بهدوء تام وتقريبًا دون أن ننتبه لذلك، في السنوات الأخيرة، تعمل الأبحاث في مجال الخصوبة على تشكيل وجهة نظر جديدة. وفق هذا المفهوم، نصيب الرجال في مسألة الخصوبة شبيه بنصيب النساء.
ثقافة النساء العقيمات
نصيب الرجال في مسألة الخصوبة شبيه بنصيب النساء (Thinkstock)
قد يبدو هذا الأمر غريبًا، على ضوء الثقافة التي تربينا عليها، ومعروف أنه من بدء الخليقة بأن مسألة الحمل تتعلق بالرجل والمرأة. إلا أن إلقاء نظرة على التاريخ الإنساني يُظهر أنه كلما كانت هناك صعوبة بمسألة الحمل يُنظر إلى أن المرأة هي المُشكلة لذلك.
ومعروف أنه في التوراة وُصفت سارة بأنها كانت عاقر، وبعيدًا عن التوراة هناك عشرات القصص التي تتحدث عن نساء تم طردهن من بيوتهن لأنهن لم ينجحن بالإنجاب أو اتهمن بأنهن لا يُنجبن إلا الإناث. هذه الظاهرة مُنتشرة كثيرًا في المجتمعات العربية والتقليدية، المرأة العاقر هي دلالة على الحظ السيء. تعرضت النساء اللواتي لا ينجبن مولودًا ذكرًا إلى تعامل مُذل وتزوج الرجال من نساء أُخريات بهدف إنجاب مواليد ذكور. بالمقابل، لن تجدوا في كتب التاريخ أي ذِكرٍ لرجال تم طردهم بسبب كونهم يعانون من العُقم.
يعاني نحو 15% من الأزواج في العالم من مشاكل في الخصوبة
ثقافيًا، العقم هو صفة تُطلق على النساء، وهذا على ما يبدو لأن الأم تحمل الجنين في رحمها. في العديد من مجتمعات الشرق الأوسط ترتبط الرجولة بمسألة الخصوبة وإمكانية إنتاج حيوانات منوية مُرتبطة بالقدرة على الإنجاب. لذا، يُعتبر كل رجل مُنتج للحيوانات المنوية هو رجل يمكنه الإخصاب، وبهذا تكون المُشكلة لدى زوجته على ما يبدو.
نرى ذلك التمييز بشكل سافر في عصر التوراة واليوم نراه أيضا في العديد من الثقافات ووجهات النظر الطبية. في العديد من المستشفيات في العالم نجد أنه حين يتوجه الزوجان إلى المُستشفى، بعد محاولات فاشلة للحمل، تبدأ إجراءات التحقق من وضع الزوجة، وإن وُجدت المشكلة لديها ستكون هي أيضًا الوحيدة التي يتم فحصها.
هل العقم هو أمر يقتصر فقط على النساء؟
نصيب الرجال في مسألة الخصوبة شبيه بنصيب النساء (Thinkstock)
أظهرت أبحاث إسرائيلية في السنوات الأخيرة أنه عندما لا يحظى زوجان بالحمل، 30% من الأسباب تعود إلى مشاكل لدى المرأة، 30% تكون الأسباب هي عدم خصوبة لدى الرجل، 18% من مشاكل الخصوبة لدى الزوجان معًا ونسبة الـ 22% الباقية هي مشاكل غير معروفة أو مُتعلقة بأسباب لا يمكن تشخيصها بالأدوات الموجودة اليوم.
تتحطم العديد من الأساطير، ذات التأثير بمسألة الخصوبة، ومنها أسطورة أن البويضة تشيخ بينما الحيوان المنوي يحافظ على “شبابه الأبدي”، وكذلك أن الإعاقات الخلقية سببها جفاف البويضة أو الرحم، وأن العقم هو مشكلة تواجه النساء فقط.
الساعة الرملية تتكتك لدى الرجال أيضًا
مخزون البويضات الذي يتناقص لدى النساء هو حقيقة علمية من الحقائق الحقيقية المعروفة. يتناقص عدد البويضات، وتلك التي تبقى، تشيخ – الأمر الذي يزيد من خطر ولادة طفل يعاني من خلل كروموزومي. يُعتبر، بالمقابل، نظام الخصوبة لدى الرجال كـ “مكان شاب، متجدد ولا يتناقص”.
الساعة الرملية تتكتك لدى الرجال أيضًا (Thinkstock)
إلا أن هناك أبحاث جديدة تكسر هذه الصورة النمطية. حيث تُشير تلك الأبحاث إلى أن إمكانية أن يُنجب الرجال البالغين طفلاً سليمًا تتناقص هي مع التقدم بالسن. تزيد، لدى الرجل، إمكانية ارتفاع خطر حدوث طفرة وراثية، تؤدي لحدوث خلل جيني، في سن الـ 35 تقريبًا، ويزيد ذلك الخطر بعد بلوغ سن الـ 50. أظهر بحث كبير نُشر في مجلة Nature عام 2012 أنه كلما زاد عمر الأب وقت الخصوبة، يزيد خطر أن يعاني ابنه من التوحد.
كيف يُعقل أن الحيوان المنوي الذي يتم إنتاجه “بشكل فوري” (أو من أجل الدقة: قبل أكثر تقريبًا من 80 يومًا قبل أن يتم استخدامه)، تتضاءل قوته مع السنين؟
اتضح أنه بينما عمر النساء يؤثر مباشرة على البويضات، كميتها وجودتها، نجد أن العمر لدى الرجال يتسبب بتقدم سن الحيوان المنوي، ولكن ذلك يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية. الآليات المسؤولة عن إنتاج المادة الوراثية في الخلية المنوية وعلى مسألة مراقبة صلاحيتها تضعف مع تقدم السن.
“أزمة الحيوان المنوي”
إذًا، كيف حدث أنه على مدى التاريخ البشري لم تكن هذه الاكتشافات العلمية معروفة: إن جودة السائل المنوي قد تتضرر.
الحياة العصرية التي تدفع الأزواج لإنجاب الأولاد في مراحلة متقدمة، في سن متقدمة وآليات علمية لم تكن موجودة لغاية الآن، غذت مجموعة النظريات التي تشير إلى أن سبب العقم هو النساء. يُشير العلم اليوم إلى وجود تراجع كبير بجودة الحيوانات المنوية.
نحو 30% من حالات عدم الخصوبة، والمشكلة تكون لدى الرجل.
30% تقريبًا من حالات عدم الخصوبة، تكون المشكلة لدى المرأة.
20% تقريبًا تكون المشكلة مُشتركة (للرجل والمرأة).
و 20% تقريبًا تكون مشاكل عدم الخصوبة غير معروفة
لم تستثني مسألة تراجع جودة الحيوانات المنوية إسرائيل كذلك. اضطر بنك الحيوانات المنوية في إسرائيل إلى تقليل شروط القبول لديه عام 2004 لكي يتم قبول العديد من الشبان الذين يتوجهون إليه.
خصوبة الرجال حساسة جدًا وتتأثر كثيرًا بالبيئة المحيطة. المواد الكيميائية الموجودة في الصابون، معجون الأسنان، وفي الكريمات المُختلفة كلها تؤثر على خصوبة الرجل. إشعاعات الكمبيوترات والهواتف النقالة هي أيضًا تؤثر جدًا على جودة الحيوان المنوي. تُثبت مسالة أن الحيوان المنوي حساس بالنسبة للبيئة المُحيطة أكثر من البويضة أن الرجال قد يتعرضون لمشاكل عُقم ليس أقل من النساء.
لذا فإن هشاشة خصوبة الرجل تُثبت بأنه حساس “لتكتكة الساعة البيولوجية”، وللظروف المحيطة به، ليس أقل من المرأة التي بقربه. إن كان قد تم اتهام المرأة في الماضي كسبب مركزي لعدم الخصوبة فتثبت الأبحاث اليوم أن كلاهما قد يكونان سببًا للأمراض، العقم وعدم الخصوبة.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني