لقد صعّدت القوات الكردية التي انتصرت على الدولة الإسلامية في سنجار الأسبوعَ الماضي من حملتها الإعلانية التي رافقت الحملة العسكرية. بعد استكمال السيطرة على الإقليم، في منتصف الأسبوع الماضي، حضر إلى سنجار فورًا سياسيون، صحفيون وشخصيات عامة من كردستان العراقية. كان على رأسهم الرئيس مسعود البرزاني، الذي شرّف بحضوره الاحتفال بالنصر عندما زار قبر الشيخ شرف الدين الذي يقدسه اليزيديون. نجح كذلك يزيديون نازحون بالعودة لأول مرة إلى قراهم في المناطق التي حُررت، كي يبحثوا عن جثث أقربائهم ويجمعوا ما بقي من ممتلكاتهم.
بعد الاستيلاء على سنجار، سارع ضباط الإعلام النشطون من البشمركة (القوات العسكرية لكردستان العراقية)، الـ PPK (المليشيات الكردية من تركيا) والـ YPG (المليشيات الكردية من روجابا، الشريط الكردي المستقل شمالَ سوريا، والتي ترى نفسها فرعا محليا من PPK) إلى إحضار صحفيين أجانب، من بينهم إسرائيليون، للمشاركة في جولات الانتصار في المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين من الدولة الإسلامية لمدة خمسة أشهر.
بواسطة الجولات في المدن المُدمّرة في إقليم سنجار، في مناطق المعارك وقبور اليزيديين التي اكتشفت في المنطقة، يعرض ضباط الإعلام وضباط القوات الكردية للعالم همجية الجهاديين. إنهم يصفون المعركة البطولية في سنجار كمعركة تُسطر في التاريخ في محاربة الدولة الإسلامية ويعتبرونها عودة القدر إلى جانب “الخيّرين”.
لكن من خلف الغطاء الرقيق للتوحد وتآلف القوى الكردية تثور عاصفة كبيرة يمكن لها أن تغرق سريعا كل الإنجازات في الميدان. كانت نهاية المعارك مع الدولة الإسلامية الطلقة الأولى في الحرب بين القوات الكرديّة المختلفة، التي توترت العلاقات بينها في السنوات الأخيرة، بداية بسبب الحرب السورية وتعاون الحكومة الكردية العراقية مع السلطات التركية.
على هذه الخلفية، ينبغي أن ندرك القصة العجيبة، لا أقل، التي نُشرت قبل أيام معدودة. طلبت البشمركة بناء مركز طبي في سنجار من أجل معالجة جنودها والنازحين اليزيديين، الذين احتاجوا علاجا طبيا عاجلا. قام رجال YPG، بمنعها من إقامة المركز والذين يؤمنون أن السماح للبشمركة بإقامة مؤسسات ومراكز سيشير إلى سيادة حكومة كردستان العراقية في الإقليم. تقوي بعض الشواهد الميدانية التقارير الأخرى عن حواجز الطرق التي كثيرا ما تنصبها قوات YPG والبشمركة حول إقليم سنجار، كي تراقب حركة القوات المنافسة وتقيدها.
لم يُستكمل تحرير سنجار بعد، وما زال مبكرا الظن أن YPG ينوي المطالبة بالسيطرة على المنطقة وضمها إلى مقاطعة روجابا. من الواضح تماما، مع هذا، أن الصراعات التي بدأت بين الأطراف هي صراعات على السمعة الحسنة، الشرف والشهرة، وتهدف للحصول على دعم من المجتمع الدولي لاستمرار القتال.
يتصارع كلا الجانبين على لفت الانتباه الإعلامي العالمي إليهما، وهذا هو سبب لفت النظر من وسائل الإعلام المحلية كثيرا إلى ما يجري في سنجار. من الواضح أيضا لمَ كان ينبغي من أجل الجميع أن تجتاز كل ذرة معلومات خرجت عن المنطقة مصفاةَ فروع الاتصالات للقوات المختلفة. مع ذلك، لا ننسى أنه في غمرة الصراعات حول الأفضلية الكردية، تضيع الضحية الأصلية وتنسى، أصحاب الإقليم؛ وأغلبيتهم الساحقة من اليزيديين الذين طردوا من بيوتهم، وأغلبهم تحت وضع إنساني عسير. أولئك المحتاجون للخدمات التي ينبغي على القوات الكردية أن تزوّدهم بها، أولئك المحتاجون للخدمات الصحية الطارئة، وعلى غرار القوات المقاتلة، هم أولئك المحتاجون للتنقل بحرية في الإقليم.
إن جولات التفوق القتالية التي ربحتها القوات الكردية على قوات الدولة الإسلامية لن تؤدي بأي طرف إلى أي إنجاز، ولن تُقدم قيدَ أُنملة حلم كردستان الحرة. بل يُخشى أن تؤدي إلى الإضرار بالأقلية اليزيدية المنكوبة، وموت عشرات النازحين بسبب حالتهم الطبية المزرية. على أعتاب 2015 تزداد الأزمة العامة التي يمر بها اليزيديون عُسرا، ولا يبدو بعد أنه سيُشرق حلا في الأفق.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think