يعيش نحو مليون وأربعمائة ألف شاب في عمر 15—29 في يومنا هذا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم يشكلون 30% من السكان الفلسطينيين. كما هي الحال في سائر الدول العربية، يعاني الفلسطينيون من زيادة سريعة في عدد السكان، تؤدي إلى ضرر بالنمو الاقتصادي.
في الوقت الذي ينشغل فيه زعماء المنطقة في التحضيرات لقمة سلام إقليمية برعاية أمريكية ستُعقد على ما يبدو في الصيف، وينشغل أبو مازن في الحرب اللانهائية ضد معارضيه، تصفية حسابات سياسية، وتحسين علاقاته مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ويكمل يحيى السنوار إجراءات دخوله لمنصبه الجديد ودخول القيادي في حماس، الحركة التي تسيطر على غزة بيد حديدية، وفي الوقت الذي تواصل فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية مواجهة العمليات العدائية التي تحدث أحيانا، عمليات الدهس والطعن من قبل الشبان الفلسطينيين، وبينما ما زال السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يجرون مفاوضات حول شروط اعتقالهم، ويهددون بالإضراب الجماعي عن الطعام بقيادة مروان البرغوثي، هناك شعور عام من الغضب الجماهيري، في الداخل الفلسطينيي، يهدد بالاندلاع في وجه القيادة الفلسطينية وإسرائيل أيضا.
لفهم العمليات المختلفة التي يمر فيها الجيل الشاب في المجتمَع الفلسطيني (يتطرق المصطلح الشاب إلى الرجال والنساء في عمر 15-29)، جيل المستقبل الفلسطيني، حاولنا رسم خطوطه. حاولنا معرفة ما الذي يهتم به جيل المستقبل، ماذا يؤثر فيه، يحفزه، ممّ سئم، وهل سيشن هذا الجيل في المستقبَل القريب، انتفاضة عامة؟
في محادثة مع الباحثة الإسرائيلية حول المجتمَع الفلسطيني، دكتور رونيت مرزان، حاولنا رسم خطوط جيل المستقبل الفلسطيني. [(تم الحصول على المعطيات بالأرقام التي تظهر هنا من مصادر مختلفة: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أوراد – مركز العالم العربي للبحوث والتنمية، والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR)].
تدعي دكتور مرزان أن من بين الشبّان (في عمر 15-29)، فإن الشبان الذين يعربون عن غضبهم ضد إسرائيل من خلال عمليات الطعن، الدهس، وإلقاء الحجارة، في عدة مناطق في الضفة الغربية هم شبان عمرهم 15 حتى 19 عاما. وهم يشكلون نحو %40 من إجمالي السكان الشباب.
يؤمن 32% من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات
ثمة ظاهرة أخرى تحدث بين الشبّان في الدول العربيّة وهي الزواج في سن متأخر. هناك 16% من الشبّان (في عمر 15-29) متزوجون مقارنة بـ 41% من الفتيات المتزوجات. تكمن المشكلة المركزية في التكاليف المادية الباهظة للزواج. ثمة معطى آخر هام يشهد على ثقافة هؤلاء الشبان إذ إن %40 ينهون دراستهم الثانوية وتنهي مجموعة ضئيلة جدا، نسبتها %13 التعليم للقب الأول.
استعمال الإنترنت: يستخدم معظم الشبّان الفلسطينيين، 70%، الإنترنت في أحيان قريبة، بالمُقابل فإن %23 من الشبّان يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولكنهم لا يفعلون ذلك، بالمُقابل، قال %7 فقط إنهم لا يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولا يستخدمونه.
من جهة الضائقة التي يعاني منها الشبّان الفلسطينيون (وفق الاستطلاعات التي نُشرت عام 2016)، ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة. أعرب %7 فقط أنهم معنيون بتحسين ظروف حياتهم. توضح دكتور مرزان أن إنهاء الاحتلال يعني بالضرورة تحسين وضع الشبان سياسيا، لا سيّما تحسين الوضعَين الاقتصادي والاجتماعي الصعبين. وفي هذا الصدد، يؤمن 32% من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات. إن الاعتقاد أن الاحتلال سينتهي سريعا، أقوى لدى الشبّان في غزة من الشبان في الضفة الغربية، في أوساط نشطاء حمساويين وأشخاص يعرفون أنفسهم متديّنين أكثر.
لماذا لا تندلع انتفاضة شاملة يشارك فيها فلسطينيون كثيرون، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، نقص الأفق السياسي، واستياء الشبان من القيادة الحاليّة في الضفة وقطاع غزة على حدِّ سواء؟
تعتقد دكتور مرزان أن حقيقة عدم اندلاع انتفاضة مسلحة كبيرة وشاملة لا تشهد على الوضع الحقيقي للشبّان الفلسطينيين. فهي تعتقد أن هناك غضبا عارما بطيئا ومتواصلا نجح في جذب اهتمام زعماء الدول العربية أيضا.
فإذا لم يأخذ بالحسبان زعماء الدول العربيّة، حتى قبل بضع سنوات، رأي الشبّان الفلسطينيين، لأنهم كانوا مشغولين في ثورات داخلية، ففي الأشهر الماضية طرأ تغيير في وجهة النظر وبدأ الشبان الفلسطينيون يتصدرون سلم أولوياتهم ثانية. إثباتا على ذلك تشير دكتور مرزان إلى عقد مؤتمرات في القاهرة، إسطنبول، طهران، رام الله، والدوحة، للبحث في قضايا ذات صلة بالشبان الفلسطينيين وحقوق الإنسان.
هناك دور مركزي للشبان الفلسطينيين فيما يحدث في المنطقة، وكلما ازداد غضبهم تزداد احتمالات حدوث مقاومة في الدول العربيّة ثانية. مثلا، كانت انتفاضة الأقصى (عام 2000) تجربة مصممة للشبان العرب، إذ شاركوا بعد مرور عقد في ثورات “الربيع العربي” وكسروا حاجز الخوف من السلطات العربية.
ثمة مثال على عقد مؤتمر للشبان، هو المؤتمر الذي نظمه محمد دحلان في القاهرة تحت شعار “شبابنا شركاؤنا”. عرض دحلان أمام المشاركين في المؤتمر وجهة نظره السياسية التي تتضمن دمجا بين المقاومة، الحل السياسي، والشراكة السياسية في الحلبة الداخلية، مؤكدا على الحاجة إلى الصمود أمام إسرائيل. حتى أن دحلان انتقد سياسة أبو مازن التهميشية بحق الشبّان الفلسطينيين. شارك في المؤتمر نحو 500 شاب وشابة من قطاع غزة، الضفة الغربية، لبنان، وأوروبا، واختُتِم بسلسلة من التوصيات لزيادة مشاركة الشبان في الحياة السياسية: تجنيد الأموال ودعم الأطر الاجتماعية مثل نواد رياضية وحركات كشافية معدة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا؛ التعاون مع منظمات المجتمَع المدني والتربية على التعددية، العمل بموجب القانون، واحترام حرية الفرد.
كان التعاون بين القيادة المصرية، قيادة حماس، ومحمد دحلان من أجل تنظيم المؤتمر، جزءا من الجهود الشاملة لإعادة مكانة مصر بصفتها زعيمة العالَم العربي، ولطرح القضية الفلسطينية على سلم أفضليات الوطن العربي.
تعتقد دكتور مرزان أيضا أنه إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا. ستكون هذه الانتفاضة موجهة بشكل أساسي ضد القيادة الفلسطينية، إخفاق الزعماء، ولكن ضد الاحتلال وإسرائيل أيضا.
ما هو الهدف من تهديد الأسرى الفلسطينيين بشن إضراب عن الطعام؟ هل يشكل هذا علامة أخرى على الغضب الجماهيري؟
تدعي دكتور مرزان أن الأسرى الفلسطينيين يمثلون إشارة لإمكانية اندلاع انتفاضة أو فوضى. فمثلا، قبل اندلاع انتفاضة الأقصى (عام 2000)، شن الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية إضرابا كبيرا عن الطعام وأثاروا فوضى. “يرغب البرغوثي في إشعال المنطقة خارج السجن. من جهته، تم إبعاده قسرا عن الخارطة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن الطريق للوصول إلى مركز الأحداث هو عبر إشعال المنطقة”. وتعتقد دكتور مرزان أن المصلحة الإسرائيلية الأولى هي إطلاق سراح البرغوثي وبأسرع وقت، “فإذا بقي مسجونا سيُحدِث ثورة كبيرة خارج السجن. سيدفع هذا الوضع إسرائيل نحو التوصل إلى مفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى لتهدئة النفوس، مثلما حدث حتّى الآن”، تقول دكتور مرزان.
ماذا يحدث الآن؟ هل السنوار هو الرجل الصحيح في الوقت الصحيح؟
تتعرض محاولات حماس لعرض نفسها لاعبا سياسيًّا لصعوبات كثيرة. فقد حظرت نشاط حماس كل من السلطة الفلسطينية، إسرائيل، جزء من الدول العربيّة، والمجتمع المحلي، وفُرِض عليها وعلى مناطق نشاطها حصارا مستمرا، وخاضت مواجهات عسكريّة كثيرة مع إسرائيل. إلا أن التحديات الداخلية، الإقليمية، والدولية تُرغم حماس على متابعة تمسكها بقرارها الاستراتيجي الذي اتخذته عام 2006: أن تكون لاعبا سياسيًّا نشطا وشعبيا في الحلبة الفلسطينية.
إن توقيت اختيار يحيى السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة هام جدا لإسرائيل. من المعروف عن السنوار في إسرائيل، أنه قوي وقاس جدا. فتعتقد إسرائيل أنه قد يكون الرجل الصحيح في الوقت الصحيح، فهو قوي وقادر على توجيه غزة نحو مسار بعيد عن الفوضى، اجتثاث عائلات الجريمة التي تسيطر على الأنفاق التي ما زالت قائمة، واجتثاث ظاهرة استخدام المخدّرات المتزايدة. فهو قيادي ذو تأثير كبير في الجناح العسكري في حماس، أقواله مسموعة، وينجح في إدارة الجناح العسكري علنا أيضا. لن تجرؤ كتائب عزّ الدين القسّام على مخالفة تعليماته.
منذ عام 2006، في مقابلة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، ادعى السنوار أنه لا يعارض التوقيع على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل قد تؤدي إلى هدوء وازدهار في المنطقة. وتؤدي أيضا إلى أن يكون السنوار قادرا على السيطرة بشكل أفضل على الفصائل الجهادية السلفية في قطاع غزة وجعلها معتدلة أكثر. قد يكون من الجيد إذا سمحت له إسرائيل بإكمال عملية سياسية دون أن تسخر منه وتحرجه من خلال شن اغتيالات سياسية. ليس واضحا من المسؤول عن اغتيال مازن فقهاء، ولكن تصعّب حالات كهذه على السنوار. من المتوقع أن يتعرض الشبّان الفلسطينيون في غزة لحالة من فرض قيود أمنية وسياسية أقوى.