أدان القيادي الفتحاوي المفصول، محمد دحلان، التطورات الأخيرة في المسجد الأقصى متهما الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تخفي مخططاتها الهادفة إلى تقسيم الأقصى. وأضاف دحلان من على صفحته على “فيسبوك” أنه “لم يعد سرًا أن بنيامين نتنياهو يراهن على حالة العجز والهوان التي تسود المؤسسات الفلسطينية والعربية ، فضلاً عن الأداء المريب و المخجل للمجتمع الدولي” دحلان الذي لم يخف يوما رغبته في قيادة الفلسطينيين وتولي رئاسة السلطة الفلسطينية وضع في سلة واحدة الحكومة الإسرائيلية، التي تهدف وفق ما كتبه إلى إشعال الوضع، والسلطة الفلسطينية التي اتهمها بأنها عاجزة على مواجهة الأخيرة.
هذا هو المبدأ الذي يتبعه محمد دحلان في السنوات الأخيرة: السياسة الإسرائيلية وعجز السلطة، وتحديدا عجز الرئيس الفلسطيني، هما وجهان لعملة واحدة تضعف الفلسطينيين وتنال من نضالهم.
التصريحات السياسية المهاجمة، والمنتقدة، للسلطة الفلسطينية، هي جزء بسيط من مجهود دحلان لمحاربة قيادة السلطة وعلى رأسها الرئيس عباس في مسيرته نحو رئاسة السلطة. الأمر الذي يعتبر سيناريو محتملا جدا بالنسبة لكثيرين، ممن يتابعون الشأن الفلسطيني وحتى من داخل القيادة الفلسطينية، وتحديدا من قيادات فتح الذين، ورغم ولائهم الرسمي والمعلن للرئيس ابو مازن، يحرصون على الحفاظ بعلاقات طيبة مع دحلان لاعتقادهم أنه بات الشخصية الفتحاوية الوحيدة القادرة على قيادة الحركة في فترة ما بعد “ابو مازن”، وذلك رغم فصله رسميا من الحركة.
ويعمل دحلان، بالإضافة إلى المناكفة السياسية ضد الرئيس ومستشاريه وأبنائه، في السنوات الأخيرة على تعزيز مكانته، ليس كسياسي فلسطيني بارز، ولكن كرجل دولة له علاقاته على المستوى العربي والدولي، وهي العلاقات التي ستجعل منه قائدا فلسطينيا مؤهل لقيادة الفلسطينيين في المستقبل.
أبرز هذه العلاقات هي العلاقة بولي عهد الإمارات محمد بن زايد. هذه العلاقة جعلت من رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة، أحد أقوى الشخصيات في الإمارات مع كل ما يعنيه الأمر من نفوذ سياسي، تسهله الاستثمارات والأموال الإماراتية التي تستثمر في مناطق السلطة الفلسطينية وفي الشتات الفلسطيني، وكذلك أيضا في أماكن عديدة في العالم.
هذه الاستثمارات تهدف إلى تعزيز نفوذ الإمارات لكنها تساعد على تعزيز مكانة محمد دحلان. العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات، والرئيس عبد الفتاح السيسي، هي خير مثال على ذلك. فالإمارات تمنح دعما يكاد يكون غير محدود للرئيس السيسي لمواجهة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الجهادية، ولدعم الجيش والاقتصاد المصري، لكن هذا الدعم هو الذي يسهل عمل دحلان ومقربيه في القاهرة.
ويقول مسؤول فلسطيني ل “المصدر” إن المكتب الذي يديره نائب دحلان سابقا في جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، رشيد ابو شباك، أصبح سفارة ثانية للفلسطينيين في مصر و “إن الكثير من الإجراءات والمعاملات الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين، وتحديدا سكان القطاع، في مصر يتم تخليصها في مكتب ابو شباك، وليس في السفارة الرسمية للسلطة الفلسطينية، وهذا بطبيعة الحال يعزز من مكانة دحلان ومن علاقاته مع الناس ويظهره على أنه شخص قادر أن يقود علاقات دولية، أو على الاقل أن يرعى أمور الناس في كثير من القضايا وفي كثير من المواقع”.
هنا نذكر أن دحلان حضر حفل العشاء الرسمي الذي أقيم بعد أداء الرئيس السيسي القسم بينما لم يدع إليه زعيم فلسطيني غيره.
علاقة دحلان بالرئيس المصري تقف خلف قضية سد النهضة والاتفاقية بين مصر وإثيوبيا ودول حوض النيل حول مياه النيل. الأنباء تحدثت عن أن محمد دحلان، مدعوما باستثمارات الإمارات في إثيوبيا، لعب دورا هاما في تقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا والسودان وغيرها في قضية السد، وهي من أكبر القضايا الاستراتيجية لمصر، ليظهر دحلان مرة أخرى كلاعب في ملعب الكبار، ويعزز علاقاته الدولية ومكانته الدولية لتترجم إلى زيادة نفوذ وتأثير داخل الساحة الفلسطينية.
وبعد الاتفاقية بين مصر وإثيوبيا حاول خصوم دحلان داخل الساحة الفلسطينية إظهار القضية على أنها “فضيحة لدحلان لأن الصفقة في نهاية المطاف أضرّت بمصلحة مصر، وبحصتها من النيل، وأبرزت ضعفها، وأن أوساط مصرية عديدة انتقدت تدخل دحلان في مثل هذه القضية بالغة الأهمية، بالنسبة لمصر واقتصادها وأمنها القومي. ورأى منتقدون آخرون أن دحلان تغنى بدور أكبر من الدور الحقيقي الذي لعبه في هذه القضية.
وكان الإعلام العربي والفلسطيني قد تناول بإسهاب نبأ حصول محمد دحلان على الجنسية الصربية، بعد لعبه دورا هاما في تعزيز علاقات صربيا بالإمارات، وجلب استثمارات إماراتية إلى صربيا.
ويشدد معارضو دحلان على أن صربيا هي ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي يتمتع فيه دحلان بعلاقات طيبة. فأولئك يشيرون، عن طريق السخرية والطعن، إلى أن دحلان لديه علاقات جيدة في النمسا، وتحديدا مع الثري النمساوي اليهودي، مارتن شلاف، وهو صديق حميم لوزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، في إشارة منهم إلى أن حملة التحريض الذي قادها ليبرمان ضد الرئيس الفلسطيني، وما زال يقودها، لم تكن محض صدفة وأنها جاءت لتخدم صديق صديقه ألا وهو دحلان.
ويضيف خصوم دحلان داخل القيادة الفلسطينية أن دحلان، في معركته ضد الرئيس الفلسطيني، لا يتردد في استخدام أعداء الشعب الفلسطيني، وأن بعض أعداء الشعب الفلسطيني هم أصدقاء دحلان أو على الأقل أصدقاء أصدقائه.
رغم محاولة رموز السلطة الفلسطينية الطعن في دحلان إلا أنهم، وفي الآونة الأخيرة، يترقبون حالة التقارب الكبيرة والعلاقات المتميزة بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وبين ولي ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، والذي يعتبروه الكثيرون الحاكم الفعلي للملكة السعودية، والشخصية التي يراهن عليها الأمريكيون بعد والده الملك سلمان. ويخاف هؤلاء من أن تترجم علاقة دحلان بولي عهد الإمارات إلى علاقة مماثلة مع الملك السعودي القادم، الأمر الذي سيعطي زخما هائلا لحملة دحلان نحو قمة هرم السلطة الفلسطينية.