زين العابدين بن علي

الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (AFP)
الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (AFP)

بكَم بيعت طائرة الرئيس التونسي الأسبق، بن علي؟

الطائرة الرئاسية للرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، الذي فرّ من البلاد برفقة عقيلته مطلع 2011، تُباع بمبلغ طائل. المُشتري: شركة طيران تركية

أعلنت تونس مؤخرًا عن عرض الدولة للطائرة الرئاسية الخاصة بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، للبيع. بقيت الطائرة الرئاسية منذ 2010 في مدينة فرنسية، كانت قد أُرسلت إليها بهدف إجراء تصليحات وترميمات، تجعلها في مصاف طائرات رئاسية أخرى في أنحاء العالم.

عُرف الرئيس التونسي، الذي حكم تونس لمدّة 23 سنة، وزوجته ليلى الطرابلسي، بحياة الترف التي كانا يعيشانها ونمط الحياة المبهرج تميّزا بها، على حساب دافع الضرائب التونسي. وتجسّد استغلال أموال الجمهور كذلك في شراء الطائرة الرئاسية لأهدافه الشخصية.

وفق بيان صدر أمس (الأحد) عن مُديرة العلاقات الخارجية لشركة الخطوط الجوية التونسية، بيعت الطائرة إلى شركة الطيران التركية بمبلغ نحو 79 مليون دولار.

وفي 26 كانون الثاني 2011، أصدرت الحكومة التونسية أمر اعتقال دوليًّا لبن علي، متهمةً إياه بالاستيلاء على أموال عامة واقتناء أراضِ وعقارات خارج البلاد بشكل غير شرعي. فضلًا عن ذلك، أعلنت حكومة سويسرا عن تجميد ملايين الدولارات التي تحتفظ بها أسرته في حسابات مصرفية فيها. وفي 28 كانون الثاني 2011، أصدر الإنتربول أمر اعتقال لبن علي وستة من أفراد أسرته، بينهم زوجته ليلى الطرابلسي.

في 17 شباط 2011، أُصيب بن علي بسكتة دماغية، وهو في غيبوبة.‎ ‎وكان قد مكث في مستشفى خاصّ بالأمراء في مدينة جدّة السعودية.

في حزيران 2011، قرّرت المحكمة، في غياب الرئيس، فرض عقوبة السجن 35 سنة له ولزوجته بسبب أعمال فساد كثيرة وسرقة مبالغ طائلة من خزينة الدولة.‎ ‎وفي حزيران 2012، حكمت عليه محكمة عسكرية في بلاده غيابيا بالسجن عشرين عامًا بتهمة التحريض على العنف خلال الانقلاب الذي حدث عام 2011.

اقرأوا المزيد: 237 كلمة
عرض أقل
الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)
الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)

الإخوان المسلمون الجدد: الدولة هي الحل؟

تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن، وليبيا يخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ويدفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية

في الآونة الأخيرة يظهر الإسلام السياسي علامات الانزعاج الذاتي. هكذا تسير الأمور في حركة النهضة في تونس، وفي حركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن. تبنّت حركة النهضة في مؤتمرها قبل نحو شهر، بعد تردد كبير، اقتراح زعيمها، راشد الغنوشي، وهو قبول مبدأ الفصل بين الدين والدولة. منذ ذلك الحين يدعي زعماء الحركات الإسلامية في دول مجاورة أنّ هذا الفصل قد يحدث في أقاليمهم أيضا.

فازت حركة النهضة في الانتخابات الأولى في تونس بعد الإطاحة بالرئيس بن علي. ورغم أنها دعت أحزابا علمانية للدخول في الحكومة برئاستها، فقد طمحت إلى وضع حدّ للعلمانية في تونس. عرّضَت حكومة الغنوشي نفسها أمام الكثير من النقاد في أعقاب الكشف عن الإكراه الديني، العنف وطغيان الغالبية، بل وحتى اغتيال خلايا إسلامية لزعماء سياسيين يساريين وعلمانيين. فشلت الحكومة في تهدئة الأوضاع وتعزيز الاستقرار، وبالطبع في تنفيذ الكثير من وعودها للمواطنين المتمرّدين.

زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)
زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)

جاء قرار الحركة حول فصل الدين عن الدولة بعد خسارتها في الانتخابات العامة قبل نحو عام ونصف.‎ تتميز الحكومة الجديدة في تونس في التوجه العلماني والخطاب المؤيد للفصل التام بين الدين والدولة، كما يليق بـ “دولة متحضرة” – هذا هو حال الائتلاف والأحزاب الجديدة والصغيرة التي تصارع الرموز الدينية التي أورثها حكم النهضة قصير الأمد.

فرضت تونس، ذات التاريخ العلماني، وشريحة سكان المدن القوية والطبقة الوسطى الواسعة والثرية، على حركة النهضة أن تتغير وتلائم نفسها مع الواقع الجديد. وقد رفض الشعب التونسيّ، المنظّم في أحزاب وحركات فكرية متنوعة، قبول حركة تسعى إلى إعادة التاريخ إلى الوراء وتطبيق الشريعة، حتى ولو بصيغة منفتحة ومتطورة. أعرب المواطنون عن معارضتهم العنيدة وربطوا بين الإكراه والخطاب الديني الإسلامي وبين المركزية، الفساد والقمع وكل ما سبق ثورة 2011. والآن أصبحت حركة النهضة حزبا كسائر الأحزاب. وعليها أن تقنع المواطنين ليس بقوة الله وعطفه ولا بقدرة الإسلام أن هو الحل، وإنما بقدرتها الذاتية، كلاعب سياسي يخضع للرقابة، قادر على إحداث تغيير حقيقي يلبي حاجة المواطن التونسي الماسّة.

لم تكشف جميع حركات الإسلام السياسي في المنطقة عن عدم وجود علاقة بين الله وبين الإدارة السليمة للاقتصاد والدولة. أصبحت حركة الإخوان المسلمين في الأردن، في هذه الأيام، في قلب العاصفة وهي على شفا الانقسام إلى ثلاث حركات منفصلة. والآن تُمارس ضغوط كبيرة عليها، من الداخل والخارج، لتتماشى مع دستور النظام الهاشمي، وتعمل كحركة وطنية أردنية وأن تقطع علاقتها مع حركات الإخوان المسلمين في المنطقة، ولا سيما مع حماس. تعكس مبادرة “زمزم” ومبادرة “الشراكة والإنقاذ”، والتي يدعي البعض أن النظام الهاشمي يقف خلفهما، أيضا الضغط الداخلي الذي تُمارسه جهات ذات مناصب متوسطة ورفيعة في الحركة للاندماج في السياسة الأردنية اندماجا كاملا. تتجه الحركة نحو الحسم، ووفقا لأحد التفسيرات فستنقسم إلى ثلاث مجموعات: مجموعتان ذواتا سكان تعود جذورهم إلى عبر الأردن، والذين يقبلون قواعد اللعبة التي حدّدها النظام، والمجموعة الثالثة، المرتبطة بحركة حماس الفلسطينية، ستبقى وفية لمبدأ “الإسلام هو الحل”.

مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)
مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)

وهناك جدل صاخب أيضًا داخل الحركة الأم للإخوان المسلمين في مصر. وقد أثارت الضغوط الداخلية والخارجية توترا علنيا وكبيرا بين الدوائر التي تحاول تحويلها إلى حركة سياسية تخضع لقوانين الدولة، وبين دوائر وفية للنهج المحافظ والمتشدّد الذي ينادي بتحويل مصر إلى دولة شريعة، كخطوة أولى في الطريق نحو إقامة الخلافة الإسلامية في المنطقة. ومن الواضح أنّه لا ينبغي فصل هذه الضغوط عن حملات الملاحقة وقمع نظام السيسي لحركة الإخوان المسلمين.

أثار السعي نحو سياسة الاستبداد في مصر في سنة حكم الرئيس مرسي مجددا الشعب المصري والنخب الخائفة وأخرج نحو 25 مليون شخص للاحتجاجات في الشارع. إنّ الشعور بالخطر والذي شعر به الأردنيون على ضوء “مناورات” الإخوان المسلمين في المملكة في الأشهر الأولى من الربيع العربي شوّش قدرتها على العمل في المجال السياسي ومع السلطات. ولكن الفظائع التي ضربت المنطقة تركت أيضًا طابعها على هذه الحركة الشرق أوسطية، بعد أن أصبحت بعد الربيع العربيّ وبفضله لاعبا رئيسيا في المنطقة.

للوهلة الأولى، كان يبدو أنّ الإخوان المسلمين يلمسون النقطة الأكثر حساسية في التاريخ العربي. إن تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن وليبيا أخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ودفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية. وقد خرج بقية اللاعبين أيضًا، بطبيعة الحال، للدفاع عن مصالحهم على ضوء الفظائع، مع الحرص على إطار الدولة كأساس للسياسة، مما يعارض، على الأقل، أيديولوجيا، نهج الإخوان المسلمين. أثار الظهور التهديدي للإسلام المتطرف العنيف في المنطقة في حركات الإخوان المسلمين أيضًا الحاجة إلى تمييز نفسها عنه من خلال الحوار واستعدادات مختلفة.

يعتقد خبراء عرب يتابعون الإسلام السياسي في الشرق الأوسط أنّ التغييرات في حركة الإخوان المسلمين في المنطقة قد تدلّ على تغييرات عميقة في تطوّرها. ولكن يُمكن اعتبار هذه التغييرات على أنها براغماتية ومطلوبة على ضوء التجربة العملية لتنظيمات الإخوان المسلمين في دول المنطقة. فإنّ اختبار التنظيمات السياسية ليس بكتاباتها وأفكارها وإنما بأفعالها واسقطاتها. يتضح أيضًا أن الحركة الجماهيرية التي تدعي العلاقة مع الله تتصرف كآخر التنظيمات السياسية على الأرض: بداية بالتجربة والخطأ، وأيضا سقوطها وتغييراتها بالتجربة والخطأ.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 749 كلمة
عرض أقل
L'audace
L'audace

“أنا أيضا غزة”: الإجابة اللاسامية لـ “شارلي اببدو”

نشرت صحيفة تونسية على غلافها رسمة على نسَق الرسوم عن النبي محمد، في مركزها يهودي يمسك لافتة "أنا أيضًا غزة"

30 يناير 2015 | 12:36

نشرت الصحيفة التونسية L’Audace‏” على غلافها الأول رسمة على غرار غلاف مجلة الصحيفة الفرنسية شارلي ايبدو المثير للجدل. يظهر في الرسم شخص يهودي (يرتدي قبعة ونجمة داود، وضفائر تتدلى من رأسه) ممسكا بيديه لافتة “أنا أيضا غزة”. لقد صارت دمعة النبي محمد في “شارلي ايبدو” بحرا من الدموع جوابا من تونس. فوق شخصية اليهودي وضع العنوان “كل شيء غُفر”، والذي كان العنوان في الأصل الفرنسي.

نشرت “L’Audace‏” (جرأة) في باريس كمجلة شهرية بين عامي 1994- 2007. بعد الانقلاب في تونس سنة 2011، بدأت تنشر في البلاد مرة كل شهرين. لقد كشفت الصحيفة في الماضي عن الفساد في حكومة وعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي. اعتُقل مؤسس الصحيفة عدة مرات في السابق.

غلاف المجلة: يظهر عليه رسم للنبي محمد وهو يمسك لافتة "أنا شارلي"
غلاف المجلة: يظهر عليه رسم للنبي محمد وهو يمسك لافتة “أنا شارلي”

أثار العدد الأخير من “شارلي ايبدو”-العدد الأول الذي رأى النور بعد المذبحة في مؤسسة الصحيفة- عاصفة في العالم العربي بعد أن عرض مجددا رسما للنبي محمد. لقد وصفه رئيس حكومة أفغانستان “بعمل يفتقر للمسؤولية”، وادعى رئيس الحكومة العراقية أن “الكلمات الجارحة يمكن أن تؤدي لمواجهات أخرى دامية”. جُرح بعض المواطنين وقُتل آخرون خلال مظاهرات عنيفة في باكستان ونيجيريا.

وحتى في إسرائيل أثار العدد احتجاجا، بعد أن أعلنت شبكة كتب محلية أنها ستبيعها في مناسبة خاصة. لقد وقف سياسيون ومنظمات عرب ضد هذا العمل. استجابت الشبكة وألغت البيع العلني. دعا وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، نشطاءه لشراء الأعداد وتوزيعها للجمهور. في النهاية عُرض 550 عددا آخر للبيع على الشبكة، ونفذت خلال سبع دقائق فقط.

اقرأوا المزيد: 221 كلمة
عرض أقل
الانتخابات في تونس (AFP)
الانتخابات في تونس (AFP)

تونس: عودة رموز النظام السابق

الاحساس الغلب للانتباه لدى التونسيين هو ان عودة رموز النظام السابق لا تعني عودة النظام السابق بسياساته وشخوصه، فـ"التاريخ يمضي ولا يعود"

يعرف المشهد السياسي التونسي حالة حراك استثنائية، وذلك بمناسبة الإعداد لتنظيم أول استحقاق انتخابي بعد ثورة يناير 2011. وينظر إلى هذا الاستحقاق الانتخابي في الداخل والخارج على أنه سيحدد مستقبل البلاد خلال السنوات القادمة؛ خاصة وأنه يترافق مع حالة ترقب وقلق مجتمعية عامة بسبب الأزمة الاقتصادية وغياب الاستقرار. ولعل أبرز ما يميز هذا الحراك التونسي، الذي يشغل المراقبين والمحلّلين الدوليين، هو العودة القوية لرموز ووزراء نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، و هذه العودة أدّت الى بروز تساؤلات حول نجاح التحول الديمقراطي في تونس.

أحدث مشهد عودة منذر الزنايدي، أحد أبرز وزراء النظام السابق، من باريس بعد ثلاثة سنوات من الإقامة بفرنسا، استفزاز وصدمة لدى قطاع واسع من التونسيين حيث أقيم له استقبال “شعبي” في بهو مطار تونس في قرطاج. وقد سبق الإعداد لهذه العودة عبر تهيئة واسعة للرأي العام، كما حضيت باهتمام إعلامي كبير، خاصة بعد أن أعلن الزنايدي عن الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. و الزنايدي هو خامس شخصية “كبيرة” من فترة حكم بن علي تعلن عن ترشحها. هذا الأمر عمّق “التخوفات” من إمكانية حكم تونس مستقبلا من قبل أحد “رجالات” بن علي، وبالتالي عودة المنظومة القديمة.

على المستوى الشعبي، أثار ترشح وزراء “الصف الأول” في آخر حكومة قبل الثورة، أي الذين شاركوا في كل حكومات بن علي طيلة 23 سنة، العديد من ردود الأفعال بين رافض لعودتهم للحياة السياسية، باعتبارهم جزء من نظام قامت عليه ثورة شعبية، وطرف أخر مؤيد لهذه العودة بل يرى أنها أصبحت ضرورية لإنقاذ البلاد من حالة التردي التي انتهت إليها بعد ثلاثة سنوات ونصف من ثورة 2011. وفي ذلك احتجاج على عجز حكومات ما بعد الثورة عن تأمين حاجيات الناس، وعن إدارة شؤون البلاد والحكم، نظرا لافتقارها للتجربة والكفاءة الضرورية لمثل هذه المهمة، وهو ما برز بالخصوص أثناء فترة حكم الترويكا بزعامة حزب حركة النهضة الإسلامية.

المرشح الباجي قائد السبسي يصوت  (AFP)
المرشح الباجي قائد السبسي يصوت (AFP)

أما على المستوى السياسي، فان عودة رموز نظام ما قبل الثورة كانت في الواقع سابقة لمرحلة الاعداد للانتخابات. فبعد عامين وسبعة أشهر من سقوط النظام، عاد قيادات حزب التجمع الدستوري الحاكم سابقاً إلى الساحة السياسية. فقدّم الوزير الأول السابق لبن علي حامد القروي طلباً رسمياً للحصول على ترخيص لحزب جديد باسم “الحركة الدستورية،” ويشارك الآن في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. كما تنشط أحزاب “دستورية” أخرى يتزعمها رموز ووزراء اشتغلوا مع النظام السابق بل كانوا من أعمدته، على غرار حزب “نداء تونس” بزعامة الباجي قائد السبسي، الذي يعدّ المرشح القوي للرئاسة. إضافة إلى حزب “المبادرة الدستورية” برئاسة وزير الخارجية في عهد بن علي كمال مرجان، الذي له 5 مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه العودة تفسر بتمطيط مسار الانتقال الديمقراطي خلال الفترة الانتقالية، وعجز حكومات ما بعد الثورة عن تأمين احتياجات الناس، ويضاف إليها تفجر مظاهر العنف السياسي الذي تطور إلى إرهاب مسلح مارسته جماعات متشددة في “غفلة” أو “تواطؤ” من “حكم الترويكا” بزعامة “النهضة” الإسلامية. أدى هذا الأمر الى التعجيل بإسقاط حكم الاسلاميين بطريقة سلمية عبر رحيل حكومة الترويكا التي جاءت بها “الحالة الثورية”. ومن أبرز سيمات هذا الواقع الجديد بروز دعوات علنية لعودة رموز النظام القديم.

لكن الاحساس الغالب واللافت للانتباه لدى الجميع، بما فيهم رموز ووزراء النظام السابق، هو أن عودتهم لتصدر المشهد السياسي لا تعني “المصالحة” التي تبقى رهينة “الاعتذار” ثم “المحاسبة” ضمن عدالة انتقالية بعيدة عن التشفي. كما أنها لا تعني عودة النظام السابق بسياساته وشخوصه، فـ”التاريخ يمضي ولا يعود،” كما صرح منذر الزنايدي أحد رموز عهد بن علي، وهو من بين العائدين للمشهد.

هنا، يتوجب على رموز النظام القديم، أن يدركوا جيدا بأن عالم ما بعد “الربيع العربي” تغير والى حد كبير عن شكله القديم، حيث وجدت أشكال جديدة وفاعلة وخارج حيز المؤسسات التقليدية. ولا يمكن الاتكاء على الأساليب القديمة وحدها لإنجاز الشرعية السياسية، أو قياس حجم الرضا الشعبي العام.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 585 كلمة
عرض أقل
الباجي قائد السبسي (AFP PHOTO / FETHI BELAID)
الباجي قائد السبسي (AFP PHOTO / FETHI BELAID)

هل السبسي هو ماضي تونس أم مستقبلها؟

التخبطات السياسية في مهد الربيع العربي ما زالت تفاجئنا، ونجاح الباجي قائد السبسي يشير إلى تراجع كبير بقوة حركة النهضة

تُعتبر الانتخابات البرلمانية في تونس، التي أُجريت البارحة والانتخابات الرئاسية التي من المزمع أن تبدأ بعد شهر، أهم نقطة تحول في الدولة التي هي مهد الربيع العربي. يبدو أن الثورة التونسية، بعد التقدم الكبير الذي حققه حزب النهضة في الانتخابات السابقة؛ عام 2011 والذي أشار في حينه إلى صعود موجة إسلامية بعد الربيع العربي، تشهد الآن انعطافة حادة أُخرى في طريقها المتعرجة.

كانت نسبة المشاركة الكبيرة بالانتخابات التي وصلت إلى 55% من المعطيات الاستثنائية التي لفتت الانتباه. لا شك أن تحول حزب “نداء تونس” إلى أكبر حزب في البرلمان، متجاوزًا بذلك حزب النهضة، يشير دون شك إلى وجود إحباط متنامِ من طريقة حزب النهضة بإدارة البلاد في السنوات الماضية. تتركز الاتهامات الرئيسية التي توُجه لحزب النهضة في كون أعضاء الحزب عديمي التجربة، وبالضرر الذي تسببت به إدارتهم للاقتصاد التونسي.

حركة نداء تونس هي مجموعة، غريبة بعض الشيء، من الأشخاص. يضم هذا الحزب بين أعضائه سياسيين لديهم أجندات مختلفة ومتناقضة، والقاسم المشترك بينهم هو فقط علمانيتهم

حركة نداء تونس هي مجموعة، غريبة بعض الشيء، من الأشخاص. يضم هذا الحزب بين أعضائه سياسيين لديهم أجندات مختلفة ومتناقضة، والقاسم المشترك بينهم هو فقط علمانيتهم. يمكن أن نجد بينهم من كانوا يومًا الأتباع المخلصين للديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، ويمكن أن نرى أشخاصًا ممكن يحملون أجندات اشتراكية ليبرالية – الذين وقفوا معًا ضد أسلمة تونس وحالفهم الفوز هذا الأسبوع. يبدو، على الرغم من ذلك، أنه ليس لديهم الأغلبية وأن عليهم أن يتعاونوا في إطار حكومة ائتلاف.

ربما أن الانتقادات القائلة بعدم وجود خبرة لدى قادة حزب النهضة هو ما يُفسر ذلك الدعم الكبير بقيادة الباجي قائد السبسي، الذي ما يميزه هي خبرته. لا يكفي أن الحديث هو عن قائد عمره 87 عامًا، بل لديه خبرة كرئيس سابق للحكومة الانتقالية عام 2011 وكوزير في حكومة الحبيب بورقيبة. يبدو أن الشعب التونسي يتذكر بشكل إيجابي فترة ولايته كرئيس مؤقت للحكومة خلال عام 2011 لحين وصول حزب النهضة للحكم.

الباجي قائد السبسي يصوت (FADEL SENNA / AFP)
الباجي قائد السبسي يصوت (FADEL SENNA / AFP)

تمتد خبرة الباجي قائد السبسي على طول سنوات عديدة خلال القرن الماضي. بدأ السبسي حياته المهنية كطالب محاماة في باريس في بداية خمسينيات القرن العشرين. ووجد نفسه، عندما عاد إلى تونس، يعمل في أوساط الحزب الحر الدستوري الجديد، وبعد نيل تونس استقلالها عام 1956 أصبح أحد مستشاري الرئيس بورقيبة.

المناصب التي شغلها السبسي لدى النظام التونسي كثيرة ومتنوعة: حتى سنوات الـ 70 شغل منصب مسؤول الحكم المحلي، رئيس إدارة الأمن الوطني، وزير الداخلية، وزير الأمن وسفير تونس في فرنسا.

لم يكن طموحه بتحقيق الديمقراطية في تونس أمرًا خافيًا على أحد. فقد دعا بشكل علني، في عام 1971، بإحداث إصلاحات ديمقراطية في تونس وبعد ذلك استقال من منصبه كسفير في فرنسا عندما لم تتم الاستجابة لنداءاته

إلا أنه على الرغم من ذلك لم يكن طموحه بتحقيق الديمقراطية في تونس أمرًا خافيًا على أحد. فقد دعا بشكل علني، في عام 1971، بإحداث إصلاحات ديمقراطية في تونس وبعد ذلك استقال من منصبه كسفير في فرنسا عندما لم تتم الاستجابة لنداءاته. عاد عام 1981 إلى الحكومة وتم تعيينه وزيرًا للخارجية، ومن ثم سفيرًا في ألمانيا.

الآن، وبعد النتيجة الجيدة في الانتخابات البرلمانية، يبدو الباجي قائد السبسي في نقطة انطلاق جيدة فيما يخص الانتخابات الرئاسية التي ستُقام في نهاية تشرين الثاني. وهذا على الرغم من أن الدستور التونسي الجديد لم يترك الكثير من الصلاحيات لرئيس الدولة والتأثير الكبير سيكون من نصيب رئيس الحكومة.

واجه السبسي خلال الشهر الأخير خلافات مع جهات في حزبه والتي اتهمها بمحاولة إفشال ترشحه للرئاسة ومن المثير أن نرى كيف سيكون تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية. أيًّا كان، يبدو أن هناك في تونس معسكر كبير يُفضل استقرار الحكم السابق على التخبطات الكبيرة التي تحدث خلال السنوات الأربع الأخيرة.

اقرأوا المزيد: 562 كلمة
عرض أقل
المتظاهرون التونسيون يظهرون محاكاة عملية إعدام خلال مظاهرة ضد الدولة الإسلامية (AFP)
المتظاهرون التونسيون يظهرون محاكاة عملية إعدام خلال مظاهرة ضد الدولة الإسلامية (AFP)

هل تونس هي هدف داعش القادم؟

القوى الأمنية التونسيّة غارقة حتّى رأسها في الصراع ضدّ نحو ألفَي إرهابيّ، محسوبين على القاعدة بشكل غير رسميّ، لكنّ كثيرين منهم محسوبون على داعش

كان عُقبة بنُ نافع أحدَ القادة العسكريين البارزين في مستهلّ الحقبة الإسلامية، إذ قاد جيش الإسلام حين غزا شمال إفريقيا في سبعينات وثمانينات القرن السابع. اشتُهر عُقبة بشجاعته، فضلًا عن مهارته في استخدام السيف، وكان قدوةً تُحتذى لجنوده وضبّاطه في تقنيّة فصل رؤوس مُقاتِلي الشعوب المغزوّة عن أكتافهم. منحته بطولته هذه مكانة شرف في قائمة أبطال الإسلام.

منذ نحو عامَين، تنشط مجموعة جهاديّين في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا، إذ تستهدف بين الفينة والأخرى آليّات تستخدمها القوى الأمنية التونسيّة. وقد وقع ضحايا تونسيّون كُثر في هذه المعركة المستمرّة. تدعو المجموعة نفسها “كتيبة عُقبة بن نافع”. جدول الأعمال الجهاديّ للمجموعة معروف منذ بدأ عملُها، شأنه شأن قدرتها على تجنيد المُقاتلين، التزوّد بأسلحة متنوّعة، وفرض الرعب على مناطق شاسعة. من الشائع نسب الكتيبة إلى مجموعة جهاديّة كبيرة ومعروفة، “القاعدة في المغرب الإسلامي” – فرع القاعدة في شمال إفريقيا.

لكنّ سؤالًا طُرح مؤخرا يتعلق بولاء الكتيبة، إذ انتشرت أنباء أنّ قيادتها تميل إلى مبايعة الخليفة أبي بكر البغدادي، زعيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصّة إثر الانقسام المتواصل بين القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري من جهة، وبين “الدولة الإسلامية” وزعيمها البغدادي من جهة أخرى.

زعيم القاعدة أيمن الظواهري (SITE INTELLIGENCE GROUP / AFP)
زعيم القاعدة أيمن الظواهري (SITE INTELLIGENCE GROUP / AFP)

تجدُّد التحالُف الكردي الإيرانيّ

يطرح الهجوم الغربي على “الدولة الإسلامية” بقوّة كبيرة مسألة الانقسام منذ إنشاء “داعش” عام 2004 كفرع للقاعدة في العراق. فالآن، في ظلّ الهجوم الغربي، تعلو أصوات تدعو التنظيمَين الجهاديَّين السنيَّين إلى الاتّحاد في وجه هجوم الكفّار.

من الجدير ذكرُه أنّ إحدى القوى التي تحارِب “الدولة الإسلامية” هي قوّات البشمركة الكرديّة. مُني هذه القوّات ببعض الهزائم في حربها ضدّ “الجيش الإسلامي” التابع لداعش في الأشهر الأخيرة، لكنّ محاربيها حقّقوا انتصاراتٍ ميدانيّة في الأيام الأخيرة، بفضل سلاح جديد وفتّاك – لا سيّما الصواريخ المضادّة للدبّابات، التي وصلت من إيران.

يُثير هذا الواقع الاهتمام إذ إنّ إيران دولة شيعيّة، فيما البشمركة جيش سنيّ، لكنّ الجانبَين كلَيهما ينظران حاليًّا إلى الخطر المشترك، ويتعاونان في هذه المرحلة. من المحتمَل جدًّا، أن يكون أحد في الغرب، وربما في واشنطن أيضًا، قد “شجّع” إيران على تزويد الأكراد بسلاح متقدّم، على أساس أنّه حين يأتي وقت النقاش في الملفّ النووي الإيراني، ستُذكَر المشاركة في الحرب على “الدولة الإسلامية” (داعش) لصالح الإيرانيين.

مقاتل من قوات البشمركة الكرديّة (AFP)
مقاتل من قوات البشمركة الكرديّة (AFP)

توغُّل متوقَّع من الحُدود إلى مراكز المُدن

كما ذُكر آنفًا، افتُتحت الآن جبهة على الحُدود التونسيّة. فقد اكتشف وزير الداخلية، لُطفي بن جدّو، أنّ القاعدة أوعزت إلى رجالها في شمال إفريقيا بالقضاء على كلّ من تخوّل له نفسه جلب فكرة “الدولة الإسلامية” إلى تلك المنطقة، التي كانت حتّى الآن ضمن منطقة نفوذ القاعدة دون أيّ مُنافس. يذكَر هذا الاكتشاف السامعين بالصراع الدموي الدائر على الأراضي السورية بين “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، صراع ضحاياه هم أيضًا المواطنون البسطاء الذين يسعى كلّ طرف – بوسائله العنيفة – أن يجتذبهم إلى جانبه. وتخشى الحكومة التونسية، وكذلك داعمو الحركات الجهاديّة، حدوث صراع مشابه على الأراضي التونسية يؤدي إلى مجازر جماعيّة كما يجري في سورية، وليس فقط في المناطق الحدودية – شرقًا على حدود ليبيا وغربًا على حدود الجزائر، بل أيضًا في الأحياء الفقيرة في ضواحي المُدن، وهي أحياء يُعتبَر سكّانها متديّنين جدًّا.

من أبرز أسماء داعمي القاعدة في تلك المنطقة اسما الجزائري عبد المالك درودكال، والتونسي لقمان أبو صخر. ويسرهّما حاليًّا أنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يُعلَن عنه بشكل رسميّ في تونس بعد، لكنّ ثمة مؤشّرات على تعاظُم وجود أشخاص يميلون إلى ذلك التنظيم. ويظهر الأمر في مواقع التواصُل الاجتماعيّ، على شكل مديح وفخر بأعمال “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق، وتضامُن معها، مع أهدافها، ومع الوسائل التي تستخدمها.

لكنّ الخطر الملموس أكثر في تونس يتجلّى في مئات التونسيين الذي عادوا من حقل الجهاد في سورية والعراق، بعد أن اكتسبوا خبرة كبيرة في وسائل الإرهاب والذبح، وبعد أن اجتازوا تدريبات مكثّفة في المخيّمات الجهادية في ليبيا. فإذا انضمّ هؤلاء إلى “كتيبة عُقبة بن نافع”، يُمسون الفرع التونسي لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد يكون ذلك حدث فعلًا، إذ شاعت أنباء أنّ الكتيبة باعت الخليفة أبا بكر البغدادي، ودعته إلى “التقدُّم، اجتياز الحدود، وتحطيم عروش الطغاة الكافرين في كلّ مكان”.

جيش الدولة الإسلامية (AFP)
جيش الدولة الإسلامية (AFP)

ألفا إرهابي، ربعهم قادمون مِن سوريّة

تُطارِد الدولة في تونس الكتيبةَ منذ بدأت العمل في المناطق الجبلية على الحُدود التونسية – الجزائرية، لا سيّما في جبل الشعانبي، بعد أن نجحت الكتيبة في قَتل عشرات الجنود والشرطيين. وتكتسب ملاحقة التنظيم أهمية مضاعَفة إثر تخطيط الحكومة إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسية خلال شهرَي تشرين الأول وتشرين الثاني هذا العام.

تُعتبَر حرب تونس على الجهاديّين صراع حياة أو موت، خصوصًا في ظلّ ما يجري في سورية والعراق. العام الماضي، جرى اعتقال أكثر من ألفَي إرهابي، وفق ادّعاء وزير الداخلية التونسيّ، نحو ربعهم عائدون من الجهاد في سورية والعراق. حسب ادعائه، ثمّة حضور مكثّف للأجهزة الأمنية التونسية بين السكّان، وقد اكتشف رجالُها محاولات تنفيذ عمليات إرهابية في البلاد خلال عيد الأضحى، الذي يُحتفَل به حاليًّا. فقد نفّذت القوى الأمنية اعتقالات جماعيّة بين المشتبَه فيهم في أحياء الفقر في المُدن، التي تشكّل خلايا إرهابية نائمة.

لكنّ المشكلة الأساسية في تونس هي كون حدودها مع ليبيا والجزائر موجودة على الخريطة فقط، وهي مناطق جبليّة لا أفضلية فيها للآليّات العسكرية على الحمير، البغال، أو الأشخاص المحُمّلين بالسلاح والذخيرة، الذين يسيرون آمِنين في سُبل ضيّقة، ملتوية، وشديدة الانحدار، “بين الجبال وبين الصُّخور”. وهناك مثال سيناء، حيث يعجز الجيش المصري عن السيطرة على الجهاديّين.

ليس النظام في تونس دكتاتوريًّا، بل يجري خوض اللعبة السياسية الديمقراطية إلى حدّ بعيد، إذ تشارك الأحزاب، التي بعضها ذات طابع علماني ليبراليّ، وبعضها الآخَر دينيّ إسلاميّ. كما أنّ كثيرين من السياسيين فاسِدون. لذلك، تُعتبَر المنظومة هشّة، ولم تفارق الأزمات السياسية البلاد منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني 2011.

الاقتصاد التونسيّ غير مستقرّ، وثمة قطاعات عديدة تشعر أنّ الديموقراطية لم تحسّن وضعها الشخصيّ والاقتصاديّ. لا يزال الجمهور العلماني يؤيّد الدولة إلى حدّ بعيد، فيما الشرائح التي تميل إلى الإسلام أقرب إلى قبول الحلّ الإسلاميّ لمشاكل المجتمَع والدولة. تأخذ الفجوة بين الحلّ الإسلامي وبين جدول أعمال القاعدة والدولة الإسلامية في التقلُّص كلّما تواصلت الأزمات السياسية التي تعاني منها تونس دون التوصُّل إلى حلول.

صورة زين العابدين بن علي, الرئيس السابق لتونس, في القمامة (Wikipedia)
صورة زين العابدين بن علي, الرئيس السابق لتونس, في القمامة (Wikipedia)

حُقوق مقاتِل داعش

لا يُعلَم في هذه المرحلة إن كان في وسع الغرب أن يُساعد النظام التونسي، بما يتعدّى الدعم الاستخباريّ السريّ حول التجمّعات والمجموعات الجهاديّة، إذ إنّ أيّ دعم غربي علَنيّ من شأنه هزّ الشرعية المحدودة للنظام في نظر الأولياء للإسلام. لكن من الجليّ أنّه إذا أخفق النظام التونسيّ في الصراع ضدّ الجهاديين، سيُدفَع الغرب إلى الفوضى الإرهابية، كما غرق في المستنقع في العراق وسورية.

الخطر المنظور من تونس على أوروبا أقرب بكثير من الناحية الجغرافيّة، إذ يمكن لسفينة إرهابيين مُسلَّحين اجتياز المسافة بين تونس وإيطاليا بحرًا خلال ليلة واحدة. سيحدث التدخُّل الأوروبي في تونس في مرحلةٍ أبكر بكثير من التدخُّل في سورية والعراق، ولذا يمكن أن يكون الميدان التونسي أكثر قابلية للاشتعال حتّى من سورية والعراق.

ثمّة آثار للانتشار المتوقَّع للحرب على “الدولة الإسلامية” من الناحية القانونية. فقد آن الأوان لإعادة صياغة قواعد الحرب والمعاهدات الدولية التي يستند إليها القضاء الدولي المتعلّق بإدارة النزاعات. وُضعت هذه القواعد حين كان الحديث عن جيوش ودُول، ولكنها لا تنطبق على الحرب الحاليّة، التي تجد فيها الدولة العصرية نفسها تحارب ميليشيات تعمل بمنهجيّات مستوحاة من القرن السابع.

ليست مفاهيم مثل “إبعاد الحرب عن المدنيين”، “حقوق الإنسان للمحاربين”، و”التعامُل مع الأسرى”، جرى التوصل إليها في أوروبا بعد الحربَين العالميّتَين، ذات معنى اليوم. فمعظم الحروب التي خيضت في السنوات العشرين الأخيرة كانت ضدّ تنظيمات لا يعني لها القضاء الدوليّ شيئًا. وتقتصر مهامّ هذه الميليشيات على شلّ قوى الجيوش النظاميّة التي تُضطرّ إلى محاربة مقاتلين يرتدون ملابس مدنيّة يختبئون في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة بهدف استخدام السكّان دُروعًا بشرية ضدّ الهيئات العسكريّة الحديثة.

في تونس، قد تكون المفاهيم الغربيّة المتعلّقة بإدارة الحرب بين أوائل ضحايا المعركة.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1179 كلمة
عرض أقل

رئيس وزراء تونس يقدم استقالة حكومته اليوم

تعاني تونس التي تعد واحدة من أكثر البلدان علمانية في العالم العربي من انقسامات بشأن دور الإسلام وصعود المقاتلين الإسلاميين المتشددين

استقال رئيس الوزراء التونسي الاسلامي علي العريض اليوم الخميس ليمهد الطريق امام تسليم السلطة لادارة انتقالية حسب اتفاق مع المعارضة.

وقال العريض للصحفيين انه سلم استقالته لرئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي ليمهد الطريق لتسليم السلطة لإدارة تسيير أعمال وفقا لاتفاق مع المعارضة.

وجاء في بيان من مكتب الرئيس التونسي نشرته الوكالة إن رئيس الوزراء أعلن أنه سيقدم استقالته للرئيس بعد ظهر اليوم الخميس.

وفي وقت سابق نقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء عن العريض قوله في بلاغ لرئاسة الجمهورية إن هذا الإجراء يأتي في إطار احترام حكومته “للتعهدات التي قطعتها على نفسها أمام الرأي العام الوطني وعلى ضوء نتائج الحوار الوطني ولمزيد دفع المسار الانتقالي في البلاد.”

وتعاني تونس التي تعد واحدة من أكثر البلدان علمانية في العالم العربي من انقسامات بشأن دور الإسلام وصعود المقاتلين الإسلاميين المتشددين منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011 والتي أشعلت انتفاضات أخرى في المنطقة.

وحفز مقتل زعيمين علمانيين العام الماضي بأيدي متشددين خصوم حزب النهضة الإسلامي الذين تظاهروا للمطالبة باستقالة أعضاء الحزب من الحكومة واتهموه بالتساهل مع المتشددين.

وتوصل حزب النهضة أواخر العام الماضي إلى اتفاق مع حركة نداء تونس -حركة المعارضة الرئيسية- يقضي بتسليم السلطة بعد أن تنتهي الأحزاب من وضع مسودة الدستور الجديد وتحديد موعد للانتخابات وتعيين لجنة للإشراف على الانتخابات.

وجرى تنفيذ معظم بنود الاتفاق: فالمجلس الوطني التأسيسي يجري تصويتا على البنود الأخيرة لمسودة الدستور هذا الأسبوع واختار أمس الأربعاء لجنة من تسعة أعضاء.

وسيتعين على الحكومة الجديدة معالجة ملف الإصلاح الاقتصادي لتقليص العجز والتعامل مع الاستياء الشعبي بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم وجود فرص اقتصادية منذ الثورة.

وتقول السلطات إن الإسلاميين المتشددين من جماعة أنصار الشريعة التي تدين بالولاء للقاعدة يشكلون تهديدا لتونس التي يعتمد اقتصادها بقوة على السياحة الخارجية.

اقرأوا المزيد: 266 كلمة
عرض أقل