في كانون الثاني 2015 صدر كتاب “أغان مختارة للموسيقيّ والمطرب الكبير محمد عبد الوهاب”. وقد تضمن الكتاب 158 أغنية ترجمها إسرائيلي وُلد في بغداد، وهو لطيف بارطوف، الذي أصدر في السنوات الأخيرة عدة كتب من بينها كتابا تُرجمت فيه الأغاني الأفضل للمطربة المصرية الكبيرة، أم كلثوم.
صدر مشروع بارطوف الأخير في نهاية 2016 “مختارات من أغاني العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ”. ومن الجدير بالذكر أنّ كل واحد من كتب بارطوف، تضمن أيضا مقدمة قصيرة عن الفنان أو الفنانة، تاريخ حياتهم، وتطوّر سيرتهم المهنية. إلى جانب كل أغنية مشار إلى سنة بثها في الإذاعة، وتظهر كلمات الأغنية بالعربية وبالعبرية أيضا.
أصدر بارطوف الكتب بشكل مستقل. لا يمكن الحصول عليها في مكتبات الكتب المعروفة وإنما عن طريق التوجه إلى بارطوف عبر رسالة إلكترونية، في منتدى لمهاجري يهود بابل، وفي مقهى مقدسي صغير اسمه “كروسلا”.
المترجم لطيف برطوف
وُلد لطيف أبو الخير في بغداد عام 1933، ووصل إلى إسرائيل عام 1951، مثل معظم يهود العراق، وأقام في القدس. ففي العراق، تعلم في المدرسة اليهودية “الشماس”، التي كانت لغة التعليم الأساسية فيها العربية، إلى جانب الإنجليزية. مع مجيئه إلى البلاد أكمل دراسته الثانوية، درس إدارة الحسابات، وفي عام 1954، عندما طُلب موظفون في وزارة المالية، انخرط في العمل وبقي فيه حتى تقاعده عام 1998. أبقى اسمه الشخصي، لطيف، كما هو. وفي المقابل، غيّر اسم عائلته، “أبو الخير”، إلى “بارطوف”، وهو اسم يدمج مؤلف من العربية والعبرية.
لم يخف بارطوف، مثل الكثير من اليهود من أصول شرقية، حبهم للثقافة العربية، وبشكل أساسي للموسيقى المصرية الكلاسيكية.
طٌرحتْ فكرة ترجمة عشرات الأغاني لكبار المطربين في مصر، أم كلثوم، محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وإصدارها في كتاب بالعربية، في أعقاب جلسات مشتركة مع أصدقاء، عراقيين، والذين جاؤوا إلى البلاد في سنّ أصغر ولا يعرفون العربية بمستوى عالٍ بما فيه الكفاية. كرر أولئك طلبهم من بارطوف أن يترجم الكثير من الأغاني وكلما تراكمت ترجمات الأغاني، وحظي بارطوف بمديح وثناء على ترجماته، تشكّلت لديه فكرة جمع كل الترجمات، وتحسينها وإصدارها في كتاب.
جدد الكثير من المطربين الإسرائيليين، وخصوصا من أصول شرقية، على مدى سنوات طويلة أغنيات مصرية كلاسيكية. من بين هؤلاء المطربين يمكننا أن نجد سريت حداد التي غنّت لأم كلثوم أو عوفر ليفي الذي غنّى أغنية العندليب الأسمر الخالدة، “سوّاح”.
لم يعد ذلك مشهدا نادرا أن نرى مجموعة من الرجال (اليمنيين غالبا)، في أعمار مختلفة، يجلسون على أريكة، يتناولون المكسرات، يدخّن بعضهم النرجيلة، يمضغ بعضهم القات، ويمسك بعضهم كأس ويسكي أو فودكا في يده. تُعزف في الخلفية موسيقى شرقية ذات طابع حنين إلى الماضي. أصبحت الحفلة المنتدى الثابت للعائلات الشرقية الكثيرة في إسرائيل، والتي سئمت من تسويق الموسيقى الشرقية وتبحث عن الحنين إلى الماضي من خلال الأغاني العائلية والذكريات من دور الآباء في المغرب، اليمن أو الجزائر.
عودة الحفلة الشرقية
يعرف الجميع هذه العادة من البيت، من الوالدين والأجداد، وقد عادوا إليها في الثلاثينات أو الأربعينات من حياتهم. بدأ هذا الاتجاه الموسيقيّ الاجتماعي تحديدا قبل نحو أربع سنوات، من قبل أبناء لوالدين هاجروا من اليمن. وقد نشأ أحد المشاريع الموسيقية الأكثر تأثيرا اليوم في الموسيقى الإسرائيلية أثناء اللقاءات الاجتماعية – الأسرية ويسمى “مشروع رفيفو”. لقد قرر ثلاثة إخوة من مهاجري اليمن تصوير الحفلات الخاصة بهم وبأصدقائهم ورفعها على يوتيوب. سعى “مشروع رفيفو” إلى تجديد أغاني الموسيقى الشرقية والمتوسطية من السبعينات والثمانينات. كانت الأفلام التي تم رفعها للمرة الأولى عام 2012 متواضعة، وكان التحرير بسيطا، وهناك تجمع أيضا الأهل والأصدقاء حول مائدة مليئة بالقات، المكسرات، الكحول، والنراجيل. كان لكل واحد من الإخوة مهمة، فهناك من قاد الأغنية العامة وهناك من عزف وكذلك مَن اهتم بدب الحماس بين الحضور. وهكذا انطلق في الواقع مشروع اجتماعي سيغيّر رُوَيدًا رُوَيدًا الموسيقى الشرقية ويعيدها إلى حضن الأسر الإسرائيلية.
جاءت مقاطع الفيديو إلى يوتيوب في الوقت المناسب. وقد حظيت بمشاهدات سريعا. لقد رأى الناس النموذج الذي عرفوه منذ الخمسينات، وهي السنوات الأولى لقيام دولة إسرائيل التي قدِم إليها المهاجرون الأوائل من البلدان العربية، وأحضروا معهم تراثهم الثقافي الغني. ازدهر نجاح “مشروع رفيفو” وأشار إليه نقاد الموسيقى الشرقية المسوّقة باعتباره “بديلا ذا جودة” للبوب المتوسطي ومنذ ذلك الحين أقام الأخوة الحفلات في كل مكان ممكن.
“مشروع رفيفو” هو أحد الانعكاسات لمحاولة العودة إلى جذور الموسيقى الشرقية. وهي الموسيقى التي ازدهرت في الحفلات المنزلية، على الأسطح، في الساحات، في الجلسات الليلية الطويلة حول المائدة، من خلال الاهتمام التلقائي بالموسيقى من مصادر مختلفة: يمنية، يونانية، تركية، عربية، كردية، ومغربية. لم تتميز هذه الحفلات بالتعريف الموسيقيّ وإنما بالإطار الاجتماعي الجديد الذي تشكّل في الأحياء وكشف الموسيقى الإسرائيلية على أنغام جديدة. جرت اللحظات المؤسسة لهذا النوع في السبعينات، في حفلات “كرم اليمنيين”، وهو حي المهاجرين من اليمن الأكثر شهرة في تل أبيب. وُلد المطرب المتوسطي في تلك السنوات بعيدا عن المؤسسة الشكنازية (الشكناز هم المهاجرون اليهود من البلدان الأوروبية)، التي سيطرت على الثقافة الإسرائيلية، وبقي بعيدا عنها لسنوات طويلة بعد ذلك.
إن العملية التي جرت على مر السنين – بدءا من الكاسيتات التي حظيت بشعبية كبيرة في المحطة المركزية في تل أبيب والتجاهل التام من الإعلام، مرورا بـ “غيتوات” الموسيقى الشرقية وصولا إلى انطلاق إيال جولان وسريت حداد والتحول إلى تيار مركزي- قد غيّرت وجه هذه الموسيقى. وقد أثار هذا التغيير الاشتياق – الذي انعكس في عودة الحفلات، أو بشكل أكثر دقة بالطلب المتزايد عليها، أيضا في أوساط الجيل الذي وُلد بعد أيام مجدها.
الحفلات تتألق على الشاشات الكبيرة
عودة الحفلة الشرقية
يمكن أن نجد المشهد الذي وصفناه في بداية المقال عن الأصدقاء وأفراد الأسرة حول طاولات مليئة بكل ما هو جيد، آلات العزف والميكروفونات التي تنتقل من يد مطرب إلى آخر في التلفزيون أيضًا. يتعارض برنامج “جمعة سعيدة” الذي يتم بثه في هذه الأيام في التلفزيون الإسرائيلي مع كل ما هو مألوف اليوم في الشاشة الصغيرة وفي الصناعة التي تدور حولها. نرى مجددا مشهد الرجال والنساء والأطفال ذاته وهم يجلسون حول المائدة، يشربون، ويأكلون وبشكل أساسي يغنون ويرقصون على أنغام الموسيقى الشرقية. يتم بثّ البرنامج في أيام الجمعة في ساعات الظهيرة الباكرة. إنه البرنامج الأكثر نجاحا في القناة 24 الإسرائيلية، كما يقول منتجوه.
في هذه الأيام يتم تصوير البرنامج في أحد المطاعم العربية الأكثر شهرة في مدينة يافا وهو مطعم “حج كحيل”. يأتي الجمهور قبل البثّ والمكان مفتوح لكل من يرغب في المجيء والاستمتاع بالمأكولات والمشروبات الجيدة والموسيقى الحنينية. إنه بثّ حيّ لمدة نحو أربع ساعات. تتألف المجموعة من مائدة يجلس حولها مقدّم البرنامج والمطربون. توضع على المائدة السلطات وسائر أنواع المأكولات والمشروبات.
عودة الحفلة الشرقية
يوضح منتجو البرنامج أنّ الهدف من البرنامج هو ألا يكون برنامجا تلفزيونيا، بل أن يضع المشاهدون البرنامج في الخلفية وهم ينظفون المنزل، يطبخون أو يقومون بترتيبات أخرى في البيت. تهدف الموسيقى القادمة من التلفزيون إلى ترفيه الوقت في المنزل، ولا سيما، في أيام الجمعة التي تعتبر من الأيام الأكثر أسرية وقداسة في إسرائيل.
الموسيقى الشرقية تكافح من أجل مكانتها في الثقافة الإسرائيلية
إن الصراع على أصالة الموسيقى الشرقية هو صراع دوري. كل عدة سنوات يُطرح النقاش مجددا حول مكانة الثقافة الشرقية في إسرائيل. هل تم تسويقها؟ هل هي مكملة لتفرد الموسيقى العربية الكلاسيكية؟ ألم تتحول إلى غربية أكثر؟ هل من المفضل أساسا أن تكون تيارا سائدا في الثقافة الإسرائيلية؟
لا شكّ، أن الجمهور الإسرائيلي في أيامنا يريد الاستماع إلى شيء أقرب إلى البوب الغربي. أحد أسباب هذه الرغبة هو أن النغمة العربية الأصيلة تعتبر بالنسبة للمستمعين الإسرائيليين ، اليوم أيضًا، نغمة العدوّ. لقد اضطرت الثقافة اليهودية الشرقية دائما إلى مواجهة هذا التوتر، بين جوهرها العربي وبين القومية اليهودية التي تعيش صراعا ضدّ القومية العربية.
وبين صراع وآخر تعود هذه المشاهد إلى الأسر التي تجتمع في أمسيات يوم الجمعة حول مائدة الطعام، القات، النرجيلة، الويسكي، الميكروفونات، الدربكات، الدفوف وغيرها والتي تذكّر الجميع بأنّ سحر الشرق لا يزال محفوظا في إسرائيل.
شارك ما يزيد عن 25 ألف معجب، في اليومين الأخيرين، في مهرجان “تاج الشرق”، وهو مهرجان موسيقىي يُجرى للمرة الأولى منذ 30 عاما، وكان مكرسا للموسيقى الشرقية فقط.
واستمر المهرجان، الذي جرى في مدينة طبريا في شمال إسرائيل، يومين، وكان مفتوحا للجمهور الواسع مجانا. كانت وزيرة التربية والرياضة، ميري ريغيف، من بين المبادرين إليه ووضعت لها هدف دفع الموسيقى والثقافة الشرقية في إسرائيل قُدما، وساهمت وزارة التربية بتمويل المهرجان.
شارك في المهرجان مطربون شرقيون رائدون في إسرائيل، مثل إيال جولان، سريت حداد، يشاي ليفي، حاييم موشيه، وأهافوه عوزري وغيرهم. كانت ذروة المهرجان أثناء تقديم عرض كبادرة حُسن نيّة للمطرب داكلون، من رواد الموسيقى الشرقية في إسرائيل، والذي كتب ولحن معزوفات موسيقية كثيرة لفنانين آخرين. ترعرع داكلون في “كرم اليمنيين” الشهير في تل أبيب وأقام فرقة “تسليلي هكيرم” الأسطورية والتي حظيت بشعبية كبيرة طوال السنين.
اسمعوا أغنية لداكلون:
تكلل المهرجان بـ “نجاح رهيب”، وعلى ما يبدو، سيصبح تقليدا وسيُقام في كل سنة في أيام عطلة عيد الفصح اليهودي الذي يُحتفل به في هذه الأيام. يجدر الذكر، أنه يُقام في إسرائيل، سنويا، عدد من المهرجانات الموسيقية من هذا النوع، ولكن هذا هو المهرجان الأول من نوعه والذي كان مكرسا حصريا للموسيقى الشرقية.
مرة واحدة كل عامين تقريبا ينشأ جدل ثقافي موسيقي مهم في إسرائيل. لا، ليس جدلا حول الفساد السياسي، طغيان الحكم، النضال من أجل المساواة في المجتمع الرأسمالي أو الصراع السياسي بين اليمين واليسار، وإنما هو صراع حقيقي ومليء بالدوافع حول تنوع الموسيقى الإسرائيلية اليوم.
لم يعد سرّا أن الموسيقى التي تُسمى في إسرائيل “شرقية” أو “شرق أوسطية”، تحظى في السنوات الأخيرة بازدهار منقطع النظير وبانتعاش. وقد جاءت مع الازدهار الانتقادات، سواء من الداخل أو الخارج.
وزيرة الثقافة، ميري ريغيف (Miriam Alster/FLASH90)
وقد أشعلت لهيب الجدل الأخير، والذي يغرق في هذه الأيام الحوار العام في إسرائيل، وزيرة الثقافة والرياضة الجديدة، ميري ريغيف (الليكود). ميري ريغيف هي ابنة لأسرة من والدين من مهاجري المغرب، وقد أشعلت مؤخرا جدلا جديدا/ قديما حول طبيعة الموسيقى الشرقية ومركزيتها في الثقافة الإسرائيلية.
في خطوة غير مسبوقة أعلنت ريغيف في الأسبوعين الماضيَين أنّها تعتزم إدخال المزيد من الموسيقى العبرية إلى الإذاعة الأكثر استماعا في إسرائيل، وهي “إذاعة الجيش الإسرائيلي ” (جلجلاتس) بل وإعطاء مكان أكبر وتمثيل مناسب أكثر للموسيقى التي يصنعها موسيقيون من الطوائف الشرقية.
وقد استُقبل قرار الوزيرة من قبل الكثيرين بدهشة، ومن قبل آخرين، ومن بينهم مطربون شرقيون، بالتصفيق الحارّ.
من أجل حسن الترتيب، تعتبر الموسيقى الشرقية في إسرائيل موسيقى صُنعت في إسرائيل باللغة العبرية وهي تتماهى مع التقاليد الموسيقية لأبناء الطوائف الشرقية. من أجل التماهي مع تقاليد الطوائف الشرقية، يتأثر هذا النوع من الغناء بالموسيقى العربية بالإضافة إلى الموسيقى اليمنيّة، اليونانيّة، الكردية، البخارية، التركية والمغربية.
تسعى التوجيهات الجديدة التي تحاول الوزيرة إدخالها إلى إحداث تغيير كبير في المحتويات المسموعة في الإذاعة رغم أنف الذين قرّروا من فترة أية محتويات يتم سماعها وأي منها يعتبر غير مناسب ليذاع في الإذاعة.
انتقادات خارجية
على مدى سنوات طويلة كانت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الإذاعة الأكثر استماعا في إسرائيل. في برامج الإذاعة العديدة اختار منتجوها أن يذيعوا موسيقى عبرية (40%) وموسيقى معاصرة، بوب، روك، هيب-هوب وغيرها من الموسيقى العالمية (60%). واشتكى المطربون، من أبناء الطوائف الشرقية، أكثر من مرة، من أنّ منتجي هذه البرامج لا يذيعون أعمالهم بشكل كاف لاعتبارات عنصرية أو لأنهم يعتقدون أن الموسيقى الشرقية “غير مناسبة” في أفضل الحال، وفي أسوأ الحالات “حقيرة”.
النجم الأكثر جماهيريّة اليوم هو عومر آدم (Flash 90 Jorge Novominsky)
وادعى المدافعون عن قرار إذاعة الجيش بالتقليل من بثّ الموسيقى الشرقية العكس: المشكلة في مصطلح “موسيقى شرقية” هي في الجانب المسبب للانقسام فيها، كما قالوا. اتُّهم الموسيقيون الشرقيون بوضع الموسيقى “الشرقية” مقابل الموسيقى “الأشكنازية”، في ثقافة تنامت وأصبحت شعورا بالاضطهاد مثيرا للانقسام، ونسيت بأنّها قبل كل شيء وبعد كل شيء ثقافة عبرية.
وقال منتقدو هذه الثقافة أيضًا إنّ إسرائيل اليوم غارقة بموسيقى سطحية من الجانب الشرقي، وغارقة بذلك من جانب موسيقى البوب والهيب-هوب الأجنبية، وبين هذين الخيارين الصاخبين، عديمي المذاق والاستبداديّين، تختنق ببطء الموسيقى العبرية النوعية.
أحد أكثر الانتقادات شيوعا ضدّ “الموسيقى الشرقية” هو أنّ كل علاقة بين الموسيقى الشرقية الأصيلة، بكلّ ثقلها، وبين “موسيقى المطربين الشرقيين الجدد”، هي من قبيل الصدفة تماما. يدعي الكثيرون أنّ المطربين الشرقيين مثل إيال جولان، سريت حداد، مايا بوسكيلا، مرجليت صنعاني أو دودو أهرون، رغم أنهم يصدرون أغان جذّابة، إلا أن موسيقاهم لا يمكنها الاقتراب من تعقيد الغناء الشرقي – العربي بألحانه أو كلماته التي تؤلف أغانيه.
يشتكي فنّانون شرقيّون من أن نجوم الغناء الشرقي لا يأخذون أغانيهم العميقة ولا يلحّنونها لأنّهم يبحثون عن أغان جذابة، مع كلمات غير معقّدة، بسيطة بل وفي أحيان كثيرة، مهينة.
هل تعكس إذاعة الجيش ذوق الجمهور الإسرائيلي؟
في الحقيقة: من غير الممكن أن نبرّئ إذاعة الجيش من التهمة. على مدى سنوات طويلة لم يحبّ منتجو الإذاعة بجميع أجيالهم – ببساطة – الاستماع إلى رتوش زوهار أرجوف، واضطر إلى بيع تسجيلاته في الأسواق بتل أبيب لبسطاء الشعب، حتى أصبح نجما.
يعتبر الكثير من الإسرائيليين إذاعة الجيش، إذاعة تمثّل رمزا لنخبة “دولة تل أبيب” وذلك بخلاف الأسطورة أن الجيش هو جيش الشعب، بوتقة انصهار المجتمع الإسرائيلي. ولا شكّ أيضًا أن المطربين الشرقيين، مثل المطربة مايا بوسكيلا، التي وجّهت انتقاداتها منقطعة النظير أكثر من مرة ضدّ الإذاعة، يحتاجون إلى أن يكسبوا رزقهم. هناك حاجة للقيام بثورة صغيرة في إذاعة الجيش على طريقة اختيار الأغاني التي ستتم إذاعتها، ويجب أن يكون هذا الموضوع في إطار نقاش حقيقي ومفتوح وليس بطريقة البلطجة المستخدمة اليوم، والتي يخرج فيها كل عدة أشهر مطرب آخر للصراع مع الإذاعة ويواجه جدارا من الطوب، دون أية قدرة حقيقية على إحداث تغيير.
وأكثر من ذلك فإنّ هذه الإذاعة هي الإعداد الافتراضي في كل سيارة في إسرائيل وإن كان لسبب بسيط وهو عدم وجود إعلانات فيها. إنّ ادعاء القناة، الذي بحسبه فإنّ نسب الاستماع المرتفعة تدل على نجاحها في استهداف الذوق الموسيقيّ لدى المستمعين، يمكن أن يدلّ بشكل أكبر على كراهية الإعلانات، أكثر من الإعجاب بالأغاني.
سريت حداد وإيال جولان (PR)
إذاعة الجيش هي “إجماع”، وبالنسبة للموسيقيين، فإنّ الأمر يعني العديد من العروض، تقارير في الإعلام واعتراف موسيقي والذي يعتبر ضروريا لحياتهم المهنية.
وبالمناسبة، فليس من المؤكد أنّ التدخّل المتزايد لوزيرة شؤون الثقافة، ميري ريغيف، سيعود بالنفع على الإذاعة. فبعد كل شيء، يعتبر تدخّلا سافرا لدوافع سياسية في المحتويات الثقافية التي لا ينبغي أن يتم إملاؤها من قبل الدولة، والتي قد تشكّل خطورة على حرية التعبير.
المطربة الإسرائيلية سريت حداد (Flash90/Kobi Gideon)
المطربة سريت حداد تصدر أغنية ضاربة جديدة بالعربية
الألبوم الجديد للمطربة الإسرائيلية، سريت حداد، سيشتمل - من بين أمور أخرى -على أغاني حبّ لها بالإضافة إلى أغنية عربية تقدّمها سريت في هذه الأيام على قناة يوتيوب الخاصة بها
تُصدر المطربة الإسرائيلية سريت حداد في هذه الأيام ألبومها الواحد والعشرين. تُعتبر سريت إحدى المطربات الشرقيات الأكثر نجاحا في إسرائيل مع عشرات الأغاني والألحان ذات الإيقاع الشرقي ومع جمهور كبير من المعجبين والذي يشمل جميع طبقات الشعب الإسرائيلي.
وقد عملت في الماضي على بعض الأغاني بالعربية بل وغنّت أغاني أم كلثوم العملاقة. وتُعرف سريت أنّها محبوبة من قبل السكان الشرقيين في إسرائيل خصوصا في أوساط المجتمع العربي والفلسطيني بشكل عام، بسبب أغانيها الإيقاعية التي تمزج بين العود، الطبل، الدربكة والناي.
ولدى سريت أداء لأغان باللغة العربية، وهذا ليس بشيء جديد – ففي بداية سيرتها المهنية ظهرت في الدول العربيّة بل وأصدرت ألبوما كاملا بالعربية، ومع ذلك، يجري الحديث عن أمر مفاجئ يظهر التغيير في النظرة لدى الفنانين الإسرائيليين، الذين يبحثون عن مواد خام أصيلة وشرقية أكثر من بحثهم عن الأغاني ذات الأسلوب الشرقي العام.
وقد نجحت الأغنية الجديدة التي حظيت حتى الآن بنصف مليون مشاهدة بعد عدة أيام من نشرها، في التألق على رأس قائمة الأغاني الأكثر سماعا في الإذاعة الإسرائيلية. وهي تتناول أيضًا، من بين أمور أخرى، الحبّ والحنين لمحبة رجل وتمزج الكلمات بالعبرية والعربية.
وقد ترجمت هيئة تحرير “المصدر” لأجلكم الأبيات الأولى من الأغنية:
المطربة الإسرائيلية سريت حداد (Flash 90/Yossi Zeliger)
ملكة الغناء الشرقي: سريت حداد
في الرابعة والثلاثين من عمرها، سريت حداد هي على قائمة المطربات الإسرائيليات الشرقيات الأكثر نجاحًا في إسرائيل والعالم. بعد21 ألبومًا، وعشق خاصّ للغناء الشرقي، نقدّم لكم "سندريلا حداد"
مَن في إسرائيل لا يعرف أغاني سريت حداد؟! حتى في الدول المجاورة، الأردن، لبنان، ومصر، سمعوها تؤدي خيرة أغاني أم كلثوم وفيروز والفنانَين العصريَّين عمرو دياب وإليسا، بعربية واضحة إلى حدّ بعيد. حوّلت سريت حداد رُوَيدًا رُوَيدًا حلم طفولتها إلى واقع ناجح بسرعة.
بدأت سريت حداد مسيرتها الموسيقية بسنّ مبكرة جدًّا. وُلدت حدّاد في مدينة العفولة باسم سارة حوددطوف في أسرة يهودية من أصل قوقازيّ. وقد كانت آخر العنقود بين أربعة إخوة وأربع أخوات. عام 1981، حين أتمت الثالثة من عمرها فقط، انتقلت أسرتها للسكن في الخضيرة. أراد والدها أن تصبح طبيبة أو ممثّلة، على أن تبتعد عن مجال الموسيقى فقط.
المطربة الإسرائيلية سريت حداد (Flash90/Kobi Gideon)
بمساعدة أختها، اعتادت حدّاد على الهرب من البيت دون علم والدَيها لإحياء حفلات في نوادٍ. عام 1990، بسنّ 12 عامًا، اكتشف والداها سرّ حفلاتها، مانعَين إيّاها من مغادرة البيت لإحياء حفلات. في الفترة التي مُنعت فيها من إحياء حفلات، تعلمّت بمفردها العزف على عدّة آلات موسيقية، مثل الغيتارة، البيانو، الخشبية (الإكسيلوفون)، الأورغ، المزمار، الطبلة، التشيلو (الكمان الكبير)، الأكورديون، والمتردّدة (الترومبون). وانتظرت حدّاد إلى عام 1993، حين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، لتعود إلى إحياء الحفلات. في إحدى حفلات الجوقة في نتانيا، رآها قائد الفرقة الموسيقية آفي غويتا، الذي أذهله صوتها المميّز، وعرض عليها عقدًا لإنتاج تسجيلات. في مقابَلات عديدة في الإعلام، قالت سريت إنّ سرّ نجاحها يكمن في التناغُم بينها وبين غويتا.
كان النجاح الباهر الأول في سن السابعة عشرة (عام 1995)، حين أصدرت سريت ألبومها الأول “نيتسوتس حييم” (ومضة حياة)، الذي تضمّن الأغنية الضاربة “شالوم حافير” (سلامًا صديقي). بين عشية وضحاها، أصبحت سريت أميرة الغناء الشرقي، الذي لم يحظَ حتى ذلك الحين بالاهتمام الكافي على الساحة الإسرائيلية، بل اعتُبر غناءً ثانويًّا.
أمّا المحطّة الأهم في حياة حدّاد فكانت في تشرين الأول 1997 حين أحيت حفلات لنحو شهر في المملكة الأردنية تحت ستار مطربة فلسطينية باسم “سيريت حداد مطربة الكرمل”. في مقابلاتها الإعلامية، تعترف أنّ الغناء العربي جزءٌ لا يتجزأ من حياتها، حتى إنها تعترف أنها تأثرت في ألبومها الأخير بكثير من أغاني إليسا وعمرو دياب ألحانًا وكلمات. خلال مكوثها القصير نسبيًّا في المملكة الأردنية، أصدرت سريت أسطوانة باللغة العربية، رغم أنها ليست ناطقة باللغة.
شاهدوا سريت في مصر تسجّل أغاني باللغة العربية
عام 1998، صدر ألبومها الخامس “حوك هحييم” (قانون الحياة) الذي شكّل بالنسبة إليها التقدّم الأبرز. أدّى الألبوم إلى اختراق حدّاد التيّار المركزي الإسرائيلي. رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت سريت بدخول الوعي الثقافي كواحدة من أقوى المطربات بعشرات الأغاني الناجحة والتعاونات العديدة. بين الإيقاعات التي جرّبتها إيقاعات قوقازيّة، لاتينية، بوب، وشرقيّة. كذلك لم تترك الصلوات والمزامير.
بداية عام 2002 اختيرت حدّاد لتمثيل إسرائيل في مسابقة الغناء الأوروبية الأوروفيزيون. كانت الأغنية التي اختيرت “ندليك بياحَد نِر” (لنضئ معًا شمعة)، وأنهت المسابقة في المركز الثاني عشر.
واصلت سريت إصدار أغانٍ ضاربة على مرَ السنين. ووفقًا لتقرير حديث، نجحت في إطلاق أغنية جديدة كلّ شهر منذ بداية مسيرتها الفنية، وهو ما لم ينجح أي مُغنٍّ آخر في فعله. وتابعت سريت نجاحها إذ شاركت كمدرّبة في برنامج الواقع الناجح “The Voice”. وحطّمت مشاركة سريت كمرشدة في برنامج واقع ذي نسب مشاهدة مرتفعة الاعتقادَ أنّ ذوي الأصول الشرقية في إسرائيل يصعب عليهم أن ينجحوا مثل ذوي الأصول الغربيّة.
شاهدوا سريت حدّاد مع فريقها في مسابقة THE VOICE
ولم يقتصر نجاح سريت وانقلابها في السنوات الأخيرة على قدراتها الموسيقية فحسب، بل امتدّا ليشملا شكلها الخارجيّ أيضًا. فمن فتاة انطوائية لا تعتني بنفسها كثيرًا، بدأت حدّاد بالاهتمام بنفسها، فخفضت وزنها وبدأت بالاعتناء بمظهرها الخارجي. وقالت في مقابلات إعلامية: “بدأ ذلك حين شاهدتُ نفسي في الدي في دي الخاص بإحدى حفلاتي، وقلتُ لنفسي: “ما هذا؟”. فجأةً، شعرتُ بالحاجة إلى التغيير، ودون تخطيط، نجح ذلك. صباح اليوم التالي، ذهبتُ لأصفّف شعري، وخرجتُ مع تسريحة كاريه. وحتّى آفي (وتعني آفي غويتا) لم يعرفني. فاجأتُه جدًّا. مذّاك، لا أقوم بتغييرات كهذه دونَ استشارته. بدأت بحمية غذائية، خفضتُ وزني 14 كيلوغرامًا. استشرتُ بعض مصممي الأزياء. صُدم الناس، لأنّ ذلك كان مُفاجِئًا حقًّا. حتى السادسة عشرة، كنتُ فتاة نحيلة. ولكن مُذّاك، بدأت الحفلات، وبعد الحفلات تكون قابليتي مفتوحة، فنبسط طاولة ونأكل ممّا هبّ ودبّ: الخبز، السلطات، المشاوي، البطاطا، والكولا، الكثير من الكولا. وهكذا، دون أن أشعر، بدأ وزني يزداد. ليس سهلًا الحفاظ على الرشاقة، فهذه حرب يومية. لكنّ هذا هو نمط حياتي اليوم”.
نجحت سريت أيضًا، بين أمور كثيرة فعلتها، في جذب انتقاد شديد لحفلة واحدة، يبدو أنها لن تنساها ما دامت حيّة. ففي حفل إطلاق الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشريكه أفيغدور ليبرمان، عشيّة الانتخابات في إسرائيل (كانون الثاني 2013)، صعدت حدّاد للغناء مع رئيس الحكومة.
ألقى نتنياهو خطابًا طويلًا وحماسيًّا، جعل أفيغدور ليبرمان الجمهور يرفع صوته عاليًا، لكن النجمة الحقيقية لحفل إطلاق حملة الليكود كانت المطربة سريت حداد. حين نزل نتنياهو عن المنصة في نهاية خطابه، حيَّتهُ حدّاد بغنائها لإحدى أغانيها الضاربة “أتا توتح” (أنتَ عظيم). وقف نتنياهو إلى جانبها، مرتبكًا بعض الشيء، فيما كان يتمايل من جانب إلى آخر. بعد دقائق معدودة، انسحب نازلًا عن المنصّة. بقيت سريت تغنّي وحدَها. لم تتأخر الانتقادات. ففي اليوم التالي، احتجّت الصحف على مناورة العلاقات العامّة الرخيصة، إذ جرى تعظيم شخصية رئيس الحكومة، وتحوّل الأمر إلى عبادة شخصية حقيرة. وجرى أيضًا انتقاد نفقات الحفل، التي غطّاها بالطبع دافعو الضرائب في إسرائيل.
شاهدوا نتنياهو يرقص على وقع أغنية حدّاد “أتا توتح” (أنتَ عظيم):
وماذا تتمنى سريت للمستقبل؟ في مقابَلات إعلاميّة، تّدعي حدّاد أنها حققت أحلامها كافةً تقريبًا، وأنها مهتمة هذه الأيام ببناء علاقة زوجية جدّية. فهي تبحث في هذه الأيام عن زوج، يأتي بولد، لتكون أمَّا. كما تريد إطلاق ألبوم عالمي باللغة العربيّة بإيقاعات شرقيّة.
أفنير نتنياهو مع أخيه ووالديه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزوجته سارة (GPO)
هنية وقادة حماس في طائرة خاصة (Facebook)
القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف
حين طال (صورة من إنستاجرام)
الناطق بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي ادراعي
حصاد 2014: مقالات العام
اختارت هيئة تحرير موقع "المصدر" المقالات العشرة التي نشرتها هذا العام، وأثارت "اهتماما" خاصا لدى قرائنا، وكذلك حظيت بردود فعل ونقاشات عديدة على الموقع. المقالات المختارة ليست عينة ممثلة، بل هي تدل على اختيار خاص من قبل هيئة التحرير
في 2014 أيضًا، للأسف، نشبت جولة حرب جديدة بين إسرائيل وحماس في غزة. كانت أشهر الصيف صعبة على طاقم العمل في موقعنا، المُكوّن من عرب ويهود. إلا أننا حاولنا أن نقدم للقارئ زوايا من الصراع والتي عادة لا يتم التطرق إليها. مثل المقالة التي تحدثت عن الحياة، المريحة جدًا، التي يعيشها مسؤولو حماس، الكشف عن أشهر مُتحدث لدى الحركة، أبو عبيدة، ومعلومات جديدة عن قائد كتائب الأقصى، محمد ضيف، والذي نجا ثانية من محاولة اغتيال من قِبل إسرائيل. حاولنا أن نتعرف عن كثب أيضًا على نظير أبو عبيدة من الجانب الإسرائيلي، أفيحاي أدرعي، الذي تحوّل إلى شخصية معروفة في كل بيت فلسطيني.
هنية وقادة حماس في طائرة خاصة (Facebook)
الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي افيحاي أدرعي في حوار على قناة الجزيرة (لقطة شاشة YouTube)
القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف
واقع الأقليات في الشرق الأوسط
لفتت الأقليات في الشرق الأوسط اهتمام متابعينا، وانعكس الأمر في المقالات التي تحدثت عن الأقلية اليزيدية ، التي طالتها هذا العام ذراع داعش، كذلك الدروز، الذين حظوا بممثلة عالمية – أمل علم الدين كلوني، والعلويّين الذين ذاعت شهرتهم.
جورج كلوني وامل علم الدين لدى وصولهما في قارب اجرة في البندقية (AFP / ANDREAS SOLARO)
فتيات يزيديات (AFP)
نساء ورجال من الطائفة العلوية في تركيا يمارسون طقوسهم الدينية (AFP)
نظرة إلى الداخل الإسرائيلي
كان أحد أهدافنا هو كشف إسرائيل على جمهور القراء في العالم العربي الذي يعرفها فقط من خلال وسائل الإعلام العربية، وإلقاء الضوء على الحياة داخل إسرائيل – المجتمع، الثقافة، الشباب. حظي تقرير قمنا به عن واقع الرقص الشرقي في إسرائيل بشعبية كبيرة، كذلك المقالات التي تحدثت عن حياة المغنين الشرقيين في إسرائيل، مثل سريت حداد وعومر آدم . لفتت امرأة أُخرى أيضًا الانتباه وهي “كيم كردشيان الإسرائيلية”، حِن تال.
ملكة الغناء الشرقي سريت حدّاد (Flash90/Olivier Fitoussi)
حين طال (صورة من إنستاجرام)
الرقص الشرقي (Jhayne)
السياسة الإسرائيلية
موقع “المصدر” هو الموقع الوحيد الذي يتيح للقارئ العربي إمكانية إيجاد كل المعلومات، من مصدر أول، عن السياسة الإسرائيلية. من المقالات التي أثارت اهتمام القراء هي مقالة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ونجم اليمين الصاعد، رئيس حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت. حظيت السياسيات الإسرائيليات أيضًا باهتمام جمهور القراء وكذلك التقرير الذي رصد حياة رئيس الحكومة الأسبق، أرئيل شارون، الذي يمكن، على أقل تقدير، أن نقول إنه لم يكن محبوب العرب.
بعد فضيحة الجنس القاسية التي كان متورطا فيها الكثير من مقربي المطرب الإسرائيلي إيال جولان وبعد أغان لا تُحصى وألبومات جديدة للمطربة سريت حداد، سينطلقان في سلسلة عروض وسيثبتان أن الموسيقى الشرقية ستبقى هنا
أقيم الحفل المشترك للمطرب الإسرائيلي الكبير إيال جولان والمطربة سريت حداد السنة الماضية مرتين في إستاد مدينة يافا برفقة المطرب اليوناني الكبير نيكوس فارتيس. وقد أصدِر الحفل لأسواق المبيعات وبيعت منه عشرات آلاف النسخ بثنائياته النادرة لجولان وحداد، واختير ليكون “حفل السنة” في مهرجان الغناء السنوي في إسرائيل.
المطرب الإسرائيلي إيال جولان (Flash90/Nati Shohat)
في هذه الأيام سيقوم جولان وحداد بنمط مماثل لحفلات الشتاء في قاعات مغلقة عنوانها “بدايات طيبة”. في نهاية الأسبوع الماضي (الخميس)، أجري الحفل الأول من السلسلة في حيفا، واشترك به ما يفوق 5,500 شخص.
حضر جولان وحداد مفعمين بالنشاط وسلسلة من الأغاني المشتهرة، من بينها عدد من الأغاني المشتركة من أغانيهما الأكثر تأثيرا.
خلال الحفل، أدى جولان أفضل أغنياته، ولم يُخيّب جمهوره الأمين الظن وغنى معه الكلمات عن ظهر قلب.
حرصت سريت حداد، كعادتها، على أن تُظهر كم هي موسيقية وعازفة موهوبة بنفسها، جلست على الكرسي ونقرت على الطبلة، عزفت بميلوديكا كبيرة، وفي لحظة إلهام تقدمت لموقع عازف الطبل وانضمت إليه في عزف منفرد على الطبل.
خلال العرض دأب جولان وسريت على النزول من المنصة، الاقتراب من الجمهور، الوصول إلى جالسي الصف الأول، مصافحة الجمهور، والمشاركة بدفء ومحبة.
يعرف الناقدون الثقافيون في البلاد جيدا ارتفاع شأن الموسيقى الشرقية في إسرائيل وكذلك صانعو الرأي العام في هذا المجال الذين يستمرون في كل سنة بإنتاج موسيقى من الشرق مع لمسات الطبل، الطبلة، الناي وغيرها، التي تتصدر في العقد الأخير قائمة المهرجانات السنوية.
ملكة الغناء الشرقي سريت حدّاد (Flash90/Olivier Fitoussi)
جرى الحفل المشترك بين جولان وسريت بعد سنة صعبة مرت على جولان اتُهم فيها أنه كان شاهدا على تحرشات جنسية نفذها كما يبدو أبوه ومقربوه الذين عملوا معه في شركة التسجيلات. إن العاصفة الإعلامية التي رافقت الأحداث لفتت النظر في أكثر من مرة إلى أن المطربين الشرقيين يميلون مؤخرا للتورط في فضائح الجنس، الرشاوي والعنف. أنكر محبو الموسيقى في إسرائيل الأخبار والادعاءات وأوضحوا أن المؤسسة الأشكنازية في صناعة الموسيقى في إسرائيل حاولت طوال عقود إقصاء ثقافة الموسيقى الشرقية لكن بلا نجاح وأنها في هذه المرة تحاول فعل ذلك بوسائل غير مشروعة بإيقاع المطربين الشرقيين بالتجاوزات القانونية.
رغم ما قيل حول دعمِها نصر الله، اللبنانية فيروز تحتفظ بشعبيّتها، وأغانيها الفاتنة تؤدّى مرارًا بشكلٍ مُثير. المطربة الأسطورية ذات الصوت المخمليّ لا تنفكّ تكون مصدر إلهام - في إسرائيل أيضًا. تقرير عن النقاوة والعذوبة
بعد أن أظهرنا التأثير العظيم لعملاقَي الطرب المصري، أم كلثوم وفريد الأطرش، في الثقافة الموسيقيّة في إسرائيل، يجدُر تقديم الكرامة التي تستحقّها من تُعتبَر سائرةً على دربهما. إنّها المطربة الأهم قاطبةً في العالم العربي كلّه، اللبنانية فيروز. يشبه صوتُها صوت الجرس الفاخر والدقيق، تُثير أغانيها التي تتناول الطبيعة شعورًا بالهدوء والسكينة، فيما تتسلّل أغانيها الأكثر شحنًا إلى أعماق السامعين. شكّلت فيروز مصدر إلهامٍ لفنّانين عديدين، أدّوا أغنياتها، جدّدوها، وترجموا الكثير من إبداعاتها، كما أضحت موضع إعجاب شديد لمستمِعيها.
ستحتفل فيروز، التي وُلدت باسم نهاد حدّاد، بعيد ميلادها الثمانين، العام المُقبل. تعرَّف الناس إلى فيروز عام 1957، حين ظهرت في مهرجان بعلبك، شرقيّ لبنان. بفضل تعاوُنها الناجح مع الأخوَين عاصي ومنصور الرحباني، تمكّنت مِن اجتذاب عُشّاق في بلادها وفي الدول العربية كافّةً، وأحيت حفلات كثيرة أمام جماهير غفيرة. عام 1971، أجرت جولة فنيّة في الولايات المتحدة وكندا، وحظيت بذروة من الاهتمام في العالم الغربي أيضًا. بفضل شخصيتها الدمثة، أوتارها الصوتية التي تبدو آلاتٍ موسيقيّة صنعة يد فنّان، والتزامها بمبادئها طيلة مسيرتها (رفضت مثلًا الغناء على شرف الرئيس الجزائري، هواري بومدين)، تحوّلت فيروز إلى رمزٍ حقيقيّ.
فيروز تغنّي عن “شادي” – أغنية مؤلمة حول الحرب الأهلية اللبنانية:
قلّة هم الفنّانون الذين يبلغون المكانة الرفيعة التي بلغتها فيروز. فقد مثّلت أغانيها البساطة، الحنين، والتوق إلى الماضي الجميل. كما دمجت أغنياتها بين العلمانية، التي تقدِّس الطبيعة، والوطنية، التي ترفع الشعب اللبناني إلى مرتبة الأعجوبة، وكذلك الأمة العربية كلّها. وبشكلٍ مماثل لفريد الأطرش، الذي أحرز نجاحًا كبيرًا في السينما، دخلت فيروز عالَم التمثيل، ولكن من بوّابة المسرح، إذ قدّمت نحو 20 مسرحيّة وأوبريتًا، كتبها عاصي الرحباني، الذي كان أيضًا زوجها (انفصلا عام 1979) وشقيقه منصور. لكنّ إطلالاتها الموسيقيّة كانت ما منحها معظم المجد، وحوّلها إلى قدوة يُحتذى بها بالنسبة للفنّانات في المنطقة.
سريت حداد في أداءٍ محرِّك للمشاعِر لأغنية “سألتك حبيبي” في إطار حفل تحية للمطربات العربيات العظيمات:
خلال الحرب الأهلية في لبنان، التزمت فيروز بعدم إحياء حفلات في بلادها، حتّى لا تُحسب على طرف دون آخر. بعد ذلك، عادت إلى تسجيل الأغاني بنشاط، وأصدرت ما لا يقلّ عن 6 ألبومات خلال التسعينات، مع إكثارها من الحفلات أمام جماهير كبيرة في مهرجانات في جميع أنحاء العالم العربي (والعالَم كلّه). قبل 6 سنوات، تحرّرت للمرة الأولى من قيود الإجماع، حين اختارت إحياء حفل في دمشق بعد انقطاع 23 عامًا. إثر التوتّر بين قسم من اللبنانيين وسوريا، طلب بعض السياسيّين منها علنًا الامتناع عن إحياء الحفل، لكنها رفضت.
وغنيّ عن الذكر أنّ الحفل لم يقلّل أبدًا من مكانتها في لبنان. لكن، ربّما كان مؤشّرًا يُنبئ بتغيّر وجهة نظرها. فقبل نحو شهرَين، قابل موقع حزب الله ابنها زياد، الذي روى أنّ والدته – التي يكتب ويلحّن أغنياتها – “مُعجَبة بالسيّد حسن نصر الله”. أثار التصريح جدلًا واسعًا، في الإعلام، ولكن بشكل خاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكّد مدى خصوصية فيروز. كان فنّانون آخرون سيواجهون انتقادات لاذعة. ورغم أنّ “صاحبة الصوت الملائكي” واجهت انتقاداتٍ، فإنّ معظم المعجَبين بها حاولوا إيجاد تفسير لما نُسب إليها أو التذرّع بسنّها المتقدّمة. كلّ ذلك بهدف الحفاظ على صورتها المثاليّة والناصعة. هذه الشخصية هي ما دفع موسيقيين مختلفين جدًّا واحدهم عن الآخر إلى البحث عن نقاط تربطهم بأغانيها الرائعة.
دكلة تغنّي “حبّيتك بالصيف”، وتضفي على الأغنية إحساسها (المثير):
حتّى إن لم يؤثر فيكم المغنّون الذين يجدّدون أغنية أو اثنتَين، أو يغنّون من حين إلى آخر عددًا من أغاني فيروز، فلا يمكن إلّا أن يثير المشروع التالي اهتمامكم. تترجم فرقة “توركيز” (فيروز)، كما يدلّ اسمها، الأغاني، تعيد توزيعها بأسلوب يدمج الروك مع عذوبة اللحن ويحافظ على العظمة، وتظهر في جميع أنحاء إسرائيل في العقد الأخير. تعتزم الفرقة قريبًا إصدار ألبوم، ننتظره بفارغ الصبر. صحيحٌ أنّ المغنية (وعازفة الناي)، داليت فريدمان، لم توهب تناغُم وعذوبة فيروز، لكنها تتحكم في حنجرتها، وتتاقلم بشكل ممتاز مع إيقاع العزف.
فرقة “توركيز”، التي أنشئت بهدف تكريم المطربة الأسطورية، تقدِّم أغنية “ياكرم العلالي”:
مَن يدري؟ فقد يأتي السلام المنشود يومًا، ويحظى الإسرائيليون أيضًا بعيش الاختبار الرائع وسماع صوت فيروز اللطيف والمهدِّئ. أم كلثوم وفريد الأطرش غادَرانا، لكنّها لا تزال موجودة. سيستمرّ صوتها يصدح حول عظمة الطبيعة، ازدهار الربيع، لينسينا الحروب والألم غير المنتهي. ألا يبدو ذلك مهمة جيّدة لـ “سفيرتنا إلى النجوم”؟
وكيف يمكن أن نُنهي دون أغنية أخرى من روائع “جارة القمر”؟ “سألوني الناس” – وهي الأعظم:
بداية الأسبوع القادم، يحيي العالم ذكرى 39 عامًا على رحيل المطربة الأسطورية، أم كلثوم، التي كانت لها بصمتها على الموسيقى حول العالم. بمناسبة هذا الحدث، اخترنا لكم تأديات منتخَبة لمغنّي إسرائيل لأغانيها
39 عامًا مرّت منذ لفظت أم كلثوم نفسَها الأخير، لكنّ الموسيقى التي أنتجتها على مرّ سنوات حياتها تواصل تأثيرها فينا حتّى اليوم. أعاد موسيقيّون في أرجاء العالم غناء أغانيها الرائعة مرّاتٍ لا تُحصى، وجرّب مغنّو ومغنّيات إسرائيل حظّهم أيضًا.
بمناسبة إحياء ذكرى وفاتها، في 3 شباط القادم، قرّرنا أن نؤلف لكم قائمة تشمل أفضل خمس تأدِيات لأهم الأغاني التي لا تُنسى للسيّدة التي حظيت باللقب الذي لا يزال حيًّا: “كوكب الشرق”.
قبل أن نبدأ، دعونا نمنح الأصل كرامةً – أم كلثوم تغنّي “إنتَ عُمري” في حفلٍ شهير في باريس:
http://youtu.be/XPGHpBOt5sE
أوّل أداءٍ سنتوقّف عنده هو لأغنية “ألف ليلة وليلة”. بدأت أم كلثوم تبني نفسَها من لا شيء، قاضيةً سنواتٍ طويلة من العمل الدؤوب، إذ كانت تتخفى في هيئة شابّ. واجهت صعوباتٍ عديدة لكونها امرأة، وتخطّت عقباتٍ كثيرة رافقتها في طريقها إلى النجاح. من هذه الناحية، يصعب التفكير في مغنّية إسرائيلية قصّة حياتها مختلفة عن هذه أكثر من نسرين قدري، الفائزة في برنامج اكتشاف المواهب “إيال جولان يدعوك”.
وصلت قدري، عربيّة مسلمة من حيفا، إلى برنامج تلفزيوني، لفتت اهتمام المرشدين بسبب أصلها، وأسرتهم بصوتِها. لكن، رغم مسيرتها المختصَرة، ترى أم كلثوم حذوةً يُقتدى بها، حتّى إنّها روت في الماضي أنّ حلمها هو أن يجلس الناس إلى جانب المذياع منتظرين أغنياتِها الجديدة، تمامًا كما انتظروا ساعاتٍ طويلة لسماع ما تفوّهت به النجمة المصريّة.
نسرين قدري تغنّي بإحساس مفعم رائعةَ أم كلثوم “ألف ليلة وليلة”:
تميّزت أغنيات أم كلثوم بكلمات بسيطة نسبيًّا، اكتست ألحانًا أكثر تعقيدًا، وبشكل أساسيّ – بتوزيعات مكثّفة بآلات موسيقيّة مختلفة. حوّلت هذه الأمور حفلاتها إلى عرضٍ مُثير جالبٍ للبهجة. وبشكل مُدهش، ساهمت هذه العناصر في إبراز مواهبها الغنائيّة الرائعة. ربّما بسبب صوتها العميق وحنجرتها الشديدة الاتّساع، وربّما بسبب شخصيّتها المذهلة والجذّابة – طالما أعطت الانطباع أنّ الكمان، الطبول، وسائر الآلات الموسيقيّة ليست سوى عنصر آخر يخرج من حنجرتها، وهي التي تتحكّم في توقيته وشدّته.
رغم أنّ سريت حداد، مطربة إسرائيلية معروفة بشكل خاصّ في الجانر المتوسطي، لا تتمتّع بالمميّزات الكثيرة للمطربة المصريّة الشهيرة، فإنّ تناغمها مع الفرقة المرافقة في العرض الحيّ هو نتاج عمليّة دراسة طويلة ومعمّقة، ما يجعل النتيجة تستحقّ الإصغاء.
سريت حداد في أداءٍ رائع لأغنية “أروح لمين” من حفل لعملاقات الطرب العربي:
على أية حال، ليست أم كلثوم قصرًا على النساء في إسرائيل. يُكثر المرتّلون ومغنّو الأغاني الدينية، الذين تعلّموا الترتيل في الكُنس منذ سنّ مبكرة، أداء أغانيها ومنحها تفسيراتٍ خاصّة. فزيف يحزقيل، موسيقي ومؤلّف كانت الموسيقى العربية الكلاسيكيّة مرتكزه، أحيى حفلات كاملة مؤسَّسة بشكلٍ حصريّ على أغاني أم كلثوم الفاخرة. يُتقن يحزقيل، يهودي مؤمن يعتمر الكيباه (القلنسوة)، منح الكرامة التي تحقّ للملكات، حين يؤدّي إحدى أغنياتها. فهو يحرص على الغناء مطوَّلًا، ويغنّي بعربيّة سلِسة، مذكِّرًا إيّانا أنّ الموسيقى لغة واحدة مشترَكة.
زيف يحزقيل يفكّر مليًّا في الحبّ في أدائه النابض بالحياة لأغنية “حُبّ إيه”:
كما يمكنكم أن تفهموا، كان لأم كلثوم تأثير ملحوظ في الموسيقى في إسرائيل. تمتّع مغنّون كثُر بإعادة تأدية أغانيها، فيما استمدّ آخرون الإلهام من أسلوب الغناء وعُمق الصوت، وجميعهم دندنوا – ولا يزالون – رائعتها الأعظم، “إنتَ عُمري”. كتب الأغنيةَ أحمد شفيق كامل ولحنّها عام 1964 محمد عبد الوهاب، أحد عمالقة الملحّنين المصريين في القرن العشرين.
بعد ثلاثة عقود، أضحت نسخة جديدة للأغنية سجّلتها مغنية إسرائيلية، زهافا بِن، منتشرة لدى المجتمَع العربي في إسرائيل، في السلطة الفلسطينية، وفي الدول المجاورة. أثنى النقّاد على عذوبة صوتها، المدى الواسع الذي نجحت في إبرازه من خلال أوتارها الصوتيّة، والأداء الأصيل والحسّاس لديها. حتّى بعد مرور 15 عامًا، تبقى هذه الأغنية إحدى أكثر الأغنيات ارتباطًا بالمغنيّة الحزينة. وإليكم دليلًا، إن أردتم، على أهمية ومكانة أم كلثوم في الثقافة الموسيقيّة في إسرائيل. النجم الحقيقي يُبرق وينير دائمًا.
استمِعوا إلى زهافا بِن تغنّي مِن أعماق قلبها “إنتَ عُمري”، ولكم الحُكم – هل كانت حماستُها مبرَّرة؟