يقوم العالم الإسلامي في كل عام بأداء فريضة صيام شهر رمضان، الشهر الذي فيه يدع المسلم طعامه وشرابه ومتعة جسده، إذ هدفه الرئيسي هو طهارة الجسد وتغذية الروح. إن نفس المفهوم، بحسبه يؤدي الامتناع عن شهوات الجسد إلى تسامي النفس، قائم في أديان أخرى إضافة إلى الإسلام. وترى الأديان الأخرى في الصيام عبادة ووسيلة روحية تفيدان المؤمنين.
في المفهوم الضيق للكلمة، يمكن تعريف الصيام كنوع من الامتناع الإرادي عن كل مأكل ومشرب. وهنا يجدر الذكر أن جسمنا معدّ للصيام، إذ حين نصوم لا يدخل الجسم أي طعام يزوّدنا بالطاقة، وتحدث في الجسم تغييرات كيميائية معيّنة تمكّننا من استغلال مخازن الدهن التي يحتويها، كي يستطيع الحفاظ على الأنسجة الحيوية.
مسلم يتضرع الى الله (Flash90/Sliman Khader)
تظهر الأبحاث أن الصوم في فواصل زمنية منتظمة يطيل العمر وأثبت في حالات عديدة أنه يمكنه أن يساهم في حماية أعضاء الجسم، كالدماغ مثلا. لكن عدا عن التأثير الصحي للصوم على الجسم، فثمة أهمية روحية لعملية الامتناع عن المأكل والمشرب، ولهذه الغاية الروحية تسعى الأديان المختلفة في فرضها الصوم.
اليهودية
هناك ستة أيام صوم في السنة، في اليهودية. الصوم الأهم هو صوم يوم الغفران، الذي يبدأ في العاشر من شهر “تشري”، الذي يعتبر في اليهودية يوم الحساب واليوم المقدس في السنة. يتم الصوم في يوم الغفران بموجب تعليمات التوراة، ولا يهدف إلى الحزن، إنما إلى تعذيب الجسد من أجل التسامي وطهارة النفس.
ولقد حُددت أربعة أيام صيام إضافية بعد خراب الهيكل الأول والثاني، وهي تمثل الحزن على الخراب، والأهم هو 9 آب- يوم الصوم الأساسي لذكرى خراب الهيكل، ويمثل يوم خراب القدس والهيكلان.
صلاة يهودية أمام حائط المبكى/البراق (Flash90/Sebi Berens)
في يوم الغفران والتاسع من آب العبري يستمر الصوم يومًا كاملا من مساء اليوم السابق حتى مساء اليوم التالي. هناك محرمان آخران في هذين اليومين: الاستحمام، الدهن، الجماع، وانتعال أحذية جلدية.
النصرانية
في الديانة المسيحية ليس هناك فرض للصيام صيامًا كاملا عن الأكل والشرب. مع ذلك، فالصوم عمل مقبول من أعمال التنسّك، الندم، والحزن. تختلف الطوائف المسيحية فيما بينها في مدى القيود التي تفرضها على الأكل، وبوتيرة الأوقات التي تتم فيها التقييدات.
في الكاثوليكية، من المعتاد الامتناع عن أكل اللحم ومنتجاته في كل يوم جمعة أسبوعيًّا، كمؤشر على الحزن لأن المسيح قد صُلب يومَ الجمعة (حسب العهد الجديد).
يمتنع الكاثوليكُ والأرثوذكسُ عن أكل اللحم والحلوى خلال الصيام لمدة أربعين يومًا قبل عيد الفصح المجيد. والفترة ليست متواصلة، لأنها لا تشمل أيام الأحد. ويبدأ عد الأربعين يومًا دائمًا يوم الأربعاء، المسمى “أربعاء الرماد”. قبل بدء الأربعين يومًا من الامتناع عن اللحوم، من العادة عند الكاثوليك الاحتفال بالكرنفال “ماردي جرا”.
في يوم الجمعة العظيمة، يوم الجمعة الأخير قبل عيد الفصح، من المتبع لدى الكاثوليك أكل الخبز والماء فقط كعلامة للحزن الشديد. وتُعتبر هذه الجمعة ذكرى صلب المسيح.
في قسم من الجاليات الأرثوذكسية من المتبع الامتناع عن أي مأكل ومشرب لمدة اثنتي عشرة ساعة، من منتصف الليل حتى وقت الظهيرة، في كل يوم من أيام الحزن الأربعين قبل عيد الفصح المجيد.
مسلمون يصلون خلال عيد الفطر، الذي ينهي صيام شهر رمضان في الهند (AFP)
الإسلام
الصوم في الإسلام هو وسيلة للتكفير عن الذنوب، وهو من ضمن أركان الإسلام الخمسة (الفروض الخمسة في الإسلام). الصوم في الإسلام كامل، أي يجب الامتناع عن المأكل والمشرب والجماع، لكنّ ذلك في النهار فقط، ولكنه لا يتم في ساعات المساء.
يجدر الذكر أن من الأفكار المتجذرة في صوم رمضان هو تضامن المسلم الصائم مع الفقراء والمساكين. فخلال هذا الشهر تُقام وجبات إفطار جماعية ويقدم الكثير من الناس الوجبات لأولئك الذين لا يجدون طعامًا، أو يدعونهم إليهم.
الأديان الأخرى
يبدأ الصوم لدى البهائيين في الشهر الأخير من التقويم البهائي الذي يقع بين 2-10 مارس، ويصومون صومًا كاملا لمدة 19 يومًا منذ الشروق وحتى الغروب. الامتناع عن الطعام والشراب يعتبر امتحانًا للانضباط الذاتي، لكن الصوم في أساسه وسيلة روحية. حسب رأيهم، الصوم بحد ذاته هو عمل جسدي يرمز ويشكل تذكيرًا بالحقيقة الروحية. يدعي البهائيون أننا حين نعتاد على الانفصال عن العالم المادي ورغباتنا كمخلوقات مادية، يتصل الإنسان بكينونته كمخلوق روحاني.
امرأة هندية تقيم طقس “ريشي بنشامي” الذي يشمل الصيام (AFP)
الفرض عند البوذيين يختلف عن المتبع لدى المسلمين في صيام رمضان. ففي الكتاب البوذي “فينيانا” يبيّن بوذا للرهبان والراهبات أن لا يأكلوا بعد الغروب. هذا، كي ينجحوا في التدبر والصحة. وبذلك، فالتطرق هنا ليس إلى الصوم بل أكثر إلى نظام يساعد على التدبر والصحة.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني