استقالة أولمرت في أعقاب لائحة الاتهام التي قدّمت ضدّه كان أولمرت وعباس مقتنعَين أنّه فيما لو كان لديهما بضعة أشهر، كانا سيصلان لاتفاق مبادئ موقّع، ترافقه خريطة للحدود الدائمة النهائية بين الدولتين.

قبل وفاته، ادّعى بونداك أنّ بنيامين نتنياهو وعبّاس لا يستطيعان التوصّل إلى اتفاق سلام. “لا يوجد اليوم أي زعيم من النوع الذي يستطيع اتخاذ قرارات صعبة. لا يستطيع نتنياهو تقسيم القدس، ولا يستطيع عباس التوقيع على الاتفاق”. يعتقد بونداك أنّ أولئك الذين سيستطيعون ربّما في المستقبل أن يصلوا لاتفاق هم يوفال ديسكين وجابي أشكنازي من الجانب الإسرائيلي، ومروان البرغوثي من الجانب الفلسطيني.

نعى بونداك الكثير من السياسيين، ومعظمهم من اليسار في الطيف السياسي الإسرائيلي. أصدرت وزيرة العدل والمسؤولة عن المفاوضات مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني، بيان نعي قالت فيه: “هناك أبطال للحرب، رون كان بطلا للسلام. رجل صهيوني آمن بالسلام وسعى إليه حتّى يومه الأخير، سعى إلى المساهمة وتسخير نفسه من أجل تحقيق السلام، دون أن يرتدع من المتطرّفين، من المتهكّمين ومن اليائسين. فليتبارك ذكره”.

اقرأوا المزيد: 361 كلمة
عرض أقل
زيارة الوفد الإسرائيلي برئاسة عضو الكنيست حيليك بار الى رام الله (Noam Moskowitcz)
زيارة الوفد الإسرائيلي برئاسة عضو الكنيست حيليك بار الى رام الله (Noam Moskowitcz)

في توقيت سيء ومن دون علم إسرائيلي ـ زيارة “فاترة” إلى رام الله

ضم أبو مازن خلال لقائه مع وفد إسرائيلي، أعضاء كنيست ونشطاء سلام جاءوا بالأمس لزيارة رام الله: "لن يكون مقبولا، في نهاية فترة المفاوضات، بالنسبة لي أو بالنسبة للفلسطينيين التوصل إلى اتفاقيات انتقالية، ونحن نسعى للتوصل إلى اتفاق نهائي".

استضاف رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، بالأمس في رام الله وفدًا من مجموعة الضغط الإسرائيلية التي تنشط في مجال الدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني. زيارة الوفد الإسرائيلي برئاسة عضو الكنيست حيليك بار تأتي في إطار الزيارات المتبادلة.

وضم الوفد عشرة أعضاء كنيست، ينتمي تسعة منهم إلى حزب العمل المعارض، وعضو كنيست واحد من أحزاب الائتلاف الحكومي، وهو عضو الكنيست دافيد تسور من حزب الحركة، الذي تتزعمه وزيرة العدل تسيبي ليفني، هذه الزيارة كان قد تم الإعداد لها قبل فترة من الوقت.

ألقت الأنباء الواردة من القدس حول وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، بظلالها على اللقاء وعلى المشاركين فيه من أعضاء الكنيست، الذين حرصوا على متابعة ما يحدث في القدس، حتى يعرفوا متى يمكنهم إرسال رسائل التعزية لعائلة الحاخام يوسف ولمناصري حركة شاس، الذين بدأوا يندبون وفاة زعيمهم الحاخام يوسف وذلك تزامنًا مع لقاء أعضاء الكنيست مع عباس في رام الله.

عضو الكنيست من حركة شاس، يتسحاق فاكنين، والمعروف بتأييده العلني لمبادرة جنيف، والذي يشارك في مثل هذه اللقاءات، لم يشارك في اللقاء في رام الله، نظرًا لتدهور صحة الحاخام عوفاديا يوسف في اليوم الذي سبق اللقاء. كما أن بعض أعضاء حزب ميرتس وحزب “هناك مستقبل”، والذين يعتبرون أعضاء في مجموعة الضغط المذكورة، لم يشاركوا في اللقاء، كل شخص لأسباب تتعلق به. وكان يأمل رئيس الوفد الإسرائيلي عضو الكنيست حيليك بار، بمشاركة ما لا يقل عن ثلاثين عضو كنيست في اللقاء، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك، حيث شارك في لقاء الأمس بشكل خاص أعضاء الكتلة النيابية من حزب العمل وبظروف يمكن وصفها بالامتثال والطاعة لرغبة كتلة حزب العمل.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستضيف أعضاء الكنيست في مقره في رام الله (Noam Moskowitcz)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستضيف أعضاء الكنيست في مقره في رام الله (Noam Moskowitcz)

وعلى عكس اللقاء الأول الذي عُقد في القدس، والذي أحضر خلاله الوفد البرلماني الفلسطيني علم فلسطين إلى الكنيست، لم يشهد اللقاء بالأمس (الاثنين) في رام الله رفع علم إسرائيل. صحيح أن تعزيز العلاقات بين البرلمانيين، لا يحتاج إلى رفع الأعلام في كل لقاء ولقاء، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، ومن أجل الرمزية، والتي تعتبر عاملا مهما في مثل تلك اللقاءات، ولم يكن واضحا السبب وراء عدم رفع علم إسرائيل خلال اللقاء في رام الله. وعندما طرحتُ سؤالا حول موضوع رفع علم إسرائيل في اللقاء على عضو الكنيست بار، لم يعطني ردًا واضحًا.

أما من ناحية مضمون اللقاء، فإن الأمور سارت بشكل سلس وبسيط. أظهر أبو مازن خلال اللقاء اهتمامًا كبيرًا بالمسائل الداخلية في إسرائيل، واختار التأكيد على رفض جميع أعمال العنف، وأعرب عن أنه يتمنى أن يعيش الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني جنبًا إلى جنب من دون إراقة للدماء. بالإضافة إلى ذلك، وبعد أقوال رئيس كتلة حزب العمل في الكنيست، عضو الكنيست يتسحاق بوجي هرتسوغ، حول وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، انضم أبو مازن إلى أقوال هرتسوغ قائلا: “التقيت هنا في رام الله مع أفراد من عائلة الحاخام عوفاديا يوسف وأنا أقدم التعازي الحارة على وفاته”.

وكانت الابنة الأكبر للحاخام عوفاديا يوسف، عدينا بار شالوم، قد زارت رام الله قبل فترة ليست بالطويلة، والتقت هناك مع أبي مازن. اللقاء المذكور لم يحظ بتغطية إعلامية كافية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكن تحدثوا في بعض الأوساط اليسارية في إسرائيل عن البراغماتية التي تتمتع بها الابنة الأكبر للحاخام يوسف، رغم أنها لم تكن من الدائرة المقربة والمؤثرة على الحاخام يوسف، إلا أنها تعتبر من الشخصيات التي تحظى بالاحترام والتقدير في الأوساط السياسية في إسرائيل بسبب نشاطاتها الواسعة على المستوى الشعبي.

وعلاوة على ذلك، كانت تتحلى أقوال أبو مازن بالتفاؤل: “تم تخصيص ستة حتى تسعة أشهر من أجل المفاوضات وهذه المدة الزمنية كافية للتوصل إلى اتفاق. تمت مناقشة جميع المسائل بين الطرفين سابقًا، في كامب ديفيد، طابا أو مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت”. وقال عباس إن المفاوضات هي الطريق الوحيد لحل الصراع “على الرغم من أن البعض قال إننا ذهبنا إلى الأمم المتحدة من أجل الحصول على مكانة دولة للسلطة هروبًا وبديلا عن المفاوضات، إلا أن ذلك غير صحيح”.

وبعد الكلمة التي ألقاها أبو مازن، تحدث عضو الكنيست حيليك بار وبعد ذلك جاء دور عضو الكنيست هرتسوغ، ومن ثم عُقد لقاء مغلق بين الجانبين. وخلال اللقاء المُغلق، أكد أبو مازن أن الجانب الفلسطيني لن يقبل باتفاق انتقالي وأنه يجب العمل من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي. كما أكد أبو مازن لأعضاء الكنيست الإسرائيليين، بأنه استمع إلى خطاب نتنياهو الذي ألقاه يوم الأحد، في جامعة بار إيلان، وأنه يدرك أن لنتنياهو حسابات واحتياجات سياسية داخلية.

وباستثناء عضو الكنيست عمر بار ليف، فإن غالبية أعضاء الكنيست من حزب العمل، الذين شاركوا في اللقاء هم من الأعضاء الجدد، وأكدوا أن هذه هي المرة الأولى التي يزورون فيها المقاطعة في رام الله. وشارك من الجانب الفلسطيني مستشار أبي مازن، ياسر عبد ربه، والمتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة بالإضافة إلى المستشار السياسي لأبي مازن نمر حماد.

اقرأوا المزيد: 718 كلمة
عرض أقل
(مصدر الصورة: مبادرة  جنيف)
(مصدر الصورة: مبادرة جنيف)

أعضاء كنيست من الائتلاف التقوا بمسؤولين فلسطينيين

جرى نهاية الأسبوع لقاء يهدف إلى دفع المسار السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين قدما، حيث التقى برلمانيون ومسؤولون من الجانبَين في العاصمة الهنغارية

خلال نهاية الأسبوع، التقى في بودابست وفدان، إسرائيلي وفلسطيني، في لقاء نظمته منظمة مبادرة جنيف بهدف النقاش حول تشجيع المسار السياسي. ووصل أعضاء الكنيست يفعات كاريف، دوف ليبمان، وبوعاز توبوروفسكي من حزب هناك مستقبل، عضو الكنيست دافيد تسور من حزب الحركة، وعضو الكنيست موشيه ميزراحي من حزب العمل إلى العاصمة الهنغارية، حيث التقَوا برئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، سميح العبد، عبد الله عبد الله، وجمال زقوت، الذين مثّلوا الجانب الفلسطيني.

وكتبت كاريف بعد اللقاء في صفحتها على فيس بوك: “اجتمعنا لنصغي، لنتحدث، ليسمع واحدنا الآخر. في خضمّ كل الفوضى، الألم، الإخفاقات على مر السنين، اليأس، والأمل، التقينا لنتحدث عن السلام.

لن نتفق أبدًا حول الماضي، فلكل شعب روايته، لكننا مُلزَمون بالتوصل لاتفاق بخصوص الحاضر والمستقبل، إن لم يكن من أجلنا، فعلى الأقل من أجل أبنائنا. علينا الاستيقاظ من الوهم بأنّ الوضع القائم حاليًّا بيننا وبين الفلسطينيين يمكن أن يستمرّ”. وأوجزت كاريف: “التقينا كأعضاء كنيست إسرائيليين بمسؤولين فلسطينيين، ونحن نحاول معًا أن نرى صورة للمستقبل، للسلام. ليس أمامنا طريق أخرى:)”

أما عضو حزب ممثلة إسرائيل للمفاوضات الرسمية تسيبي ليفني، دافيد تسور، الذي أقام علاقات عمل مع نظرائه الفلسطينيين أثناء عمله في الشرطة، فقد كان أكثر واقعية، وأوجز اللقاء بطريقة أكثر إثارة للاهتمام، قائلًا: “حتى لو لم نتفق على الكثير من المواضيع، فمن المهم أن نعرف ونسمع الجانب الآخر، ونتبادل وجهات النظر. سيحدث الحسم في مكان وزمان آخرَين، لكن من المهمّ أن نتحدّث”.

واتفّق المشاركون على عدد من الخطوات المشتركة لزيادة دعم المفاوضات. وبين الخطوات المتفّق عليها، قرّر المشاركون إعدادا تصريح مشترك دعمًا للمفاوضات يوقّعه أعضاء في الكنيست الإسرائيلي وفي المجلس التشريعي الفلسطيني، وتنظيم وفد من مسؤولين إسرائيليين لزيارة رام الله.‎ ‎وأعرب المشاركون أيضًا عن دعمهم للحلول المقترحة في مبادرة جنيف.‎ ‎وكان إجماعٌ بين المشاركين على أنّ الخطوط العريضة لاتّفاق مستقبليّ واضحة للجميع، ويدعمها معظم الإسرائيليّين والفلسطينيّين.

وكانت مبادرة جنيف قد نظمّت في تموز وفدًا لناشطين في الليكود وشاس، سافر إلى رام الله والتقى بمسؤولين في السلطة الفلسطينية بينهم الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، وعضو طاقم المفاوضات الفلسطيني السابق نبيل شعث. وخلال الشهر الجاري، يُتوقّع تنظيم حلقة دراسيّة مشتركة بين ناشطين سياسيين إسرائيليين وفلسطينيين في الأردن.

اقرأوا المزيد: 334 كلمة
عرض أقل
سلام الآن (FLASH90)
سلام الآن (FLASH90)

الربيع العربي في منظمات السلام الإسرائيلية

الربيع العربي "يزوّد منظمات السلام بعدد من الفرص لإثارة نقاش جماهيري جديد".‎ ‎لكنّ ذلك مشروط باستعدادها للنظر في المرآة القاسية ولتحديث صورتها النمطية الليبرالية، النيو ليبرالية، العلمانية، الشكنازية، الذكورية، والنخبوية

قبل شهرَين، نشر معهد متفيم، المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ورقة موقف بحثت في تعامُل منظمات السلام الإسرائيلية مع مفاجأة “الربيع العربي”.‎ ‎وتعتقد الكاتبة، ياعيل باتير، مندوبة منظمة جي ستريت في إسرائيل، أنّ الاختلاف الرئيسي بين ردّ فعل منظمات السلام على ما يحدث وردّ فعل حكومة إسرائيل هو “مقدار بسيط من الارتياب والاستعداد للنظر في التطورات الإقليمية بمنظار إيجابي”.‎ ‎وادّعت أنّ المنظمات، التي سبب وجودها هو تعزيز جدول أعمال السلام والتعاون العربي – الإسرائيلي، قد خشيت من التأثيرات المحتملة لـ “الربيع العربي” على جدول الأعمال هذا.‎ ‎لذلك، فضّلت تجاهل الأحداث، وإبقاء استراتيجية عملها كما هي.‎ ‎وأوصت باتير منظمات السلام الإسرائيلية، التي لم “يُنبت الربيع العربي حتى الآن زهورا جديدة في بساتينها”، بأن تجد طرقًا للتعايُش مع التطورات في المنطقة، سواء كانت تخدم أهدافها الآنيّة أم لا.

وتأتي باتير في الوثيقة بادّعاءات عديدة صحيحة وهامّة.‎ ‎مثلًا، أهمية طرح مبادرة إسرائيلية موازية للمبادرة العربية؛ الحاجة إلى إنشاء تعاون وحوار عربي – إسرائيلي على المستوى المدني عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ تفهّم النقاش حول الحقوق الذي يتصدر موجة الاحتجاجات التي غمرت الدول العربية، وهلمّ جرّا.‎ ‎لكن النقد الذي توجهه إلى منظمات السلام يتسم بالحذر والتهذيب الشديد، حسب رأيي.‎ ‎فالتحليل الأساسي لرد فعل هذه المنظمات على الربيع العربي يتطلب التطرق إلى وجهات النظر التي تحرّكها، طرق عملها، تشكيلتها، والأدوات المهنية والحضارية الكامنة أمامها.‎ ‎في كل هذه الجوانب، يبدو أنّ منظمات السلام الإسرائيلية مُطالَبة بإجراء مراجعة نقدية مريرة ومؤلمة، لا تصحيحات تجميلية طفيفة تقترحها باتير.

فقبل سنوات معدودة، تحدثتُ إلى قيادي في إحدى المنظمات التي تذكرها باتير.‎ ‎سألتُه لمَ منظمات السلام مشبَعة بخريجين ممجَّدين ومُنَمَّقين للعلوم المالية من الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة، كلهم يتحدثون الإنكليزية الرفيعة، لكنّ أقليَّة طفيفة منهم يعرفون شيئًا عن الشرق الأوسط والإسلام، هذا دون أن نتحدث عن القدرة على إدارة محادثة يومية بسيطة باللغة العربية.‎ ‎لم تكن إجابته مقنعة، فقد قال: ثمة القليل من الوظائف والمناصب في منظمات السلام.‎ ‎لكنّ سؤالي كان لمَ يشغل هذه الوظائفَ القليلة أناسٌ معينون، لا غيرهم.‎ ‎تساءلتُ أيضًا لمَ تتنازل منظمات السلام أصلًا عن خريجي دراسات الإسلام، الشرق الأوسط، والعربية في مؤسسات التعليم العالي لصالح أجهزة الدولة، المدنية والعسكرية – الأمنية، التي تُسرّ بضمهم إلى صفوفها.‎ ‎هكذا يتشكل نوع من “تقسيم العمل” الذي يفرض نفسه. فمنظمات السلام تتحدث الإنكليزية الليبرالية، والنيو ليبرالية عادةً، وهي منقطعة كليًّا عمّا يجري في الشرق الأوسط، فيما خريجو دراسات الشرق الأوسط، الإسلام، واللغة العربية يجدون مكانهم في خدمة الدولة.‎ ‎يوفر لهم العمل في القطاع العام الكثير من الفرص لفهم الشرق الأوسط والعربية من وجهة نظر مؤسساتية ومحافِظة قلقة من المخاطر أكثر مما هي مهتمة بالاحتمالات.

لم أتلقَ إجابة شافية.‎ ‎ولا تعزّيني سوى كلمات أرسلها لي عبر البريد الإلكتروني مدير منظمة سلام آخر، يشغل اليوم منصبًا رفيعًا في منظمة دولية، حيث أصرّ على أنه “لا حاجة لمعرفة العربية للتحدّث إلى المصري أو الفلسطيني”!‎ ‎واكتفى المدير نفسه بقدرته على “عقد صفقات” مع واحد بالألف من واحد بالألف من نخبة المجتمع المصري.‎ ‎فهو يتمتع بالاختباء في ظل دبلوماسيين وسياسيين، ذوي نفوذ، “تأثير”، وقوة. ولا يقلقه مطلقًا عجزه عن التحدث إلى العربي العادي بلغته.

هذا هو السبب الأول للمأزق الذي تواجهه منظمات السلام الإسرائيلية حاليًّا.‎ ‎فهي عاجزة عن فهم ما يحدث في الدول العربية دون وساطة اللغة الإنكليزية، وهي عاجزة كذلك عن تحليل الأحداث والتطورات في الدول العربية بعمق دون مساعدة اختصاصيين ومهنيين من الخارج؛ والأسوأ من كل ذلك، لا ندري إلى أي مدى يهمها ذلك أصلا.‎ ‎فمن الممكن إبرام صفقة بالإنكليزية المهنية المصقولة مع عم الزعيم وابن الرئيس!‎ ‎إذا كان الأمر كذلك، فلا.‎ ‎لم يعُد ذلك صحيحًا.‎ ‎فالملوك والرؤساء يُستَبدلون الآن بنخبة سلطوية جديدة، تتحدث العربية وتفكّر بطريقة إسلامية.‎ ‎مَن يمكنه أن يفهمهم في منظمات السلام؟‎ ‎مَن يريد أن يفهمهم في منظمات السلام؟

في مناسبة أخرى، سألتُ دبلوماسيًّا سابقًا، كان ناشطًا في منظمات السلام الإسرائيلية لماذا، حسب رأيه، هناك هيمنة شكنازية، علمانية، وليبرالية (ويمكن إضافة: ذكورية) في منظمات السلام؟ ألا يعتقد أنّ معسكر السلام الإسرائيلي يتعالى على محيطه الداخلي (في إسرائيل) والخارجي (في المنطقة)؟‎ ‎لم يفهمني الدبلوماسي، رجل ذكي ومتعمّق، كاملًا وشعر بالإهانة من الإيماءة.‎ ‎هل أظن، سألني، أنّ الشرقيين، المتدينين، وذوي التوجه المحافظ يُستثنَون عمدًا من هذه المنظمات؟‎ ‎لم تجد هذه المجموعات طريقها إلى منظمات السلام لأسباب مرتبطة بها.‎ ‎في هذه الحالة، يُخيّل لي، شعرتُ بقلة رجاء مرتفعة أكثر من تلك التي شعرتُ بها أثناء النقاش حول مكان “المستشرقين” و”دارسي العربية” في تلك المنظمات.

في ورقة الموقف التي وضعتها باتير، تنتقد تركيبة منظمات السلام، وتعترف بالهيمنة الشكنازية في معسكر السلام الإسرائيلي، بانقطاعه عن الصراع على الهوية الشرقية والعربية في إسرائيل، وبانقطاعه عن الصراع ضد الأنظمة الطاغية والاستبدادية في الشرق الأوسط.‎ ‎وتعترف أيضًا بأنه “بالنسبة لبعض منظمات السلام، فإنّ الانتقال إلى سياسة الصراع ضد الغرب أو النظام الرأسمالي – العالمي بعيد مسافةَ سنوات ضوئية”.‎ ‎لكن في نهاية الأمر، تظنّ أن المنظمات “ليست بحاجة إلى التغيّر، بل لإتاحة المجال أمام مجموعات جديدة لدخولها والتأثير فيها”.‎ ‎يبدو لي أنّ هذه التوصية هي تفويت كبير لفرصة التصحيح الجوهريّ في منظمات السلام.

وتكشف توصيات باتير أنها تقبل النظرة النمطية “الليبرالية” للسلام.‎ ‎ورغم أنها تعترف بأهمية قنوات الاتصال مع عناصر دينية، وإسلامية تحديدًا، فهي تظنّ أن الشراكة الطبيعية لمنظمات السلام هي مع الليبراليين العرب.‎ ‎وهي تتجاهل غياب التمثيل الديني والمحافظ في منظمات السلام الإسرائيلية، وتتغاضى عن كون منظمات السلام هذه، في تركيبتها الحالية، عاجزة عن التواصل مع مجموعات دينية ومحافظة عربية: فهي لا تراهم مُطلقًا، وحتى لو أرادت، ليس لديها الأدوات المهنية والحضارية لفهم هذه المجموعات والتواصل معها.

صحيح أنّ مواقع التواصل الاجتماعي توفّر اتصالا دون وسيط بمجموعات عديدة ومتنوّعة، لكنّ المثالَين اللذَين تذكرهما باتير في هذا السياق هما حملتا: “نحن نحبك، إيران”، و “نحن مع مصر”. ‎‎ ‎هذه الحملات لا قيمة لها بالنسبة للنقاش الجماهيري في مواقع التواصل الاجتماعي بالعربية – سواء من حيث طابعها أو مدى تمثيلها.‎ ‎هل ستنشأ من مجرد حوار باللغة الإنكليزية، جرى مثله الآلاف حتى الآن، “فرصةٌ حقيقيّة لإصغاء مفتوح وفاعل لأشخاص ومجموعات مختلفة”، وفيما بعد “وجهات نظر جديدة وطرق عمل جديدة” بين الإسرائيليين وجيرانهم؟‎ ‎توصي باتير، على سبيل المثال، بتعزيز القوى المعتدلة والليبرالية في الدول العربية، التي تشكل، رغم ضعفها السياسي والانتخابي، “فرصة لتحديد وإقامة علاقات مع قوى جديدة”.‎ ‎فهل يأتي الخلاص من مجرد حوار مع ليبراليين عرب، سبقه الآلاف من الحوارات حتى الآن؟‎ ‎وتقترح البحث عن مصالح مشتركة مع “مثقفين، رجال أعمال، دبلوماسيين سابقين، وما شابه”.‎ ‎فهل يؤدي حوار آخر مع أشخاص من النخبة، جرى الآلاف مثله حتى الآن، إلى إحداث تغيير؟

صدقت باتير في دعوتها منظمات السلام الإسرائيلية إلى إعادة فحص وجهات النظر التي تحرّكها.‎ ‎لذلك، يصحّ السؤال: ألا تحتاج الصورة النمطية الليبرالية، النيو ليبرالية، العلمانية، الذكورية، والنخبوية إلى زلزلة من الأساس، إذا أرادت هذه المنظمات أن تكون أكثر ارتباطًا بالمجتمع الإسرائيلي والمجتمعات المحيطة به؟‎ ‎وتشير باتير إلى هذا التغيير المطلوب، إذ تقول: اعترافًا بأنّ الربيع العربي يعكس أيضًا انقلابًا عُمريًّا في الدول العربية، فعلى منظمات السلام الإسرائيلية أن تندمج في هذا الانقلاب أو “تخلي المكان للاعبين جُدُد يستطيعون فعل ذلك”.

منهجية باتير هي جزء من المشكلة، وكذلك جزء من الحل.‎ ‎فهي تميّز بين منظمات سلام على شاكلة “سلام الآن”، “مبادرة جنيف”، “مركز بيريس للسلام”، “صندوق التعاون الاقتصادي”، “مجلس السلام والأمن”، وبين منظمات حقوق إنسان وحركات نزاع مثل “الشيخ جرّاح”، “هتحبروت – ترابط”، وغيرها لا تتناولها ورقة الموقف.‎ ‎لكنها تشرح لاحقًا أنّ التعامل مع النقاش حول الحقوق، الذي يتصدر الاحتجاجات التي تدفع “الربيع العربي” في الدول المجاورة، فرصة لإقامة ائتلافات إسرائيلية – عربية في شؤون غير سياسية.‎ ‎وهي توصي المنظمات أيضًا “بدعم النضالات من أجل التحرّر والعدالة”.‎ ‎لكنّ التعامل مع نقاش الحقوق والنضال من أجل التحرّر والعدالة يمكن أن يكون موثوقُا به فقط إذا كان إسرائيليا داخليا.‎ ‎لذلك، لا مبرر للتمييز بين منظمات السلام ومنظمات حقوق الإنسان، ولا مبرر لتنكّر منظمات السلام والتنظيمات اليسارية لمنظمات حقوق الإنسان.‎ ‎حان الوقت أن ينزل اليسار الصهيوني من على الجدار “ويشرح كيفية استعداده للنضال من أجل إنهاء الاحتلال والمساواة في الحقوق داخل إسرائيل”.‎ ‎للاحتلال منتقدون كثيرون، من داخل المؤسسة الأمنية أيضًا.‎ ‎ويعتقد بعضهم أنّه يقود إسرائيل إلى حافة الهاوية.‎ ‎فماذا هم مستعدون ليفعلوا ليمنعوا الكارثة؟‎ ‎أليس مطلوبًا هنا تغيير في القالب النمطي؟‎ ‎ألم يحن الوقت لهجر اعتبارات الشعبوية و”الرسمية” لعرض وجهة نظر شاملة وموثوق بها لتعاون في السلام بين إسرائيليين وعرب؟

ويمكن أن يكون تغيير هام إضافي في الصورة النمطية لمنظمات السلام تموضعًا في الواقع، ووقفًا لتوزيع الأوهام على الشعب الإسرائيلي.‎ ‎يمكن أن يزوّد الربيع العربي حاليًّا المزيد من النقاط الإيجابيّة.‎ ‎ويمكن أن يتجسد التغيير الإيجابي الذي يمثّله – سقوط أنظمة الاستبداد والقمع وازدياد قوة المواطن – فقط بعد جيل أو جيلَين من تصوير حياة الشعب قوميًّا، أنظمة قمع أخرى، ازدياد معاناة النساء والأقليات في العالم العربي، وهلم جرا. ‎ ‎قد تكون مخاوف وتشاؤم مواطني إسرائيل وحكومتها منطقية ومبرَّرة.‎ ‎ماذا تستفيد منظمات السلام الإسرائيلية من زرع أوهام بأنّ دولة فلسطينية ستتيح “سلامًا دائمًا ودافئًا أكثر مع كل الشعوب في المنطقة”، أو أنّ الأنظمة العربية الجديدة، التي هي تمثيلية أكثر ومتعلقة أكثر بالشعب، “ستستصعب القيام بهجومات أو حروب خارجية”؟‎ ‎من الأفضل لمنظمات السلام أن تعترف أنها لا تحمل بشارة بالضرورة في هذا الشأن.‎ ‎ليعترفوا بوجود تهديدات، لكن ليشدّدوا على أنّ على إسرائيل إنهاء الاحتلال أولا من أجل مصلحتها، بغض النظر عمّا يقوله العرب.‎ ‎يجدر بمنظمات السلام أن تعتاد من الآن على شرق أوسط أكثر تديُّنًا، أكثر قوميّةً، وأكثر مُحافظةً – بما في ذلك في إسرائيل نفسها – وأن تسأل كيف يمكنها أن تتأقلم معه.‎ ‎يجدر أيضًا الاعتراف بنزاهة أنّ اتفاقًا سياسيًّا يمكن أن يولّد فترة صعبة من عدم الاستقرار، الإحباط، واليأس. لكن يجب الإصرار على أنّ هذا هو الحل الوحيد الذي بإمكانه دفع عملية إنعاش العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، وبين اليهود والعرب.

الربيع العربي “يزوّد منظمات السلام بعدد من الفرص لإثارة نقاش جماهيري جديد”، كما تدّعي باتير.‎ ‎لكنّ ذلك مشروط باستعداد هذه المنظَّمات أن تنظر في المرآة المحرجة، وأن تسأل كيف يمكنها أن تعيد تشكيل نفسها لتكون على صلة بإسرائيل والشرق الأوسط المتغير.‎ ‎بكلمات أخرى، حان الوقت أن يعرّج الربيع العربي على منظمات السلام الإسرائيلية أيضًا.

اقرأوا المزيد: 1539 كلمة
عرض أقل
أشرف العجرمي، الوزير السابق لشؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية، في الكنيست الإسرائيلي (Mati Milstein, Flash90)
أشرف العجرمي، الوزير السابق لشؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية، في الكنيست الإسرائيلي (Mati Milstein, Flash90)

استعراض قوة لمعسكر السلام في الكنيست

أشرف العجرمي خلال نقاش في الكنيست: "دارت مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في منزل نتنياهو". سارع مكتب نتنياهو إلى إنكار الخبر.

08 يوليو 2013 | 17:35

في اجتماع خاص تناول دفع المفاوضات قدمًا بين إسرائيليين وفلسطينيين، قامت بتنظيمه اليوم مبادرة جنيف في مقر الكنيست، برز حضور أعضاء البعثة الفلسطينية. وقد برزت في النقاش أيضا شخصيات إسرائيلية إذ تطرقوا مؤخرًا إلى جهود كيري على الحلبة الإسرائيلية-الفلسطينية. وقد وعدت رئيسة المعارضة، شيلي يحيموفيتش، بدعم نتنياهو في حال قرر الشروع بمفاوضات، وادعى رئيس حزب كاديما، شاؤول موفاز، من جهته أنه “يوجد شريك”.

حيال دعم يحيموفيتش وموفاز غير المتحفظ للإصرار على دفع العملية السياسية قدما، اتهم وزير العلوم ، يعكوف بيري من حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل) الطرف الفلسطيني وقال: “يتحمل كل طرف من الطرفين مسؤولية ما عن جمود المفاوضات. أصبح الوضع اليوم دقيقًا، حساسًا وقابلا للانفجار. يتعين علينا أن نقول باستقامة أن العائق في تجديد المفاوضات موجود في الطرف الفلسطيني”.

وقد تطرقت يحيموفيتش أيضا إلى مبادرة الجامعة العربية التي تم تعديلها لاستئناف محادثات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وقالت: “خطوط عام 67 على أساس تبادل الأراضي هي اللغة التي يتحدث بها الإجماع. يجب أن نحتضن هذه اللغة بكل ما أوتينا من قوة. سوف تنشأ أمور جيدة فقط من ذلك. إن الصمت الذي تتعامل الحكومة به ما يحدث ليس جيدًا”. وأضافت يحيموفيتش أن التدخل الأمريكي في دفع عجلة المفاوضات في فترة تولي إدارة أوباما، هي أكثر كثافة من الفترة السابقة.

يعقوب بيري وشيلي يحيموفيتش في نقاش في الكنيست (Mati Milshtein)
يعقوب بيري وشيلي يحيموفيتش في نقاش في الكنيست (Mati Milshtein)

وقد شاركت في الاجتماع أيضا وزيرة العدل تسيبي ليفنيه، عضو الكنيست شاؤول موفاز (كاديما) وأعضاء كنيست كثيرون آخرون. وقد ادعى موفاز أن نتنياهو غير معني بالفعل بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، على الرغم من تصريحاته حول هذا الموضوع. وجاء في معرض أقوال موفاز: “ربما سيذهب نتنياهو إلى مفاوضات مع الفلسطينيين، ولكنه لا يرغب بالتوصل إلى اتفاق”. وأضاف “يوجد شريك في الطرف الفلسطيني”. واستدرك قائلا “عرفات لم يكن شريكًا، ولكن أبا مازن هو شريك كامل”.

وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في وقت سابق أن من كان يتقلد منصب الوزير الفلسطيني لشؤون الأسرى، أشرف العجرمي، قال خلال النقاش في الكنيست: “لقد دارت مفاوضات في الآونة الأخيرة في منزل رئيس الحكومة بين نتنياهو وممثلية عن السلطة الفلسطينية”. وأضاف: “أنا أريد أن أكشف سرًا. نحن أجرينا مفاوضات مع بيبي نتنياهو، في بيته، وجلسنا معًا لساعات طويلة. وكان من أدار المفاوضات أمام بيبي بشكل مباشر ياسر عبد ربه”. أما في ديوان رئيس الحكومة فقد أنكروا أقوال الوزير السابق العجرمي، وقالوا في ردهم أن “الأقوال غير صحيحة”.

في غضون ذلك، التقى عشرات النشطاء من الليكود وشاس مع الزعامة الفلسطينية في رام الله في إطار بعثة قامت مبادرة جينيف بتنظيمها. وشارك في البعثة أعضاء سكرتارية الليكود، أعضاء من مركز الليكود، رؤساء دوائر وفروع، أعضاء في المجالس البلدية، حاخامون ومستشارون سياسيون، كانوا قد شاركوا في الماضي في نشاطات أقامتها مبادرة جينيف، وقد تعلموا خلالها عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والحلول المقترحة لإنهائه.‎

وشارك من الجانب الفلسطيني في لقاء أمس ياسر عبد ربه، سكرتير اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس مبادرة جينيف الفلسطينية، نبيل شعث، عضو طاقم المفاوضات الفلسطيني، محمد مصري عضو اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية ووزير شؤون الأسرى سابقا أشرف العجرمي.

وقال شلومو مدمون، عضو سكرتارية الليكود، في اللقاء: “كنت عضو الليكود الوحيد حين زرت رام الله قبل سنتين. يوجد اليوم قرابة خمسين شخصا من الليكود. لقد تحدثنا معكم ذات مرة عبر عدسة البندقية. يجب علينا ألا ننقل النزاع إلى أولادنا وأحفادنا، لن نكف عن التطلع إلى السلام”. وأضاف مدمون، الذي يُعتبر شخصية بارزة في مؤسسات الليكود: “حين أعلن رئيس الحكومة عن دولتين، أدركت أنه قد حدث تغيّر في المنطقة. لقد قام زعيم لديكم أيضا، أبو مازن، الذي لا يدعو إلى إبادة إسرائيل بل يعترف بها”.

ياسر عبد ربه والحاخام منشيه زليخا من شاس في رام الله (Mati Milshtein)
ياسر عبد ربه والحاخام منشيه زليخا من شاس في رام الله (Mati Milshtein)

وقال المحامي دافيد غلس، وهو مستشار كبير في شاس: “لقد تحول السلام إلى كلمة مرادفة لتطلعات لن تتحقق. أريد أن أذكركم أن شاس قد بدأت نشاطاتها من أجل السلام قبل سنوات طويلة، والمتمثلة بفتوى الحاخام عوفاديا يوسف أنه من أجل السلام يمكن إرجاع الأراضي”.

وردًا على أقوال رئيس البعثة الإسرائيلية، قال ياسر عبد ربه، سكرتير اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية أن “الفلسطينيين يفحصون خطاهم في هذه الأيام حيال جهود الوسيط الأمريكي. لقد غادر كيري بإحساس أن هناك ما يجب فعله لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات”.

وقال نبيل شعث، عضو طاقم المفاوضات الفلسطيني، أنه منفعل لمشاهدة الجمهور ولسماع الأقوال التي قيلت: “أنا أومن أن السلام بواسطة حل الدولتين هو أمر ممكن. لم نفقد أملنا في التوصل إلى تسوية”.

اقرأوا المزيد: 658 كلمة
عرض أقل