استمرارًا للاستعراض الخاص الذي نقوم به مرة كلّ عدّة أسابيع حول وحدات خاصة في الجيش الإسرائيلي، نقدّم لكم هذه المرة قصة وحدة شالداغ. ليست معروفة إطلاقًا، ومن خلال القليل الذي يمكن أن نعرفه عنها تظهر صورة سرّية وبالأساس مثيرة للفضول.
وحدة شالداغ هي وحدة كوماندو في سلاح الجوّ الإسرائيلي، نخبوية وسرية، وبالتالي هناك حظر على تفاصيل أهدافها ونشاطاتها خلال السنين. ما يمكن قوله هو أنّ شالداغ تعمل في الهجوم وفي النشاطات الاستخباراتية في العديد من القطاعات، حتى وراء خطوط العدوّ، وأنّ جنودها يشاركون في عمليات خطرة مستخدمين مؤهّلاتهم الجسدية والعقلية، معرفة المنطقة وتشغيل تقنيات القتال المتقدمة.
وتشارك شالداغ بشكل أساسيّ في العمليات الجوية لسلاح الجوّ. ويمكننا أن نفهم نشاطها قليلا من خلال التقارير التي تفيد بأن الوحدة قامت بتأمين “عملية موسى” و”عملية سليمان” لجلب اليهود من إثيوبيا، وشاركت في عمليات الإغاثة الإنسانية في أعقاب كوارث في جميع أنحاء العالم. وقد انكشفت بعض نشاطات الوحدة خلال حرب لبنان الثانية، وذلك حين خلّص فريق الوحدة جثة الميكانيكية المنقولة جوًّا وذلك حين تحطّمت مروحية الهليكوبتر التي كانت تستقلّها في عمق الأراضي اللبنانية. وعلى مرّ السنين، انتشرت شائعات مصدرها صحف أجنبية، تدّعي أن الوحدة شاركت في عملية “أوبرا” لقصف المفاعل النووي العراقي عام 1987.
من المعتاد جعل شالداغ في صفّ واحد مع سرّية الأركان العامة والسرّية 13 (شايطيت 13)، حيث تحظى هذه الوحدات الثلاث بأجود الموارد البشرية، وبمعدّات متطوّرة وقدر كبير من الميزانية. في معظم الحالات فإنّ نشاطات هذه الوحدات الثلاث عمليّاتية وتخترق عميقًا وبعيدًا عن الأراضي الإسرائيلية، في ظروف قاسية وسيناريوهات معقّدة. ويقوم الجيش الإسرائيلي برعايتها كي تتمكّن من تحقيق النتائج العمليّاتية المطلوبة منها.
شالداغ تعمل في الهجوم وفي النشاطات الاستخباراتية في العديد من القطاعات، حتى وراء خطوط العدوّ (IDF Flickr)
رمز الوحدة هو طائر الرفراف، سمّيت الوحدة باسمه وهناك من يقول بأنّه تم اتّخاذ الاسم عن اقتباس لديفيد ستارلينج، الذي قال بأنّ وحدته ستهبط على العدوّ كما يهبط الرفراف على فريسته. وستارلينج هو مؤسس الـ SAS البريطاني، والتي تم استمداد سرّية الأركان العامة منها، ووحدة شالداغ بدورها إلهام.
تأسيس الوحدة
تأسست وحدة شالداغ عام 1974، في أعقاب دروس استفيدت من حرب تشرين، الحرب التي لم تكن تعتبر فيها سرّية الأركان العامة وحدة نخبة. عملت الوحدة في بداية طريقها ككتيبة احتياطية لسرّية الأركان العامة. وفقط بعد عدّة سنوات تحوّلت إلى ذراع عمليات مباشرة ومنظّمة لسلاح الجوّ. في قائمة قادة الوحدة على مر السنوات (من القادة الذين يمكن الكشف عنهم)، تتواجد أسماء محاربين جريئين وقادة عظماء، ممّن ترقّوا في الجيش الإسرائيلي لمناصب كبيرة، ومن بينهم: تال روسو، جال هيرش، بيني غنتس، أليك رون، دورون ألموغ وغيورا عنبار.
العملية الأكثر سرّية
عمليات قليلة اشتركت فيها شالداغ يتمّ السماح بنشرها فقط، ويُحظر نشر تفاصيل مهمّتها الرئيسية. مع اندلاع القتال في حرب لبنان الأولى (1982)، عملت شالداغ بواسطة قوّتين رئيسيّتين: الأولى وصلت لمنطقة البقاع في لبنان، التي كان يسيّطر عليها الجيش السوري، وساعدها سلاح الجوّ في تدمير بطاريات صواريخ أرض-جوّ ومدافع مضادّة للطائرات. أما القوة الثانية فقد احتلّت المتحف في بيروت، والذي تحصّن فيه الكثير من الإرهابيين، وشاركت في معارك أخرى داخل المدينة ضدّ مقرّات منظمة التحرير الفلسطينية المحصّنة. قبل معركة المتحف، وجد ضابط الاستخبارات التابع لوحدة لشالداغ تخطيطًا دقيقًا للمبنى في الأرشيف الوطني في بيروت، وبعد ذلك دخل المحاربون في وقت واحد من خلال الفتحات وأغاروا بإطلاق النار والقنابل على الإرهابيين المحصّنين المدهوشين. وصف روسو، الذي كان حينذاك قائدًا لإحدى كتائب الوحدة، في مُقابلة في الماضي قائلا: “وضعنا مادّة متفجّرة على جدار المبنى. ظنّنا أن يُنشئ ذلك ثقبًا في الجدار، ولكننا في الواقع قمنا بتفجير المكتبة الوطنية في بيروت، وهطل عليها وابل من الأوراق. وقد اقتحموا المتحف تحت نيران الـ آر.بي.جي”. أدار محاربو شالداغ المعركة أمام رجال فتح المتوزّعين بين التحف القديمة.
تحظى شلداغ بأجود الموارد البشرية، وبمعدّات متطوّرة (IDF Flickr)
أخذت شالداغ دورًا رئيسيًا في “عملية موسى” لجلب يهود إثيوبيا للبلاد، بين عامين 1984 – 1985. وقد نشطت بشكل كبير في المجال حتى تم الكشف عن العملية في الصحافة الإسرائيلية. في عام 1991 ازداد الوضع سوءًا وقررت دولة إسرائيل بأنه يجب نجدة يهود إثيوبيا وإحضارهم إلى إسرائيل بسرعة. خلال 34 ساعة، تم جلب نحو 14,400 يهودي إلى البلاد في “عملية سليمان”. وقال ضابط سابق في شالداغ في عام 2010: “أذكر أن كل الوحدة كانت مطلعة على العملية. وسمع الجميع عنها وأرادوا المشاركة. واتصل الكثير من جنود الاحتياط وقالوا: “أنا أريد المشاركة أيضًا”. اخترعنا الأدوار والمهامّ من أجل أن يشترك أكبر عدد ممكن. وكان إحساس لدى الجميع بأننا ذاهبون للخروج من مصر”.
ومجدّدًا في قضية لبنان، شاركت الوحدة في عمليات “تصفية الحساب” (1993) و”عناقيد الغضب” (1996). وبعد نشاطها في عملية “عناقيد الغضب”، تحت قيادة جال هيرش (في وقت لاحق كان قائد شعبة الجليل خلال حرب لبنان الثانية)، تلقّت شالداغ ميدالية رئيس الأركان.
وكجزء من الحفاظ على الكفاءة الحالية لفرق القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، تم دمج وحدة شالداغ أيضًا في نشاطات خلال انتفاضة الأقصى. شاركت شالداغ في جزء من العمليات وفي استهدافات كثيرة. من بين أمور أخرى، نفذت الوحدة في تشرين الثاني عام 2000 استهدافًا وقتلت جمال عبد الرازق، قائد كتائب شهداء الأقصى في رفح.
في حرب لبنان الثانية قاتلت شالداغ في عدة عمليات، من بينها عملية “سهل وبسيط” بالتعاون مع سرّية الأركان العامة، والتي تضمّنت اختراقًا لمقرّ حزب الله في مستشفى في بعلبك. جمع محاربو الوحدة المعلومات الاستخباراتية والوسائل القتاليّة الكثيرة، وقتلوا تسعة عشر إرهابيًا واحتجزوا أسرى.
الجميع يعرفون أنّ…
محاربو شلداغ “سلالة نادرة، طائر غريب” (IDF Flickr)
في الواقع لا نعرف عن شالداغ كثيرًا، ونخمّن فقط وفقا للمعلومات التي سمح بنشرها على مرّ السنين. تميل وحدات مثل شالداغ إلى إثارة الخيال، وكونها معروفة بـ “الشقيقة الصغرى لسرّية الأركان العامة”، أمر يضيف الفضول فقط. تعتبر شالداغ واحدة من وحدات الكوماندو المختارة في الجيش الإسرائيلي. في الجيش كلّ وحدة ثالثة يمكن تسميتها “خاصة”، بل إنّ شالداغ (جنبًا إلى جنب مع سرّية الأركان العامة والسرّية 13) تقف فوق الجميع. ماذا يقول ذلك؟ بأن النشاط السرّي الذي تحت أمانتها ظهر وكأنه مهمّ جدّا، وأيضًا كما يليق بمحاربي كوماندو المختارين، فإنّ محاربي شالداغ مزوّدون بمجموعة متنوعة من المؤهلات المطلوبة التي تتجاوز كثيرًا أغراضها المميّزة والمحدّدة. وهذا تحديدًا هو الفرق بين محاربي الكوماندو ومحاربي الوحدات الخاصة؛ فمحاربو الكوماندو مؤهلون تقريبًا لكل أنواع القتال، وبأي صورة، من أجل أن يتمكّنوا من العمل بالشكل الأفضل في جميع الظروف.
يطلق محاربو شالداغ أنفسهم على الوحدة اسم “الكتيبة”. وماذا يقولون عن أنفسهم؟ “حين نموت فسنصل إلى الجنة، لأنّنا كنّا في الجحيم سابقًا”، وهناك أيضًا “الجريء هو من يفوز”، ولكن يبدو أنّ التقليد الأرجح والذي يتبنّونه هو أنّهم “سلالة نادرة، طائر غريب”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني