صبرا وشاتيلا

مقابلة نافون والسادات عام 1980 (GPO)
مقابلة نافون والسادات عام 1980 (GPO)

وفاة أفضل رئيس إسرائيلي عرف العربية

وفاة إسحاق نافون، الرئيس الخامس لإسرائيل عن عمر يناهز 94 عاما. انتُخب عام 1978 لمنصب رئيس دولة إسرائيل وفي عام 1980 كان ضيف السادات في مصر حيث ألقى هناك خطابا بالعربية

تُوفي يوم الجمعة الماضي إسحاق نافون، الذي كان الرئيس الخامس لدولة إسرائيل، عن عمر يناهز 94 عاما.

‎وُلد نافون في القدس. كان ذا ثقافة في الأدب، التعليم والحضارة الإسلامية. مارس مهنة التعليم وترأس القسم العربي في حركة الهاغاناة السرية (وهي التنظيم العسكري الأكبر لليهود قبل إقامة دولة إسرائيل) في القدس. وقد تولى أيضا منصب السكرتير السياسي لرئيس الحكومة دافيد بن غوريون على مدى 11 عاما، وأصبح أحد أقرب مساعديه.

نافون من على منبر الكنيست الإسرائيلي (GPO)
نافون من على منبر الكنيست الإسرائيلي (GPO)

كان نافون عضوا في الكنيست الإسرائيلي السادس، التاسع، الحادي عشر والثاني عشر. بعد حرب الأيام الستة تم اعتباره كصاحب آراء يسارية “حمائمية” ودعا إلى الحوار مع الفلسطينيين وليس مع حسين ملك الأردن.

ذُكر اسمه للمرة الأولى باعتباره مرشّحا للرئاسة عام 1973 ولكن فقط في 1978 انتُخب لهذا المنصب، رغم كونه في المعارضة، وحظي بشعبية كبيرة في أوساط جميع الشرائح السكانية.

أكثر إسحاق نافون خلال توليه لمنصب رئيس الدولة من التجوّل في البلاد، ودعا إلى رفع مستوى التعليم وتقليص الفجوات بين الطوائف. عام 1980 خرج في زيارة رسمية إلى مصر وخطب بالعربية أمام البرلمان المصري هناك. عام 1982 هدد بالاستقالة إنْ لم تقم لجنة تحقيق في أعقاب أحداث صبرا وشاتيلا.

في التسعينيات، انضم إلى مؤيدي معسكر السلام الذي أقامه إسحاق رابين ومن هناك انتهى نشاطه السياسي.

الرئيس الخامس لدولة إسرائيل، إسحاق نافون، أمام الأهرامات (GPO)
الرئيس الخامس لدولة إسرائيل، إسحاق نافون، أمام الأهرامات (GPO)

كتب نافون بعض الكتب بل ومسرحية ناجحة بعنوان “بستان إسباني”، والتي تصف تشكيل المجتمع الإسباني (الشرقي) في بداية القرن العشرين. وقد عمل على البحث في تاريخ “محاكم التفتيش”، وقضى من أجل ذلك أياما طويلة في أرشيفات الكنائس في إسبانيا وأمريكا الجنوبية. ويقول من عرفه إنّه كان “منفتحا على كل فكرة وتجربة، وكان “متحمسا” للطوائف في القدس”. وقد أحب بشكل خاصّ الأطفال وتودّد إليهم. وقد أطلقوا عليه، أكثر من مرة، اسم “الساحر”، بسبب الحيل التي كان يعرضها أمامهم.

كانت أسرة نافون من العائلات القديمة والمعتبرة في القدس. من جهة والده، يوسف نافون، عاشت العائلة في المدينة 300 عام على التوالي وتعود أصولها إلى من منفيّي إسبانيا الذين قدِموا إلى تركيا. وُلدت أمه مريم، وهي من عائلة بن عطار، في المغرب وهاجرت إلى إسرائيل في نهاية القرن التاسع عشر.

تشييع جثمان الرئيس الخامس لدولة إسرائيل، إسحاق نافون (Flash90/Yonatan Sindel)
تشييع جثمان الرئيس الخامس لدولة إسرائيل، إسحاق نافون (Flash90/Yonatan Sindel)

وفي سيرته الذاتية التي كتبها أشار نافون إلى علاقات الجوار الجيدة بينه وبين العرب. كان مالك المنزل الذي عاشت فيه أسرته عربيا، وفي الصف الأول تم إرسال نافون إلى مدرسة عربية لتعلّم اللغة. “لا زلت أذكر جيدا الزيارات عند الجار العربي حاج علي، في حيّ الشيخ بدر. كان والدي والحاج علي يجلسان ويتحدثان عن الانتداب وضدّ العدوّ المشترك: الإنجليز، بطبيعة الحال. “والله، لولا الإنجليز لكنّا قد عشنا بسلام. هؤلاء الإنجليز مثيرون للصراع”، كما كتب. “وها قد حان وقت صلاة مينحا (Mincha) لدينا بل ولدى العرب كانت صلاة العصر. يفرش الحاج علي سجادة صغيرة، يركع ويصلي، بينما نخرج نحن من جيوبنا المهمات الصغيرة ونصلي صلاة المينحا. نتوجه نحن باتجاه الشرق وهو باتجاه مكة. عند الانتهاء من الصلاة نعود للمحادثة ونستمر في اتهام الإنجليز بالصراع”، كما وصف.

اقرأوا المزيد: 438 كلمة
عرض أقل
الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)
الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)

بعد أربعين عاما: حرب أهلية أخرى في لبنان؟

يُحيي لبنان ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية المشبعة بالدماء. ذكريات مؤسفة لا تزال معشّشة في رؤوس اللبنانيين، الصراع الطائفي آخذ في الازدياد فحسب ووفقا لبعض المحلّلين فمن المحتمل أن تندلع حرب أهلية جديدة في أية لحظة

هذا الأسبوع، يتم إحياء ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في أنحاء لبنان، في ظل الأزمة السياسية والاجتماعية التي تهدّد بإعادة الحرب إلى الشوارع. اندلعت الحرب بعد عشرات السنين التي تمّ فيها الحفاظ على التوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الأرز، توازن قرّر أن يكون الرئيس دائما مسيحيّا – مارونيّا، ورئيس الحكومة مسلما – سنّيا ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيّا. كان التوتّر الطائفي في البلاد والذي يوجد فيه فسيفساء بشرية معقّدة في الأجواء دائما.

في 13 نيسان 1975 اشتعلت الصراعات حول التشكيل الطائفي للنظام السياسي في البلاد، وكذلك حول القضية الفلسطينية، بين معسكر اليسار اللبناني المسلم؛ “الحركة الوطنية” بقيادة الزعيم الدرزي الاشتراكي، كمال جنبلاط، حليف منظمة التحرير الفلسطينية، وبين اليمين اللبناني ذي الغالبية المسيحية المارونية؛ “الجبهة اللبنانية” برئاسة حزب بيار الجميّل ونجله بشير الجميّل. أراد المعسكر الأول تغيير الوضع السياسي الراهن في البلاد، بينما أراد المعسكر الثاني الحفاظ عليه.

صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)
صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)

جرت في ذلك اليوم نزاعات عنيفة في بيروت بين الفلسطينيين من أعضاء الميليشيات العسكرية وبين المسيحيين، جرّت البلاد إلى النيران المشتعلة. حوّلت المجازر من كلا الطرفين البلاد سريعًا إلى ساحة للصراعات الإقليمية، العربية والدولية، حيث تدخّل الجيش السوري أيضًا. بعد تدخّل منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا في لبنان، تدخّلت إسرائيل في إحدى فترات الحرب وساعدت مقاتلي الميليشيات المسيحية.

تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص

بدأ التدخّل الإسرائيلي بدخول لبنان في آذار 1978، في أعقاب التفجيرات التي نفّذها فلسطينيّون داخل إسرائيل. انسحبت إسرائيل في أعقاب قرار للأمم المتحدة، ولكنها عادت في حزيران عام 1982 إلى لبنان بعد محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا. بعد بضعة أشهر من ذلك نفّذت ميليشيات (الكتائب) المسيحية مجزرة بمئات السكّان الفلسطينيين في مخيّميّ اللاجئين صبرا وشاتيلا في بيروت الغربيّة.

انتهت الحرب بعد اتفاق الطائف الذي تمّ توقيعه عام 1989 بين الطرفين برعاية مباشرة من السعودية. تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص. غادر البلاد مئات الآلاف وتضرّرت البنى التحتية بشكل كبير.

جذور الصراع لا تزال قائمة

خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982
خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982

مرّ 25 عامًا منذ انتهاء الحرب، وتُذكّرنا الأزمة السياسية السائدة في لبنان اليوم بالفترة المضطربة التي سبقت اندلاعها. منذ أشهر طويلة ولبنان يسير دون رئيس، والدور الإيراني في لبنان آخذ بالازدياد، ورّط تنظيم حزب الله لبنان في الحرب الأهلية السورية وتأجّجت المشاعر الطائفية بين السكان من جديد لتفرح طهران. بالإضافة إلى ذلك، فلا تزال الأسباب التي أدّت إلى تلك الحرب، كالعدد الكبير من اللاجئين في البلاد وعدم المساواة الاجتماعية – الاقتصادية؛ قائمة. يدلّ كل ذلك، وفقا لمحلّلين عرب، على أنّ جذور الصراع التي تسبّبت في الحرب عام 1975 قد تنفجر مجدّدا في أيّة لحظة وتعيدُ لبنان إلى مستنقع الحرب مرة أخرى.

ويخشى المحلّل السياسي لقمان سليم، الذي كان مجرّد طفل عندما اندلعت الحرب، جدّا من حرب أهلية أخرى تحوّم فوق لبنان في هذه الفترة. في مقابلة مع صحيفة العرب تساءل سليم: “لم إذا نحن (اللبنانيون) ينتهي كلامنا (أو حوارنا) سريعا، وكثيرا ما نستلّ السكاكين ونبدأ بشحذها ونهدد بها بعضنا البعض وصولا إلى القتل العادي”. لا يرى المحلّل مستقبل لبنان بشكل متفائل ويقول إنّ الديناميات الراهنة في لبنان هي ديناميات صراع جديد.

لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)
لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)

وينسب سليم السبب الرئيسي لاندلاع حرب مستقبلية محتملة في لبنان إلى اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005. “بما ستوصف ذات يوم بأنّها الجد الأكبر لحرب قد تندلع في البلاد”، كما يتوقّع. “إذا راجعنا ما حصل خلال السنوات العشر الماضية سنرى عددا من النزاعات التي أخذت أحيانا أشكالا عنيفة أو غير عنيفة، لكن كان يتم احتواؤها في اللحظات الأخيرة أو تجميدها”، في الطبقات السفلية للمجتمع اللبناني ومنذ ‏2005‏ وصولا إلى اليوم، مرورا بابتلاع الانتفاضة في سوريا التي اندلعت عام ‏2011‏، ونجاح النظام في تحويلها إلى حرب أهلية، فإنّ مكونات النزاع تزداد حدة”. وهو يتوقع أن الصراع في لبنان قد ينفجر “في أية لحظة وبأي شكل”.

“اللبنانيون استقوا العبرة من الماضي”

وتظهر من كلام سليم الخشية من أن يجرّ تدخّل تنظيم حزب الله في الحرب في سوريا بجانب قوات بشار الأسد، بخلاف موقف الشعب، أن يجرّ البلاد إلى أتون الحرب. يدعو سياسيون لبنانيون، في هذه الأيام، حزب الله إلى الخروج من سوريا، والتوقف عن التدخّل في الصراعات الإقليمية في العراق واليمن ونزع سلاحه، وإلا فإنّ خطر حرب أهلية أخرى في لبنان سيكون كبيرا.

جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)
جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)

في المقابل، نفى المحلّل السياسي اللبناني إيلي الحاج، الذي كان عمره 15 عاما عند اندلاع الحرب، في مقابلة مع صحيفة العرب احتمال أن يعاني اللبنانيون من حرب مماثلة في المستقبل القريب، وقد نسب موقفه إلى أنّ قلوبهم لا تزال تحمل مرارة تلك الحرب الأهلية. ويتّهم الحاج النظام السوري حينذاك برئاسة حافظ الأسد في إشعال فتيل الحرب، ولكنّه قال إنّ لبنان بعيد اليوم عن اندلاع حرب أهلية جديدة.

“استقى اللبنانيون العبرة من الماضي”، هكذا شرح الحاج، مضيفا أنّ الشيعة أيضًا يحذّرون من الدخول في حرب جديدة. بحسب كلامه، فإنّ قيادة حزب الله تعلم أنّه في لحظة اندلاع حرب أهلية أخرى؛ فستكون تلك نهايتها، “لبنان لا يمكن أن تحكمه فئة عسكرية”، ولأنّ الفصائل الأخرى ستتجمّع وتمنع ذلك. “أيا من طوائف لبنان وأحزابه ليس لها من مصلحة أن تخوض حربا جديدة، وهم جميعا يتفادونها ولا يضعونها في حساباتهم”.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز

اقرأوا المزيد: 809 كلمة
عرض أقل
معبر الحدود بين مصر ولإسرائيل في سيناء (AFP)
معبر الحدود بين مصر ولإسرائيل في سيناء (AFP)

خمس لحظات امتحان حاسمة في تاريخ معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر

عرفت السنوات الست والثلاثون التّي مرت منذ توقيع المعاهدة في حديقة البيت الأبيض مدًّا وجزرًا، انتفاضتَين، وثورات. واجهت المعاهدة خمسة مفترقات طرق حاسمة شكّلت محكًّا هدّد مُستقبلها، لكنها بقيت صامدة رغم كلّ شيء

سريعًا جدًّا، مرّت لحظات الغبطة التي رافقت توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 آذار 1979. حلّ الارتياب محلّ آمال تطبيع العلاقات بين الشعبَين، وأضحى التفاؤل خوفًا.

علَّمَنا التاريخ الإقليميّ أنّ الشرق الأوسط مكان غير متوقَّع وغير مستقرّ. داخل كلّ فوضى الثّورات، الحروب، سفك الدماء، والتظاهرات الكبرى، لم تتخذ الدعوات المتكررة إلى إلغاء أو على الأقل “إعادة دراسة” الاتّفاقات أيّ طابع رسميّ أبدًا. حتّى كتابة هذه السطور، بدت معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر إحدى آخر الصخور الثابتة المتبقّية في الشرق الأوسط.

1981 – اغتيال السادات

أتى المحكّ الأول لاتّفاق السلام في 6 تشرين الأول 1981، بعد عامٍ ونصف من دخول الاتّفاق حيّز التنفيذ. خشيت إسرائيل من أنّ منفّذي عملية الاغتيال الذين نزلوا من الآلية العسكرية خلال مسيرة إحياء الانتصار في حرب تشرين 1973، لم يقتُلوا الرئيس فقط، بل كلّ موروثه أيضًا.

اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)
اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)

“السؤال المركزي المطروح الآن مع اغتيال الرئيس السادات هو إلى أيّ حدّ ستستمرّ السياسة التي وضع أسُسها بعد وفاته”، كُتب في اليوم التالي للاغتيال في صحيفة “دافار” الإسرائيلية، التي حذّرت من أنّ “تجربة الماضي غير البعيد تُثبت أن تبادُل السلطة في مصر أدّى إلى تغيير جوهريّ في الخطّ السياسيّ”. مع ذلك، ساد التقدير أنّ وريث السادات، محمد حسني مبارك، معنيّ بالحفاظ على الاتّفاق، وهو ما حدث فِعلًا.

اهتمّ مبارك طوال السنين بالحفاظ على معاهدة السلام، لكنّه لم يتحمّس يومًا للتقريب بين الشعبّين حقًّا. فخلافًا لسلَفه، تجنّب مبارك زيارة إسرائيل، باستثناء زيارته اليتيمة عام 1995، للمشاركة في تشييع إسحاق رابين.

1982 – حرب لبنان

صيفَ العام 1982، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان بهدف التخلُّص من خطر الصواريخ على حُدودها الشماليّة، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية المتحصّنة في بيروت، فواجهت معاهدة السلام وضعًا إشكاليًّا. كلّما تقدّمت القوّات الإسرائيليّة في عُمق لبنان، كانت صورة إسرائيل تصبح أكثر اسودادًا لدى الشعب المصري. أمّا القشة التي قصمت ظهر البعير فكانت المجزرة التي نُفّذت في مُخيَّمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، التي أدّت بالحكومة المصرية إلى سحب سفيرها في إسرائيل وإعادته إلى القاهرة، بهدف التشاوُر.

جنود اسرائيليون في بيروت خلال حرب 1982 (Wikipedia)
جنود اسرائيليون في بيروت خلال حرب 1982 (Wikipedia)

“لن تُستأنَف العلاقات مع إسرائيل ما دام لبنان مُحتلًّا”، قال مبارك للصحفيين الإسرائيليين، ملمحًا إلى أنه سيدعو ياسر عرفات، عدوّ إسرائيل الذي كان قد طُرد من لبنان، للاجتماع به في القاهرة. وصرَّح الرئيس المصري أنه رغم اتّفاقات السلام، فإنّ الإسرائيليين لا يزالون “أسرى الحرب والعداء”. كان الجوّ في إسرائيل متوتّرًا، وأنبأت عناوين الصُّحف أنّ العلاقات الإسرائيلية – المصرية “عادت إلى نقطة الصفر”.

رغم ذلك، تمّ رأب الصدع بين الجانبَين، الذي نتج عن ابتداء حرب لبنان. انسحبت إسرائيل من بيروت إلى “القطاع الأمني” جنوب لبنان، وابتعدت مصر مجدّدًا عن منظمة التحرير الفلسطينية، حتّى إنها أعلنت أواخر الثمانينات عن إغلاق مكاتبها في القاهرة. في تلك الأثناء، عُيّنَ محمد بسيوني سفيرًا لمصر لدى إسرائيل، وعكف على توطيد العلاقة بين البلدَين لسنوات.

1996 – الجاسوس الزائف

حتّى الدول الصديقة تتجسّس إحداها على الأخرى، ووثائق وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) خير دليل على ذلك. لكنّ حالة عزّام عزّام كانت مختلفة، وبدا أنّ الأمر كان خطأً كاد يؤدي إلى أثمان سياسية باهظة. تفجّرت الفضيحة عام 1996، بعد عقد ناجح من العلاقات بين مصر وإسرائيل، إذ تحسّنت جراء التوقيع على الاتّفاقات بين إسرائيل من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن من جهة أخرى.

محاكمة عزام عزام عام 1997 (MOHAMMED AL-SEHITI / FILES / AFP)
محاكمة عزام عزام عام 1997 (MOHAMMED AL-SEHITI / FILES / AFP)

اعتُقل عزّام، الذي كان يسافر بشكل متكرّر إلى مصر كممثّل لشركة النسيج الإسرائيلية التي عملت بالتعاون مع مصانع مصرية، في القاهرة في تشرين الثاني 1996. اعترَف عماد الدين إسماعيل، أحد عامِلي النسيج المصريين، الذي سافَر لدورات استكمال في إسرائيل، أنّ الموساد جنّده، وأثار شكّ السلطات بعزّام.

لأيّام، رفضت السلطات المصرية أن تعترف بأنها احتجزت عزّام. بعد أسبوعَين تطرّق الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، إلى القضية للمرة الأولى قائلًا: “إسرائيل تنكر أنها مرتبطة به، لكنّ الجاسوس اعترفَ بكلّ شيء”.

في محاكمة عزّام عزّام، عُرضت الأدلّة “المُدينة”: قطعتان من الملابس الداخلية وأنبوبا دهان من “الحبر السري” استُخدما لنقل رسائل سرية كُتبت على الملابس الداخلية. حُكم على عزّام، الذي أنكر التهم، بـ 15 عامًا من السجن مع الأشغال الشاقّة.

نقل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رسالة صارمة إلى الرئيس مبارك. وقد اتّخذ نتنياهو هذه الخطوة بعد الحصول على توضيحات واضحة من الاستخبارات بأنّ عزّام ليست لديه أية صلة بالموساد أو بأية هيئة استخباريّة. عبّر نتنياهو عن دهشته من الخطوة المصرية، وانتقد السلطات في مصر. أمّا مبارك فقال إنه لن يعفو عن عزّام.

في نهاية المطاف، أُطلق سراح عزّام مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى المصريين المسجونين في إسرائيل إثر محاولتهم تنفيذ عملية إرهابية. وينفي عزّام، الذي يعيش اليوم حرًّا في إسرائيل، كونه جاسوسًا حتّى الآن.

2000‏ – انتفاضة الأقصى

أدّى صعود أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى في أيلول 2000، والانتفاضة الدموية التي تلته، إلى التدهور الكبير التالي في علاقات البلدَين. وما صبّ المزيد من الزيت على النار كان فضيحة القتل المروِّع للطفل محمد الدرّة من قطاع غزة، أمام أعيُن الكاميرات. أوعزت مصر، التي اتّهمت إسرائيل بجريمة القتل، إلى سفيرها المخضرَم محمد بسيوني بالعودة إلى القاهرة.

تفريق مظاهرة فلسطينية في المسجد الأقصى (Flash90/Sliman Khader)
تفريق مظاهرة فلسطينية في المسجد الأقصى (Flash90/Sliman Khader)

في الفترة نفسِها، شعر الإسرائيليون بالإهانة بشكل خاصّ من الأغنية الشعبية للفنان شعبان عبد الرحيم، “أنا بكره إسرائيل”، التي مثّلت أكثر من أيّ شيء آخَر التباعُد بين الشعبَين. من جهتهم، شعر المصريون بالإهانة من تقليد الممثّل الكوميدي الإسرائيلي إيلي يتسفان الهازئ بالرئيس مبارك، والذي أظهره رجلًا غبيًّا.

في العلَن، أطلقت السلطات المصريّة تصريحات لاذعة حول مسؤولية إسرائيل عن سفك الدم. لكن وراء الكواليس، لم تتوقّف مساعي التهدئة. عام 2003، جرى التوصّل، بوساطة مصرية، إلى اتفاق الهدنة الأوّل. حتّى بعد وفاة ياسر عرفات نهاية 2004، نجحت مصر في جعل الجانبَين يتوصّلان إلى تهدئة.

لمدّة خمس سنوات تامّة، حتّى عام 2005، لم يكن لمصر سفير في تل أبيب. فرغم التعاون الأمني الوطيد بين الجيشَين، أصرّ المصريون على ألّا يبدوا متحمّسين للتطبيع. وحدها مبادرة أريئيل شارون بالانسحاب من قطاع غزة أدّت إلى تغيير التوجّه المصري، وإعادة تعيين سفير، هو محمد عاصم إبراهيم، الذي عمل بدأب على تحسين العلاقات بين الدولتَين.

2011‏ – الثورة والهزّة

نجم الخوف الأكبر على الإطلاق على الاتّفاق من الثورة المصرية في شباط 2011. فكلما ازدادت التظاهُرات المضادّة للنظام في ميدان التحرير، ازداد القلق في إسرائيل من احتراق اتفاق السلام. ورغم وعود ضبّاط الجيش المصري وراء الكواليس بأنّ الاتّفاق لن يُمسّ، خشيت إسرائيل من حدوث سيناريو تطالب فيه الجموع بإلغائه، أو الأسوأ من ذلك – ارتقاء حكومة إسلامية متطرفة السلطة والإعلان عن إلغائه.

في أيلول 2011، هاجمت الجماهير مبنى السفارة في القاهرة، ما جسّد لكثيرين في إسرائيل القلق الكبير من دفع جماهيري لإلغاء الاتّفاق. سيطر الجموع على مبنى السفارة، وسلبوا محتوى المكاتب. كان رجال الأمن الإسرائيليون في السفارة في خَطَر، وأنقذهم الجيش المصري بعد ضغوط أمريكية على النظام العسكريّ المصري. في أعقاب ذلك، أعيد إلى إسرائيل السفير، عمّال السفارة، وأفراد أُسَرهم.‏

متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)
متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)

ما دام المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة يمسك بزمام الأمور، كانت إسرائيل تتنفّس الصعداء، فرحةً باستمرار التعاوُن السري. لكنّ انتخابات حزيران 2012 أثارت مجدّدًا موجة من القلق. فصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة أدّى بكثيرين في إسرائيل إلى التساؤل كيف سيتصرف محمد مرسي، الرجل الذي قال إنّ “الصهاينة يتحدّرون من القرَدة والخنازير”.

كان المحكّ الأهمّ لتلك الحقبة عملية “عمود السحاب” في قطاع غزة، مطلع عام 2013. في الغالب، حين كانت إسرائيل تهاجم التنظيمات الإرهابية في غزة، كانت تتمتّع بالدعم الكامل (في الخفاء) لمصر وجيشها. ولكن الآن، كانت تحكم مصر حركة الإخوان، راعية حماس، عدوّ إسرائيل.

في بيانٍ نشره الإخوان مع ابتداء العملية العسكرية واغتيال القائد في حركة حماس، أحمد الجعبري، قيل إنّ “على دولة الاحتلال أن تدرك أنّ التغيير الذي جرى في المنطقة العربية، ولا سيّما في مصر، لن يتيح وضع الشعب الفلسطيني تحت عبء العدوانيّة الإسرائيلية كما جرى في الماضي”. بدا أنّ أسوأ المخاوف حدث.

لقاء بين مرسي وخالد مشعل في القاهرة ( (AFP)
لقاء بين مرسي وخالد مشعل في القاهرة ( (AFP)

لكن في نهاية المطاف، حتّى مرسي أدرك أنّ موقعه رئيسًا لمصر يلزمه بالبراغماتية والتعاوُن. فاتّفاق وقف إطلاق النار الذي أُحرِز في نهاية القتال عكس أيضًا المساعي المصرية للتهدئة، لا الإشعال. حتّى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي لا يُعرَف باعتداله، قال علنًا حينذاك إنّ “الرئيس مرسي يستحقّ كلمة شكر بسبب الموقف غير السهل. آمل أن يكون ذلك دلالةً على التعاوُن في المُستقبَل”.

بعد ذلك، أُلقي مرسي في السجن، ويبدو في الوقت الراهن أنّ عبد الفتّاح السيسي سيبقى الرجل القويّ في مصر لسنواتٍ قادمة. ما زالت الجموع في مصر لا تفتح ذراعَيها لاحتضان إسرائيل، كما كان الأمل قبل 36 عامًا. لكن في محكّ الواقع، لا تزال مصر تقول “نعم” للمسار الذي بدأ حينذاك، الخطوة الأولى في العمليّة الصعبة لاندماج إسرائيل في الحيّز الشرق أوسطيّ.

اقرأوا المزيد: 1261 كلمة
عرض أقل
أريئيل شارون (FLASH 90)
أريئيل شارون (FLASH 90)

ليس رابين قُتل فحسب بل أريئيل شارون أيضًا

أريئيل شارون يُقتل باغتيال سياسي مموّه بشكل حالة طبية مؤسفة

ليس إسحاق رابين فقط هو الذي قُتل بيد رجل يميني متطرف، أريئيل شارون أيضًا قُتل باغتيال سياسي مموّه بشكل حالة طبية مؤسفة. هذه هي خلاصة القصّة التي يرويها فرانك تشينغ – الكاتب الألماني الأكثر شعبية في أيامنا – في كتابه الجديد “الأخبار العاجلة”. ويلعب دور البطولة في الرواية الدسمة ثلاثة أبطال: صحفي ألماني، شارون (“إريك”) ودولة إسرائيل.

الكتاب يحقّق أرقامًا قياسية: خلال أسبوع من يوم إبصاره للنور وصل إلى المركز الأول في قائمة أكثر الكتب مبيعًا في الصحيفة المؤثرة “دير شبيغل”، وحتى قبل أن يرى النور تم تتويجه في ألمانيا باعتباره “الكتاب الأهم الذي سيُنشر هذا العام”. سيتعلّم الملايين من الألمان من خلاله درسًا مكثّفا حول الصهيونية، المستوطنات والصراع، وربما أيضًّا عن التضليل ونظرية المؤامرة، وذلك في قصة تستند إلى حدّ كبير على حقائق معروفة وتبدو ذات مصداقية.

وحسب أقوال تشينغ، فليس لديه أجندة سياسية. إنّه يكرر في المقابلات بأنّ هدفه واحد: الترفيه وربما وجبة صغيرة من التثقيف. لا شكّ في أنّ المؤلّف يعرف مسبقًا قدرة المؤامرة الجريئة التي اخترعها على تحفيز وسائل الإعلام بنطاق واسع.

غلاف الكتاب "الأخبار العاجلة"
غلاف الكتاب “الأخبار العاجلة”

والقصة التي تقف في مركز كتابه الجديد بسيطة: لم يكن نزيف الدماغ الذي عانى منه شارون حادثًا مؤسفًا، ولكن كان بتخطيط المستوطنين المتطرّفين، إذ كانوا مصمّمين بعد فكّ الارتباط على القيام بأيّ شيء لمنع انسحابات أخرى من أراضي الضفة الغربية. وقد نجحوا في اختراق صفوف الشاباك واستغلال قدرات التنظيم، وذلك لجعل الطاقم الطبّي في مستشفى هداسا يعطّل علاج رئيس الحكومة. وهكذا، في الوقت الذي كان فيه شارون ينتظر عمل قسطرة في القلب تم حقنه بجرعات عالية من مميّعات الدم، وفي نفس الوقت، ودون أن يعلم أحد، تم إيقاف علاج ارتفاع ضغط الدم الذي عانى منه. ومن تلك اللحظة كان النزيف داخل الجمجمة هو مسألة وقت فقط. ويتم الكشف عن القضية بالصدفة عن طريق صحفي – محقّق ألماني. يبدأ اليمينيّون المتطرّفون بملاحقته، خوفًا من كشف أمرهم، ولكن بالأساس لأنّهم يريدون تنفيذ عملية إرهابية أخرى ستغيّر وجه الشرق الأوسط.

حتى هذه اللحظة فهي قصة مثيرة مزدحمة بالملاحقات، تبادل الضربات، الدماء والجثث. والذي يميّز الكتاب هو حقيقة أن الجزء الخيالي لا يحتلّ سوى جزء صغير من صفحاته الـ 955. الجزء الأكبر من الكتاب مكرّس للقصة الملحمية لعائلة كاهن الخيالية، والتي تعود مصادرها إلى المظالم الخاصّة بالحركة الصهيونية من بداياتها وحتى إسرائيل الحديثة. وأبناء عائلة كاهن هم جيران لعائلة شاينرمان في قرية ملال (القرية التي ترعرع فيها شارون) وتُقام بسرعة صداقة وثيقة بين كلا العائلتين. ومن خلال عائلة كاهن يروي تشينغ قصة حياة شارون (شاينرمان سابقًا) والدور الذي لعبه في تاريخ دولة إسرائيل.

وقد أبصر الكتاب النور بنصف مليون نسخة، مع الإشارة إلى أنّ الناشر توقّع نجاحًا كبيرًا. وهكذا، سيتعرّض في الأشهر المقبلة ملايين الألمان من خلال عائلة كاهن لقصة ملحمية مفصّلة عن أحداث العنف بين المستوطِنين اليهود الجدد في فلسطين وبين السكان المحليّين الفلسطينيين، وعن تأسيس “يميت” على الحدود المصرية فورًا بعد احتلال سيناء في حرب حزيران 1967 والجلاء عنها، وعن حرب لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا، وعن عملية أوسلو وسقوطها.

اقرأوا المزيد: 458 كلمة
عرض أقل
شارون في لبنان
شارون في لبنان

ما الذي حدث هناك فعلا في مخيّمات اللاجئين؟

حتى بعد مضي عشرات السنين، يواصل شارون أقواله: أنا لست مسؤولا عن المجزرة التي ارتكبها المسيحيون تجاه الفلسطينيين

كانت المجزرة التي ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، صبرا وشاتيلا، نقطة تحوّل في إدارة حرب لبنان الأولى، وكذلك في حياة أريئيل شارون السياسية.

طيلة سنوات، اعتُبِر شارون نذلا ومنبوذا في إسرائيل، وذلك في أعقاب اتهامه مسؤولا بطريقة ليست مباشرة عن المجزرة، في لجنة التحقيق التي أقيمت بعد الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في إسرائيل مع ظهور الأدلة في لبنان.
إذن، ما الذي حدث فعلا هناك، في مخيّمات اللاجئين، بين 16 و 18 أيلول عام 1982؟

حول الحقائق الأساسية التالية لا يوجد جدال: يجري الحديث عن مجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بين 16 أيلول و 18 أيلول عام 1982، وذلك تجاه المئات من سكان مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، برج البراجنة وحي الفاكهاني في بيروت الغربيّة.‎ ‎دخلت قوات حزب الكتائب اللبنانية إلى المخيم كجزء من سلطة الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربيّة.

قادت حملة سلامة الجليل الجيش الإسرائيلي إلى أبواب بيروت، حيث تمركز غربيّ المدينة آلاف المقاتلين من منظمة التحرير الفلسطينية.‎ ‎فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا على غربيّ المدينة، ولكنه امتنع من الدخول إلى الحيّ خوفًا من الخسائر المحتملة من القتال في المدينة. قبيل منتصف شهر آب عام 1982، وفي أعقاب الحصار، تم تحقيق اتفاق لإخراج القوات السورية والقوات الفلسطينية من بيروت، برعاية قوات دولية ونقل رجال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس.‎ ‎وقد تم إخلاء رجال منظمة التحرير الفلسطينية في 31 آب 1982.‎ ‎ولكن وزير الدفاع، أريئيل شارون، خشي من أن يكون هناك آلاف المقاتلين الفلسطينيين مختبئين في مخيّمات اللاجئين غربيّ بيروت.

في 23 آب 1982 اختير بشير الجميّل، قائد حزب الكتائب اللبنانية سابقًا، رئيسًا للجمهورية اللبنانية. وقد اختير دون موافقة المسلمين، ولكنه حظي بدعم إسرائيل والجيش الإسرائيلي الذي وصلت قواته، في إطار عملية سلامة الجليل، إلى بيروت. في 14 أيلول قُتل الجميّل حين كان يخطب في فرع حزب الكتائب اللبنانية في حيّ الأشرفية، بواسطة عبوة وضعها قاتل من طرف “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، في الطابق فوق القاعة التي خطب بها. في أعقاب اغتيال الجميّل، سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربيّة، ذات الأكثرية الإسلاميّة. وقد ألقيت مهمّة تطهير مخيّمات اللاجئين من المقاتِلين الفلسطينيين على قوّات حزب الكتائب اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة.

دخلت قوات حزب الكتائب اللبنانية إلى مخيّمَي صبرا وشاتيلا بتاريخ 16 أيلول مساءً، وبدأت بالقتل عشوائيًّا خلال وقت قصير. خرجت قوات الحزب من المخيمَين يوم 18 أيلول صباحًا وفقًا لطلب الجيش الإسرائيلي، وبدأت خلال اليوم فقط تتضح معالم المجزرة. لا يوجد معلومات دقيقة حول عدد ضحايا المجزرة، وتشير التقديرات إلى أن الحديث يجري عن نحو 700 حتى 800 شخص.

خلال اليوم السابع عشر من أيلول، بدأت تتجمع المعلومات لدى الإسرائيليين حول أعمال حزب الكتائب اللبنانية في المخيمات. وبدأ جنود الجيش الإسرائيلي المتمركزين حول مخيمات اللاجئين، بل والمراقبين لها، يعلمون ما يحدث من أعمال قتالية، وإن لم تكن معرفة تامة لحجمها. وصلت معلومات من خلال رجال المخابرات إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، يهوشع ساغي، وبواسطة صحفيين إلى وزير الإعلام مردخاي تسيبوري، وعن طريقه إلى وزير الخارجية إسحاق شمير، بل إلى أريئيل شارون، وزير الدفاع، في ذلك الوقت.

‎سمع رئيس الحكومة مناحم بيجن عن المجزرة لأول مرة فقط في الساعة الخامسة بعد الظهر بتاريخ 18 أيلول، من خلال استماعه لمحطة بث الإذاعة البريطانية الـ BBC.

رغم أن المجزرة ارتكبت على يد حزب الكتائب اللبنانية، اعتبرت إسرائيل مشاركة فيها، وذلك لأن الجيش الإسرائيلي سيطر على المنطقة ودخلت الكتائب إلى المخيمات بموافقته.

في عام 1999 أصدر الحارس الشخصي السابق لحبيقة، روبير حاتم، كتابًا ادّعى فيه أنّ مجزرة صبرا وشاتيلا تم التخطيط لها بواسطة كل من حبيقة وحافظ الأسد بهدف إحراج إسرائيل.

مظاهرة ضد شارون شارك فيها 400 الف اسرائيلي عقب مجزرة صبرا وشاتيلا
مظاهرة ضد شارون شارك فيها 400 الف اسرائيلي عقب مجزرة صبرا وشاتيلا

وأثارت المجزرة إدانات حادّة تجاه إسرائيل في جميع أنحاء العالم ومطالبتها بالانسحاب من لبنان فورًا. كما ووصل مشاة البحرية الأمريكية وجنود من فرنسا إلى لبنان في محاولة لتهدئة الأوضاع.

ولم تكن تلك هي المجزرة الأولى خلال الحرب الأهلية في لبنان، بل سبقتها مجازر كثيرة أخرى، ولكن بخلاف سابقاتها أثارت مجزرة صبرا وشاتيلا ردود فعل قوية حول العالم. هناك من يدّعي بأن هذه الردود نشأت لأن مجزرة صبرا وشاتيلا اعتبرت جزءًا من الصراع الإسرائيلي-العربي، بينما اعتبرت المجازر الأخرى شأنًا لبنانيا داخليًا.

في أعقاب المجزرة، قامت عاصفة شعبية في إسرائيل. وبرزت بشكل خاص “مظاهرة الأربعمئة ألف” وكانت مظاهرة ضخمة ضدّ الحرب في لبنان، وقد نظمتها الحركة اليسارية “السلام الآن”. ‏‎ ‎وفي أعقاب العاصفة الشعبية تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية – لجنة كوهين،‎ ‎وترأس اللجنة رئيس المحكمة العُليا إسحاق كوهين.

وقد قرّرت اللجنة بأنه لا يوجد أدلة على تورط الجيش الإسرائيلي المباشر في المجزرة، ولكن قادة الجيش علموا، في مرحلة ما، عن أن المجزرة دائرة ولم يبذلوا أي جهد لإيقافها. وقد أوصت اللجنة بأن يستقيل وزير الدفاع أريئيل شارون من منصبه، وألا يتم إعطاؤه حقيبة وزارة الدفاع مرة أخرى. رفَض شارون الاستقالة، لكنّه نُقل بناءً على قرار الحكومة ليتولى منصب وزير بلا حقيبة.

ووفقا لبرتوكولات سرية نشرت قبل نحو عام قال شارون إنه لم تكن هناك إمكانية لنتوقع مسبقًا احتمال حدوث مجزرة بهذا الحجم: “لا يوجد لدي ادّعاء تجاه “الموساد” – فهو كذلك لم يقدّر الحدث. شعبة الاستخبارات العسكرية لم تقدّر، الموساد لم يقدّر، لم يقدّر أحدٌ منّا، أن يحدث ذلك”.

اقرأوا المزيد: 776 كلمة
عرض أقل
Rahim Khatib/Flash90
Rahim Khatib/Flash90

في العالم العربي يحتفلون بوفاة شارون

في لبنان، في الضفة الغربية وفي غزة يوزعون الحلويات؛ وفي اليمين الإسرائيلي أيضًا هنالك من لا يعبّر عن أسفه

رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، أريئيل شارون، المتوفي البارحة عن عمر يناهز الـ 85 عامًا، بعد ثماني سنوات كان فيها في غيبوبة، فإن العالم العربي يتذكره  تحديدًا بسبب تاريخه الحافل بصفته محاربًا ووزيرًا للدفاع، وكان قائد عملية هدفت إلى عبور قناة السويس في حرب تشرين، ولأنه أعاد تحديث الاستيطان في الضفة الغربية، ودخل حرب لبنان، والمسؤول عن مجزرة صبرا وشاتيلا.

ظهرت إشاعات كثيرة حول وفاة من يسمى “مجرم حرب لبنان” بين من يكرهونه طوال السنوات الثماني الأخيرة، بينما كان يرقد في حالة غيبوبة في المستشفى بعد تعرضه لسكتة دماغية حين كان يشغل منصب رئيس حكومة إسرائيل، في بداية عام 2006. البارحة، مع صدور التصريحات الرسمية الإسرائيلية المتعلقة بموت شارون، بدأت احتفالات الفرح في العالم العربي.

قال المحلل السياسي الخبير بالشؤون العربية في القناة 10 الإسرائيلية، تسفي يحزكيلي، أنهم كانوا يخافون الرئيس شارون في العالم العربي وفي فلسطين تحديدًا ، فقد كانوا يرون به رجلا قويًا ومصدر تهديد، وأنه شخص ينفذ ما يقوله، حتى أن بعضهم كانوا يقولون: “نحتاج لشخص مثله”.

وقال نائب أمين سر حركة فتح جبريل الرجوب لوكالة الأنباء AFP إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أريئيل شارون، الذي أعلن عن وفاته يوم السبت هو مجرم بحق الفلسطينيين ومسؤول عن قتل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. “كنا نتمنى أن يحاكم أمام المحكمة الدولية كمجرم حرب على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني وقادته”.

حسب ادعاء رجوب، كان شارون مسؤولا عن قتل الشيخ أحمد ياسين قائد حركة حماس وعن محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس الجناح السياسي لحركة حماس وعدد من القادة الفلسطينيين والعرب. وأضاف: “أسس شارون قاعدة الإرهاب الرسمية ضد شعبنا، هو بطل جرائم الحرب في مخيم اللاجئين صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982”.

وصفت حركة حماس لحظة وفاة أريئيل شارون بأنها “لحظة تاريخية للشعب الفلسطيني”. وصف المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، أريئيل شارون بأنه “مجرم وقاتل”. وتابع أبو زهري قائلا: “يعيش شعبنا الفلسطيني الآن لحظة تاريخية، مع موت المجرم القاتل الذي تلطخت يداه بدماء أبناء شعبنا الفلسطيني وقادته. وأضاف: “موت شارون بعد ثماني سنوات من الغيبوبة، هو عقاب من الله عبرة لكل المستبدين”.

في إسرائيل أيضًا، ثمّة مَن لا يأسف على رحيل رئيس الحكومة الأسبق. ففي إعلانٍ نشرته مدرسة دينيّة يهوديّة أُخليت من قطاع غزّة عام 2005 جاء: “تهانئ قلبيّة لأريئيل شارون لمناسبة رحيله”. وفي تتمّة الإعلان، اقتُبست تقاليد تتحدّث عن عادات الحزن على الأشخاص الذين يشبهونه، ودعوة إلى عدمِ الحداد على موته.

كما نشرت النائب عن كتلة “البيت اليهودي” أوريت ستروك بيانًا مثيرًا للجدل، بدا منه رضى ما لرحيل شارون. وتُعرف ستروك، التي تقطن في الخليل، بأنها إحدى أكثر أعضاء الكنيست يمينيّةً. في بيانها، دعت ستروك شارون “من كِبار بُناة أرض إسرائيل – وأكبر هادميها”.

وجاء في البيان أيضًا: “يجدر شُكر الإله القدّوس على أنّ شارون اختُطف من حياتنا العامّة قبل أن يتمكّن من أن يُنزِل بسكّان يهوذا والسامرة (المستوطِنين في الضفة الغربية)، المصيبة التي أنزلها على مستوطِني جوش قطيف وقطاع غزّة”. في وقت لاحق، اعتذرت ستروك عن أقوالها مضيفةً أنها “لم تتحلَّ بالحساسية كفايةً”.

اقرأوا المزيد: 458 كلمة
عرض أقل
أريئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)
أريئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)

علاقات خطرة – شارون والعرَب

يُذكَر شارون بشكل خاصّ في سياق محاربته للعرب، لكنّه في آخر أيّامه حوّل مساره وكان خلف الخطوة التاريخية بالانسحاب من غزة

بنى أريئيل شارون، رئيس الحكومة الحادي عشر في دولة إسرائيل، مسيرته في الجيش، وهو منقوش في الذاكرة الجماعيّة، الإسرائيلية والعربيّة على حدٍّ سواء، كمقاتِل وقائِد عسكريّ، وقف خلف عددٍ غير قليل من الحروب. واتُّهمَ شارون مرارًا بالإفراط في استخدام القوّة، القتال غير الأخلاقي، وانتهاج المواقف اليمينيّة. لكن عام 2005، وفيما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، قام بخطوة تاريخيّة لا تُنسى حين قرّر الانسحاب الأحاديّ الجانب من قطاع غزة. نظرة شاملة إلى حياة الجنرال أريئيل شارون.

بدايَة الطريق

بدأ شارون طريقه في تنظيم “ههاغاناه”، قبل إنشاء دولة إسرائيل، وفي حرب 1948، عمل قائد قسمٍ، وأصيب إصابة خطِرة. ادّعى شارون لاحقًا أنّ الإصابة والمعركة كان لهما أثر كبير في صياغة حياته. بعد شفائه، واصل القتال، وشارك في معارك ضدّ الجيشَين الأردني والمصريّ.

أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)
أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)

في السنوات الأولى بعد إقامة دولة إسرائيل والجيش الإسرائيليّ، عُيّن شارون قائد كتيبة، وعام 1953 طُلب منه إنشاء “الوحدة 101″، بحيث تتمكّن من إنجاز مهامّ في عُمق أراضي العدوّ، لا سيّما إجراء عمليّات عقابية ضدّ هجمات الفدائيين الذين انطلقوا حينذاك من قطاع غزة والضفة الغربية. تحت إشرافه، أضحت الوحدة 101 أوّل وحدة كوماندوز في الجيش الإسرائيلي، إذ تخصّصت بعمليات الرد على المتسلّلين الفلسطينيين، من ضمنها الغارة على مخيّم البريج للّاجئين في قطاع غزة، والغارة على الخليل في عام 1953.

في وقتٍ لاحق، عُيّنَ شارون قائدًا لجميع وحدات المظليين، وفي حرب سيناء أشرف على معركة ممر “متلا” الشهيرة، التي مُني فيها الجانِبان، الإسرائيلي والمصريّ، بخسائر فادحة. في وقتٍ لاحق، واجه شارون انتقادًا لاذعًا لمبادرته إلى المعركة رغم عدم ضرورتها. بعد فترة متواصلة من تجميد ترقيته، عُيّنَ شارون قائدًا للواء المدرّعات ورئيس أركان قيادة الشمال.

حرب 1967 وما تلاها

في حرب الأيام الستة أشرف شارون على كتيبة قاتلت الجيش المصري، ولاقت نجاحًا كبيرًا إذ أجبرت القوات المصرية على التراجع جنوبًا. حظي شارون بالمجد للمعارك التي أدارها في أم كتف وأبو عجيلة. وقد اعتُبرت المعركة واحدة من أنجح المعارك في تاريخ الجيش الإسرائيلي، ودُرّست بعد ذلك في أكاديميّات عسكريّة في أرجاء العالم. في ما تبقّى من الحرب، أشرف شارون على تطهير محور التقدّم الجنوبي لقوّات الجيش الإسرائيلي باتجاه قناة السويس.

أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)
أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)

بعد الحرب، نقل شارون مراكز تدريب عديدة للجيش إلى أراضي الضفة الغربية التي احتُلّت في الحرب. عام 1969، عُيّنَ قائدًا لمنطقة الجنوب، ولعب دورًا رئيسيًّا في حرب الاستنزاف. في بداية السبعينات، كان شارون مسؤولًا عن إحباط الإرهاب القادم من قطاع غزة، وقد أوعز بإدخال قوّات عسكريّة ووحدات نخبة إلى القطاع. تمّ إجراء تمشيطات واسعة على طول القطاع، وخرج شارون نفسه إلى الميدان مرشدًا الجنود كيف ينفّذون المهامّ. إضافةً إلى العمليّات والسعي لعلاقة مع الإرهابين، انتهج شارون سياسة العصا والجزرة مع السكّان. فالمناطق الهادئة شُجِّعت وطُوِّرت، فيما المناطق ذات الصلة بالإرهابيين لم تنَل مساعَدة.

كان طابع عمل شارون في قطاع غزة خلافيًّا. فقد لاقى هدم بيوت نشطاء إرهابيين انتقاداتٍ من اليسار، كما لاقت سياسة الذراع الحديدية انتقادًا من الحاكم العسكري في غزة. وسّع شارون عملية محاربة الإرهاب لتشمل سيناء، مركِّزًا على البدو الذين تدفّق السلاح عبرهم إلى غزّة. تمّ إخلاء بعض البدو من شمال سيناء، ما أدّى إلى توبيخ رئيس الأركان لشارون، لكنّ الحكومة دعمت عمله.

حرب تشرين

بعد أشهر معدودة من حرب تشرين، بسبب خلافات حادّة جدًّا في الرأي مع رئيسَي الأركان بار ليف ودافيد إليعيزر، قرّر شارون الانسحاب من الجيش، مُعلنًا عن إقامة حزب يمينيّ موحّد استعدادًا للانتخابات التي كانت مُحدَّدة في تشرين الأول 1973. أثمرت مبادرته عن إنشاء حزب “الليكود” في تموز، وعُيّن شارون مسؤولًا عن قسم الانتخابات في الحزب.

يوم الجمعة، 5 تشرين الأول 1973، تلقّى شارون إشعارًا أنه يُتوقَّع اندلاع حرب وبدأ بتجنيد كتيبة احتياط مصفّحة. في اليوم التالي، خرج على رأس كتيبته إلى سيناء وبدأت حرب تشرين. في اليوم الثالث من الحرب، نجحت كتيبة شارون في القضاء على حشدٍ من 35 دبّابة مصريّة في تل حميدة – أوّل معركة هجوميّة ناجحة منذ بدء الحرب في منطقة الجنوب. وبدأت قواته تتقدم باتجاه القناة. حين علِم رئيس الأركان بالأمر، أمر بوقف التقدّم، ما تبيّن لاحقًا أنه خطأ، إذ كثّف المصريون قوّاتهم في القناة وألحقوا خسائر فادحة جدًّا بالجانب الإسرائيلي. في اليوم نفسه، ارتفع مستوى الخلافات في الرأي بين شارون وبين قيادة الجيش، ليبلغ حدّ عدم انصياع شارون للأوامر. ساند وزير الدفاع ديان شارون، لا رئيس الأركان وقائد اللواء.

في 14 تشرين الأول، في معركة دفاعية شاركت فيها الكتائب الثلاث في الجنوب، كُبح هجومٌ مصريّ كبير، ودمّرت كتيبة شارون نحو 150 دبّابة مصريّة من الدبابات المصرية الـ 250 التي دُمّرت في الهجوم. مع نجاح معركة الإيقاف، تمّت المصادقة على برنامج اجتياز القناة. أُلقيت على عاتق كتيبة شارون مهمّة اقتحام القناة وإنشاء جِسر. بعد الظهر، بدأت الكتيبة بقيادة شارون المعركة، وكانت المعركة من أعقد وأصعب معارك حرب تشرين. خلال العمليّة كلّها، خاضت الكتيبة معارك قاسية مليئة بالجرحى والقتلى. في نهاية المطاف، حوّلت العمليّة مسار الحرب في الجنوب. في أعقاب اجتياز الجيش الإسرائيلي القناة، بدأت مصر تطلب وقف إطلاق النار.

وزير دفاع في حرب لبنان

بعد الحرب، ورغم الانتقادات اللاذعة لسلوك الجيش الإسرائيلي والحكومة، كان شارون تحديدًا من الذين نالوا صورة إيجابيّة، واعتُبر الشخص “الذي أنقذ الموقف” ومنع خسائر أكبر، كما نجح في الحفاظ على شبه جزيرة سيناء بيدَي إسرائيل. في كانون الأول 1973، انتُخب للكنيست الثامنة عن حزب الليكود. بعد سنة، استقال من الكنيست، ليتمكّن من الاحتفاظ بمنصبه قائدًا لكتيبة احتياط. عام 1975، عُيّن مستشارًا لرئيس الحكومة إسحاق رابين للشؤون الأمنية.

عام 1981، بعد الانتخابات للكنيست العاشرة، عُيّن شارون وزيرًا للدفاع في حكومة مناحيم بيجن الثانية، وأشرف في إطار منصبه على إخلاء المستوطِنين من سيناء، وهدم مستوطنات “يميت” في نيسان 1982.

عام 1982، كان شارون، بمصادقة الحكومة، المبادِر إلى حرب لبنان، التي بدأت باسم “عملية سلامة الجليل” – عمليّة عسكريّة للقضاء على التنظيمات الإرهابية الفلسطينية في جنوب لبنان، حيث أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية مقاطعة هدّدت سكّان شمال إسرائيل. بدأت الحرب في أعقاب محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرجو، التي دفعت إسرائيل إلى ضرب منشآت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ما أدّى إلى إطلاق وابلٍ قويّ من صواريخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل.

وفق إعلان بيجن في الكنيست، تمّ حصر العمليّة بدخول قوّات الجيش الإسرائيلي حتّى 40 كيلومترًا شمال الحدود مع لبنان، مسافة أبعد من مدى صواريخ الكاتيوشا التي كانت بحوزة الفلسطينيين. أمّا على أرض الواقع، فقد عمل الجيش الإسرائيلي أبعد من ذلك ووصل إلى العاصمة بيروت، بهدف القضاء كُلِّيًّا على وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. في أعقاب العمليّة، بقيت قوّات الجيش الإسرائيلي في عُمق لبنان نحو ثلاث سنوات، ما أدّى إلى خوضها حرب عصابات صعبة مع عناصر مختلفة، بينها حزب الله. أدّت الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي وما اعتُبر عدمَ توقّع البقاء في عُمق لبنان، إلى جانب شائعات مفادها أنّ شارون ضلّل رئيس الحكومة، بيجن، حول مدى تورّط الجيش الإسرائيلي في لبنان، إلى هبوط حادّ في شعبيّة الحرب وإلحاق الأذى بالمكانة الشعبيّة لشارون.

فضيحة صبرا وشاتيلا

خلال مكوث الجيش الإسرائيلي في بيروت، في أيلول 1982، ارتكب حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة في مخيّمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا في المدينة. حدثت المجزرة بعد اغتيال بشير الجميّل، قائد “القوّات اللبنانيّة” التابعة للكتائب، الذي انتخُب رئيسًا للجمهورية بدعم إسرائيل. في أعقاب اغتيال الجميّل، سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربيّة، ذات الأكثرية الإسلاميّة. أوكلت إسرائيل مهمّة “تطهير” مخيّمات اللاجئين من المقاتِلين الفلسطينيين إلى قوّات الكتائب، التي دخلت مخيّمَي صبرا وشاتيلا مساء 16 أيلول، وبدأت بالقتل عشوائيًّا خلال وقت قصير. وخرجت القوّات من المخيمَين بعد يومَين بناءً على طلب الجيش الإسرائيلي، وخلال اليوم فقط بدأت أبعاد المجزرة بالاستضاح، إذ قُتل وفق التقديرات بين 700 و800 شخص، بمَن فيهم نساء وأطفال كثيرون.

مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 (AFP)
مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 (AFP)

في أعقاب ضغط الرأي العام في البلاد والعالَم، عُيِّنَت لجنة تحقيق رسميّة للتحقيق في أحداث المجزرة. قرّرت اللجنة أنه رغن عدم تورّط الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في المجزرة، فإنّ شارون مسؤول عن تجاهُل خطر ارتكاب الكتائب اللبنانية مجزرةً في مخيّمات اللاجئين انتقامًا لمقتل قائدها العسكريّ. في أعقاب ذلك، أوصت اللجنة بعزل شارون من منصبه، وبعدم تسليمه حقيبة الدفاع من جديد. رفَض شارون الاستقالة، لكنّه عُزل من وزارة الدفاع بناءً على قرار الحكومة.

عضو في الحكومة والمعارضة

لسنواتٍ طويلة، شغل شارون مناصب مختلفة في الحكومة، بينها وزير الصناعة والتجارة، ووزير الإسكان، حيث أمر ببناء مئات عديدة من الوحدات السكنية في أراضي الضفة الغربية.

في فترة حكومة إسحاق رابين، عارض شارون بوضوح مسار أوسلو، الذي رأى فيه خطرًا فادحًا على أمن الدولة، حتّى إنه قال إنّ رابين وبيريس كانا سيُحاكَمان على اتّفاقات كهذه لَو كانا في دولة أخرى.

أريئيل شارون في الحرم الشريف, سبتمبر 2000 (Flash90)
أريئيل شارون في الحرم الشريف, سبتمبر 2000 (Flash90)

عام 1998، عُيّن شارون وزيرًا للخارجية، وشارك مع بنيامين نتنياهو في بلورة بنود اتّفاقية واي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في إطار عمله وزيرًا للخارجية، عمل شارون على تعزيز السلام في المنطقة وسعى إلى دعم مشاريع إقليميّة مشتركة في شأن المياه.

عام 2000، وحين كان زعيم المعارضة في عهد حكومة إيهود باراك، صعد أريئيل شارون إلى الحرم القدسي الشريف (ساحة الأقصى) في زيارة إعلاميّة قال فيها: “جبل البيت في يدنا”، وأعلن أنّ “لكلّ يهودي الحقّ في زيارة جبل البيت”. أثارت الزيارة اضطراباتٍ في الحرم القدسي، أدّت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى وإلى سنواتٍ طويلة من المواجهة الدمويّة بين الجانبَين.

رئيس الحكومة شارون

عام 2001، وبعد انتخابات وعد فيها شارون الشعب الإسرائيلي بـ”السلام والأمان”، انتُخب رئيسًا للحكومة. ألّف شارون حكومة وحدة مع حزب العمل، ما منحه وحكومته شرعيّة لدى الشعب الإسرائيلي وفي العالم على حدِّ سواء. خلال سنوات الانتفاضة، التي لحقت فيها بإسرائيل خسائر بشريّة فادحة، بسبب التفجيرات الانتحاريّة التي نفذتها التنظيمات الفلسطينية داخل إسرائيل بشكل أساسيّ، عمل شارون على إضعاف السلطة الفلسطينية، ساعيًا إلى إظهار الصلة بينها وبين الإرهاب، وإلى نزع الشرعية عنها في العالم.

في آذار 2002، بعد تفجيرٍ قويّ جدًّا، وبعد شهر قُتل فيه أكثر من 120 مواطنًا وجنديًّا إسرائيليًّا، قرّرت حكومة شارون احتلال الأراضي الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (أراضي A) في عملية الدرع الواقي، التي فكّكت بنية التنظيمات في الضفة، ونجحت في تقليل عدد القتلى في التفجيرات بشكل ملحوظ.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ونجله عمري شارون (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ونجله عمري شارون (Flash90)

عام 2002، بدأ شارون بإنشاء جدار الفصل الذي يفصل بين إسرائيل والضفّة، رغم أنّ عارضه لسنواتٍ طويلة، لكونه دعم طيلة حياته بحماسٍ فكرة أرض إسرائيل الكاملة.

عام 2003، انتُخب شارون لولاية إضافيّة. في هذه الفترة، تقرّب كثيرًا من الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، وبدأ بإبداء اعتدال في مواقفه السياسية. وخلافًا لبنيامين نتنياهو، الذي عبّر حينذاك عن معارضته لإقامة دولة فلسطينية، توجّه شارون إلى مركز الخارطة السياسية، وأعلن أنّه “مقابل سلام للأجيال القادمة، أنا مستعدّ للقيام بتنازُلاتٍ مؤلمة”.‏

الانسحاب من غزّة

في خطابٍ ألقاه نهاية 2003، أعلن شارون أنّه يعتزم، إن لم يجِد شريكًا فلسطينيًّا مُلائمًا، الانسحاب الأحادي الجانب في المستقبَل القريب من أجزاءٍ من الأراضي الفلسطينية وحتّى إخلاء مستوطنات – برنامج دعاه “فكّ الارتباط”. ناقض برنامجه الأيديولوجية التي دافع عنها بحماسة طيلة حياته السياسية والتي على أساسها انتُخب، وأدّى إلى اهتياجٍ حادّ في اليمين.

بالتوازي مع طرح فكرة الانسحاب، واصل سياسته القاسية والقتاليّة ضدّ الإرهاب، وأوعز، على سبيل المثال، باغتيال رئيس حركة حماس، أحمد ياسين وخليفته عبد العزيز الرنتيسي، كما قاد عمليات تطهير في رفح وشمال القطاع.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ومحمود عباس (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ومحمود عباس (Flash90)

في تشرين الثاني 2004، مع وفاة ياسر عرفات، أصرّ شارون على رأيه بتنفيذ خطّة فكّ الارتباط، ولم يستبعِد التفاوض مع القيادة الفلسطينية. في كانون الأول، ضمّ إلى حكومته حزب العمل برئاسة شمعون بيريس. تمّت الموافقة على الحكومة الجديدة، التي كان هدفها الرئيسي تنفيذ الانسحاب، بأكثرية ساحقة، ما دلّ على مدى تبدّل مواقف شارون السياسيّة، مقابل الأيام التي كان يُعتبَر فيها أحد كبار داعمي فكرة أرض إسرائيل الكاملة. سخطت الأوساط اليمينية، التي كانت معجبة بشارون سابقًا. كما كان هناك خوف من اغتياله. ادّعى عددٌ من معارضيه أنّه دعم برنامج فكّ الارتباط ليحوّل اهتمام الإعلام عن فضائح الفساد التي اتُّهم فيها.

في شباط 2005، صادقت الحكومة والجيش على الخطّة، وبدأ تنفيذها في آب 2005، وسط خلافات حادّة في الرأي العام الإسرائيلي. استُكمل إخلاء المستوطَنات خلال ثمانية أشهر، ثمّ جرى إخلاء جميع قواعد الجيش الإسرائيلي من القطاع.

عام 2005، انشقّ شارون عن الليكود، وأنشأ حزب كاديما، كحزب وسطي عريض، يدعم العمليّة السياسيّة مع الفلسطينيين. تمثّل مغادرة شارون الحزب اليمينيّ الذي كان أحد رموزه التغيير الجوهريّ الذي مرّ به شارون من رجل أمن وحرب إلى داعمٍ للسعي في أثر السلام مع الفلسطينيين.

لكنّ شارون لم يتمكّن من تحقيق برنامجه بالتحدّث إلى الفلسطينيين، وليس لأسبابٍ سياسيّة. ففي 18 كانون الأول 2005، أصيب شارون بنوبة دماغية خفيفة. إثر ذلك، كان يُفترَض أن يجتاز عمليّة قسطرة في القلب ويتناول أدوية لتمييع الدم. في 4 كانون الثاني 2006، أصيب بنوبة دماغيّة ثانية خطيرة، بسبب نزيفٍ دماغيّ. إثر عجزه عن القيام بمهامّه، نُقلت صلاحيّاته كرئيسٍ للحكومة إلى القائم بأعماله، إيهود أولمرت. وبعد علاج الطوارئ الذي خضع له شارون، دخل سباتًا استمرّ ثماني سنوات، لم يُفق منه، حتّى وفاته في 11 كانون الثاني 2014.

اقرأوا المزيد: 1915 كلمة
عرض أقل
أريئيل شارون في حائط البراق (FLASH 90)
أريئيل شارون في حائط البراق (FLASH 90)

حنينٌ في إسرائيل لزعيمٍ قويّ

دخل أريئيل شارون الغيبوبة في كانون الثاني 2006، والمنظومة السياسية تصرفت بناءً على ذلك. فقد أصبح بنيامين نتنياهو الرجل الأقوى في السياسة الإسرائيلية دون مُنازع – اشتياق لشخصية قوية، ولكن ملأى بالتناقُضات

أريئيل شارون مستغرِق في سُبات منذ 2006، وبين الحين والآخر، ينقل الإعلام الإسرائيلي آخر أخبار وضعه الصحي، كيف يتجاوب مع محيطه، وهل يتحدث الأطباء عن نشاط دماغيّ لديه. كما يتحدث الإعلام عن ابنَيه عُمري وجلعاد، اللذَين يعتنيان بوالدهما، الذي كان رئيس الحكومة بين 2001 و2006، ليُدفع بعدها إلى غياهب النسيان.

فمَن هو الرجل الذي كان يبدو بنيامين نتنياهو إلى جانبه مجرّد سياسيّ آخر؟

أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)
أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)

شخصيّة مُثيرة للجدل

شخصية شارون هي مثارُ خلافٍ، في إسرائيل وخارجها. فهو معروف كمقاتل جريء، بطل حرب بعد عام 1967، ومنقذ الدولة في حرب 1973. بالتباين، يُعتبَر شارون بالنسبة إلى كثيرين رجلًا عدوانيًّا، متهوّرًا، فاسدًا، وحتّى مخادعًا، جرّ إسرائيل إلى حروب لا طائل منها.

في البداية، اعتُبر شارون بطل اليمين و”أبا المستوطَنات”. لكن بدءًا من عام 2004، هاجمه اليمينيون، ولا سيّما المستوطِنون، بسبب برنامج فك الارتباط من غزة حينذاك. كان سُخط اليمين على شارون هائلًا، حتى إنّ رجال دين يهودًا معروفين في إسرائيل رفضوا الصلاة من أجل سلامته بعد دخوله الغيبوبة.

عسكريّ مُكلَّل

أدخل أريئيل (إريك) شارون، المولود باسم أريئيل شاينرمان، إلى وحدات سلاح المشاة ووحدات النخبة عقيدة المعارك. عام 1953، دُعي شارون لإنشاء الوحدة 101، كوحدة تكون قادرة على إنجاز عمليات في عُمق أراضي العدوّ. تحت إشرافه، تحوّلت الوحدة 101 إلى وحدة الكوماندوز الأولى في الجيش الإسرائيلي.

أرئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)
أرئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)

في حرب 1967، قاد شارون الشعبة 38، التي وُضعت في القطاع الجنوبي. حظي شارون بالثناء على المعارك التي قادها في أم كتف وأبو عجيلة، المعركة التي اعتُبرت إحدى أنجح المعارك في تاريخ جيش إسرائيل، ودُرّست بعد ذلك في أكاديميات عسكرية في أنحاء العالَم.

في حرب 1973، أشرف شارون على عملية “فرسان القلب”، بالعبرية “أفيري ليف”. كانت العمليّة من أعقد العمليات التي جرت خلال الحرب عامّةً وعلى الجبهة الجنوبية خاصّةً. وقد غيّرت العملية وجه الحرب، إثر اجتياز الجيش الإسرائيلي قناة السويس، ما أدّى إلى طلب مصر وقف إطلاق النار.

كذلك عرض شارون طيلة خدمته في الجيش، كوزير، وكرئيس حكومة، نظرة قتال للإرهاب دون تسويات – لإخضاع الإرهاب بكل الوسائل التي في حوزته. قاتل الإرهاب في غزة بيدٍ من حديد، وأدّت العمليات مثل الاغتيالات المنظّمة، وهدم البيوت، إلى نقد جماهيريّ قاسٍ ضدّه. وهو يُعتبَر في العالَم أحد أكبر الاختصاصيين في الحرب على الإرهاب.

حرب لبنان، صبرا وشاتيلا

كقائد عسكري ذي كاريزما، عمل شارون سنوات طويلة على هواه، دون الانصياع لقادته. فقد كتب دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الأول، عن شارون يومًا: “شاب مفكِّر، مبدِع، وإذا تغاضينا عن أنه لا يقول الحق في تقاريره، يكون قائدًا عسكريًّا نموذجيًّا”.

بدأت حرب لبنان بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف، التي قادت إسرائيل إلى ضرب منشآت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، مما أدى إلى قصف مركز مدينة كريات شمونة وطول الحُدود على الجليل بوابل قوي من صواريخ الكاتيوشا.

أدّت خسائر الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الشائعات أنّ شارون ضلّل رئيس الحكومة حينذاك، مناحيم بيغن، حول مدى اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان، إلى هبوط حادّ في شعبية الحرب وإلى إلحاق الأذى بالمكانة الجماهيريّة لشارون.

أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)
أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)

وخلال احتلال الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية، بيروت، في أيلول 1982، ارتكب حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة في مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا جنوب العاصمة. وأتت المجزرة بعد اغتيال بشير الجميّل، الزعيم في الحزب، الذي انتُخب رئيسًا للجمهورية بدعمٍ إسرائيليّ. دخلت الكتائب مخيمَي صبرا وشاتيلا مساءَ 16 أيلول، وخلال وقتٍ قصير بدأت بالقتل يمنةً ويسرة.

في أعقاب الضغوط من الرأي العام، محليًّا وعالميًّا، عُيّنت لجنة تحقيق رسمية، لجنة كاهِن، للتحقيق في المجزرة. قرّرت اللجنة أنّه رغم عدم تورُّط الجيش الإسرائيلي مباشرةً في المجزرة، فقد كان شارون مسؤولًا عن تجاهُل خطر قيام الكتائب بعمليات ثأر على اغتيال قائدها في مخيّمات اللاجئين.

نتيجةً لذلك، أوصت اللجنة بإعفاء شارون من مهامّه، وعدم تسليمه وزارة الأمن (الدفاع) مجدّدًا. طوال سنوات، ولا سيّما بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، نظر كثيرون في العالم إلى شارون كمجرِم حرب.

“انتفاضة الأقصى”

في عهد حكومة إسحاق رابين، عارض شارون بشدّة معاهدة أوسلو، التي رأى فيها خطرًا شديدًا على أمن الدولة. وبعد هزيمة نتنياهو في انتخابات أيار 1999، انتُخب شارون في أيلول رئيسًا للّيكود، ليكون زعيمًا للمعارضة في عهد حكومة إيهود باراك.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ومحمود عباس (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ومحمود عباس (Flash90)

في 28 أيلول 2000، قام شارون بزيارة حظيت بتغطية إعلامية إلى الحرم القدسي، وأعلن أنّ “لكلّ يهودي الحقّ في زيارة جبل البيت”. رأى الفلسطينيون في هذه الزيارة سببًا لاندلاع الانتفاضة الثانية. في وقتٍ لاحق، كشفت سهى عرفات، قرينة رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، في مقابلة تلفزيونية أنّ انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، خطَّط لها زوجها.

بعد ذلك، حين أصبح شارون رئيسًا للحكومة، بلغت موجة الإرهاب ضدّ إسرائيليين، التي جرى التعبير عنها في تفجيرات انتحارية، مستوياتٍ غير مسبوقة عامَي 2001 و2002. وبعد فترة من التحفُّظ النسبي، انتهج شارون سياسةً تصعيدية.

وفي النهاية، بعد التفجير في فندق “بارك” في آذار 2002، وبعد أن قُتل في ذلك الشهر (الذي دُعي “آذار الأسود”) أكثر من 120 مدنيًّا وجنديًّا إسرائيليًّا، قررت الحكومة برئاسته احتلال المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية (منطقة A) في إطار عملية “الدرع الواقي”. فتّتت العملية البنى الإرهابية في الضفة الغربية، ونجحت في خفض عديد قتلى التفجيرات كثيرًا.

في الفترة نفسها، أطلق شارون عملية بناء جدار فصْل يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، بهدف التقليل من عدد التفجيرات. بالنسبة لكثيرين، مثّل هذا الجدار انشقاقًا أيديولوجيًّا عن ماضي شارون، الذي كان يدعم طيلة حياته مبدأ “أرض إسرائيل الكاملة” بقوة، ولكنه الآن اعترف بتقسيمها. بقي مسار جدار الفصل مثارَ جدل، وأضحى مركز عاصفة دُولية.

كديما والسُّبات

كان آخر النشاطات السياسية لشارون قبل دخوله الغيبوبة إنشاء حزب “كديما”. انشقّ شارون في 21 تشرين الثاني 2005 عن حزب الليكود، الحزب الذي أنشأه. وأثناء توليه رئاسة الحكومة، أنشأ حزبًا جديدًا – حزب “كاديما” (قُدُمًا).
تأسّس الحزب إلى حدٍّ كبير على شخصية شارون، وسرعان ما انضمّ للحزب الكثير من السياسيين، بينهم إيهود أولمرت وشمعون بيريس. لكنّ سُبات شارون عام 2006 وهبوطه عن المنصة فجأةً أدّيا إلى هزة عنيفة لحزب كاديما، الذي وجد نفسه قبل أقلّ من ثلاثة أشهر من الانتخابات دون زعيمه، الرجل الذي كانت شخصيته دعامة الحزب.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون (Flash90)

أُصيب شارون (الذي يبلغ الآن 86 عامًا) بنزيف داخل الدماغ في كانون الثاني 2006، ونُقل بدايةً إلى مستشفى هداسا عين كارم في القدس، حيث بُذلت جهود لإعادته إلى الوعي التام، لم تُجدِ نفعًا. في أيار من السنة نفسها، نُقل إلى المركز الطبي شيبا، ومذّاك يمكث في وحدة إعادة الأهلية التنفسية في المستشفى.

وفي تشرين الثاني 2010، نُقل بطلب من أفراد أسرته إلى مزرعة “هشكميم” لفتراتٍ قصيرة، سعيًا لإنتاج بيئة طبية داعِمة في بيته، لكن في نهاية المطاف تقررت إعادته إلى شيبا، حيث يمكث حتّى الآن.

اقرأوا المزيد: 976 كلمة
عرض أقل