في الآونة الأخيرة، ازدادت الحالات في الصحافة والإعلام والتي تتحدث عن سياسيين ورجال أعمال يستشيرون صوفيين وعرّافين بشأن عمل يتردّدون فيه أو قرار سياسي مصيري واجههم ويفترض أن يؤثر على جمهور كبير.
ولكن حتى الأفراد الذي يواجهون مشكلة كبيرة في حياتهم أو لا يعرفون إلى أين يتوجهون أو من يستشيرون قبل اتخاذ قرار مصيري في حياتهم يجدون “نافذة من السماء” فيستشيرون الصوفيين، السحرة والعرّافين.
قضايا الحبّ، العلاقات الرومانسية، أسئلة بخصوص العمل، تساؤلات في العمل بل ومواجهة الأزمات، الموت والكآبة: تشكّل جميع هذه القضايا أرضًا خصبة لازدهار أعمال المنجّمين، علماء الأعداد، السحرة والعرّافين.
والطرق كثيرة: بدءًا من القراءة بالقهوة، مرورا بالقراءة في كفّ اليد، التواصل مع عالم الموتى، قراءة القرآن أو التوراة، قراءة أوراق اللعب أو تفسير الأحلام.
ولكن كيف تتعامل كلا الديانتين التوحيديتين الأكبر في الشرق الأوسط، الإسلام واليهودية، مع كل ذلك؟
تحريم شديد في اليهودية
لاتجوز الشعوذة في الديانة اليهودية
في التوراة، كما ذكرنا، هناك مجموعة من التحريمات الشديدة التي تتعلق جميعها بقضايا السحر، الشعوذة والعِرافة. كما هو معروف في (سفر التثنية 18: 10): “لاَ يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ، وَلاَ مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلاَ عَائِفٌ وَلاَ مُتَفَائِلٌ وَلاَ سَاحِرٌ. وَلاَ مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلاَ مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً، وَلاَ مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى”.
القاعدة الأساسية هي أن التوراة تقول بشكل صريح إنّ الإنسان المؤمن، أي اليهودي، لا يشتغل أو يستشير في قضايا السحر، العِرافة وحتى التنبّؤ بالنجوم.
توضح التوراة أنّ السحرة، والأشخاص الذين يشتغلون بالتواصل مع أرواح الموتى من أجل التنبّؤ بالمستقبل بل والسحرة ومن يقومون بالتعاويذ، يكون عقابهم، بحسب الشريعة اليهودية، الموت.
هناك مبدأ آخر في اليهودية استُمدّ منه طرد ومقاطعة العرافين، المتواصلين والمنجّمين وهو مبدأ يقرّر أنّه تقريبًا كل ما يمكن تحقيقه عن طريق القداسة، يمكن تحقيقه عن طريق الدَّنَس أيضًا. أي أنه على الشخص الذي يستشير عرّافا أو قارئا في القهوة أن يفكر بينه وبين نفسه إذا ما كان يريد انتهاك الأمر الإلهي أم انتظار وقت الخلاص.
ويوضح مفسّرون للشريعة اليهودية أنّه على سبيل المثال فإنّ المعلومات التي تم الحصول عليها عن طريق التواصل مع عالم الموتى، مثل جلسات استحضار الأرواح، هي معلومات ليست جيّدة، منحرفة، لأنّ القوى السلبية تضلّل السائل من أجل الاستشارة أو التوجيه.
ومع ذلك هناك عدة طرق في اليهودية
هل يجوز وفقًا لليهودية أو الإسلام التنبّؤ بالمستقبل؟ (Thinkstock)
رغم أنه لا يمكن لأي شخص أن يعرف المصير ولا يمكن معرفة المستقبل عبثًا وإنما فقط “التشاور” مع الخبراء وأصحاب العلم عندما نكون على مفترق طرق.
فإنّ التوراة تسمح بالتشاور مع الحاخامات وعلماء الدين ذوي الخبرة العميقة بكلام الله من أجل توجيه المؤمنين.
إحدى الطرق هي السؤال عن المصير. ومن أجل القيام بذلك يقترح الحاخامات على المؤمن اليهودي المتردّد بخصوص قرار مهم أو توجيه في الحياة، أن يمسك بيده التوراة، وأن يسأل السؤال وبعد ذلك أن يفتح الكتاب المقدّس في صفحة معينة. وستظهر الإجابة عن السؤال في السطر الأول في الصفحة اليمنى.
وهناك طريقة أخرى وهي صلاة خاصة. في هذه الصلاة الخاصة هناك أيضًا جدول من 117 مربّعا، وفي كل مربّع حرف واحد، وهناك 117 إجابة بحسب الأحرف. يصلي الشخص صلاته، يسأل السؤال، يضع إصبعه بشكل عفوي على أحد المربّعات، ويفحص على أي المربعات وضع يده، ويجد الإجابة في صفحة الإجابات.
ظاهريا يبدو هذا مناقضا للكلام الصريح في التوراة والذي لا يجوز بحسبه الاشتغال بالعِرافة، ولكن يوضح علماء الدين أنّه لو تم القيام بالأمر بقداسة كاملة وبعد استشارة رجال الدين فذلك ليس محظورا. ويَحرُم على الأشخاص الذين يريدون أن يعرفوا مثلا متى سيتزوجون أو كم سنة سيعيشون، أن يستشيروا السحرة أو العرّافين، ولكن إذا كان الإنسان يواجه قرارا مصيريا في حياته قد يؤثّر عليه وعلى من حوله ويحتاج إلى توجيه يمكنه استشارة الحاخامات بذلك بل والصلاة بصدق وخشية أمام ربّه.
تحريم شديد في الإسلام
لاتجوز الشعوذة في الإسلام
جاء بيانا مفصلا وموضحا في الإسلام والقرآن عن أحوال السحر، ابتداء من حكم تعليمه للناس، وحكم من أراد تعلمه، وأن السحر له تأثير له على الواقع مما قد يفرق بين الزوجين، وأنه لا يؤثر بنفسه استقلالا، وأنه معدوم الفائدة مطلقا، وأن السحرة لهم عذاب شديد يوم القيامة.
كما كتب في سورة البقرة: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
ففي هذه الآية، يقول العلماء، أثبت الله كفر الشياطين بتعلمهم الناس السحر، ثم بين أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلَّمه أو لا. كما ويشدد الإسلام أن السحرة ليس لهم نصيب ولاحظ في الآخرة، لأن الإيمان قد انتفى عنهم.
في السنوات الأخيرة هناك المزيد والمزيد من المسلمات اللواتي يشتغلن في هذا الموضوع ويحاولن أن يفهمن كيف يتعاملن مع علماء الأعداد، المنجّمين، العرّافين والسحرة. من الواضح أنّه بحسب الشريعة الإسلامية هناك قواعد دقيقة تناقش كل واحد من هذه الأعمال. في بعض الحالات تأمر الشريعة بعقوبة الموت لمن يتم الإمساك بهم وهم سحرة يمارسون السحر من أجل إيذاء الناس الآخرين أو من أجل التواصل مع عالم الموتى. في بعض تلك البلدان، التي تعتبر الشريعة الإسلامية فيها أساس الدستور (السعودية)، يناقش العديد من القضاة مسألة شدّة العقوبة وكيف يمكن تنفيذها.
الخمسة تستخدم كتعويذة لدرء الحسد والسحر(Thinkstock)
ولكن بصرف النظر عن الشأن الديني، يبدو أنّه قد بدأت تُبنى في العالم العربي تحديدًا مراكز روحية، يتدفق إليها الناس الذين يواجهون ضائقة نفسية ويبحثون عن حلول من خلال كشف المستقبل أو تحضير السحر. إحدى هذه البلدان التي تصدّرت العناوين مؤخرا هي العراق. بسبب الأزمات الاقتصادية القاسية واليأس المستمر من الحرب الطويلة، نشأت في مدينة بغداد “مراكز توجيه” للعِرافة.
لدى دخولكم إلى هذه المراكز ستجدون عددا غير قليل من اللافتات على نمط “المعالج الروحاني… يعالج بالسنة والقرآن”، إلى جانب هذه الكلمات ستجدون أرقام هواتف الاتصال.
ويظهر في موريتانيا، وهي إحدى البلدان الإسلامية الفقيرة، العديد من القصص حول “شيوخ” يضربون بشدّة رجالا أو نساء تم الاشتباه بأنّهم سحرة أو مجانين، مع قراءة آيات من القرآن. في العديد من الحالات يظهر “المرضى” كمرضى نفسيين يحتاجون إلى العلاج النفسي الملائم.
في كانون الثاني عام 2004، صدمت المجتمع الفلسطيني حادثة قتل مروّعة. قتل أحد سكان الخليل زوجته وأبناءه الأربعة بسكين بعد أن اشتبه بأنهم مسحورون.
وفي حالات أخرى ملائمة لأيامنا هذه، حدث على سبيل المثال أنّ مقاتلي داعش أعدموا امرأتين بقطع رأسيهما في مدينة دير الزور شمال شرق سوريا.
الفلوكلور العربي مليء بالتعامل مع الجنّ؛ وهي مخلوقات غامضة يمكنها أن تكون جيّدة أو سيّئة. يدّعي بعض العرّافين في الشرق الأوسط أنّ لديهم علاقة مباشرة مع الجنّ وأنّهم يستطيعون دعوته من أجل العثور على أشياء فقدتموها أو أن يقولوا إذا كان أحبّاؤكم يخونونكم.
يحذّر القرآن، كما أوضحنا، الناس من العرّافين، ولكن وللمفارقة فإنّ الكتاب الأكثر قداسة لدى المسلمين يُستخدم تماما لهذا الهدف. يستخدم بعض الصوفيين والمنجّمين أرقاما من القرآن (أرقام الآيات على سبيل المثال) من أجل التنبّؤ بأحداث عالمية مثل الهزات الأرضية أو الحروب.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني