تحت عنوان “فرّت من داعش وألقت خطابا في البرلمان الإسرائيلي” ، بتاریخ 25 يوليو 2017، کتب الأستاذ عامر دکة، في الموقع الإخباري “المصدر”، أن الناشطة اليزيدیة نادیة مراد زارت إسرائیل، وألقت کلمة في الكنیست الإسرائیلي حول ما تعرضت له هي والیزيدیون من تعذیب وقتل وإبادة واغتصاب وکل أنواع الجرائم من قبل عصابات داعش المجرمة. ما جلب انتباهي أنە في کل ما کتبه الأستاذ دکة وفي کل ما قالته الناشطة مراد، لم تذکر ولو بكلمة “کرد، شعب کردي أو کردستان”، بل تتكرر عبارة “الشعب الیزیدي”.
أعرف مقدما أن کلمة شعب، یمكن أن تفسر قانونیا ولغویا وسیاسیا واجتماعیا ودینیا وفلسفیا، تفسیرات مختلفة ولكن کل التفسیرات تتفق علی کون الشعب (بالإنجليزية: People): هي لفظة مفردة (جمعها: شعوب)، تستخدم عادة للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام ينتمون إلى فئة ما، قد تكون أمة، طبقة، مجموعة إثنیة، بلد، عائلة، مجتمع، يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات، ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب، إضافة إلى أسلوب العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب . حسب هذا التعریف، فإن اليزيديين کما الكثیر من سكنة المعمورة یدرجون في إطار الشعوب، لكنهم وحسب کل التعاریف والدراسات التاریخیة والاجتماعیة والإثنیة، لیسوا سوی جزءا من أبناء الأمة الكردیة ومناطق سكناهم ومعابدهم وأماکنهم المقدسة، جزء من أرض کردستان، کما أن هناك أعدادا کبیرة منهم یتواجدون في المهجر.
حسب الموسوعة البریطانیة (Encyclopædia Britannica): الیزيدیون “أعضاء أقلیة دینیة کردیة، یتواجدون في شمال العراق، جنوب غرب ترکیا، شمال سوریا، القفقاس وأقسام من إیران. تتضمن دیانتهم عناصر من الدیانات الإیرانیة القدیمة وکذلك من الدیانات الیهودیة والنسطوریة المسیحیة والإسلام. تتراوح أعدادهم ما بین 200000 – 1000000 شخصا”. وحسب الموسوعة الإیرانیة (Encyclopædia Iranica): الیزيدیون “أقلیة دینیة کردیة، تتناقض تعالیمهم مع الدیانة السائدة للأکثریة أي الدیانة الإسلامیة. یعیشون في شمال العراق، شمال سوریا، جنوب ترکیا والقفقاس وکذلك المهجر في أوربا. لغتهم التي یتحدثون بها هي اللغة الکردیة (اللهجة الشمالیة أي الکرمانجیة)، کما أن اللغة الکردیة هي لغة الثقافة والتعالیم والتقالید الدینیة المحکیة والشفهیة الإیزدیة” . کما أن هناك من یٶکد علی أن اليزيديین (بالکردیة: Êzidî أو ئێزیدی) هي مجموعة عرقیة دینیة تتمركز في العراق وسوريا. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في ترکیا، وسوریا، وألمانیا، وجورجیا وأرمینیا. ينتمون عرقيًا إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندو – أوروبية.
يتكلم اليزديون اللغة الكرمانجیة. صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوسهم الدينیة، باللغة الکرمانجیة. يرى الكثير من اليزيديين أنفسهم كرد القومية. جاء في المنجد: “الیزیدیة، عقیدة دینیة تقوم علی تقدیس الشیطان. نسبتها إلی یزد أو یزدان من آلهة الزرادشتیین الإیرانیین. أتباعها من الأکراد، نحو 50000 ن. یعیش معظمهم في شمالي العراق لا سیما في قضاء سنجار بمحافظة نینوی، منهم جماعات في تورکیا ونواحي حلب. أشهر أولیائهم الشیخ عدي بن مسافر، صاحب “کتاب الجلوة”، وکتاب “مصحف روش” من الكتب المقدسة عندهم” .
ضریح الشیخ آدي من الداخل
الموسوعتان البریطانیة والإیرانیة والمصادر الأخری، تٶکد جمیعها علی کون الیزيدیین کردا من الناحیة القومیة ویسكنون أرض کردستان (فشمال العراق وجنوب شرق ترکیا وشمال سوریا ما هي إلا کردستان) ولغتهم هي اللغة الكردیة، وهي لغتهم الأولی ولغة الأم عندهم، والکرمانجیة ماهي إلا لهجة من لهجات اللغة الکردیة.
للیزدیین کتابان مقدسان هما: “کتاب جلوة، بكسر الجیم” والذي یعني: کتاب النور، کتاب الإشراق أو کتاب الضیاء. فحسب اعتقاد الیزيدیین فإن الكتاب عبارة عن کلمات وأقوال “طاوس ملك”، الذي یعتبر أقدس وأعظم الملائکة عند الیزيدیین. ففي الميثولوجيا اليزيدية طاووس ملك قد تجسد في الشیخ عدي بن مسافر (بالکردیة: شیخ آدي). أما الكتاب الآخر فهو “مسحفا رش” أي “المصحف الأسود”، فكلمة “رش” والتي تكتب بالكردیة “ڕەش” تعني “أسود”. الكتابان مكتوبان باللغة الكردیة. کلمة الیزيدیة، مصدرها “إیزد أو إیزدان، بالکردیة: ئێزدان أو یزدان” وتعنی الإلە أو اللە في اللغة الکردیة واللغات الإیرانیة الأخری. صلوات الیزيدیین وکل الطقوس الدینیة والأدعیة عندهم تتلا وتقال باللغة الكردیة. الیزيدیون یحجون إلی “لالش”، التي تعتبر قبلتهم و محجهم وأقدس بقعة في العالم حسب اعتقادهم، وتقع لالش بالقرب من مدینة دهوك في کردستان ويعد من أقدم المعابد في كردستان، حيث تُرجع بعض المصادر تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
لالش، أقدس بقعة في العالم عند الیزيدیین
لو عدنا قلیلا إلی التاریخ لنجد أن الأنظمة والسلطات العربیة الحاکمة في العراق وعلی مر التاریخ، حاولت دوما تعریب الیزيدیین وطمس و مسح هویتهم القومیة الكردیة، مستغلة کونهم من دین لیس دین الأکثریة. ما تقولە مراد عن “العودة إلی العراق وأن العراق هو بلد المستقبل للیزيدیین”، تأتي من کونها هي وغیرها من الیزيدیین والكثیر من أبناء الکرد الآخرین، تحت تأثیر عملیات التعریب وغسل الدماغ وطمس الهویة المستمرة والمبرمجة التي تعرض لها الكرد، ولا زالوا، طیلة مئات من السنین في العراق ومن قبل العنصریین العرب. إذا کانت الأکثریة الكردیة المسلمة تعرضت لتلك العملیات السیئة الصیت فقط لکونهم کردا، فاليزيدیون تعرضوا لها أضعافا لکونهم کردا وغیر مسلمین.
کما الحال بالنسبة للكرد الفیلیین، الذین یسكنون بغداد ومناطق جنوب کردستان، ففي ظل الأنظمة العراقیة العربیة القومیة السنیة البعثیة، تعرضوا أیضا أضعافا لعلمیات التعریب والتهجیر والإبادة لکونهم کردا وشیعة في نفس الوقت. الكرد، بكل شرائحهم وأدیانهم المختلفة في کردستان العراق، تعرضوا وعلی مرور الزمن وبشكل مبرمج ومخطط لعملیات الصهر القومي. لم یكن الحال لا من قبل ولا الآن بالنسبة للكرد في ترکیا وسوریا وإیران بأحسن مما کان علیە الکرد في العراق. هنا أود الإشارة إلی مثال واحد من آلاف الأمثلة علی سیاسة الصهر القومي تجاە الكرد في العراق:
في أواخر خریف سنة 1977 کنت قد سافرت من أربیل “بالکردیة: هەولیر”، التي کنت أعمل فیها في مجال الإحصاء، إلی سیمیل، القریبة من دهوك، ومن هناك إلی قریة اسمها “قصریزدین”، لزیارة خطیبتي، التي بدأت عملها کمعلمة في تلك القریة وفي تلك السنة الدراسیة. سكان القریة کلهم کانوا من الكرد الیزيدیین. کان علي التأکد من وسائل النقل وکیفیة الذهاب إلی تلك القریة. لم يكن هناك في تلك الأیام لا إنترنیت ولا الحاسوب ولا الهاتف الجوال ولا حتی الهواتف الأرضية.
وصلت إلی سیمیل وسألت حول کیفیة الذهاب إلی قصریزدین. دلوني علی مكان لوقوف السیارات التي تنقل المسافرین إلی القری المحیطة بالمنطقة. وصلت المكان، وجدت عددا من الجیبات وسیارات اللاندروفر وغیرها وسألت عن السیارة التي تغادر إلی قصریزدین فأشاروا إلی سائق، بأنە هو الذي سیغادر وینتظر حتی تمتلئ السیارة بالرکاب. عندما رأیت السائق، الذي کان شخصا ذو وجە بشوش، ممتلئ الجسم، ذو شوارب غلیظة علی عادة الكثیر من الیزيدیین، لابسا دشداشة و کوفیة حمراء وعقالا غلیظا، أي ملابس عربیة بالکامل، فتصورتە عربیا.
سلمت علیە بالعربیة و أخبرتە بأنني أود الذهاب إلی قصریزدین. کان بشوشا ولطیفا معي وکرمني أن أجلس بجنبە في السیارة. عند إکمال العدد بدأ صاحبي قیادة السیارة. في الطریق سألني: من أين جئت؟ ولماذا أذهب إلی قصریزدین؟ من أعرف هناك؟ کم أبقی هناك، ماذا وأین أعمل وکثیر من الأسئلة الجانبیة الأخری؟ کما هي العادة لدی الکثیر من الناس في مجتمعاتنا وبلداننا الشرق – أوسطیة. أجبتە بالكامل ودون أن أخفي شیئا أو أتملص من الإجابة عن سٶال. کنا نتحاور باللغة العربیة. وبعد أن تأکد لە أني قادم من أربیل وقد تم نقلي عنوة من کرکوك، ضمن عملیة تعریب وتهجیر الكرد من کرکوك، عندذاك إطمأن إلي کوني کردیا، غیر مواليا للسلطات الحكومیة، ففتح قلبە وقال بلغة کردیة فصیحة: أنا أیضا کردي. قلت: یرحمك اللە، کیف لي أن أعرف أنك کردي وأنت بكل هذە الملابس العربیة و تتحدث العربیة بهذە الطلاقة! قال:”ماذا أفعل، أنا مجبر للبس هذا الزي العربي. لقد کنت أحد أفراد البیشمرکة (بالكردیة: پێشمەرگە)، بل وآمرا لفصیل منهم، أثناء ثورة أیلول تحت قیادة الرئیس الراحل مصطفی البارزاني. بعد انتكاسة الثورة في 1975 رجعت إلی هنا کي أسكن في قریتي مع أهلي وعائلتي.
وتابع: الحكومة العراقیة بدأت حملة تعریب في المنطقة وأجبرت کل الیزيدیین علی تغییر قومیتهم الكردیة إلی القومیة العربیة وأجبروهم علی لبس الزي العربي بدل الزي الكردي وأنا واحد من هٶلاء المغضوب علیهم. منذ ذلك التاریخ نعتبر عربا، في کل السجلات الرسمیة الحكومیة. لکن قلبي، عقلي، فکري، لغتي وکل أحاسیسي کردیة ولازلت أتقد للثورة وکلي حماس وأنا علی أهبة الاستعداد للانخراط مرة أخری في صفوف البیشمرکة والثورة الکردیة لمقاتلة الغاصبین والمحتلین”.
ما أودە هو أن، مع إیماني المطلق بأن الانتماءات القومیة والعرقیة قابلة للتغییر، والقومیة هي إحساس وثقافة قبل أي شيء آخر- أن نادیة مراد، هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لكنها هي والكثیر من الكرد الآخرین ومنهم الیزيدیون، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب وغسل الدماغ والاضطهاد والصهر القومي.