أدت الأخبار المأسوية عن العثور على المختطفين الثلاثة بالقرب من الخليل في الأسبوع الماضي إلى إنهاء الجزء الرئيسي من عملية “إعادة الإخوة”، ولكن كما يبدو، فإنّ جولة التصعيد الشاملة التي بدأت مع الاختطاف، ما زالت في ذروتها.
يدرس المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية ردود الفعل، وفي هذه الأثناء تواصل خلايا التنظيمات الإرهابية في إطلاق الصواريخ على البلدات جنوب البلاد. يحرص كلا الطرفان على التصريح بأنّهما لا ينويان التصعيد، ولكن تمّ في المعارك بين سلاح الجو الإسرائيلي ومطلقي الصواريخ إطلاق أكثر بقليل من خمسين صاروخًا من أنواع مختلفة منذ بداية جولة العنف الحالية، ووصل إجمالي الصواريخ إلى 200 صاروخ منذ بداية العام.
حتى اليوم، نجح الفلسطينيون في إطلاق ما معدله نحو 15 صاروخًا يوميًّا، وهو إنجاز يصلون إليه رغم الغطاء التكنولوجي الذي يحيط بالقطاع.
في محاولة للإجابة عن السؤال: كيف تنجح التنظيمات المختلفة في قطاع غزة بإطلاق الصواريخ بهذه الكمية الكبيرة رغم الغطاء الهائل الذي وضعته منظومة الأمن الإسرائيلية؟ توجّه الإعلام الإسرائيلي هذا الأسبوع إلى عدد من المسؤولين في الجيش في محاولة لفهم كيفية عمل ذلك.
https://www.youtube.com/watch?v=GxkF1xnmcqY
صناعة متكاملة لتصنيع الصواريخ تحت الأرض
ادعى الناطق باسم حماس، سامي أبو زهري، عدة مرات في الماضي “أنّ مقاتلي المقاومة في القطاع كالأشباح في الظلام. يخرجون من تحت الأرض”. ويوضح خبراء إسرائيليون أيضًا بأنّ “التنظيمات الفلسطينية ترى في إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون ردّا متماثلا، بسيطا، متوفّرًا ورخيصًا على التفوق العسكري الإسرائيلي”. ويضيفون أيضًا أنّ “ردّا كهذا، رغم أنّه لا يفتقد إلى المشاكل والعيوب، يمكّنهم من تعطيل حياة السكان المدنيين الذين يعيشون ضمن نطاق إطلاق الصواريخ، تقويض نسيجهم الاجتماعي، تجاوز الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل في القطاع وإيجاد نوع من “توازن الرعب”، والذي سيعرقل أنشطة مكافحة الإرهاب التي تقوم بها القوى الأمنية الإسرائيلية. تستمد هذه الرؤية الاستراتيجية إلهامها بشكل أساسيّ من النموذج اللبناني لتنظيم حزب الله”.
يمكّن لحماس أن تعطل حياة السكان المدنيين الذين يعيشون ضمن نطاق إطلاق الصواريخ، تقويض نسيجهم الاجتماعي، تجاوز الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل في القطاع وإيجاد نوع من “توازن الرعب”
من المهم أن نفهم، بأنّه في قطاع غزة تعمل ثلاثة تنظيمات ذات قدرات إطلاق صواريخ كبيرة. حماس، الجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة. إلى جانب هؤلاء هناك عدة تنظيمات، مثل جيش الإسلام التابع للقاعدة، والذي يملك قدرة على إطلاق الصواريخ أيضًا.
إنّ تصفّح رسائل مكتب الناطقة باسم الشاباك يدلّ على أنّ لكلّ تنظيم هناك “قائد نظام الصواريخ” ويعمل تحت إمرته القادة الميدانيون، “قادة المدفعية”. يدير قائد النظام مجال التصنيع، المخازن التي يتم إخفاء الصواريخ فيها وعند الضرورة، نقل تلك الصواريخ إلى “أماكن الإطلاق” وبالطبع إطلاقها. ويشير أحد المسؤولين في الجيش إلى أنّ الحديث “لا يدور عن هرمية عسكرية نقية. وتشمل الأوامر كمية إطلاق الصواريخ في كلّ يوم والمنطقة التي يُطلق إليها”. أما الذي يقرر موعد الإطلاق والمكان الذي يتم منه الإطلاق فهم قادة القوات المدفعية وقائد نظام الإطلاق.
ويذكر الشاباك والناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن هناك أنباء للمراقبين حول تدمير مخزن أو مخبأ القيادة، ولكن كما يبدو أنّه وبفضل القدرة العالية على الإخفاء والاستخدام الواسع بـ “الدروع البشرية”، فإنّ معظم المواقع ما زالت سليمة. هذا ما تشهد عليه أيضًا تقديرات أجهزة الاستخبارات، والتي حسبها، فهناك في قطاع غزة اليوم مخزونًا يبلغ بين عشرة إلى عشرين ألف صاروخ.
https://www.youtube.com/watch?v=yRgtz9OPnmY
كيف يبدو نظام إطلاق الصواريخ التابع لحماس؟
وفقًا للبيانات التي ينشرها مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب، يتم الاحتفاظ بصواريخ حماس بثلاثة أوضاع:
“المخزون الروتيني”: وهي صواريخ مقسّمة في مناطق قطاع غزة، وخصوصًا في المنازل والمخازن التابعة لعناصر الإرهاب من منفّذي إطلاق الصواريخ. هذه الصواريخ جاهزة بشكل فوري للإطلاق، حين يتمّ إعطاء أوامر بذلك.
“المخزون الإضافي”: وهي صواريخ موزّعة ومخبّأة في المنازل والمنشآت بين السكان المدنيين. هذا المخزون مخزّن في جزء منه داخل أنفاق تحت المنازل.
“صواريخ مفكّكة”: وهي صواريخ مخزّنة وهي مفكّكة، حيث أنّه يتمّ تخزين جسم الصاروخ بشكل منفرد عن الدافع الذي يعمل بالوقود. عند الحاجة، يتم تركيب الأجزاء تركيبًا سريعًا.
ويجب أن نضيف لهذه عشرات المخازن التي يتمّ فيها إخفاء الصواريخ للمدى البعيد.
في اللحظة التي يتمّ فيها إعطاء أوامر الإطلاق، تبدأ عملية حقيقية تشتمل بالأساس إحضار الصاروخ من المخازن إلى ميدان الإطلاق. ومن أجل تمويه سلاح الجوّ وسائر وسائل المراقبة، ينقل الصاروخ أشخاص يرتدون كالعمال أو المزارعين. وتدلّ حوادث الماضي على أنّه يتم نقل الصواريخ أيضًا بواسطة سيارات الإسعاف، سيارات الإطفاء بل وسيارات الأمم المتحدة، ممّا يجعل القدرة على التعرّف والقضاء عليها قبل تنفيذ عملية الإطلاق أمرًا صعبًا.
وفي الواقع، فإنّ حماس وسائر التنظيمات قد اعتمدوا أساليب يستخدمها حزب الله في عملياته ضدّ إسرائيل. وقد حذّرت الاستخبارات الإسرائيلية في الماضي من نقل المعلومات من لبنان إلى غزة. ولقد نقل خبراء إطلاق الصواريخ في حزب الله معلومات دقيقة ومفيدة لرجال حماس حول كيفية خداع القوات الجوّية الإسرائيلية، وكيفية تنفيذ إطلاق صواريخ مركّز أو موزّع، وكيفية نقل الصواريخ المختلفة من مكان إلى آخر دون إثارة شكوك الجيش الإسرائيلي.
وتقول الشهادات المدنية إنّ حماس تدفع راتبًا من 50 دولار في الشهر، كي يسمح المواطنون للمقاتلين بتخبئة الصواريخ في المنازل. حين يتم تلقّي أوامر بالإطلاق، يحرّك نظام هيدروليكي جدارًا أو نافذة ويتم إطلاق الصاروخ. وتظهر مقاطع الفيديو التي نشرت من قبل التنظيمات الإرهابية، وخصوصًا حماس، منصّات الإطلاق الهيدروليكية المخبّأة تحت الأرض والتي ترتفع بهدف إطلاق الصواريخ. بعد ذلك فورًا تنزل المنصّات مجدّدًا تحت الأرض وتختفي. وفقًا للتقدير، ففي هذه الحالات أيضًا هناك المئات من منصّات الإطلاق، حتى أن الكمية أيضًا تصعّب عملية الكشف والتدمير.
معظم العمل يجري حاليًّا في مجال الاستخبارات. ونجح سلاح الجو الإسرائيلي في حرب لبنان، “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب” في تدمير الكثير من الأهداف التي شملت على مخازن ومنصّات إطلاق. واستطاعوا إنجاز ذلك بفضل استخبارات نوعية ودقيقة. وكما ذُكر آنفًا فإنّ غزّة محاطة بأفضل أنواع التكنولوجيا العسكرية بما في ذلك طائرات الاستطلاع من دون طيّار، مناطيد المراقبة ومنظومات أخرى ترى القطاع بالعمق. بفضل كلّ ذلك، يستطيع الجيش الإسرائيلي تدمير جزء من خلايا إطلاق الصواريخ للحظة قبل أنّ تبدأ بالإطلاق أو يدمّر منصّة الإطلاق فورًا بعد أول عملية إطلاق، بحيث يمنع الاستخدام المتكرّر.
ترسانة حماس
لا شكّ أن لدى حماس صواريخ تصل إلى تل أبيب. وسوى الحقيقة التي تقول بأنّ هذا يهدّد إحدى أكبر المدن في إسرائيل، فإنّه يمثّل أيضًا تهديدًا على مطار بن غوريون.
وهنا يُطرح السؤال: أية صواريخ تملك حماس؟
الصواريخ بعيدة المدى التي تملكها حماس، والتي تستطيع الوصول حتى منطقة تل أبيب، هي كما يبدو من صناعة إيران ويصل مداها إلى نحو 60 كيلومترًا. وحقيقة أنّها تستطيع أن تتسبّب بضرر كبير، واحتمال إصابة صاروخ منطقة تل أبيب تشكل قلقًا دون شكّ بين أوساط المسؤولين الأمنيين.
وبالإضافة إلى تلك الصواريخ، فلدى حماس أيضًا مخزون واسع من صواريخ القسام المعروفة والقديمة والتي يغطّي مداها جميع بلدات الجنوب، وأيضًا صواريخ جراد التي تصل حتّى بئر السبع وأشكلون.
تملك حماس أيضًا صواريخ من نوع كورنت، وهي نفس الصواريخ المضادّة للدبّابات التي استخدمها حزب الله في حرب لبنان الثانية (حرب تموز). صاروخ الكورنت هو صاروخ مضادّ للدبّابات روسيّ الصنع، ذو مدى يصل إلى 5 كيلومترات، ولديه رأس حربي مزدوج. هذا الرأس الحربي المزدوج مسؤول في الواقع عن اختراق أحد تفجيرات الغطاء الخارجي، بينما التفجير الثاني مسؤول عن التفجير الداخلي.
تملك حماس أيضًا عددًا هائلا من قذائف الهاون. قذائف الهاون القديمة هي بالأساس أسلحة ردع، وغير قادرة على التسبّب بأضرار جسيمة. يبلغ مدى قذيفة الهاون الصغيرة مئات الأمتار، بينما تستطيع الكبيرة منها الوصول إلى عدّة كيلومترات. أما الميزة الكبيرة لقذيفة الهاون فهي إمكانية تشغيلها تقريبًا من كلّ مكان، وسوى الأنبوبة، القنبلة والشخص المتمكّن فإنّها لا تتطلّب المزيد من التدريب. يكمن عيب قذيفة الهاون في كونها سلاحًا منحني المسار ومن الصعب جدّا إطلاقها من منطقة فيها أبنية.
صُدمت منظومة الدفاع الإسرائيلية جدّا حين اكتشفت في آذار عام 2011 لدى سيطرتها على سفينة السلاح فيكتوريا، التي كانت في طريقها من مصر إلى غزة، وجود صواريخ متقدّمة ضدّ السفن. لفهم حجم الصدمة، كما قيل، فإنّ صواريخ برّ – بحر الموجّهة بالرادار قادرة على ضرب سفن الصواريخ من مسافة 35 كيلومترًا. بالنسبة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية فإنّها سلاح ذي أهمية استراتيجية. من غير الواضح إذا كانت حماس قد نجحت في امتلاك هذا النوع من الصواريخ وإذا ما كانت تدرّب أشخاصًا على تشغيلها، ولكن يبدو أنّه منذ اليوم تملك حماس صواريخ برّ – بحر صينيّة الصنع يتم إنتاجها في إيران.
كلما كان الصاروخ أرخص سعرًا ويتم تصنيعه بشكل منزلي؛ تزداد الأعداد (قذائف الهاون)، وكلما كان الصاروخ أكثر تطوّرًا، ويصل إلى مسافات بعيدة أكثر وكلما كان تشغيله يتطلّب زمنًا أطول وأفرادًا أكثر؛ فإنّ أعداده تقلّ
التقدير الأمني الحالي في إسرائيل هو أنّ حماس والتنظيمات الأخرى تحاول منذ مدّة طويلة امتلاك صواريخ كتف مضادّة الطائرات رغم أنّ الحديث ليس عن كميات كبيرة بعد. صواريخ الكتف المضادّة للطائرات هي صواريخ موجّهة بالحرارة ويمكن أن يصل مداها إلى 8 كيلومتر غالبًا. الميزة الكبيرة لصواريخ الكتف تعود إلى حقيقة أنّه يمكن لجندي واحد أن يشغّلها، وأنّ إصابتها قاتلة. عيب صواريخ الكتف هو سعرها، وأيضًا كفاءتها ضدّ وسائل الدفاع في الطائرات الحديثة.
الكمية: لا تستطيع إسرائيل إعطاء تعريف دقيق بخصوص الكميات ولكن التقدير أنّه يوجد في القطاع عشرات آلاف الصواريخ، من الهاون وسائر أنواع الصواريخ. كلما كان الصاروخ أرخص سعرًا ويتم تصنيعه بشكل منزلي؛ تزداد الأعداد (قذائف الهاون)، وكلما كان الصاروخ أكثر تطوّرًا، ويصل إلى مسافات بعيدة أكثر وكلما كان تشغيله يتطلّب زمنًا أطول وأفرادًا أكثر؛ فإنّ أعداده تقلّ.
تشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أنّ الضغط الذي يمارسه الجيش المصري في سيناء في حربه ضدّ السلفية الجهادية وأيضًا الخناق المضروب حول حماس وتدمير الأنفاق من الجانب المصري؛ كلّ ذلك يقلّل تقليلا ملحوظًا من القدرة على المناورة لدى حماس في تصنيع السلاح وتهريب الصواريخ القادمة من إيران أو السودان.
- سياسة إسرائيلية
- حركة حماس
- إطلاق الصواريخ
- أنفاق غزة
- الإرهاب في سيناء
- الجيش الإسرائيلي
- سلاح الجو الإسرائيلي
- عملية "إعادة الإخوة"
- القبة الحديدية
- سامي أبو زهري
- قذائف هاون
- بلدات التفافي غزة
- حزب الله
- حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
- شاباك
- الرصاص المصبوب
- عمود السحاب
- مطار بن غوريون
- إيران
- كتائب عز الدين القسام
- صواريخ الجراد
- الصواريخ المضادة للطائرات
- الجيش المصري
- السلفية الجهادية