تم الكشف عن ثمن حرية التعبير في فرنسا اليوم بثقله الكامل. تمّت اليوم مهاجمة الصحيفة الساخرة “شارلي إيبدو” التي نشرت في عدة فرص صور كاريكاتير ساخرة عن النبي محمد، من قبل مسلّحين قتلوا 12 شخصا، من بينهم أعضاء في هيئة التحرير ورجال شرطة.

تأسست الصحيفة الساخرة “شارلي إيبدو” عام 1969 من قبل مجموعة من الساخرين من ذوي الميول اليسارية الفوضوية، ومثّلت منذ بداية طريقها خطّا ساخرا تجاه جميع الأديان والاعتقادات المحافظة. وفي هذا المفهوم فهي تكمّل طريق أجيال الفرنسيين الساخرين من التقاليد المحافظة منذ أيام الثورة الفرنسيّة.

تم استخدام شعار “غبي وشرير” من قبل أعضاء الصحيفة حتى في السنوات التي سبقت تأسيسها. وكانت الصور العارية أيضًا من ضمن الخطّ الذي اعتمده محرّرو الصحيفة.

لم يكن ثمّة شيء مقدّس بنظر النقاد الساخرين في الصحيفة؛ لا ضباط الجيش، ولا الرؤساء ولا رؤساء الحكومات، ولا التقاليد القديمة وخصوصا الدين. أدى الأمر في بعض الأحيان إلى مقاطعتها وحظر توزيع أعداد هجومية لها بشكل خاصّ. في سنوات الثمانينيات من القرن العشرين هبطت مكانة الصحيفة، وتوقفت عن الظهور حتى عام 1992، حيث عادت في ذلك العام.

ومع مرور الوقت بدأت صحيفة “شارلي إيبدو” تصبح أكثر تماهيا مع الخطّ المعادي للإسلام والذي ميّز بعض الشرائح من الشعب الفرنسي في العقد الأخير. كان محرّر الصحيفة، فيليب فال، من أكبر المؤيدين للقانون الذي حظر على النساء المسلمات ارتداء الحجاب في المدارس العامة.

على هذه الخلفية، بعد سنوات قليلة من ترك فال لوظيفته، نشرت الصحيفة في شهر أيلول عام 2012 الكاريكاتير الذي أثار غضب الكثير من المسلمين في فرنسا والعالم والذي سخر من النبي محمد، وعرضه كمعاق على كرسيّ متحرّك يتم دفعه من قبل يهودي.

في أعقاب ذلك النشر، أغلقت فرنسا وأخلت يوم الجمعة الذي تلا ذلك ممثّليّاتها في 20 دولة على خلفية الخشية من موجة احتجاجات للمسلمين بعد الصلوات في المساجد. أعلنت وزارة الخارجية في باريس بأنّه ولأسباب تتعلّق بالحذر، سيتم إغلاق المراكز الثقافية الفرنسية ومدارسها في تلك الدول.

“نحن هنا في النظام معتادون على ذلك، فهذا يحدث من وقت لآخر بسبب طابع الصحيفة، التي تحاول عرض الجانب المضحك والساخر من الأحداث الجارية”، هذا ما قالته في ذلك الوقت زينب العزاوي، إحدى محرّرات الصحيفة، من أصول مغربية.
وأعرب رئيس الحكومة الفرنسية، جان مارك أيرولت، عن استيائه من النشر الكاريكاتوري ولكنه أكّد أنّ في فرنسا هناك حرية تعبير.‎ ‎ووجّه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، انتقادات لقرار الصحيفة الأسبوعية بنشر الكاريكاتير وأمر بزيادة الأمن في ممثّليّات فرنسا في العالم.

لم تردع تلك الموجة من العنف هيئة تحرير “شارلي إيبدو”. فقد نشرت في الأسبوع الماضي في الصحيفة كاريكاتيرا يظهر فيه قاطع رؤوس جهادي بأسلوب تنظيم داعش وهو يقطع عنق النبي محمد. وتظهر كتابة بجوار النبي محمد: “أيها الأبله، أنا النبي محمد”، وكُتب بجوار الجهادي: “اصمت أيها الخائن”.

مسلحان يهاجمان مقر الصحيفة التي نشرت الرسوم الساخرة من النبي محمد (AFP PHOTO / PHILIPPE DUPEYRAT)
مسلحان يهاجمان مقر الصحيفة التي نشرت الرسوم الساخرة من النبي محمد (AFP PHOTO / PHILIPPE DUPEYRAT)

وقال شهود عيان من ساحة جريمة القتل اليوم إنّهم سمعوا المسلّحين يصرخون بأنّهم ينتقمون باسم النبي محمد وصاحوا “الله أكبر”. يبدو ذلك هو الثمن الأفظع الذي يدفعه أولئك الذين لم يرغبوا بالحدّ من حرّية تعبيرهم.

اقرأوا المزيد: 450 كلمة
عرض أقل