إسماعيل هنية وعبد الفتاح السيسي (Flash 90/AFP)
إسماعيل هنية وعبد الفتاح السيسي (Flash 90/AFP)

كيف على إسرائيل التعامل مع “الصفحة الجديدة” للعلاقات بين مصر وحماس؟

إن التحول البادي في الآونة الأخيرة في العلاقات بين مصر وحماس ناتج عن التقاء المصالح المتبادلة لكلا الجانبين في المجالات الأمنية والسياسية

من دون عقد مراسم رسمية وبعيدا عن وسائل الإعلام، توصلت مصر وحماس في مستهلّ عام 2017 إلى عدد من التفاهمات الأمنية، السياسية، والاقتصادية، تهدف إلى تشكيل أساس لتحسين العلاقات بينهما. زارت بعثة تابعة لحماس برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، وعضوَي المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى، في نهاية شهر كانون الثاني القاهرة لبضعة أيام، التقت خلالها بجهات أمنية مصرية، أهمها رئيس الاستخبارات المصري، اللواء خالد فوزي. كما وزارت بعثة أمنية تابعة لحماس، تضمنت ممثلا قياديا عن الجناح العسكري “عز الدين القسام” مصر أيضا في بداية شهر شباط. كانت زيارات البعثات الرسمية ذروة تخمينات غير رسمية في شهرّي تشرين الأول وتشرين الثاني عام 2016، وتضمنت زيارات لشخصيات إعلامية، أكاديميّة، ورجال أعمال من غزة ومصر.

وفق تقارير صحفية، وافقت البثعة السياسية على مطالب القاهرة فيما يتعلق بمنع تهريب الأسلحة وحظر تسلل المقاتلين عبر الحدود بين غزة وسيناء ومنع استخدام جهات جهادية متطرفة في غزة أساسا للتخطيط لهجمات ضد قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. أكدت حماس في بيان لها أنها تحرص على “عدم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية”، ملمحة إلى التزامها بعدم اتخاذ موقف في النزاع بين نظام السيسي وحركة الأم – الإخوان المسلمين. تطرقت المحادثات بين الجانبَين أيضًا إلى قائمة المطلوبين التي نقلتها مصر إلى حماس، ترتيب تدابير متفق عليها لفتح معبر رفح، توسيع علاقات التجارة بين مصر وغزة، وقف الهجوم الإعلامي، وإلى الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل، وبين حماس وفتح.

التقاء مصالح متبادلة

منذ تموز 2013، مع إطاحة الجيش المصري الرئيس المصري المنتمي للإخوان المسلمين، محمد مرسي، ساد توتر حاد بين حماس ونظام الحكم في مصر ولم تجرَ لقاءات رفيعة المستوى بين الجانبَين. كان من الصعب على حماس الحفاظ على علاقاتها مع مصر بسبب هويتها المنظماتية بصفتها ذراعا فلسطينيا للإخوان المسلمين وبسبب العلاقات الفكرية والعملية بين جهات في الحركة وبين الإخوان المسلمين في مصر وجماعات سلفية جهادية في شبه جزيرة سيناء. نظرت مصر من جهتها، إلى الحركة بصفتها “جناحا عسكريا” غير رسمي للإخوان المسلمين في مصر واتهمتها بالتعاون مع الإرهاب في الدولة، ومن ضمن ذلك تورطها في تموز 2015 باغتيال النائب العام المصري، هشام بركات. إن التحوّل البادي في الآونة الأخيرة في العلاقات بين مصر وحماس ناتج عن التقاء المصالح المتبادلة لكلا الجانبين في مجالات مختلفة:‎ ‎

أمنيا – اعترفت مصر – التي خسرت مئات الجنود في سيناء – بأهمية التعاون مع حماس للحسم في نزاعها ضد ذراع “الدولة الإسلامية” في سيناء، الذي يستخدم غزة مقرا للتدريبات ومصدرا ثنائي الاتجاه لتهريب وسائل قتاليّة، مقاتلين، وجرحى. حماس من جهتها، معنية أيضا بحظر العلاقات بين جهات سلفية جهادية تسعى إلى تقويض صلاحيتها في غزة وبين شركاء أيديولوجيين في سيناء.

الجيش المصري يكشف عن انفاق التهريب في منطقة رفح (AFP)
الجيش المصري يكشف عن انفاق التهريب في منطقة رفح (AFP)

سياسيا – مصر معنية بتعزيز مكانتها كجهة إقليمية مُسيطرة في قطاع غزة، قادرة على توحيد صفوق الفلسطينيين وتحضير الأرضية لاستئناف عملية السلام. تعتقد القاهرة أنه من الأفضل فحص إمكانية التوصل إلى تفاهمات متبادلة مع حماس، بدلا من إدارة نزاع صفري مقابل الحركة الذي قد يدفعها إلى حضن خصوم إقليمي مثل تركيا، قطر، وإيران، وتحديد دورها كجهة تسعى إلى دعم الإخوان المسلمين في مصر وتشكل فشلا في التسوية السياسية مع إسرائيل. هذا إضافة إلى أن مصر معنية بعرض نفسها كوسيط مقبول في محادثات التسوية الداخلية الفلسطينية بين حماس وفتح، وفي حالات الأزمة، وصفقات تبادل الأسرى المستقبلية بين حماس وإسرائيل. وفق رؤيتها، سترفع هذه الأدوار من شأنها إقليميا ودوليا بصفتها تعمل على إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، وستجعلها تحتفظ بأوراق ذات أهمية أمام الإدارة الأمريكية الجديدة. من جهة حماس، فإن محاولاتها لتخطي مصر بمساعدة الرعاة الإقليميين الآخرين قد فشلت حتى الآن لأن نقل المساعدة إلى القطاع منوط بالتعاون مع مصر. لم يثبت هؤلاء الرعاة أيضا أنفسهم كوسطاء ناجعين بينها وبين إسرائيل، الذين قد يشكلون بديلا لمصر.

هناك سبب سياسي آخر للتقارب بين كلا الجانبين يتعلق بالأزمة التي طرأت في الأشهر الأخيرة بين القاهرة ورام الله إثر دفء العلاقات بين السلطة الفلسطينية، قطر، وتركيا، وعدم استعداد محمود عباس دمج محمد دحلان، المقرّب من مصر، في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. هذه هي الحال أيضا من جهة حماس: إن حلف المصالح بينها وبين دحلان – الذي يشكل معارضة لقيادة عباس في السلطة الفلسطينية – يشكل أرضية مريحة للحوار مع مصر.

اقتصاديا – تُظهر مصر انفتاحا كبيرا مقارنة بالماضي لتوسيع العلاقات التجارية مع قطاع غزة، خطوة من شأنها أن تساعد القبائل في سيناء، التي تضررت في أعقاب سد أنفاق التهريب إلى غزة. إن تنظيم حركة نقل البضاعة بشكل شرعي عبر معبر رفح سيساهم في التخفيف عن الضائقة الاقتصادية في الجانب المصري وسيساعد على وقوف السكان إلى جانب النظام في النزاع ضد ذراع الدولة الإسلامية في سيناء. في المقابل، هناك مصالح اقتصادية لدى حماس أيضا لتحسين العلاقات مع مصر لأن المعبر الحدودي القانوني في رفح يشكل منفذا وحيدا لقطاع غزة إلى العالم الخارجي الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، لا سيما- بعد الضرر الذي لحق بأنفاق التهريب التي استخدمتها حماس لأهداف اقتصادية ومدنية.

معبر رفح (Rahim Khatib/Flash90)
معبر رفح (Rahim Khatib/Flash90)

شعبيا – تأمل مصر أن يؤدي تحسُّن علاقاتها مع حماس إلى تحسين شرعية النظام المصري في الرأي العام المصري خاصة والعربي عامة. إن تنظيم فتح معبر رفح سيسحب السجادة من تحت أقدام متهمي مصر بالتعاون مع إسرائيل في الحصار على غزة وتجاهلها الضائقة الإنسانية الفلسطينية. كذلك سيشكل تحسين العلاقات بين حماس ومصر وفتح معبر رفح إنجازا لحماس، يمكنها أن تلوح به أمام الرأي العام الداخلي.

تعود التفاهمات المتبلورة بين مصر وحماس إلى المصالح المشتركة ومصادر الضغط، والترهيب المتبادلة. تعرب هذه التفاهمات عن براغماتية سياسية ملائمة للوقت الراهن، ولكن لا يمكن تفسيرها في هذه المرحلة كتغيير استراتيجي جذري لدى أي من الجانبين: لا يخفف التعاون المصري المتساهل تجاه حماس من النزاع الذي يديره النظام المصري ضد الإخوان المسلمين؛ وفي الوقت ذاته، فإن مصادقة حماس على جزء من الدعاوى الأمنية المصرية لا تشكل تراجعا عن التزامها الأساسي بالنزاع ضد إسرائيل وعن المبادئ الايدلوجية لجماعة الإخوان المسلمين.

اختبار العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر‎ ‎

ألرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFPFlash90)
ألرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFPFlash90)

إسرائيليا – إن التحوّل في العلاقات بين مصر وحماس يشكل اختبارا هاما للتنسيق الأمني الذي تقدم في السنوات الماضية بين إسرائيل ومصر على خلفية مواجهتهما المشتركة لتحديات الإرهاب في سيناء وغزة. في إطار هذا التنسيق، على إسرائيل أن تتأكد أن التفاهمات الأمنية المتبلورة بين مصر وحماس لن تُبقي أمام حماس منفذا “شرعيا” لتهريب الأسلحة، من خلال تجاهل مصري علني أو خفي لزيادة قوتها ضد إسرائيل. لمنع عودة عدم القدرة التي ميزت نزاع نظام مبارك ضد أنفاق التهريب، على إسرائيل أن توضح للقاهرة الفشل المخطط والخطير من جهة مصر أيضا والكامن في كل تسوية تمنح حماس تسهيلات على حساب أمن إسرائيل وألا تتطرق إلى مكافحة الإرهاب في سيناء وغزة كمجمل مدمج.

في الوقت ذاته، إذا استوفت التفاهمات بين مصر وحماس الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، قد تخدم مصالحها لعدة أسباب: أولا، التخفيف عن الضائقة الإنسانية في قطاع غزة التي قد تصل إلى إسرائيل، وفي حال استمرت قد تشكل وقودا لجولة قتال عسكرية جديدة ضد حماس؛ ثانيا، تقويض العلاقات المتبادلة بين حماس وجهات سلفية جهادية في سيناء تشكل تهديدا محتملا على أمن إسرائيل وعائقا أمام جهود مصر لتحقيق الاستقرار الأمني الداخلي وتحسين الوضع الاقتصادي؛ ثالثا، إن تعزير علاقات تعلق حماس بمصر سيقلل دافعية حماس نحو جولة قتال عسكرية ضد إسرائيل، وسيعزز مكانة مصر بصفتها وسيطا ناجحا قادرا على إنهاء أزمات مستقبلية بين حماس وإسرائيل بسرعة.

للإجمال، إن موقف إسرائيل فيما يتعلق بالتفاهمات بين مصر وحماس يجب أن يُتخذ بناء على جودة المنظومة الأمنية التي ستُبلور في إطارها. إضافة إلى ذلك، يجدر بإسرائيل والقاهرة أن تستغلا الفرصة لإدارة حوار استراتيجي يهدف إلى بلورة تفاهمات طويلة الأمد حول مستقبل قطاع غزة بهدف تصميم واقع جديد يخدم مصالح كلا الدولتين. تتيح الضائقة الكبيرة التي تواجهها حماس الآن في الداخل والخارج أيضا، لإسرائيل ومصر أن تدفعا حماس نحو اختيار براغماتية سياسية مقابل إعادة إعمار اقتصادي من جهة، وبين التمسك بالنزاع العنيف الذي يعني زيادة عزلة القطاع من جهة أخرى.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 1206 كلمة
عرض أقل
يحيى السنوار
يحيى السنوار

إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن يحيى السنوار

خنقَ "متعاونين" بنفسه مستخدما كوفية كانت على رقبته، مُلِمّ بتاريخ الشعب اليهودي، مُتحدّث العبريّة بطلاقة، ويعتبر الرجل الأقوى في قطاع غزة

يحيى السنوار، الزعيم الجديد لحماس في قطاع غزة هو من مؤسسي الحركة. كان مسجونا لسنوات بعد أن بدأ نشاطه في حماس، وكان متهما بقتل أربعة أشخاص.

تشير اعترافاته في التحقيقات معه في إسرائيل، التي كُشف عنها في موقع الأخبار الإسرائيلي “والاه” إلى أن السنوار قتل بنفسه، مستخدما كوفية، مَن كان متهما بالتعاون مع إسرائيل بعد أن اضطر إلى “الاعتراف” بذلك بعد التعرّض للتعذيبات.

“ربطتُ عينيه بخرقة لئلا يرى إلى أين نسافر. أدخلت رسمي إلى قبر كبير داخل المقبرة… وعندها خنقته مستخدما كوفية كانت معي..”، قال السنوار في أحد التحقيقات معه في إسرائيل. “رسمي” الذي ورد اسمه في التحقيق مع السنوار هو رسمي سليم من سكان قطاع غزة الذي قُتِل عام 1987. كان يعتبر سليم في نظر السنوار متعاونا مع إسرائيل و “كافرا وفق الدين الإسلامي”.

منذ عام 1987 انضم السنوار إلى منظمة “المجد” التي أقامها ياسين، وعمل ضدّ المتعاونين مع إسرائيل، وضد الكفار وفق الدين الإسلامي”. في إطار نشاط التنظيم الجديد، حرق النشطاء دكاكين لبيع الكحول أو لبيع مواد إباحية وحتى أنهم وضعوا عبوة ناسفة قريبا من مستشفى الشفاء في غزة.

في النهاية، اعتقلت إسرائيل السنوار وحكمت عليه بالسجن بأربعة أحكام مؤبدة، بعد إدانته بقتل المتعاونين.

تحدث السنوار أثناء التحقيق معه عن “معلومات” وصلت إليه عن “متعاونين” مع إسرائيل. وصلت معلومات كهذه عن عدنان عصفور من سكان غزة، الذي اختطفه السنوار ورجاله مهددينه بالسلاح. “اعترف” عصفور بعد أن تعرض للتعذيب بعلاقته مع الاستخبارات الإسرائيلية. قتل السنوار عصفور بنفسه هذه المرة أيضا مستخدما الكوفية.

في عام 1989، بعد أن كان السنوار متهما بقتل 4 أشخاص، قررت الخدمات الأمنية في إسرائيل هدم منزل العائلة. قدّم والد السنوار التماسا إلى محكمة العدل العليا ضد قرار الهدم، إلا أن المحكمة رفضت طلبه. بعد مرور 22 عاما، أطلِق سراح السنوار في إطار صفقة شاليط.

حياة السنوار في السجن الإسرائيلي

في عام 2005، تعرض السنوار لسكتة دماغية فمكث في مستشفى سوروكا في بئر السبع. تعلم لاحقا للقب الأوّل في تاريخ الشعب الإسرائيلي في الجامعة المفتوحة، وهكذا تعلم العبريّة، التي يجيدها قراءة وكتابة.

قال السنوار إنه مُصنّف كصاحب رتبة “لِواء” في السلطة الفلسطينية وفق سنوات سجنه، ولذا فإن أجره الشهري عال نسبيًّا- 12 ألف شاقل، أي ما يعادل 3000 دولار، وهو مبلغ يطمح الكثيرون من سكان غزة للحصول عليه. في إطار عمله كممثل السجناء التقى مع ممثلين مسؤولين إسرائيليين ومن بينهم رئيسَ الشاباك، حينذاك، يوفال ديسكين. كانت هناك رقابة مشددة على السنوار من قبل سلطات الأمن عندما كان مسجونا. “كانت تفحص الوحدات المعتبرة في مصلحة السجون أغراضي كل أسبوع”، قال السنوار.

يمكن أن نتعلم من شهاداته عن أهمية مكانته في المجتمع الفلسطيني. “تنقل السلطة الفلسطينية بمساعدة وزارة شؤون السجين أموالا كثيرة بطرق مختلفة إلى سجناء فتح وحماس في غزة أيضا. هناك إجماع بين التنظيمات حول هذه القضية يتعدى النزاعات والحروب”، قال في شهادته.

إن تقدمه السريع نحو النخبة في غزة في الفترة التي مرت منذ إطلاق سراحه في صفقة شاليط، تشير إلى أن مكانته في فترة سجنه في إسرائيل (22 عاما) لم تتضرر. في هذه الفترة القصيرة، نجح السنوار في تخطي الكثير من القيادين في حماس الذين حققوا سيرة ذاتية ناجحة في التنظيم. في وقت باكر نسبيًّا، أدرج مسؤولون في واشنطن اسميّ السنوار وصديقه روحي مشتهى، المسؤول عن ملف السجناء في غزة، في قائمة المطلوبين في الولايات المتحدة.

تم اختيار السنوار الآن ليكون قائدا لحماس في غزة خلفا لإسماعيل هنية. سيشغل هذا المنصب في الأشهر القادمة. حصل السنوار على الأصوات من الناخبين الشباب في حماس تحديدا، في الانتخابات السرية التي تُجرى في الحركة في هذه الأيام. يمنحه هذا التعيين تصريحا رسميًّا.

منذ زمن يعتبر السنوار زعيما حقيقيا في قطاع غزة. يعرف كل نشطاء حماس مَن هو السنوار وأنه يُستحسن عدم التشاجر معه: يشهد على ذلك أبناء عائلة ضابط كتيبة حي الزيتون في حماس، محمود اشتوي، الذي قُتل قبل سنة في إطار صراع القوة بينه وبين السنوار.

السنوار عام 2006: “لسنا قادرين على تدمير إسرائيل”

اقرأوا المزيد: 593 كلمة
عرض أقل