كوندوليزا رايس

أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (AFP)
أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (AFP)

ما بعد بعد دمشق

بعد مضي سبع سنوات على حرب لبنان الثانية (حرب تموز 2006)، يوجّه حزب الله أسلحته التي جمّعها في سنوات الهدنة مع إسرائيل ليقاتل في سوريا، وخطابات نصر الله المعروفة أثناء الحرب بأن صواريخ حزب الله ستصل "ما بعد بعد حيفا"، أصحبت ترسل المقاتلين إلى دمشق

15 يوليو 2013 | 14:22

نشبت حرب لبنان الثانية حسب التسمية الإسرائيلية، أو حرب تموز كما تدعى في لبنان، بين إسرائيل ومنظمة حزب الله في جنوب لبنان، في تاريخ 12 يوليو (تموز) 2006، وكان سببها المباشر اعتداء حزب الله على مركبة للجيش الإسرائيلي وخطف جنود إسرائيليين. ومن أسباب الحرب غير المباشرة، رغبة إسرائيل في تدمير ترسانة حزب الله التي تراكمت في جنوب لبنان، خاصة منذ انسحاب إسرائيل عام 2000، والتي أصحبت تهدد إسرائيل ومواطنيها على نحو خطير، وكذلك تمرير رسالة إلى راعية حزب الله وممولته، إيران، مفادها أن إسرائيل لن تقبل بمخطط إيراني على حدودها الشمالية.

وسارعت منظمة حزب الله في أعقاب الحرب إلى رسم صورة بأنها المُنتصرة في الحرب، من خلال دعاية قوية متمثلة بخطابات أمينها العام، حسن نصر الله، الذي عظّم صمود الحزب رغم الدمار الذي لحق الدولة اللبنانية، والضربة القوية التي لحقت البنية التحتية للمنظمة. وبات حسن نصر الله يبث خطاباته المضلّلة، مختبأ في أماكن سرّيّة تحت الأرض، متوعدا بجولة ثانية من الصواريخ التي ستصل إلى ما بعد حيفا، إلا أن أولويات الحزب تغيّرت، وهو يرسل اليوم آلاف المقالتين إلى سوريا.

زعم حسن نصر الله أن حزب الله انتصرت في حرب 2006 رغم الخسائر التي لحقت المنظمة والدمار الذي لحق لبنان (Ferran Queved/propaimages" flash90)
زعم حسن نصر الله أن حزب الله انتصرت في حرب 2006 رغم الخسائر التي لحقت المنظمة والدمار الذي لحق لبنان (Ferran Queved/propaimages” flash90)

حزب الله- يد إيران الطويلة

أقيمت منظمة “حزب الله” في عام 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة منافسة لمنظمة “أمل” في لبنان. ويقوم الحزب، الممول على يد إيران وسوريا، بدورين أساسيين في لبنان، الأول كمنظمة سياسية تشارك في السياسة اللبنانية، والثاني كمنظمة إرهابية تملك قدرات حربية تفوق قدرة دولة لبنان.

وأصبح حزب الله، بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي في نهاية حرب لبنان الأولى عام 1985، أكثر المنظمات المسلّحة نفوذا في جنوب لبنان، ولا سيما وسط الطائفة الشيعية. وفي عام 1992 دخل حزب الله إلى السياسة، وتم انتخاب نوابه للبرلمان اللبناني. وتسعى المنظمة من خلال عملها السياسي إلى وضع يدها على مؤسسات الدولة، وفي حالات كثيرة تلجأ إلى إرهاب الدولة اللبنانية من أجل هذه الغاية. وأبرز هذه الحالات كانت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، علما أن جهات قانونية دولية تؤكد تورط حزب الله في الاغتيال.

أما الإرهاب خارج لبنان فيترتب على إطلاق الصواريخ نحو مناطق مسكونة في إسرائيل، وتنفيد عمليات ضد مواقع مرتبطة بإسرائيل واليهود في العالم. ومن هذه العمليات برزت العملية في مركز الجالية اليهودية في ” بوينس آيرس” عام 1944، وأحدث هذه العمليات تورّط عناصر من الحزب في تفجير حافلة لسياح إسرائيليين في بلغاريا، في مدينة “بورغاس”.

حزب الله تلجأ إلى التفجيرات والاغتيالات لإرهاب خصومها في لبنان (FP PHOTO/STR)
حزب الله تلجأ إلى التفجيرات والاغتيالات لإرهاب خصومها في لبنان (FP PHOTO/STR)

وأنشأ الحزب، بعد انسحاب إسرائيل عام 2000، بمساعدة إيران بنية حربية واسعة في لبنان. وتشمل ترسانة حزب الله منظومة صواريخ وقذائف يمكنها ضرب العمق الإسرائيلي. وأظهرت المنظمة الشيعية خلال مواجهتها الأخيرة مع إسرائيل عام 2006 أنها لا تتردد في قصف أهداف مدنيّة في إسرائيل. وخلقت المواجهة الأخيرة بين الطرفين، والتي استمرت 33 يوما، معادلة ردع جديدة، يحافظ بموجبها حزب الله على الهدوء.

وسعت إيران منذ نهاية الحرب إلى تعزيز قدرات حزب الله العسكرية، لا سيما تلك الصاروخية. وتضاعف عدد الصواريخ التي يملكها الحزب ثلاث مرات قدرته الصاروخية أيام حرب 2006. وحسب تقديرات في إسرائيل، تعتمد على مصادر أمنية، فإن حزب الله يملك نحو 60.000 صاروخ، بينها قذائف متوسطة الأمد يمكنها أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. وجهّزت إيران الحزب لمواجهة ثانية مع إسرائيل، ونقلت طهران الرسائل إلى نصر الله أنها تتوقع مواجهة قريبة مع إسرائيل.

ونقلت الصحافة اللبنانية عن مصادر مقربة من الحزب، عام 2011، أنه يستعد لحرب شاملة مع إسرائيل. وجاء أن الأوامر التي نُقلت إلى قيادات الحزب هي أنه سيطلق عمليات أرضية ضد إسرائيل، بالإضافة إلى الصواريخ، تحت اسم “احتلال الجليل”، وأرسل الحزب إلى إيران 5000 مقاتل، تلقّوا التدريب من أجل هذه المهمة. ولا يستبعد أن هؤلاء المقاتلين أرسلوا في آخر المطاف إلى سوريا للقتال في القصير.

تسليح حزب الله بعد 2006

دبابات الجيش الإسرائيلي تقصف مواقع حزب الله خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 (Olivier Fitoussi /Flash90)
دبابات الجيش الإسرائيلي تقصف مواقع حزب الله خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 (Olivier Fitoussi /Flash90)

اتَبعت المنظمة خلال حرب تموز 2006 خطة منتظمة لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، قاصفة في البداية المدن القريبة من الحدود اللبنانية مثل “كريات شمونه”، ونهريا وصفد، وبعدها وسّعت المنظمة مسافات قصفها لتصل صواريخها إلى مدينة حيفا و”كرميئيل”. ووفق المعطيات الإسرائيلية، أطلق حزب الله زهاء 4000 قذيفة إلى مناطق مأهولة بالسكان في إسرائيل. ورغم أن حزب الله لم يقصف تل أبيب، إلا أن حسن نصر الله توعد بقصفها قائلا إن الحزب سينتقل إلى “مرحلة ما بعد حيفا”.

ورغم أن الحرب غيّرت من ميزان الرعب بين إسرائيل والحزب، وجلبت الهدوء إلى حدود إسرائيل الشمالية، إلا أن إيران وحزب الله لم تكفا عن التسّلح. وكشفت أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية، عن نقل صواريخ من إيران إلى حزب الله عبر سوريا مرة بعد مرة. وتحوّلت الحدود اللبنانية – السورية إلى معبر سهل للأسلحة إلى سوريا، رغم وجود الجيش اللبناني على الحدود.

وبنت إيران، سوريا، وحزب الله شبكة لوجستية كبيرة تتيح نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله بسرعة وبصورة منتظمة. وبُنيت هذه الشبكة في أعقاب اغتيال القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، وهدفها هو حماية عمليات حزب الله السرية، والحفاظ على أمن مقاتليها وقادتها. وأرسلت إيران عبر هذه الشبكة، وفق معلومات من عام 2011، نحو 40.000 قذيفة بأحجام مختلفة.

وكثّفت إيران من إمداد حزب الله بغرض تجديد الترسانة التي فقدها في حرب لبنان الثانية. ويملك الحزب قدرات صاروخية تفوق تلك التي كانت عام 2006، فهو يملك صواريخ من طراز “فاتح 110″، وصواريخ “سكود س”. وسلّح حزب الله جنوده بكافة الأسلحة الخفيفة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن إيران زوّدت الحزب بطائرات من دون طيار، ودرّبت إيران رجال الحزب لاستعمال كافة هذه الأسلحة.

يذكر أن الحرس الثوري الإيراني يبحث عن مسارات أخرى لتهريب السلاح إلى حزب الله، ومثلا على ذلك، أوقف سلاح البحرية الإسرائيلي، عام 2009، سفينة حمل MV Franco، والتي نقلت أسلحة إيرانية مقصدها حزب الله، كانت في طريقها إلى ميناء اللاذقية. وعثرت القوات الإسرائيلية على 500 طن من الأسلحة على متن السفينة. وتحاول إيران أن تلتف على الاستخبارات الغربية والإسرائيلية بواسطة مسار تهريب عبر أفريقيا وأوروبا.

وأنشأت إيران كذلك مشاريع للاتصالات خاصة بحزب الله، مستقلة عن دولة لبنان، ونشرت شبكة ألياف ضوئية في كل لبنان لهذا الغرض. وموّلت ولاية الفقيه هذه المشاريع تحت “صندوق إيران لإعمار لبنان”. ويقوم الحزب بإخفاء معدات القتال في المساجد، والمدارس، والمرافق العامة. ووفق الاستخبارات الإسرائيلية تحوّلت نحو مئة قرية لبنانية لموقع عسكري خاص بحزب الله.

التورط في الحرب الأهلية السورية

لا يُخفى على أحد اليوم أن إيران وحزب الله يأبيان أن يسقط نظام الأسد في لبنان. وقد تحوّل دعمهما المعنوي للأسد إلى دعم مادي، فمن حديث عن أن الأسد ليس بحاجة إلى مساعدة مقاتلي المنظمة، أصبحت تصريحات حسن نصر الله وخطاباته تشدّد على أهمية القتال إلى جانب النظام السوري في القصير، والاستعداد للقتال في حلب وحمص ودمشق.

جنازة لأحد مقاتلي حزب الله في قرية خيام اللبنانية بعد مشاركته في الحرب السورية (ALI DIA / AFP)
جنازة لأحد مقاتلي حزب الله في قرية خيام اللبنانية بعد مشاركته في الحرب السورية (ALI DIA / AFP)

فسوريا، بالنسبة لإيران، هي موطئ قدم في قلب العالم العربي. وتقوم إيران وحزب الله من أجل الحفاظ على هذا الأصل الاستراتيجي بأمرين، الأول هو دعم نظام الأسد ماديا لإطالة بقائه في الحكم، والثاني هو إقامة جيش شعبي من الطائفة الشيعية في سوريا لليوم ما بعد الأسد. وسيمكّن هذا الجيش إيران وحزب الله من الحفاظ على نفوذهما في سوريا.

إذن إيران وحزب الله لن يسمحا في أي مرحلة أن تستقر سوريا في حال سقط الأسد، ولا يستبعد أن المخطط هو تحويل سوريا إلى لبنان جديدة في مرحلة ما، مقسمة وغير مستقرة، وفيها منظمة شيعية تلبي رغبات إيران بدل الأسد.

ويطمح حزب الله كذلك إلى الحصول على قدرات عسكرية متقدمة من النظام السوري، تتيح له تغيير ميزان الرعب بينه وبين إسرائيل. وضمن هذه القدرات، صواريخ متقدمة مثل صواريخ بر- بحر من نوع “ياخنوت”، وصواريخ في مجال الدفاع الجوي مثل صواريخ SA-17.

وفي هذا السياق، نسبت وسائل إعلام غربية إلى إسرائيل القيام بهجمات جوية في دمشق العام الجاري، استهدفت قافلة صواريخ “فاتح 110″، كانت في طريقها إلى حزب الله من إيران. وتشمل مساعدة حزب الله لسورية إرسال مقاتلين إلى جبهات القتال، ولا سيما في المناطق الشيعية مثل منطقة القصير والسيدة زينب، وتدريب قوات سورية على معارك ال “غريلا”، وتقديم الاستخبارات، وحراسة الحدود السورية، وعمليات ردع واغتيال في لبنان، ونشر الدعاية الداعمة للأسد.

وأصحبت دعاية حزب الله لتبرير النظام السوري هشة وغير مقنعة، متمثلة في خطابات حسن نصر الله، ومما جاء قبل وقت قصير في خطاباته لتبرير مجازر الأسد قوله إن “سوريا هي ظهر المقاومة، وهي سند المقاومة. وإذا سقطت سوريا في يد الأمريكي، والإسرائيلي، والتكفيري، ستحاصر المقاومة. إذا سقطت سوريا ضاعت فلسطين، وضاعت المقاومة في فلسطين، ضاعت غزة، والضفة العربية والقدس الشريف”. ويسال سائل: هل يعقل أن يقتل نظام الأسد نحو 100.000 سوري، بينهم أطفال ونساء، لكي يحتفظ بلقب المقاومة؟

ورغم الثمن الباهظ الذي تدفعه منظمة حزب الله ماديا، المتمثل بمئات القتلى في المعارك السورية، ومعنويا، بحيث أن اللبنانيين فقدوا صبرهم من سياسة الحزب ومآربه، يواصل الحزب في القتال إلى جانب الأسد.

وتحدثت تقارير أخيرة في إسرائيل عن أن الحزب يجمع معلومات استخباراتية عن تحركات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان، ما فسّره ضباط إسرائيليون أنه يلّمح إلى مغامرة جديدة يخططها الحزب مع إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 1326 كلمة
عرض أقل
عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)
عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)

أين هم اليوم؟

إيهود أولمرت، عمير بيرتس ودان حالوتس - الثلاثي الذي قاد إسرائيل في حرب لبنان الثانية، ووجد نفسه خارج نخبة الدولة بعد الحرب. بعد سبع سنوات، وقت كافٍ للحكم بأكثر وضوحا على أدائهم وعلى نتائج الحرب، عدنا لنفحص - أين هم اليوم.

في 12 تموز 2006، هاجم حزب الله سيارتين إسرائيليتَين تجولتا على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، هجوم أدى إلى بدء حرب لبنان الثانية. فيما كُتب الكثير في محاولة لفهم آثار الحرب على الوضع السياسي في الشرق الأوسط، لم يجرّ إلى الوصول لاستنتاجات قاطعة بشأن هوية المنتصرين والمهزومين في الحرب. ليس هناك أي شك أنّ ثلاثة رجال دخلوا الحرب في ذروة قوتهم، وخرجوا منها متضررين. بعد سبع سنوات نعرض عليكم السيرة الذاتية لرئيس الحكومة، وزير الأمن ورئيس الأركان الإسرائيلِين.

رئيس الأركان حالوتس

خلع بزته العسكرية من دون أن يحظى بمحبة الجمهور الإسرائيلي

“لن أخلع البزة العسكرية حتى ينزعوها مني”. أجاب رئيس الأركان دان حالوتس في حينه ردّا على النقد الذي وُجّه إليه بشأن أدائه في حرب لبنان الثانية. صرّح حالوتس، مدعومًا من وزير الأمن عمير بيرتس، أنه لن يتخلى عن منصبه وسيركز على تجهيز الجيش لمواجهة مستقبلية، وإصلاح العيوب التي ظهرت خلال الحرب.

لكن بعد أقل من سنة تغيّر هذا الموقف كليا: “لكي نكون في الريادة، يتوجب علينا أن نتحمل مسؤوليتنا”. قال حالوتس في خطاب استقالته في مستهل العام 2007.

قال حالوتس مؤخرا عن الحرب: “في هذه الحرب كانت إخفاقات وإنجازات كجميع حروب إسرائيل، ولكن تم إبراز الإخفاقات أكثر”. في السنة الماضية، أوضح حالوتس أنه “كان هناك الكثير من الإخفاقات التكتيكية، الأدائية وحتى الاستراتيجية. لكن كانت هناك نجاحات أيضًا. تعززت قوة الردع الإسرائيلية وثمة من يعتقد أن هذا لم يحدث، لكنني أظن أنها تعززت. وأحاول تعليل ذلك بأننا كنا في الماضي نُقابَل بالنار ردا على عمليات معينة كنا ننجزها، وقد قمنا بها في السنوات الست الأخيرة. كُنّا نقابَل بإطلاق نار. هذا لم يحدث. هذا ردع”.

دان حالوتس (IDF spokesperson)
دان حالوتس (IDF spokesperson)

على مر السنين، كان رؤساء الأركان سلعة مطلوبة في السياسة الإسرائيلية. فكل جنرال متقاعد كان يحظى بملاحقة فورية من كافة أحزاب الطيف السياسي. كل حزب يفتخر برؤساء أركانه، ولا بد لكل حزب طَموح من أن يمتلك الختم الأمني للجندي رقم 1 سابقًا في ترسانته. لكن خلافًا ليعلون، موفاز، ليفكين- شاحك وباراك الذين سبقوه، خلع حالوتس بزته العسكرية من دون أن يحظى بمحبة الجمهور الإسرائيلي. توقف الدعم الواسع الذي حظي به الجيش بعد الحرب في الطابق الرابع عشر في “هكرياه”، على مدخل مكتبَي رئيس الأركان ووزير الأمن. لكن رغم أنه لا يشكّل قوة انتخابية مهمة، إلا أن فكرة دخول السياسة قد داعبت أفكار حالوتس.

بعد نشر مذكراته عام 2010 قرر حالوتس أنّ حزب كاديما، أكبر أحزاب المعارضة في حينه، هو الحصان الذي يمكن أن يمتطيه لدخول السياسة. لكن رغم انتصار شاؤول موفاز، سلف حالوتس في رئاسة الأركان والمرشح الذي دعمه حالوتس في الانتخابات التمهيدية، أدى تفكك كاديما إلى اعتزال حالوتس الحياة السياسية سريعًا.

على مر السنوات الماضية، عمل حالوتس كرئيس لمجلس إدارة سترلينغ، وهي شركة هوائيات تم بيعها قبل نحو سنة. أنهى حالوتس وظيفته في الشركة بعد أقل من 3 سنوات، تاركًا وراءه شركة مثقلة بالخسائر. عمل بعد ذلك مديرًا عامًّا لشركة “كمور موتورز”، مستوردة سيارات BMW‏ في إسرائيل وبلغاريا.

في الأشهر الأخيرة، جرى تعيين حالوتس مديرًا عامًّا لشركة هايتك تُدعى “جوبوكيت”. وبين الجلسات، وفيما أخذت تقوى الجرثومة السياسية المعششة بداخله، يخصص جزءا من وقته للمشاركة في برنامج إذاعي، لتقديم تحليله لأحداث الساعة.

وزير الأمن بيرتس

بقي على الساحة السياسية، رغم كل شيء

وحده بيرتس، بين أفراد المجموعة، الذي كان وزيرًا للأمن إبان الحرب، لا يزال يتجول في أروقة الحكم في إسرائيل.

لاقى بيرتس صيف 2006 وهو في أوج مسيرته، كرئيس لحزب العمل، شريك رئيسي في الائتلاف، ووزير أمن طري العود. بعد الحرب، تزايد النقد من اليمين واليسار على أداء الحكومة والجيش، حيث كان بيرتس أحد المتهمين الرئيسيين، لكنه لم يبالِ بالدعوات إلى استقالته.

تجاوز النقد كل الحدود في الحادثة المعروفة، حين نسي بيرتس أن ينزع الغطاء عن عدسات المنظار خلال مشاهدته مناورة عسكرية في هضبة الجولان. خلّدت كاميرات الصحافة التي التقطت الحدث هذه اللحظة، التي جسّدت في نظر كثيرين كل النقد الذي وجهوه للقيادة الإسرائيلية العديمة الخبرة خلال الحرب.

استمر بيرتس يشغل منصب وزير الأمن في فترة هدوء نسبي، حيث تركز جل اهتمامه على الوضع في قطاع غزة. كان بيرتس، أشهر سكان مدينة سدروت التي تعاني منذ سنوات من إطلاق القذائف من قطاع غزة، هو الذي وافق على تطوير “القبة الحديدية” رغم المعارضة القوية لتنفيذ المشروع. عام 2006، أوضح بيرتس: “أن هذا هو المشروع الأهم الآن، ولذلك يجب التفكير في تعريف برنامج التطوير كـ “خطة طوارئ”، وتسريعه قدر الإمكان”.أضاف النجاح الكبير للقبة الحديدية خلال حملة “عمود السحاب” السنة الماضية الكثير من الفخر لعمير بيرتس، الذي نال وفرة من الثناء بعد سنوات كثيرة فقد فيها احترام الجمهور في إسرائيل.

في حزيران 2007، بعد انتخاب إيهود باراك رئيسًا لحزب العمل، قدّم عمير بيرتس استقالته من منصبَي نائب رئيس الحكومة ووزير الأمن. عاد بيرتس إلى المكان الذي نشأ فيه وشعر فيه بالراحة على مر السنين، بين العمال الميدانيين ومتعهدي الأصوات في حزب العمل.

عمير بيرتس (Uri Lenz/FLASH90)
عمير بيرتس (Uri Lenz/FLASH90)

شرع بيرتس، الذي تمكن من تجميع قوة قادته إلى الفوز في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل بدعم واسع من العاملين على الأرض في الحزب، بإعادة بناء قوته. بدأ بيرتس مساعيه من المكان العاشر في قائمة حزب العمل في الكنيست الـ18. وبعد انضمام الحزب للائتلاف خلافًا لرأيه، قاد مجموعة صغيرة من أعضاء الكنيست عُرفت بـ”المتمردين”، الذين عارضوا خطوات الحكومة، رغم أنهم كانوا رسميا جزءا من الائتلاف.

وصل بيرتس إلى الانتخابات التمهيدية التالية مع قاعدة دعم واسعة في الحزب. لكن من واجهه هذه المرة لم يكن إيهود باراك غير الشعبي، بل القوة الصاعدة في الحزب، شيلي يحيموفيتش. أنهى بيرتس انتخابات رئاسة الحزب في المرتبة الثانية، لكن مع 45% من أصوات المقترِعين. سجّل بيرتس إنجازات بارزة حينما نجح في دفع عدد من المرشحين الذين دعمهم إلى أماكن هامة، مثل ميراف ميخائيلي وإيتان كابل، اللذين نجحا في التموضع بين العشرة الأوائل.

لم ينتظر بيرتس كثيرًا لتصدر العناوين، إذ سرعان ما بدأ بإظهار نفسه زعيمًا لمعسكر معارض للرئيسة شيلي يحيموفيتش. أعلن بيرتس أنه سيحاول منع انضمام العمل إلى حكومة مستقبلية برئاسة نتنياهو، ودعا يحيموفيتش إلى عرض برنامج سلام مفصّل وإلى التوضيح بأنّ حزب العمل يعارض الاستيطان، خطوتان حاولت يحيموفيتش تجنبهما.

لكن المفاجأة الكبرى كانت حين أعلنت رئيسة حزب “الحركة” تسيبي لفني عن انضمام بيرتس إلى حزبها. أوضح بيرتس سبب امتناع يحيموفيتش عن انتهاج خط سياسي واضح: “الشعب اليهودي شعب يسعى إلى السلام، الذي نريده جميعًا. لكن في معركة الانتخابات، يحاولون إخفاء ذلك خشية أن يشكّل الصراع حوله عبئا انتخابيا. ربما إن تكلمنا عنه كلامًا مبهمًا، سننجح في الحصول على مقترِعين أكثر. بالنسبة لي، السلام هو مكسب انتخابي”.

بعد الانتخابات، وجد بيرتس نفسه في المكان الذي كان يصرّح أنه ضده طيلة السنوات الأخيرة، في ائتلاف يقوده نتنياهو. بفضل وعود مسبقة من لفني، وجد بيرتس نفسَه قبل بضعة أشهر مجددا في مكتب وزير، وزيرًا لجودة البيئة هذه المرة، خلفًا لجلعاد أردان الذي كان أداؤه مميزا في الحكومة السابقة.

لم تصل بشائر كبرى في المجال البيئي من مكتب بيرتس بعد، وهو يهتم حاليا بالحفاظ على موقعه بصفته الرمز اليساري للحكومة الجديدة.

رئيس الحكومة أولمرت

مُصرٌّ: سوف أعود

في أعقاب الحرب في لبنان، انخفض بشكل حاد تأييد الجمهور لأولمرت، وتكاثرت الدعوات لاستقالته. خيام احتجاج أقامها جنود الاحتياط في القدس، ونجحت في أخذ موقعها في الخطاب العام بدعم من المعارضة برئاسة نتنياهو، لكن أولمرت لم ينوِ الاستقالة. بحدّ أدنى من الدعم الجماهيري، جندي مخطوف في قطاع غزة وتحقيقات جنائية بدأت تتكدس، رأى أولمرت أمامه خشبة خلاص تتمثل في اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية.

في السيرة الذاتية لكوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك، كُتب: “كان يمكن أن يموت أولمرت في محاولته التوصّل إلى معاهدة سلام، فقد قُتل رابين على أقل من ذلك بكثير”. بدأت رايس تزور المنطقة بوتيرة أكبر، وكان التقدم “بطيئا، ولكن ثابتًا”، على حد قولها. تذكر رايس في الكتاب أنّ الزيارات جرت على نحو ثابت: لقاءات مع ممثلي الدول العربية عبر مجلس التعاون الخليجي، لقاءات في مكتب أولمرت الذي دخّن السيجار فيما شربت هي الشاي، محادثات متعمّقة خلال وجبة العشاء، ومن ثم لقاءات مع الفلسطينيين.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

وقد كشفت رايس النقاب عن أنّ اقتراحات أولمرت ذهبت إلى أبعد من أي اقتراح إسرائيلي سابق. حسب قولها، أخبرها أولمرت: “لا أدري ماذا يريد (أبو مازن). إنه يريد شيئا متعلقًا باللاجئين والقدس. سنعطيه ما فيه الكفاية من الأرض، ربما نحو 94% مع تبادل أراضٍ. لديّ فكرة بخصوص القدس. لتكن هناك عاصمتان، واحدة لنا في القدس الغربية، وأخرى للفلسطينيين في القدس الشرقية. يجري انتخاب رئيس البلدية في المجلس البلدي المشترك وفقًا لنسبة السكان. يعني ذلك أنه إن كان رئيس البلدية إسرائيليًّا، يكون نائبه فلسطينيًّا. نواصل الحفاظ على الأماكن المقدسة، لأننا نستطيع تأمين الوصول إليها”. قال أولمرت لاحقا: “نستوعب بعض الفلسطينيين داخل إسرائيل، ربما خمسة آلاف. لا أريد أن أدعو ذلك لمَّ شمل، لأن هناك الكثير جدا من أبناء الأعمام، فلن نستطيع التحكم في ذلك. فكرتُ في طريقة إدارة المدينة المستقبلية – يُفترض أن تكون لجنة – ليس موظفون بل رجال حكماء – من الأردن، المملكة العربية السعودية، الفلسطينيين، الولايات المتحدة، وإسرائيل. سيشرفون على المدينة، ولكن ليس من الناحية السياسية”.

كان أولمرت يعي مكانته الواهنة في إسرائيل، لا سيما على الصعيد الأمني. وقد أوضح لرايس: “أستطيع تمرير هذه الصفقة، ولكن ليس إن قال الجيش إنّ هذا يمس بأمن إسرائيل، فهذا أمر لا يستطيع أي رئيس حكومة في إسرائيل أن يتجاوزه. أنا أخاطر هنا كثيرًا، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتخطاني”.

إلا أن الضغط قد تزايد في أعقاب الحرب، وإثر حملة “الرصاص المصبوب”، مع كمية كبيرة من التحقيقات الجنائية التي أجريت معه، شكلت جميعها عائقا كبيرا في طريقه. “كان أشبه بطة عرجاء، وكذلك كان الرئيس (بوش)”، كتبت رايس. “لكنني، مع ذلك، خشيتُ ألا تكون للعالم فرصة كهذه لاحقًا”.

رفض عباس الاقتراح، وفي تموز 2008، أعلن أولمرت أنه لا ينوي الترشح في الانتخابات التمهيدية لحزبه، وأنه سيستقيل من رئاسة الحكومة فور انتخاب رئيس جديد للحزب.

بدأ أولمرت بتخصيص وقته لحربَين، واحدة على المستوى القضائي لإثبات براءته، والأخرى في المستشفيات. بين زياراته إلى غرف التحقيق وقاعات المحاكم، زار أولمرت المستشفيات أيضًا لعلاج سرطان البروستات الذي اكتشف في جسمه. اختفى أولمرت السمين من العام 2005، واستبُدل بنسخة هزيلة ونشيطة.

لكن منذ استئصال السرطان، التبرئة الجزئية في قضيته الأولى ودخول الادعاء في القضية الثانية ضده في مشاكل إثر وفاة شاهد الملك، تمر أيام جميلة على رئيس الحكومة السابق. أدت التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها المسألة الإيرانية بتشجيع من رئيس الحكومة نتنياهو إلى نتائج تعاكس ما توقعه الأخير. بدأ الجمهور الإسرائيلي يشتاق للفترات الماضية، التي لم يكن رئيس الحكومة يحاول فيها تحقيق أرباح سياسية بواسطة تهديدات استراتيجية. وزادت المقارنات بين طريقة معالجة بيغن المحبوب لقضية المُفاعل العراقي والهجوم الهادئ الذي قاده أولمرت على المفاعل في سوريا، من الدعم الشعبي لأولمرت، لا سيما في الشأن الأمني الذي طالما شكّل نقطة ضعف لأولمرت، الذي يفتقد إلى الخبرة العسكرية.

في السباق لانتخابات الكنيست الـ19، كان أولمرت الاسم الساخن. سواء كان بسبب حقيقة أنّه لم يقرر بعد إن كان سيترشح، أو لأنه رغب في تمديد الفترة التي استأثر فيها باهتمام إيجابي، أجّل أولمرت القرار إن كان سيخوض الانتخابات لرئاسة الحكومة أم لا، وقتًا طويلًا. كانت المعارضة الإسرائيلية بحاجة ماسة لزعيم يستطيع تحدي سلطة نتنياهو، وأظهرت الاستطلاعات أنّ أولمرت كزعيم لكتلة يسار وسط سيشكّل المنافس الأفضل لنتنياهو.

اعتقد أولمرت أن العودة إلى السياسة في الوقت الراهن مبكرة جدا. لكن الرجل الذي أوجد عبارة “من وراء الكواليس” كان كعادته لاعبًا رئيسيًّا في الانتخابات، وإن لم يخضها بنفسه. منح أولمرت رعايته لحزب كاديما، وكان مستشارا رئيسيا لزعيمَين وسطيَّين إسرائيليَّين، تسيبي ليفني ويائير لبيد. وقد ألمحت إنجازاتهما في الانتخابات لأولمرت أنّ الساحة مهيأة لعودته للحياة السياسية.

يقدّر المحلل السياسي في جريدة هآرتس، عاموس هرئيل “أنه عندما نلتقي بأولمرت في المنتديات المختلفة، يصعب عدم تمييز الطموح المزدوج الذي يتأجج في داخله: أن يحظى بالتقدير، الذي سُلب منه حسب رأيه، على إنجازاته كرئيس للحكومة، وأن يعود بسرعة إلى الساحة السياسية. تُذكَر حرب لبنان الثانية، التي تثير خلافات في وجهات النظر إلى حد كبير، بسرعة بشكل عام مع التشديد على الهدوء الذي يسود الحدود منذ ذلك الحين. ويتحدث بتوسّع أكبر عن الاقتراحات السخية التي قدمها للفلسطينيين، والتي رفضها رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن). وبين هذا وذاك، أولمرت معتاد على إطلاق الرموز لحملات عسكرية خفية ناجحة جرت في عهده في سوريا، السودان، وإيران”.

وفي لقاء مغلق مع متبرعين في شهر نيسان، أعلن أولمرت أنه يعتزم خوض انتخابات الكنيست القادمة كمرشح لرئاسة الحكومة. في أي حزب سيخوضها، وهل ستمنعه التعقيدات الجنائية من خوضها، سنعرف في المستقبل.

 

اقرأوا المزيد: 1870 كلمة
عرض أقل