زهرة الفاسية

الشاعر ايرز بيطون (Moshe Shai/FLASH90)
الشاعر ايرز بيطون (Moshe Shai/FLASH90)

الشاعر الإسرائيلي المغربي يحظى بالتكريم الأعلى

وُلد إيرز بيطون في شمال إفريقيا باسم يعيش، فقد بصره ويده بعبوة ناسفة، وأصبح الصوت العالي والأكثر دقة للشعر الشرقي في دولة إسرائيل. في الشهر القادم سيتمّ منحه جائزة إسرائيل

أعلنت لجنة جائزة إسرائيل، أمس، أنّ الشاعر الإسرائيلي إيرز بيطون هو الذي سيفوز بجائزة مجال الأدب والشعر لعام 2015. ويتم منح جائزة إسرائيل كل عام في يوم الاستقلال الإسرائيلي، وتُعتبر أعلى وسام تمنحه الدولة مقابل إنجازات استثنائية في مجالات العلوم، التربية، الثقافة والفنون.

كان شعر إيرز بيطون بدرجة كبيرة صوت اليهود المهاجرين من الدول الإسلامية في إسرائيل. لقد كان أول من عبّر بالشعر عن ضائقة هؤلاء اليهود، الذين حملوا معهم الخلفية الثقافية الهائلة للبلدان العربية، وتم استبعادهم من قبل اليهود المهاجرين من أوروبا. وقد شقّ شعر بيطون الطريق أيضًا للثقافة الشرقية المضطهدة في إسرائيل.

لقد وُلد باسم يعيش، لأنّ كلا أخويه اللذين يكبرانه توفّيا قبل ولادته، عام 1942

وتُعتبر قصة حياة بيطون موضوعًا رائعا بحدّ ذاته. لقد وُلد باسم يعيش، لأنّ كلا أخويه اللذين يكبرانه توفّيا قبل ولادته، عام 1942. “أعتقد أنّ يعيش هو الطفل الذي ما زال يعيش في داخلي”، كما قال بيطون في مقابلة مع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية قبل عامين. وُلد في مدينة وهران في الجزائر، والتي كانت تحت الحكم الفرنسي، ولكن كلا والديه كانا من مواليد المغرب.

هاجر بيطون عام 1948 مع أسرته إلى إسرائيل، ولكنّ التغيير الأكبر في حياته حدث بعد مرور نحو ثلاثة أعوام، عندما فقد بصره وقُطعت يده لدى إصابته بعبوّة ناسفة وضعتْ قرب منزله في مدينة اللّد. ومنذ ذلك الحين، رافق العمى حياة بيطون، الذي كتب في إحدى قصائده: “في كلّ رجل أعمى مزروعٌ حصان جامح يسعى إلى العدو إلى مسافات”.

“في كلّ رجل أعمى مزروعٌ حصان جامح يسعى إلى العدو إلى مسافات”

تعلّم بيطون العمل الاجتماعي وعلم النفس من أجل الابتعاد عن ضائقته القاسية، ومن أجل الخروج من دور الضحية والدخول في دور المساعد والمساهم. قال في المقابلة إنّه أراد التوقف عن أن يكون شخصا يتلقّى المساعدة، وأن يصبح شخصا يقدّم المساعدة. وقد التقى في دوره هذا بزهرة الفاسية، وهي يهودية مغربية كانت واحدة من المطربات الأكثر شهرة في المغرب، بل وغنّت أمام الملك. عندما جاءت إلى إسرائيل، عاشت ألفسيا كفقيرة مقموعة، وتم نسيان أيام مجدها. كتب عنها بيطون قصيدته الأكثر شهرة، والتي تصف غروب ألفسيا منذ أيام مجدها.

“يقال إنّها عندما غنّت قاتل الجنود بالسكاكين لشقّ الطريق بجموعهم، للوصول إلى حافات فستانها، لتقبيل أطراف أصابعها… ويمكن اليوم العثور عليها في أشكلون، بالقرب من مكتب الرفاه، رائحة الأغاني في علب السردين على طاولة مهتزّة بثلاثة أرجل”

كان ديوان شعره الأول، “هدية مغربية”، رائدًا والأول من نوعه. لقد شقّ مسارا جديدا في الشعر في إسرائيل، شعر جديد وقديم في آنٍ معًا، شعر الشوق إلى الشرق، والذي من جهة يستمر في تقاليد الأجيال القديمة، ومن جهة أخرى يبكي على خراب منزل الأسرة التي جاءت من المغرب إلى إسرائيل وفقدت أصولها الثقافية. بعد ذلك أصدر بيطون أربعة دواوين شعرية أخرى، والتي واصلت الطريق وحظيت بالكثير من المعجبين، والذين كان بيطون يتحدّث باسمهم.

اقرأوا المزيد: 429 كلمة
عرض أقل

المطربات اليهوديات العربيات يحظينَ بأمسية تحية

تعرفت إلى اسم ليلى مراد حينما كنت لا أزال طفلًا. كانت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي تبث أمسية كل يوم جمعة فيلمًا عربيًّا، كثيرا ما كان من أفلام النجمة المصرية ليلى مراد

03 يونيو 2013 | 17:21

أفلام بالأسود والأبيض كانت المطربة – الممثلة إحدى نجومها، إلى جانب نخبة من الممثلين المصريين بدءًا بالنجم عبد الوهاب وانتهاءً بفريد شوقي والكوميدي إسماعيل ياسين. اكتشفتُ لاحقًا أنه قبل إسلامها، كانت مراد ابنة عائلة يهودية ترعرعت في الإسكندرية، وأنها كانت نجمة من نجمات يهوديات عديدات اعتلين المنابر وتصدرنَ المشهد السينمائي والغنائي الشرقي في الدول العربية.

لا يزال يُنظَر إلى المطربات اليهوديات – العربيات في العالم العربي كبطلات ثقافيات جديرات بالمجد العالمي، لكنّ قلائل في إسرائيل يعرفون أسماءهنّ. يلقي الحفل الموسيقي في مهرجان “قلبي في الشرق”، الذي خُصّص نهاية الأسبوع الماضي لمطربات يهوديات – عربيات بارزات، أمثال ليلى مراد، زُهرة الفاسية، لين مونتي، وريموند أبو قسيس، ضوءًا على أولئك المجهولات اللواتي ألهبنَ المسارح في الجزائر، تونس، الدار البيضاء، بغداد، القاهرة، باريس، وبرلين. بتسريحة كاريه جريئة قياسًا لعصرهنّ، مع سيجارة دقيقة بيدهنّ، تُعدّ هؤلاء بين متصدرات المشهد الموسيقي والثقافي في بلادهنّ، بل حتى نجمات عالميات.

في المحادثة التي أجريناها مع مخرجة المهرجان والمديرة التربوية للجوقة الأندلسية –المتوسطية، شيرة أوحايون، حاولنا أن نفهم لماذا لم تحظّ هؤلاء النجمات بالتقدير في إسرائيل تحديدًا، إلى درجة أنّ بعضهنّ لم يتمكنّ من إعالة أنفسهنّ من فنهنّ: ” ثمة تقسيم واضح للموارد في إسرائيل في المجال الفني. تنفق الحكومة، التي تهتم بالحفاظ على التراث في مجال الثقافة والتربية، نحو 91% من الميزانيات على الفرق الموسيقية الغربية الكلاسيكية، 1% على الجوقة العربية الكلاسيكية في الناصرة، و 8% مقسمة على باقي الفرق الموسيقية الشرقية. الصورة معقدة أكثر من ذلك بالطبع. تنبع معلوماتنا عن اليهود في البلدان الإسلامية ( يبلغ تعداد المغربيين نحو مليون شخص، 1/8 من عدد سكان إسرائيل) من القوالب النمطية الصهيونية، التي تحدثت عن استيعاب عبر العصرنة، وصوّرت اليهود العرب على أنهم دون جذور”.

سمعت أوحايون عن المطربات الكبيرات القديمات من أبيها، المولود في المغرب، وقررت أن تجري بحثا حول غياب المطربات اليهوديات العربيات عن المشهد الفني في إسرائيل. اكتشفت رويدًا رويدًا أن المطربات اليهوديات برزنَ في البلدان العربية تحديدا، وحظين بمكانة محترمة. لماذا برزت مطربات يهوديات تحديدا بين رائدات الغناء العربي الحديث؟ وما سر كونهن مترسخات في الذاكرة الجماعية في المغرب وبلدان أخرى، حيث يحظين بالتقدير حتى يومنا هذا – فيما لم يسمع بهن معظم الإسرائيليين إطلاقًا؟ “فاجأني أنا أيضا الاكتشاف أنه بين الأكثر نجاحًا وشهرةً في الغناء العربي الكلاسيكي، إلى جانب فايزة أحمد وأم كلثوم، هناك العديد من المطربات اليهوديات. تساءلتُ لماذا يهوديات تحديدًا، حيث يُعرف يهود شمال أفريقيا بكونهم محافظين. يتبين أنهم مروا بعملية علمنة سريعة بدءًا من عشرينات القرن الماضي، وربطتهم علاقات وثيقة بالاستعمار الفرنسي، البريطاني، والإيطالي في بلادهم. كان لهذه الأحداث تأثيرها في مكانة المرأة. فقد بدأت النساء تتعلم، وارتفع جيل الزواج في القانون. عزز ازدهار الاستعمار في تلك السنوات المكانة الاقتصادية لليهود، الذين كان الكثير منهم تُجّارًا ونسجوا علاقات وراء البحار، وزاد الانفتاح على أفكار جديدة”.

في هذا الجو من اندماج الثقافات واللغات، ازدهرت المطربات الكبيرات – حيث أدى نجاحهن وحفلاتهن في أوروبا إلى تعرضهن للأفكار النسوية لتلك الفترة”، تُخبر أوحايون. فعلى سبيل المثال، نموذج La Garçonne – المظهر الشبابي الحديث. وتابعت أوحايون: “هذه قاعدة لباس ثنائية الجنس، امرأة لديها بعض الرجولة. فجأةً، بدأت النساء بالتدخين أيضًا. يعود ذلك طبعًا إلى رد الفعل الاجتماعي الذي حل بعد الحرب العالمية الأولى، وإلى تعزيز مكانة المرأة إثرها”. تخبر أوحايون عن جدتها، والدة أبيها، مثلا: “كانت مصممة أزياء تُرى في صورها كنساء برلين في الثلاثينات تمامًا. لم تكن ملتزمة بالتقاليد أبدا، كانت بوهيمية. كانت تقيم الحفلات، ويروي البعض أنه كان لديها معمل تقطير في قبو المنزل. وكانت هناك، من جهة أخرى، الجدة الثانية، امرأة تقليدية، مع المنديل – المغربي”، تقول بابتسامة. إحدى الشخصيات المثيرة التي يحتفل بها المهرجان هي حبيبة مسيكة. ممثلة، مطربة، وراقصة لم تقتصر نجوميتها على تونس والعالم العربي، بل أحرزت نجاحا عالميا. “نشأت لدى خالتها، التي كانت مغنية أيضا. تأثر أفراد أسرتها جدا بالحضارة الفرنسية، تحدثوا الفرنسية، وكانت على اطلاع على الأزياء الباريسية. كان ارتداء النساء للسروال (البنطلون) تحديثا جريئا في تلك الفترة. اتبعت مسيكة هذا النموذج. على سبيل المثال، ظهرت على المسرح بشخصية جندي”، تروي أوحايون، “ولم يكن ذلك مقبولا أبدا. امرأة ترتدي السروال، امرأة بزي جندي. ويهودية”.

 

المديرة التربوية للجوقة الأندلسية –المتوسطية، شيرة أوحايون
المديرة التربوية للجوقة الأندلسية –المتوسطية، شيرة أوحايون

نجمة بارزة أخرى كانت ليلى مراد، ابنة عائلة يهودية شهيرة مؤلفة من مرنمين ومرتلين. “بالنسبة للمصريين، هي مصرية بالتأكيد، أيقونة ثقافية، إلى جانب نجمتَي الطرب العربي العملاقتَين، أم كلثوم وأسمهان”، تقول أوحايون.

بالمقابل، تبرأت الجالية اليهودية من مراد بعد أن اعتنقت الإسلام إثر زواجها بالممثل الشهير أنور وجدي. وقد حظيت نجمات يهوديات أخريات في السينما والمسرح المصريَين – مثل راقية إبراهيم، وكاميليا – باعتراف مؤسساتي وجماهيري رغم التصاقهنّ بيهوديتهنَ وتماثل البعض منهنّ مع دولة إسرائيل والصهيونية.

أما اليوم، تشدد أوحايون، فالنساء اليهوديات الشرقيات يجري احتقارهن وإهانتهن مرتَين: مرة من المجتمع الإسرائيلي المبني على إلغاء الشرق عامةً والعروبة خاصةً، ومرة أخرى من الرجال الشرقيين، الذين يستخدمون تبريرات دينية أو سواها لتنحيتهنّ عن الحقل الثقافي والغنائي، على نقيض تام مما كان يجري في بلادهم الأصلية.

نجح مهرجان “قلبي في الشرق”، الذي يهدف إلى تكريم ثقافة ونجاح المطربات العربيات اليهوديات، في أن يجمع حوله عددًا لا بأس به من الشبان والبالغين من أطياف المجتمع الإسرائيلي كافةً لحضور أمسيات شعرية، ثقافية، وحوارية تتمحور حول عظمة الحضارة الشرقية وعظمة المطربات اليهوديات العربيات. وقد زينت بصوتها إحدى الأمسيات الأخيرة في المهرجان ريموند أبو قسيس (70)، آخرة من تبقى من ذاك الجيل، والتي ظهرت مع الجوقة الأندلسية المتوسطية، وغنت خيرة أغانيها بالمغربية. وفي مُقابلة خاصة (تُنشر قريبًا)، تخبرنا أبو قسيس: “لن تنقطع بسهولة سلالة المطربات اليهوديات – العربيات. تعود مغنيات إسرائيليات شابات، لم ينشأنَ على الموسيقى العربية، إلى الجذور اليوم. انظروا مثلا إلى ساريت حداد وزهافا بين اللتَين تغنيان بالعربية إلى جانب العبرية. كان هذا عارا يومًا ما، لكنه اليوم سبب لفخر عظيم”.

اقرأوا المزيد: 876 كلمة
عرض أقل