من يتابع تصريحات و “طلات” خالد مشعل في الأشهر الأخيرة، يمكن أن يلاحظ بشكل واضح حالة الضغط والأزمة التي يعاني منها رئيس المكتب السياسي لحماس. فحماس تواجه الوضع الأصعب في تاريخها. وواجه مشعل منذ توليه رئاسة المكتب السياسي للحركة العديد من الأزمات والتحديات: مواجهة التحديات السياسية الداخلية (استمرار السيطرة على قطاع غزة)، والعسكرية (حملة “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب” في مواجهة إسرائيل)، ومواجهة التحديات على مستوى سياسة حماس الخارجية (استمرار حالة الحصار والعزل اللتين تعاني منهما إيران، التي كانت حتى فترة قريبة، الجهة التي ترعى وتحتضن حركة حماس). جميع هذه التحديات تسببت في إضعاف الحركة.
إلا أن هذه التحديات والضغوطات تصاعدتا وازدادتا في السنتين الماضيتين وبشكل كبير، مما جعل مشعل مضطرًا على مواجهة المزيد من التحديات. الربيع العربي خلق حالة من الاحتكاك والتطورات التي تسببت بأضرار وخسائر كثيرة للحركة: الحرب الأهلية في سوريا دفعت مشعل إلى أن يختار دعم المحور العربي في مواجهة المحور الإيراني. فك الارتباط بين الحركة وسوريا منذ شهر شباط 2012، بعد سنوات طويلة احتضنت خلالها دمشق مشعل وقيادة الحركة في الخارج، هذا التطور دفع قيادات الحركة إلى البحث عن “مقر مؤقت” في قطر. إلا أن قرار مشعل بدعم المحور العربي، جعل حماس تدفع ثمنًا باهظًا لهذا الاختيار: هناك من يقول أن تحركات مشعل في قطر تخضع لرقابة ومتابعة دائمتين، وهناك من يقول أيضًا أن مشعل موجود تحت شكل من أشكال الإقامة الجبرية في الدوحة.
ويبدو أن المآسي والصعاب تأتي تباعا: التوتر في العلاقات بين حماس ومصر وصل إلى مستوى غير مسبوق. مصر بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي، ينظرون إلى حماس ومشعل على أنهما يتحملان مسؤولية التصعيد في العمليات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء. وفور عزل الرئيس المصري، محمد مرسي على أيدي السيسي، بدأ رؤساء وقيادات الأجهزة الأمنية في مصر يطلقان تصريحات نارية ضد حماس ويتهمانها بالتورط في أعمال العنف ضد قوات الأمن المصري. بداية القطيعة في العلاقة بين الجيش المصري وحماس، كانت في شهر رمضان من العام 2012 بعد مقتل 23 ضابطًا مصريًا على الحدود مع رفح في هجوم مسلح اتهمت الأجهزة الأمنية المصرية حركة حماس بالمسؤولية عنه.
أيضًا على مستوى الساحة الفلسطينية الداخلية، هناك حالة من الجمود: مساعي إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني عادت مجددًا إلى حالة الجمود والتعثر. وحماس هي الخاسر الأكبر من عدم تقدم قطار المصالحة، أكثر بكثير من خسارة رئيس السلطة الفلسطينية، أبي مازن، الذي ما زال يتمتع بدعم عربي وغربي واسعين، ويمتلك القدرة على إدارة اتصالات سياسية ودبلوماسية واسعة مع العديد من الجهات. ويبدو أن مشعل وحركة حماس يحاولان البحث عن طريق جديدة. وسنعمل هنا على تسليط الضوء على محطات في حياة هذا الرجل، في محاولة للبحث عن إجابات لتساؤلات صعبة ومحيرة.
من هو خالد مشعل؟
خالد مشعل خلال خطاب له في تركيا (AFP)
هو خالد عبد الرحيم مشعل (أبو الوليد)، من مواليد العام 1956. ولد مشعل في قرية سلواد القريبة من رام الله. بعد احتلال إسرائيل للقرية في أعقاب حرب الأيام الستة (حرب حزيران 1967)، هربت عائلته إلى الكويت. وهناك تعلم مشعل العلوم الدقيقة في جامعة الكويت ومنذ بداية سنوات السبعينات، كان مشعل ناشطًا في اتحاد طلبة فلسطين. وخلال دراسته الماجستير في الفيزياء حصل على تصريح عمل كمعلم فيزياء في إحدى مدارس الكويت، وتزوج بعد ذلك ولديه سبعة أولاد. وخلال وجوده في الكويت انضم إلى حركة الإخوان المسلمين واستكمل تعليمه وحصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء.
وفي العام 1987 كان مشعل من بين مؤسسي حركة حماس، وفي وقت متأخر من العام 1990 طُرد مشعل من الكويت، في إطار موجات الترحيل الواسعة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين. المحطة الثانية في حياته كانت في العاصمة الأردنية، عمان، هناك انضم إلى قيادة حماس (عمل في قيادة الحركة بين الأعوام 1994 و 1999). يجب الإشارة هنا إلى أن حركة حماس تتكون من الناحية التنظيمية من جناحين: “حماس الداخل” وهي حماس الموجودة داخل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة و “حماس الخارج” وهي تلك القيادة الموجودة خارج مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ومنتشرة في الدول العربية. وهناك تنسيق كامل بين جناح الداخل والخارج، إلا أن حماس الخارج تعتبر أكثر تطرفًا اتجاه إسرائيل مقارنة بحماس الداخل.
صعود مشعل إلى الواجهة جاء بعد عملية توقيف وتسليم موسى أبي مرزوق في الولايات المتحدة في العام 1996. حيث تم تعيين مشعل قائم بأعمال أبي مرزوق، كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس. بالمقابل تم تعيين مشعل في مجلس الشوري التابع للحركة، وهو المجلس القيادي الأعلى لحماس. ومنذ ذلك الحين تحوّل مشعل إلى هدف للكثير من الأجهزة الاستخبارية ومن بينها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
مشعل والنجاة من “سم” الموساد
في 30 تموز من العام 1997 حاول جهاز الموساد الإسرائيلي اغتيال مشعل على الأراضي الأردنية. وبدأت قصة الاغتيال بعد تنفيذ حركة حماس هجومًا في سوق “محانيه يهودا” في القدس، وقُتل في العملية 16 شخصًا وأصيب أكثر من 150 آخرين. رئيس الوزراء آنذاك، بنيامين نتنياهو، طلب من الأجهزة المعنية في إسرائيل الرد وبأقصى سرعة على الهجوم الحمساوي. ويتضح من التفاصيل التي كشف عنها المراسل الاستخباري لصحيفة “هآرتس”، يوسي ميلمان، في ذكرى مرور عشر سنوات على محاولة الاغتيال الفاشلة، حجم الفشل الذريع الذي ما زال محفورًا في ذاكرة الموساد.
وحسب تلك المعلومات والتفاصيل، فإن نتنياهو الذي تولى منصبه كرئيس للوزراء قبل عام فقط من الهجوم الذي قامت به حماس في “محانيه يهودا”، استدعى رئيس الموساد آنذاك، داني ياتوم، وطلب منه أن يقدم له قائمة بأهداف حمساوية مرشحة لاستهدافها ردًا على الهجوم الذي قامت به الحركة. وبعد جولات نقاش عديدة تم طرح اسم مشعل. المهمة كانت شبه مستحيلة، وقيادات حماس التي خططت وأصدرت الأوامر كانت موجودة خارج إسرائيل، وكان من الصعب الوصول إلى تلك القيادات دون إثارة شكوك وانتباه الأجهزة الأمنية المعنية في تلك الدول المستضيفة لقيادات حماس. لكن، وبعد نقاشات مستفيضة، تقرر في الموساد أن يتم استهداف مشعل في العاصمة الأردنية، عمان، على الرغم من المخاطر المحتملة في حال فشل العملية وإمكانية انزلاق العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى مستويات خطيرة في حال تم الكشف عن عملية الاغتيال.
وفي الرابع من أيلول من العام نفسه، وقع هجوم آخر في شارع “بن يهودا” بالقدس، حيث قُتل خمسة أشخاص وأصيب أكثر من 180 شخصًا. هذا الهجوم ساهم في دفع رؤساء الأجهزة الاستخبارية وعلى رأسها الموساد إلى العمل من أجل البدء بتنفيذ خطة اغتيال مشعل.
وفي الـ 25 من أيلول من العام 1997، وفي حوالي الساعة العاشرة صباحًا اقترب اثنان من المقاتلين من وحدة “كيدون” ـ وحدة الاغتيالات في جهاز الموساد ـ اللذان تخفيا كسائحيْن كنديْين من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، خلال توجهه إلى مكتبه يرافقه أحد مساعديه. وحسب تسلسل الأحداث، فإن أحد المقاتلين قام بفتح زجاجة مشروب غازي من أجل لفت الأنظار والآخر قام بحقن فتحة أذن مشعل بالسم. العملية لم تستغرق أكثر من ثانيتين ومشعل شعر بلسعة في أذنه قبل أن ينهار ويسقط أرضًا. إلا أن مساعد مشعل الذي لاحظ ما جرى، بدأ بملاحقة عنصري الموساد اللذين هربا من المكان بواسطة سيارة. المساعد تمكن من تسجيل رقم لوحة السيارة التي فرت من المكان وقام باستدعاء المساعدة.
وحسب الشهادات في الموساد، فإن المقاتليْن قاما بعد ذلك باستبدال سيارة الهروب، إلا أنه وبسبب خطأ في عملية التوجيه عادا مرة أخرى إلى المكان الذي قاما بالهروب منه. عندها نجحت عناصر من الأمن الأردني بمساعدة بعض مساعدي مشعل في إلقاء القبض عليهما. أربعة من المقاتلين الذين شاركوا في عملية الإسناد والدعم اضطروا إلى اللجوء إلى السفارة الإسرائيلية في عمان.
هذه العملية الفاشلة أغضبت الملك حسين، بعد أن تبيّن تورط الموساد في عملية الاغتيال على أراضي المملكة، وهدد الملك الأردني بقطع العلاقات مع إسرائيل وإصدار الأوامر لقوات خاصة من الجيش الأردني باقتحام مبنى السفارة.
رئيس الوزراء قرر استدعاء سفير إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، إفرامي هليفي، الذي كان نائبًا لرئيس الموساد السابق، شفتاي شابيط، والذي كان على علاقة خاصة مع الملك حسين. هليفي سافر إلى عمان واقترح على الملك الأردني صفقة: طبيب من الموساد وصل إلى عمان وقام بتسليم الأطباء الأردنيين ترياق مضاد، يعمل على تعطيل تأثير السم الذي تم حقن فتحة أذن مشعل بواسطته.
عملية الموساد الفاشلة ساهمت في تقوية مكانة مشعل داخل حركة حماس. وتحوّل إلى شخصية مركزية في الحركة وإلى الرجل القوي فيها. هذه العملية الفاشلة تسببت أيضًا في دفع إسرائيل إلى الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي للحركة ومؤسسها. بالمقابل، قامت الأردن بالإفراج عن المقاتليْن اللذين قامت باعتقالهما وسمحت للمقاتلين الأربعة الذين لجأوا إلى السفارة بمغادرتها. هذه العملية أضرت بصورة كبيرة بالعلاقات الإسرائيلية ـ الكندية، بعد أن اتضح أن عملاء الموساد كانوا يحملون جوازات سفر كندية مزيفة.
وبعد أن شُفي مشعل من السم الذي حقن في أذنه، اضطر وبأوامر من السلطات الأردنية، إلى مغادرة المملكة والتوجه إلى قطر، قبل أن يغادر الدوحة متوجهًا إلى دمشق.
وفي شهر آذار من العام 2004 زادت حماس من هجماتها العنيفة ضد إسرائيل. وفي أعقاب سلسلة من العمليات أعلنت إسرائيل بأنها ستستهدف جميع قيادات الحركة. في 22 آذار نجحت إسرائيل في اغتيال زعيم الحركة، أحمد ياسين. وبعد شهر واحد من عملية اغتيال أحمد ياسين قامت إسرائيل باغتيال من أخذ مكانه في سلم القيادة وهو الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. في شهر أيلول من العام 2004 قامت إسرائيل باغتيال القيادي بالحركة في دمشق، عز الدين الخليل. سلسلة الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل ساهمت في زيادة قوة مشعل داخل حماس، ليس فقط في جناح “حماس الخارج” وإنما أيضًا بين أوساط قيادة الحركة في الداخل: الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي السنوات التي تلت عمليات استهداف قيادات الحركة، اعتمد مشعل سياسة متطرفة قائمة على مواصلة المواجهة العنيفة مع إسرائيل. هذه السياسة المتطرفة قابلها توجه نحو الاعتدال من جانب بعض قيادات الحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحسب الشكوك فإن مشعل كان متورطًا في إصدار التعليمات والمساهمة في تنفيذ العمليات الإرهابية ضد إسرائيل، بما فيها عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط، في شهر حزيران من العام 2006.
وخلال العام 2007 شارك مشعل في إدارة الحوار بين حماس وحركة فتح حول إقامة حكومة وحدة وطنية. المفاوضات وصلت إلى ذروتها خلال “لقاء مكة” والذي شارك فيه مشعل وانتهى بالتوصل إلى اتفاق بين فتح وحماس، إلا أن هذا الاتفاق سرعان ما تم خرقه بعد أسابيع قليلة من التوقيع عليه. كما يُعتبر مشعل من الشخصيات الرئيسية التي أدارت المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل من أجل الإفراج عن جلعاد شاليط.
رجل المقاومة: براغماتي أو رديكالي؟
خالد مشعل يعانق ناشط من عز الدين القسام (AFP)
جهود المصالحة بين حماس وفتح عادت في الفترة الأخيرة مرة أخرى إلى حالة الجمود، وذلك بعد أن غرقت مصر التي تقوم بمهمة رعاية المصالحة في مشاكلها وشؤونها الداخلية. مشعل فقد مؤيديه في مصر وعلى رأسهم الرئيس مرسي الذي تم عزله من قبل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. مكانة مشعل ضعفت والآن تبحث الحركة عن طريق للخروج من الأزمات والتحديات التي تواجهها.
في الساحة الداخلية، هناك تباين في المواقف بين أبي مازن وخالد مشعل، ومن بين المسائل التي لم يتم تجاوزها والاتفاق عليها: استئناف عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة من أجل تجديد سجل الناخبين استعدادًا للانتخابات الرئاسية، والانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني، وأيضًا استئناف عمل لجنة الحريات وهي المسؤولة عن الاتفاق على حل للإفراج عن المعتقلين السياسيين في الجانبين، استئناف المشاورات من أجل إقامة حكومة انتقالية من المستقلين. إلا أن الجانبين يواجهان صعوبات كبيرة حتى في التوصل إلى اتفاق وتفاهم حول تشكيلة الحكومة المؤقتة حتى الانتخابات.
وفي ظل هذه التحديات والصعوبات فإن شخصية مشعل باتت تحت الاختبار، وهناك من يتحدث عن أن هناك شعارات أولية حول مرونة أيديولوجية، وبراغماتية غير معتادة للشخص الذي رفض لسنوات طويلة الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وادعى بأن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر سيتم استعادتها بالقوة.
الدكتور أساف دافيد، الخبير في الشؤون الأردنية، كتب مؤخرًا (كانون أول من العام 2012) تحليلا ملفًتا حول مواقف وتوجهات القيادي الحمساوي اعتمادًا على تحليل لمقابلة طويلة أجرتها مجلة الإخوان المسلمين في الأردن مع مشعل في شهر تموز من العام 2010. هذه المقابلة، التي وصفتها حركة حماس بأنها “استراتيجية”، تم نشرها على أربع حلقات، حوار حر يتضمن أسئلة وأجوبة، وتطرق الحوار إلى العديد من نقاط الفلسفة السياسية لحركة حماس، بالإضافة إلى موقفها اتجاه إسرائيل، المفاوضات معها وأيضًا عملية السلام، بالإضافة إلى سياسة مشعل في الساحة الفلسطينية الداخلية، العربية والدولية.
وهذا ما جاء في تحليل الدكتور دافيد: “ما يميز هذه المقابلة ليس محتواها وشموليتها فقط، لكن أيضًا أن الشريحة المستهدفة من هذا الحوار وهذه المقابلة هم الإسلاميون في الأردن. وفي “منبر” كهذا ، لكل كلمة وتصريح واعتدال وبراغماتية، وامتناع عن إعطاء تصريحات “حربية” معتادة ضد إسرائيل وزنها وتأثيراتها. التصريحات التي تعطى لوسائل الإعلام الغربية من جانب شخصيات متطرفة أو معتدلة عربية ليست بالمهمة، فالأهم هي التصريحات التي يطلقها هؤلاء في وسائل الإعلام العربية، فهم يدركون أن كل عبارة وكل كلمة غير معتادة يمكن أن يرجمونها عليها. لهذا السبب يمكن وصف المقابلة بالمفاجئة، فإن أقوال مشعل في المقابلة في شهر آب من العام 2010 يمكن أن توفر “خارطة طريق” من أجل التعرًف على تصرفات حماس في العامين الأخيرين. بشكل عام، حاول مشعل في المقابلة أن يعرض صورة براغماتية، حيث حرص مشعل ومن قام بإجراء المقابلة معه على التطرق إلى جوانب معتدلة، مرنة، وتوجيه الرسائل إلى العالم الخارجي، حقوق المسيحيين والنساء، العلاقة مع اليهود، حدود استخدام القوة. وامتنع مشعل طوال المقابلة من استخدام مصطلح “من البحر إلى النهر”، ولم يحاول مشعل خلال المقابلة أن يتطرق إلى قضية تحرير فلسطين التاريخية. لكنه لم يتطرق أيضًا إلى إمكانية الاعتراف بشرعية إسرائيل، وهذا ما كان واضحًا خلال المقابلة. لكن الأهم من ذلك هو أن القيادي الحمساوي لم يستغل هذا المنبر الداعم لحماس في إعطاء محاضرات حول الأراضي المقدسة وطرد اليهود وتهجيرهم إلى المكان الذي جاءوا منه وإعادة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى الأماكن التي طردوا منها، هذه الحقيقة لها أهمية كبيرة”.
لكن، هناك من يدعي أن مشعل يبحث عن طريق يسكله في المرحلة القادمة. فتصريحات رئيس المكتب السياسي خلال زيارته إلى غزة (كانون أول 2012، في حفل انطلاقة حماس)، والتي أعلن خلالها أن “فلسطين هي عربية إسلامية، فلسطين من البحر إلى النهر من الشمال إلى الجنوب ولن نعترف بالاحتلال الإسرائيلي”، هذه التصريحات والعبارات تساهم في جعل الصورة أكثر تشويشًا وضبابية. هل هنا نتحدث عن تصريحات للجمهور ومحاولة من أجل تهدئة الأصوات الراديكالية في الحركة (مثل محمود الزهار). وإذا لم يكن ذلك كافيًا، هناك التقرير الذي جاء في الصحيفة السعودية “الشرق الأوسط” في شهر كانون ثاني من العام 2013، الذي جاء فيه أن مشعل قام بتوكيل الملك الأردني عبد الله الثاني بأن يخبّر الرئيس أوباما أن حماس توافق على حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين على حدود 67 (وهو ما تم نفيه من قبل قيادات حمساوية)؟
الرجل القوي على الأرض، هل يخطط مشعل لتمهيد الأرض لخلافة أبي مازن؟
أبو مازن وخالد مشعل في القاهرة يعلنان انطلاق مساعي المصالحة الفلسطينية عام 2012 ( Flash 90)
مصادر مطلعة تقول أن مشعل يخطط للهدف القادم بعد أن تم اختياره للمرة الرابعة لرئاسة المكتب السياسي لحماس، حيث نجح مشعل في هزيمة إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس في قطاع غزة، وأيضًا هزيمة خصمه محمود الزهار. ويحاول خالد مشعل الخروج بمواقف براغماتية من أجل تسهيل مهمة وصوله إلى رئاسة منظمة التحرير.
التقارير التي نُشرت مؤخرًا في وسائل الإعلام العربية تشير إلى أن مشعل يحاول تحسين مكانته من قيادي في الحركة إلى قيادي فلسطيني يتمتع بشرعية ويكون مقبولا على العالم العربي وأيضًا على العالم الغربي. مشعل التقى في بداية شهر شباط مع الملك الأردني عبد الله الثاني، حيث تطرق الملك الأردني إلى محاولات المملكة استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بدعم من جهات دولية مختلفة. مثل هذه الأقوال والتصريحات كان يمكن أن تكون طبيعية لو جاءت في نهاية لقاء بين عبد الله وأبي مازن وليس بين الملك الأردني وقائد حماس.
وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن تقارير إعلامية أشارت بعد يوم من لقاء الملك الأردني ورئيس المكتب السياسي لحماس، أن مشعل أكد للملك عبدالله الثاني أنه معني بتولي رئاسة منظمة التحرير بدعم أردني قطري. الهدف الاستراتيجي لكل من الأردن وقطر هو أن تندمج حماس في المفاوضات مع إسرائيل حول التوصل إلى اتفاق لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. يوم واحد بعد هذا التقرير، نقلت وسائل إعلامية عن أن مشعل قام بتكليف الملك عبد الله الثاني بإعلام الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأن حركته توافق على حل الدولتين لشعبين.
مسؤولون في حماس نفوا هذه التقارير الإعلامية، ومشعل أكد ذلك خلال وقوفه على المنصة في غزة وأمام الجماهير (في شهر كانون أول 2012) بأنه لن يعترف بإسرائيل وأن فلسطين هي من النهر وحتى البحر. لكن، كما هي عادة القيادات والزعماء، فإن الأقوال شيء والأفعال شيء آخر.
ويبدو أن مشعل يتحدث بلغتين مختلفتين ومن أجل تحقيق هدفين: عندما يتحدث بـ “لغة حربية” هو يحاول أن يستقطب لحماس المزيد من المؤيدين استعدادًا لانتخابات محتملة في السلطة الفلسطينية. وعندما يتحدث ببراغماتية فهو يمهد الطريق لإمكانية تولي رئاسة منظمة التحرير فور استقالة أبي مازن.
الإشارات القادمة من مناطق تواجد حماس تشير إلى أن الحالة الأمنية الحساسة تفرض على رئيس المكتب السياسي لحماس، أن يعيش تحت الحصار، وهو يبحث مع رفاقه في القيادة عن مكان جديد للجوء إليه. ومن الخيارات المطروحة: الانتقال إلى إيران أو السودان.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية المحسوبة على حزب الله، قالت في شهر أيلول 2013 إن مشعل أعرب عن موافقته على فكرة انتقال قيادات الحركة من الدوحة القطرية إلى مكان آخر. ومن بين الأماكن المرشحة العاصمة الإيرانية بالإضافة إلى بيروت والخرطوم. وحسب الصحيفة، فإن لبنان والسودان الأوفر حظا لاستقبال قيادات حماس. كما أن هذا الموضوع مطروح للنقاش بين قيادة حماس وقيادة حزب الله رغم الاختلافات في الآراء بين الجانبين.
كما نقلت الصحيفة اللبنانية عن أن وفدًا من حماس قام مؤخرًا بزيارة إلى ايران من أجل تقديم التعازي بوفاة والدة قائد “قوة قدس” في الحرس الثوري، قاسم سليماني. وخلال لقاء سليماني مع وفد المنظمات والفصائل الفلسطينية وجهات أخرى جاءت لتقديم التعازي، قام بطرح إمكانية عودة حماس إلى سوريا في حال أعادت التفكير بقراراتها وموقفها الذي تبنتهما واعتمدتهما في الفترة الأخيرة اتجاه نظام الأسد، وأن هناك تحركات فعلية في هذا الاتجاه.
ويبقى مشعل يشغل العديد من الأجهزة الاستخبارية، والقادة والملوك والسياسيين في الساحة الشرق أوسطية. فماذا ستكون الخطوة القادمة لـ “الرحالة” من أجل إخراج حماس من المستنقع الذي وقعت فيه؟
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني