قبل سنتين كنت برحلة لعمّان مع شادي، أفضل صديق إلي. بأحد بارات المثليّين التقينا بشخص من الكويت. كان لقاء مش راح أنساه أبدًا. بدأ الإشي متل أي محادثة في البار: “مرحبا قديش عمرك؟ من وين؟ وقتها تلقينا جواب مفاجئ (مع عمل الحساب للحقيقة إنو احنا ببار للمثليّين): “أنا ستريت” (Straight as in not Gay)، قال الكويتي اللطيف.

ولما تساءلنا شو بعمل الـ “ستريت” وسط هاي الليلة في البار الوحيد للمثليّين بعمان أخدنا جواب مفاجئ بل ومغضب كمان، تركنا أنا وشادي مذهولين. شرحلنا الكويتي بلا مبالاة إنو في بلاده، إذا كنت “اجابي” (As in Top) فمش راح تعتبر مثليّ.

يمكن كان لازم أنهي المحادثة بهاي المرحلة، بس هل فعلا هاي هي النهاية المناسبة لهاد النقاش المهم؟ قررت أجرّب أفهم. حاولت أقلّه إنو اللي بحكيه مش معقول بالمرة لسبب بسيط إنو “لازم يكون تنين للتانجو”. بس اصطدمنا بجدار من الحجارة. الرجل فعلا آمن إنو رغم حقيقة إنو عمال يقضي الوقت مع الرجال، فهو مش مثليّ. بهاي المرحلة، كنا محبطين من درجة القمع والأكاذيب، أكلنا طبق بيتسا من أفضل المنتجات الأردنية، ورجعنا على الفندق.

بالوقت اللي حاول فيو شادي يوسع دائرة المعارف تبعتو في عمان، من خلال موقع معروف للتعارف في الإنترنت (Grindr)، فضّلت أنا إنو أبقى لوحدي في الغرفة، مشغول بالتفكير: لأيّ درجة احنا العرب منحبّ خزانتنا؟ ليش دايما منفضل نحاول “نبرز” كل فعل جنسي بين الرجال، ومنعمل كل إشي عشان نطلع نظاف من التهمة و”طبيعيين”، هل المنظومة الاجتماعية هي اللي بتخلينا نبني أسوار حولنا ومنعترفش بالحقيقة، ولا في هناك شيء مريح بالاختباء ورا التصريحات الغبية مثل “أنا نشيط في السرير وعشان هيك أنا مش مثلي”؟

أو إذا بدنا نلخص بجملة واحدة: هل المجتمع عمببني إلنا سجن، أو إحنا أسرى أنفسنا؟

ذكرتني أفكاري السودا السنين الأولى في الخزانة، لمّا اكتشفت إنو أكون أنا نفسي، فهاي خطيئة عليها عقاب أسود مظلم. بالبداية إنت بتعمل شو ما بتعمل، بعدين بتتأسف وبتكره حالك، بعدين بتتأمل حدا من فوق يغفرلك، وبس بعد تجربة كبيرة بتنسى من وين بديت بأحسن الأحوال، أو ببساطة بتعيش حياة مزدوجة وسرية في أسوأ الأحوال.

إجا الوقت انه نحطم عادات وتقليد مفسدة ونطلع من الخزانة (David Pearl)
إجا الوقت انه نحطم عادات وتقليد مفسدة ونطلع من الخزانة (David Pearl)

كم سوبرمان زي هيك في بمجتمعنا؟ خلال النهار عاملين حالهم ناس عاديين مع مرأة وولاد وبالليل بتمنو انه يقضوا مع اولاد في جيل 17 و 18 علشان يخلصوهم من عذريتهم. وليش ولا حدا بحكي عن هاد الإشي؟

بقولوا إنو ظاهرة الخروج من الخزانة صارت اتجاه في السنوات الأخيرة في البلدان الغربية، وأنا بعرفش قديش هاد الإشي صحيح بس يمكن عنّا في ظاهرة معاكسة: بدل من إنو يكون من السهل الخروج من الخزانة، فإحنا عمالنا نغلق على أنفسنا أكتر وأكتر ومنخترع لأنفسنا الأعذار: ليش مفضل إلي إنو أظلّ عميق بالداخل بس من مرة لأخرى كمان أتسلّل للخارج، والمفضل يكون بالليل، لمّا ولا حدا يشوف، نتنفس شوية هوا نقي وبعدين منركض راجعين للداخل.

صديق آخر إلي، اللي اسمه بالمناسبة سعيد، طلع من الخزانة قبل حوالي شهرين قدام أهله، من خلال مكتوب تركه في البيت. وبالمناسبة، مكنتش ردّة فعل أهله فظيعة، بس بوقت انتظار ردّهم شعرتُ إنو سعيد على وشك الانهيار. شو فيها، شو في بالخروج من الخزانة، اللي بتحوّلنا من رجال بجيل 25 لأولاد أبناء 7 سنين كسروا المزهرية لمّا كانوا يلعبوا في الصالون وخافوا من ردّة فعل الأب والأم؟

أنا متذكر هاد الشعور عندي كمان. حتى اليوم لمّا أبوي بتصل، بكون عندي شعور رهيب إنو راح أنمسك على إشي عملته بتعلّق بالسياق الجنسي تبعي.

هل هناك مجتمع حديث آخر في العالم بكون فيو أشخاص بعمر 25 بقدروش يقرّروا مع مين ينامو ووينتا، غير مجتمعنا؟ وليش، إذا كنا منقرر، دايما لازم يكون الإشي عالسكّيت ولمّا الضيْ مطفي والشبابيك مسكّرة وولا حدا شايف.

بعدو ما إجا الوقت اللي نوخد الجندر والجنس بإيدينا؟ إحنا بطّلنا ولاد بجيل 7 سنين بسكروا على حالهن الغرفة وحدهن لما يكون الأبو بالشغل والأم بالسوبر ماركت، منتخيّل حياتنا بجانب رجل منحبّه ومندعي بإنو هاي اللحظات تستمر، احنا أشخاص بالغين ولازم يكون عنّا حق الاختيار بإنو نتصرّف كيف ما بدنا من دون الخضوع للإملاءات الاجتماعية، التقليدية والأسرية أيّا كانت.

هاي هي المشاعر الخاصة فينا، هاد قلبنا اللي بتشوّق يحبّ ويكون محبوب وإلنا الحق بإنو نستخدموا كيف ما بدنا دون ما حدا ينتقدنا على هيك طالما الإشي قانوني طبعا.

اقرأوا المزيد: 639 كلمة
عرض أقل