أمس (السبت)، توفي فيدل كاسترو الذي كان زعيما ثوريا شيوعيا في كوبا ورئيس الدولة لمدة 50 عاما. كاسترو ابن الـ 90 عاما، الذي اتبع نظام حكم شيوعي في كوبا القريبة من الولايات المتحدة، الدولة التي تشكل رمز العالم الغربي، لم يخفِ كراهيته للحضارة الاقتصادية الرأسمالية.
كانت ردود الفعل حول وفاة كاسترو متباينة: تقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعازيه، ولكن وصفه الرئيس المُنتخب دونالد ترامب قائلا: “وحش طاغية”، وأعرب عن أمله أن تعيش كوبا “مستقبلا حرا”.
فيدل كاسترو والعرب
يمكن القول إن كثير من الدول العربية شعرت بالحزن وهى تودع كاسترو، الذى كان داعما للكثير من قضياها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فكان أول زعيم في القارة الأمريكية يقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 1973. وعُرف كاسترو عموما بمواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية والمدافعة عن شعبها. ووقع كاسترو عام 2014 بياناً دوليا للدفاع عن فلسطين، يطالب إسرائيل باحترام قرارات الأمم المتّحدة والانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية.
كما أعرب الزعيم الكوبي مراراً عن دعمه لطلب فلسطين بأن تصبح عضواً في الأمم المتحدة.
وبدأت كوبا بمناصرة القضية الفلسطينية تدريجياً بعدما استلم كاسترو الحكم. وكانت كوبا من الدولة القليلة من بين دول أمريكا اللاتينية التي طالبت بانسحاب إسرائيل الشامل من الأراضي الفلسطينية ومن الجولان السوري.
وبتاريخ 9 سبتمبر 1973 في مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز المنعقد في الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وبهذا كانت كوبا أوّل دولة في القارة الأمريكية تقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل.
كما ورفض كاسترو الغزو الأمريكي للعراق، معتبرا أن قرار الاجتياح لم يكن من قبل الأمم المتحدة وإنما من قبل “دولة قوية وكان هدفها الأساسي السيطرة على مواد أولية أساسية تدعى النفط”.
وأضاف القائد الكوبي حينها أن مبرر أسلحة الدمار الشامل الذى لجأت إليه الولايات المتحدة لاجتياح العراق لا أساس له من الصحة قائلا إن الولايات المتحدة هي التي تحتكر هذه الأسلحة. كما واعتبر أن الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، ارتكب أخطاء مثل الحرب على إيران في 1980 واجتياح الكويت عام 1990، مضيفا في مقابلة أجريت معه عام 2003 أنه “ارتكب بلا شك أخطاء”. وأشار كاسترو أن كوبا التي كانت حينها عضوا في مجلس الأمن الدولي عارضت اجتياح العراق للكويت ودعمت العقوبات. ودعى حينها كاسترو صدام حسين للانسحاب قبل أن تستغل الولايات المتحدة الوضع و”تضرب العراق بشدّة”.
أما عن سوريا، فقد قال كاسترو بعد وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد “إننا نقف مع نضال سوريا العادل، ونؤيد كل التأييد الرئيس الأسد في تصدّيه للإمبريالية العالمية”. وقال أيضاً “سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد، قلعة ثورية للتحرّر والتقدم”. وقد زار الزعيم الكوبي سوريا مرة واحدة عام 2001.
لقد تقدم الرئيس السوري، بشار الأسد، بتعازيه إثر وفاة كاسترو. في الرسالة التي أرسلها الأسد كُتِب: “القائد العظيم فيدل كاسترو قاد نضال شعبه وبلاده ضد الإمبريالية والهيمنة لعقود من الزمن بكل كفاءة واقتدار وأصبح صموده أسطوريا وملهما للقادة والشعوب في كل أنحاء العالم”.
فيدل كاسترو والولايات المتحدة
تزعم كاسترو النضال الرمزي الأطول ضد الدولة التي كانت في نظره رمزا للشر، الاستعمار والهيمنة الفظة، جارته من جهة الشمال، الولايات المتحدة.
لقد حظي كاسترو بدعم الكثيرين عندما خلع طاغية كريها وفاسدا، وقد أصبح هو أيضا شخصا كهذا بعد سنوات من ذلك، هكذا نظرت إليه دول الغرب والولايات المتحدة على الأقل. لقد وعد بتحرير بلاده من التعلق الاقتصادي المستمر بالولايات المتحدة، ولكن جعلها متعلقة اقتصاديا أكثر بدولة عظمى أخرى وأبعد وهي الاتّحاد السوفياتي.
منذ عام 1959، وهي السنة التي تولى فيها فيدل كاسترو الحكم، ضمن إحداث ثورة عنيفة وسيطرة الحكم الشيوعي في الدولة، فقد تدهورت علاقة كوبا بدول أخرى حتى وصلت إلى انقطاع تام. ولا سيما بعد أن هدد رئيس الاتّحاد السوفياتي سابقا، نيكيتا خروتشوف، باستخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة إذا تجرأت على تهديد كوبا.
في عام 1961، حاول الرئيس جون كينيدي تشجيع الثورة في كوبا، ولكن فشل في محاولة عُرفت باسم “غزو خليج الخنازير”. في عام 1962 كان هناك خوف أمريكي أن الصواريخ التي نصبتها روسيا في كوبا على بعد 240 كيلومترا من الولايات المتحدة، كانت على وشك إشعال حرب عالمية.
وصلت التسوية الهامة في العلاقات بين الدولتين في شهر كانون الأول 2104 فقط عندما أطلق نظام الحكم في هافانا عامل أمريكي يهودي كان مسجونا في كوبا لمدة خمس سنوات. ,في الأول من تموز 2015 أعلن رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، أن الولايات المتحدة اتفقت مع كوبا على استئناف تام للعلاقات بين البلدين وإنهاء صراع دام 55 عاما بين البلدين. ليس مؤكدا أن تستمر هذه العلاقات في الازدهار والتطور في عهد الرئيس المُنتخب، ترامب، الذي سبق وأعرب عن رأيه حول وفاة كاسترو مدعيا أن العالم قد تخلص من طاغية آخر.