تُعتبر العاصفة الجماهيرية التي أثارها فريق أبناء سخنين لكرة القدم، التي تعصف بعالم كرة القدم في إسرائيل، فرصة رائعة لبعض السياسيين في إسرائيل لحصد شعبية ودعم جماهيري، بسبب الأحداث الأخيرة التي وقعت.
تذكير: طلب فريق سخنين من الإدارة التنفيذية للدوري الإسرائيلي لكرة القدم تصريحًا لإقامة حفل تكريم لأربعة أشخاص ساعدوا بجمع تبرعات من أجل الفريق واستجابت الإدارة لذلك الطلب. في الحفل ذاته خرق فريق سخنين ما التزم به، واختار الفريق منح جائزة تقدير أيضًا لعزمي بشارة، عضو كنيست إسرائيلي سابق متهم بالتجسس وهرب من إسرائيل، وأيضًا لدولة قطر.
بعد انتهاء الحفل مباشرة بدأت العاصفة الجماهيرية، والكثير من السياسيين الإسرائيليين من الطرف الأيمن للخارطة السياسية أدلوا بتصريحات عنيفة ضد سخنين وطالبوا بمعاقبة الفريق عقابًا شديدًا. كان من السياسيين الذين برزت تصريحاتهم الشديدة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، وزيرة الرياضة ليمور ليفنات ونائبة الكنيست من حزب الليكود ميري ريغف. إلا أنهم لا شك يعلمون بأن عقاب فريق سخنين لا يُتوقع أن يكون عقابًا شديدًا.
وكان ليبرمان قد اقترح على فريق سخنين الانتقال للعب ضمن الدوري القطري أو الدوري الفلسطيني. وكانت ميري ريغف قد صرحت البارحة خلال برنامج إذاعي إسرائيلي: “بعثت برسالة إلى المستشار القضائي للحكومة وطالبت باستبعاد فريق سخنين من الدوري الإسرائيلي. يستغلون الرياضة من أجل منح منصة لأشخاص مثل بشارة. أتمنى إلغاء كل مبارياتهم”.
https://www.facebook.com/miri.regev.il/photos/a.538483556248464.1073741833.118410851589072/692815344148617/?type=1&permPage=1
تحظى ردود فعل السياسيين الإسرائيليين بالكثير من الشعبية في إسرائيل، بسبب الغضب العارم تجاه التصرف الذي قام به فريق كرة القدم. الغضب من عزمي بشارة هو أمر مفهوم تمامًا من وجهة النظر الإسرائيلية:
تشك المخابرات الإسرائيلية بأن عزمي بشارة، الذي سبق أن كان نائبًا في الكنيست الإسرائيلية بين عامي 1999 -2007 أنه خلال حرب لبنان الثانية، عام 2006، قام بالتعامل مع حزب الله من خلال كشفه عن معلومات حساسة مقابل مئات آلاف الشواقل. عندما عرف بشارة بموضوع الشكوك المثارة ضده هرب من إسرائيل، استقال من الكنيست ولم يعد مرة أُخرى.
أما قطر، الدولة الخليجية الغنية، تحوّلت إلى مصدر غضب للإسرائيليين منذ الصيف الأخير، بعد أن أبدت دعمها الواضح والكبير لحركة حماس، التي حاربت إسرائيل في حرب غزة (عملية “الجرف الصامد”)، وقطر أيضًا تُستخدم مقر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل.
لذا، الغضب الجماهيري ضد فريق سخنين هو كبير جدًا وهناك من يرى بهذا أن الفريق يتعامل مع جهات معادية لإسرائيل. قالت وزيرة الرياضة، ليمور ليفنات إنها تنظر إلى التصرف “المخجل والمرفوض” الذي قام به فريق سخنين نظرة جدية للغاية. وكانت ليفنات قد قالت: “وفق قوانين الفيفا واتحاد كرة القدم الأوروبي يُمنع إقحام الرياضة بالسياسة”.
“طلبت بأن يتم فحص إمكانية وقف تدفق الأموال من التوتو (هيئة المراهنات الحكومية – في إسرائيل التي تقدم الأموال لكل الفرق التي تلعب ضمن الدوري)”. وتابعت ليفنات قائلة: “على المحكمة التابعة لاتحاد كرة القدم استبعاد فريق سخنين من الدوري لفترة طويلة جدًا. نحن دولة إسرائيل، يجب أن تكون العقوبة غير مسبوقة، يجب ألا يكون فريق سخنين في الدوري الممتاز، بسبب العقوبة”.
إلا أن ليفنات تدرك، على الرغم من تصريحاتها العنيفة تلك، أنه لا يمكنها التأثير على العقوبة التي ستصدر ضد فريق سخنين. تمنع قوانين منظمة الفيفا، اتحاد كرة القدم العالمي، بشكل واضح جدًا الحكومة بالتدخل في كرة القدم المحلية، والدول التي يتم فيها التدخل بهذه الأمور يتم استبعادها مباشرة من أي منافسة عالمية. لا يمكن لليمور ليفنات، بصفتها وزيرة في الحكومة الإسرائيلية، أن تفعل أي شيء ما عدا أن تعبّر عن رأيها.
وكما ذُكر أعلاه، العقوبة التي ستصدر ضد فريق سخنين لن تكون عقوبة شديدة. أولاً، رغم الغضب الإسرائيلي ضد دولة قطر التي تدعم حماس، لا تُعتبر قطر دولة عدوة وفق القانون الإسرائيلي. وما عدا ذلك فإن الكثير من السياسيين الإسرائيليين الكبار سبق أن زاروا قطر، وفي مقدمتهم وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني عندما كانت وزيرة للخارجية. التعاون بين سخنين وقطر أمر معروف وحتى أن قطر قامت بتمويل إنشاء الاستاد في سخنين، الذي أُطلق عليه اسم “استاد الدوحة”.
ثانيًا، اعتاد الكثير من الإسرائيليين أن ينعتوا عزمي بشارة بالـ “جاسوس” بسبب الادعاءات الخطيرة ضده. رغم معرفة الجميع أن هناك سببًا واضحًا دفعه للهرب من إسرائيل إلا أنه لم تتم يومًا إدانة عزمي بشارة في أي محكمة بالتجسس. لذا، لا يمكن إدانة سخنين بأي إدانة بخصوص التعاون مع بشارة.
إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يُعاقب فريق سخنين لسببين. الأول: أخفى عن الإدارة التنفيذية للدوري الإسرائيلي لكرة القدم نيته تكريم عزمي بشارة ودولة قطر. ثانيًا: رفع المشجعون خلال المباراة علمًا كبيرًا كتب عليه “القدس قدسنا“، وعلى العلم صورة للمسجد الأقصى. هذه بمثابة رسالة سياسية ممنوعة.
تمامًا كما استغل سياسيون إسرائيليون يمينيون الحدث للحصول على شعبية جماهيرية كذلك فعل نواب كنيست عرب. ادعى عضو الكنيست أحمد الطيبي أن تلك الهجمة على فريق سخنين هي هجمة “مبالغ بها ومجحفة”. اختار الطيبي أيضًا أن يرد على ليبرمان، الذي اقترح على فريق سخنين اللعب في الدوري الفلسطيني، وقال “فليذهب ليبرمان للعب في وطنه – مولدوفا”. علق عضو الكنيست جمال زحالقة هو أيضًا قائلا: رياضة ليفنات وليبرمان هي التحريض ضد العرب”.
في نهاية المطاف، إقحام السياسة بالرياضة، في مسألة أبناء سخنين، هو أمر مؤسف للغاية. فقد مثل فريق سخنين في السنوات الأخيرة نموذجًا للتعايش بين إسرائيل والعرب، ودائمًا كان يضم الفريق لاعبين من العرب واليهود. معروف في إسرائيل أن رئيس الفريق السابق، مازن غنايم، الذي يشغل اليوم منصب رئيس بلدية سخنين، هو شخص لطيف ومحترم ودائمًا يعمل على التقريب بين العرب واليهود.
بالإضافة إلى ذلك فإن إدارة الفريق لم تتمكن من استقدام أي لاعب يهودي إلى فريقها، وربما ذلك بسبب أن فترة الانتقالات جاءت في فترة حرب غزة، التي أثارت النزعات القومية لدى الكثيرين من الطرفين. نجح الفريق بالنهاية باستقدام لاعبين يهوديين اثنين: مدافع وحارس مرمى بديل، بالإضافة إلى المدرب الجديد للفريق غاي ليفي.
وأيَضًا، تعرض فريق سخنين لأزمة مالية خانقة، وتمكن من تجاوزها بفضل هبة قدرها مليوني دولار مقدمة من دولة قطر. جاء الاحتفال ذاته تكريمًا لدولة قطر، إلا أن قطر ربما لم تعرف عن ذلك التكريم مسبقًا. لا شك أن هذه المسألة ستشكل تراجعًا في العلاقة بين فريق سخنين وعالم كرة القدم الإسرائيلي، وتصريحات السياسيين القاسية لا تساعد أبدًا على تهدئة النفوس.