يُعتبر الدماغ البشري أعقد عضو في أجسامنا وفي كل عالم الأحياء على ما يبدو. هذا العضو الغريب الغامض هو الذي أتاح لنا تطوير لغة، ثقافة وعلاقات اجتماعية، وبالنهاية حتى السيطرة على الكرة الأرضية. يحاول باحثون وأطباء منذ سنوات حل غموض الدماغ، ورغم كل سنوات البحث في هذا الموضوع، تعرف الإنسانية القليل جدًا عن طريقة عمل الدماغ، لماذا هو مبني كما هو مبني وما الذي يجعل أدمغة البشر أكثر تميّزًا عن أدمغة المخلوقات الأخرى.
إنما في القرن الـ 21 يمكن القول أنه أخيرًا رغم أن هناك الكثير من الأشياء التي لم نكتشفها بعد، هنالك الكثير من الأشياء التي نعرفها عن هذه الماكينة المذهلة. إذا هاكم بعض الحقائق المذهلة عن الدماغ البشري:
يمكن العيش دون دماغ
بالإضافة للقدرة العقلية، يمكن للدماغ أن يسيطر على نشاطات في أجسامنا والتي تجعلنا نستمر بالحياة – التنفس، عمل القلب، الهضم وبقية الأمور. بحيث يكون العيش دون الدماغ أمر غير مستحيل. إلا أنه، هنالك حالات موثقة في التاريخ العلمي لأشخاص وُلدوا دون أجزاء معينة من الدماغ أو عانوا من إصابة خطيرة جدًا في الدماغ ولكنهم تابعوا حياتهم بشكل طبيعي، دون تضرر القدرة العقلية أو الذهنية لديهم.
ظهرت حالة في عام 2007 حيرت الأطباء: خلال فحص طبي عادي أجري لرجل في الـ 44 من العمر في فرنسا، للدماغ اتضح أن 75% من الدماغ مليء بالسوائل بدل الخلايا العصبية (Neuron)، والتي هي خلايا الأعصاب التي تنقل المعلومات في الدماغ. يتوقع الطب من رجل كهذا أن يكون مصابًا بإعاقة عقلية صعبة، إنما تفجأ الطبيب المعالج بأنه يقف أمام رجل طبيعي للغاية. قال الطبيب، “هو رب عائلة، أب لولدين ويعمل في الحقل الجماهيري”، عندما أجري للرجل فحص ذكاء حصل على علامة 75. ربما النتيجة هي تحت المعدل (الذي هو حوالي الـ 100)، إنما نتحدث عن مستوى يتيح للرجل أن يؤدي وظائفه.
إذًا ما هو تفسير ذلك؟ يُعتبر الدماغ من أكثر الأعضاء قدرة على التكيف، وبإمكانه أن يغير وأن يلائم نفسه لأي وضع جديد. عندما يولد شخص ما دون جزء من الدماغ، تتحمل الأجزاء المتبقية مسؤولية أداء وظائف الأجزاء الناقصة وتكمل الناقص (تقريبًا).
انفصال الدماغ (Split brain)
ماذا كان ليحدث لكم إن استيقظتم صباحًا واكتشفتم بأنه لديكم بدل الدماغ الواحد – دماغين مختلفين داخل رؤوسكم؟ يبدو أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في هذا الواقع كل يوم، ويتدبرون أمورهم بشكل لا بأس به.
في الواقع، جميعنا لدينا “دماغان” إنما هما مرتبطان ويعملان كوحدة عضوية واحدة. يتكون الدماغ من فصين – الأيمن والأيسر – المرتبطان ببعضهما البعض من خلال “جسر” من الخلايا العصبية التي تسمى”Corpus Callosum”. ذلك الجسر هو المسؤول عن نقل المعلومات بين الفصين. كل فص من الفصين له وظائف مختلفة وتخصصات خاصة به. مثلاً، الجزء المسؤول عن معالجة اللغة موجود في الفص الأيسر، بينما الفص الأيمن ناشط أكثر في الإدراك المكاني.
أفضل مثال للفرق بين الفصين يمكن أن نميزه لدى المصابين بداء الصرع الحاد والذين يتم إجراء جراحة لهم لقطع ذلك “الجسر” بين فصي الدماغ، ويؤدي إلى انقطاع التواصل بينهما بشكل تام. نرى للوهلة الأولى بأن المرضى الذين أُجريت لهم الجراحة يتصرفون تصرفًا طبيعيًّا جدًا. حتى أن جودة حياتهم تتحسن، حيث نجد أن نوبات الصرع وترددها تصبح أقل أو تختفي تمامًا. لكن عندما تم البدء بإجراء تجارب بسيطة على أولئك المرضى، تم اكتشاف بعض الأمور الغريبة وغير المتوقعة. اتضح من التجارب التي أُجريت أن المرضى طوروا وعيًا منفصلاً – كل جانب من جانبي أدمغتهم رأى صورة مختلفة تمامًا للعالم.
مثلاً، إن عرضتم على شخص، لديه انفصال دماغ، صورة كرة سلة في مجال الرؤية للفص الأيمن، وتفاحة في مجال الرؤية للفص الأيسر، وتسألوه عما يراه – سيقول لكم أنه يرى كرة سلة فقط. وبصورة عجيبة، إن طلبت منه أن يرسم ما يراه بيده اليسرى – سيرسم تفاحة. أي، طورت كل جهة من جهتي الدماغ لها وعيًا مختلفًا، ولا يمكنهما التواصل معًا.
الدماغ لا يشعر بالألم
العضو المسؤول عن خلق الإحساس بالألم في جسمنا لا “يشعر” هو ذاته بالألم. لماذا لا يشعر؟ الدماغ بحد ذاته ليس لديه مستقبلات ألم لهذا لا يتلقى إشارات وجود ألم.
يستغل جراحو دماغ هذه الحقيقة وغالبًا ما يقومون بإجراء جراحات دماغ بينما يكون المريض في حالة وعي كامل، مع تخدير موضعي فقط. يستطيع الجراح في هذه الحالة أن يطرح على المتعالج أسئلة وأن يتأكد بأنه لا يتسبب بضرر عصبي ويضر مناطق هامة، مثل مناطق اللغة أو أجزاء خاصة بالحركة.
يمكن السيطرة على الأحلام
أحد الأسئلة الكبيرة في حياة البشر هو سؤال “لماذا نحلم”؟ تداول فلاسفة، رجال دين، علماء نفس وأطباء كثيرًا هذا السؤال ولم يتوصل أحد لإجابة دامغة. إنما على الرغم من ذلك، كل ليلة، جميعنا نحلم. لا نتذكر دائمًا ماذا كان الحلم، إنما أحيانًا يكون الحلم لطيفًا جدًا يجعلكم ترغبون أن تعودوا إليه. ممكن علميًا، على ما يبدو، التأثير على الأحلام بطريقة تسمى الحلم الصافي أو “العلم الواعي”. وهو نوع من التأمل الذي يتيح، بمساعدة التمرن والتدرب، السيطرة على مجريات الحلم وهكذا تكونون أشبه بممثلين في عرض تمثيل سريالي.