ذكرى اللاجئين اليهود من الدول العربية

يهود اليمن يغادرون عدن
يهود اليمن يغادرون عدن

نكبة اليهود الشرقيين

أكثر من 800 ألف يهودي تمّ طرده أو اضطرّ لترك دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الاضطهاد. يتزايد الاتجاه الذي يعترف بهم كلاجئين

لقد عبّأوا حقيبة واحدة بأثمن ما يملكونه، غادروا في جوف الليل، أو طُردوا بعنف وتحت الاضطهاد والتهديدات. عندما بدأ يهود الدول العربية وإفريقيا بالوصول إلى إسرائيل بالثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين كانوا يعتبرون “قادمين” وصلوا إلى إسرائيل من أجل الصهيونية، ولكن، هم في الحقيقة لاجئين بكل معنى الكلمة.

لا يعرف الكثيرون ذلك، ولكن تم طرد أو فرار أكثر من 800 ألف يهودي عاش في الدول العربيّة بسبب الاضطهاد. في حرب عام 1948، في الوقت الذي فرّ فيه مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قاصدين الدول العربية في ما يعرف بالوطنية الفلسطينية بـ النكبة، فرّ مئات الآلاف من اليهود إلى الاتجاه المعاكس تمامًا.

عام 1948 كان في الشرق الأوسط أكثر من 800 ألف يهودي. اليوم، في جميع الدول العربيّة يعيش أقلّ من 5,000 يهودي

بين عامي 1944 و 1964، وصل اليهود من سوريا، العراق، اليمن، مصر، المغرب، الجزائر، تونس وغيرها إلى إسرائيل كملاذ أخير، بعد أن أجبِروا على أن يتركوا وراءهم منازلهم، حياتهم، تراثهم، وفي الواقع، بلدان منشأهم.

تاريخيًّا، سكن اليهود في أنحاء الشرق الأوسط منذ السبي البابلي (قبل نحو 2500 عام) وفي شمال إفريقيا منذ العصر الروماني (أقلّ من ألفين عام بقليل). في فترة الاحتلال العربي سكن في المنطقة معظم اليهود في العالم. ومنذ ذلك الحين انتقل مركز العالم اليهودي إلى أوروبا الشرقية، بسبب الهجرة، إسلام اليهود والتنصير في أوروبا. في عام 1940، عاش نحو 16 مليون يهودي في العالم، وفقط 5% منهم، 800 ألف، كانوا في البلدان العربية.

زفاف يهودي في حلب، عام 1914
زفاف يهودي في حلب، عام 1914

تغيّرت أوضاع اليهود في البلدان العربية بين العصور والمناطق: ففي أحيان اندمجوا مع المجتمع وحظوا بمكانة عالية، وفي أحيان أخرى فُرضت عليهم القيود، ومن حين لآخر كانت هناك مذابح واضطهاد.  كتب الأشخاص الذين زاروا العراق في القرن التاسع عشر أنّ اليهود يسيّطرون على الاقتصاد، وكانت الأسواق تُغلق يوم السبت بل وشغل اليهود مناصب حكومية. حين تم إنشاء مهن مثل المحاماة، برز اليهود فيها أيضًا. في سوريا، كان المسلمون أكثر تشدّدًا وفرضوا القيود على اليهود. في شمال إفريقيا، تأرجحت أوضاع اليهود بين الفقر والحياة البسيطة في القرى، حتى كونهم التجار الأكثر موهبة ونضوجًا في المملكة، والذين قدّموا خدماتهم في الديوان الملكي.

في معظم الأحيان، استطاعوا أن يعملوا بما يرغبون، واشتغلوا بشكل أساسيّ في الخياطة، صناعة الأحذية، صناعة الأدوات المعدنية، الأختام، تجارة التوابل، محلات البقّالة، باعة متجوّلون، والتجارة الدولية. وبعض هذه المجالات كانت معروفة كتخصّص حصري لليهود، وكان جيرانهم المسلمون يتوجّهون إليهم في كلّ وقت يطلبون فيه خدماتهم، وأقاموا معهم تجارة ناجحة وحسن الجوار. حتى بدأ كلّ شيء يتغيّر.

مع الوطنية جاءت الكراهية

في القرن التاسع عشر، مرّ العالم العربي بمرحلة الاستعمار: سيّطرت بريطانيا على مصر، وفرنسا على تونس، والجزائر والمغرب، وإيطاليا على ليبيا. بقي كلّ من العراق، سوريا وفلسطين تحت الحكم العثماني، ولكنّها تفكّكت وسيطرت القوى العظمى الغربية عليها بالتدريج، حتى قاموا باحتلالها في الحرب العالمية الأولى.

“اليهود من الدول العربية يمكن أن يشكّلوا نقطة التقاء وجسرًا حضاريًّا بين اليهود الأوروبيين الشرقيين وجيران إسرائيل العرب.‎ ‎ ‎نريد أن تُسمَع قصّتنا وتُشمَل أصواتنا”

في البداية، كان الوضع الجديد لصالح اليهود. لقد أصبحوا وسطاء بين أوروبا والعرب، واستغلوا معرفتهم باللغات وعلاقاتهم مع أوروبا، وحظوا بثقة كلا الطرفين. باعوا للأوروبيين الأقمشة، الخيوط والمنتوجات الزراعية العربية والسلع الغريبة مثل ريش النعام من إفريقيا، واستوردوا من أوروبا الملابس والمنتجات الصناعية.  أصبح الكثير منهم أغنياءً، وخصوصًا في المدن التي تقع على ساحل البحر المتوسّط والعراق.

في البداية، تقبّل المسلمون مشاركة اليهود باحترام. كان ذلك مريحًا لهم. اعتمدوا على اليهود أكثر من بعضهم البعض، وبالطبع أكثر من سائر المحتلّين الأوروبيين. ولكن في القرن العشرين، حين نشأت الوطنيات العربية والصهيونية، انهارت هذه الثقة ببساطة.

بدأ وضع اليهود يتدهور حتى قبل إقامة دولة إسرائيل. في عام 1932 تحوّلت العراق من الانتداب البريطاني لتصبح دولة مستقلّة وبدأت فورًا بتجريد اليهود. لم يتمّ قبولهم في المدارس والجامعات، وأقالوهم من الوظائف بشتّى أنواع الحجج. قاد هذه القرارات القوميّون العرب والمسلمون المتشدّدون. بدأوا بدعاية مفادها أنّه “لا ينبغي أن يسيّطر اليهودي على المسلم”، وخرجوا بشكل خاصّ ضدّ اليهود في المناصب الكبيرة مثل القضاة أو المسؤولين. بدأت الكراهية بالتسرّب.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

الطرد، النهب والاضطهاد

مع تأسيس دولة إسرائيل انجرف العالم العربي في أعمال شغب عنيفة، مجازر ونهب لليهود. شاركت بعض الدول العربية في القتال ضدّ إسرائيل، والتي أصبحت العدوّ الأكبر للقومية العربية. أثارت بعض الحكومات العربية أعمال الشغب والنهب ضدّ اليهود، بل صادرت الحكومة العراقية الممتلكات، كما لو كان الأمر “تعويضًا” عن اللاجئين الفلسطينيين.

عام 1951، وافقت حكومة العراق، بهدوء، على السماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل، وقد هاجر الجميع تقريبًا. بالمقابل، صدر قانون تمّ بموجبه تأميم جميع الممتلكات اليهودية: المنازل، المصانع، السلع، المجوهرات والحسابات المصرفية. سنّ الزعيم المصري، جمال عبد الناصر، قوانين مماثلة بعد حرب السويس. طُرد يهود ليبيا وتمّ تأميم ممتلكاتهم في سنوات الستينات.

لم تؤمّم كلّ من سوريا، تونس والجزائر الممتلكات، ولكن اليهود فرّوامن تلك الدول حين حظيت باستقلالها، وبعد ذلك نهب المسلمون الممتلكات التي خلّفوها وراءهم. هذا ما حدث أيضًا لممتلكات يهود اليمن الذين هاجروا إلى البلاد في عملية البساط السحري. نجح بعض يهود المغرب في الخروج مع أموالهم وممتلكاتهم، وخلّفوا منازلهم وراءهم.

اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)
اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)

هاجر آخرون دون أن يأخذوا أي من أغراضهم، ولا يحملون إلا الملابس التي على أجسادهم. ترك الناس خلفهم في البلاد العربية الفنادق والمنازل الفاخرة، المتاجر، الأقمشة الثمينة، المجوهرات والكثير من سبائك الذهب، وبدأوا حياتهم من جديد في الفقر المدقع.

العدالة التاريخية

وكما هو معلوم، فقد اعتُبِر اليهود الذين أتوا إلى إسرائيل من البلاد العربية في معظمهم كمن أتى برغبته، بدافع الصهيونية وحبّ إسرائيل، كالكثير من سكّانها في السنوات الأولى. في السنوات الأخيرة فقط حدث تغيير في موقف الحكومة الإسرائيلية والجهات الخارجية تجاه خطاب اللجوء: تعترف قرارات رسميّة للحكومة الإسرائيلية من السنوات 2002 و 2003، وكذلك قرار الكونغرس الأمريكي من عام 2008؛ باليهود الذين نزحوا من الدول العربية كلاجئين.

“في الوقت الذي فرّ فيه مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قاصدين الدول العربية في ما يعرف بالوطنية الفلسطينية بـ”النكبة”، فرّ مئات الآلاف من اليهود إلى الاتجاه المعاكس تمامًا.”

تستعد إسرائيل في السنوات الأخيرة لتثمين قيمة الممتلكات، التي تقدّر بمليارات الدولارات، والتي تمّ تأميمها من قبل الدول العربيّة. في شباط 2010، وافق الكنيست على قانون للحفاظ على حقوق التعويض للاجئين اليهود القادمين من الدول العربية. يفصّل القانون أنّ هدفه هو “الحفاظ على حقوق التعويض للاجئين اليهود القادمين من الدول العربية وإيران في إطار مفاوضات من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط”. ينصّ القانون على أنّه “في إطار المفاوضات من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ستدرج الحكومة قضية التعويض عن الخسائر في ممتلكات اللاجئين اليهود القادمين من الدول العربية وإيران، بما في ذلك الممتلكات التي كان المجتمع اليهودي يملكها في تلك البلدان”.

يعتقد بعض المسؤولين الحكوميين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى خبراء حقوق الإنسان والمؤرّخين أنّ هناك تماثلا بين خطاب لجوء اليهود من الدول العربيّة وبين خطاب اللجوء الفلسطيني، ولذلك ينشأ ارتباط بين الاعتراف الدولي بكلا الروايتين وبين الأمل بكلّ حلّ عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي. وغنيّ عن القول، إن القيادة الفلسطينية والدول العربية يرفضون هذا التماثل بشكل تامّ.

زيادة الوعي والحفاظ على التراث

إحدى المشكلات البارزة في قضية لجوء يهود العالم العربي هي عدم وجود الوعي العام حولها.JIMENA، هي منظّمة يهودية – شرقية تمثّل أحرفها الأولى الكلمات “اليهود المولودون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وضعت لها هدفًا وهو نشر هذه الرسالة. بدأت المنظمة في العمل في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول وجاء في تعريفها: “لملأ ثغرة تاريخية في روايات الشرق الأوسط واليهود المتبنّاة، التي تتجاهل بشكلٍ عامّ حضارة وحالة اللاجئين اليهود الـ 850 ألفًا من الدول العربيّة.‎”

النساء اليهوديات في طرابلس، ليبيا (صورة من موقع جيمنا)
النساء اليهوديات في طرابلس، ليبيا (صورة من موقع جيمنا)

بدأت المنظّمة مؤخرًا في تشغيل موقع إنترنت وصفحة فيس بوك باللغة العربية أيضًا، وتوسيع المعلومات أيضًا لمواطني الدول العربية أنفسهم، الذين يجهلون في الغالب تاريخ طرد اليهود من دولهم.‎ ‎إنّهم يعملون لحماية التراث وتوثيقه، يجمع القادة وثقافة يهود العالم العربي، الأدلّة، المقتنيات والصور من اليهود الذين فرّوا. تم تسجيل بعض الشهادات وتصويرها ويمكن مشاهدتها في موقع الإنترنت التابع للمنظّمة.

“ثمة حاجة إلى الاعتراف بخسائر وحضارة جميع مجموعات اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتعامل معها.‎ ‎‎ ‎نريد أن يتبنى العالَم فهمًا أكثر تنوّعًا لمركزية التراث اليهوديّ في تركيب وتاريخ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

هذا ما تقوله إحدى نساء المنظّمة لموقع المصدر. ‎”كان لليهود من الدول العربية والمتحدِّرين منهم حضور مستمرّ في الشرق الأوسط لأكثر من ألفَين وخمسمائة عام، وهم يشكّلون اليوم أكثر من نصف سكّان إسرائيل اليهود.‎  ‎‎  ‎‎إنّ حضارتهم، خسائرهم، وتجاربهم يجب أن تُدرَك وتُشمَل في النقاش حول التاريخ اليهوديّ وتاريخ الشرق الأوسط”.

‎ ‎‎تؤمن جيمينا أنّ “اليهود من الدول العربية يمكن أن يشكّلوا نقطة التقاء وجسرًا حضاريًّا بين اليهود الأوروبيين الشرقيين وجيران إسرائيل العرب.‎ ‎ ‎نريد أن تُسمَع قصّتنا وتُشمَل أصواتنا”.‎

اقرأوا المزيد: 1300 كلمة
عرض أقل
كنيس بول الشوبي، إيران
كنيس بول الشوبي، إيران

هل تعمل إسرائيل سرّا على إعادة ممتلكات يهود الدول العربيّة؟

مع اندلاع حرب عام 1948 غادر الدول العربيّة وإيران نحو مليون يهودي وتركوا ممتلكات كثيرة تقدّر بمليارات الدولارات. الآن تخطّط إسرائيل لإعادة هذه الممتلكات المفقودة

تعمل إسرائيل بشكل سري على إعادة ممتلكات يهود البلدان العربية وإيران التي بقيت في بلدانهم قبل نحو 70 عاما. وذلك وفقا لكلام مدير عامّ وزارة المساواة الاجتماعية، آفي كوهين، أثناء نقاش في لجنة الهجرة والاستيعاب والتي يتركز عملها على هذا الموضوع.

وقال مدير عام الوزارة المسؤول عن المشروع في اللجنة إنّه “في هذه الأيام تُجرى أنشطة منوعة بالتعاون مع وزارة الخارجية لإعادة ممتلكات يهود البلدان العربية وإيران وستأتي ثمارها خلال شهر أو شهر ونصف”. لم يتطرق كوهين بتوسع إلى أهمية هذه الخطة السرية ولكنه قال إنّ الخطة قيد العمل وبموجب موافقة مكتب رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي.

يعتبر موضوع إعادة ممتلكات يهود الدول العربيّة في إسرائيل موضوعا مشحونا وهو يعود ويُطرح للنقاش العام كل عدة سنوات. وفقا للتقديرات المعتادة، هناك نحو مليون يهودي كانوا يعيشون في الدول العربيّة وإيران عشية اندلاع حرب عام 1948 بين إسرائيل والدول العربية. وفقا لتقارير مراقب الدولة والتي نُشرت قبل نحو عامين تُقدّر الممتلكات التي كانت بحوزة يهود البلدان العربية وإيران ب-“عدة مليارات الدولارات”.

عام 2013، توجّهت وزارة المساواة الاجتماعية إلى الجمهور العريض لملء استمارات مطالبة لإعادة الممتلكات. عام 2010، تم سنّ قانون يقضي بتعويض اليهود المهاجرين من الدول العربيّة وإيران بسبب فقدان ممتلكاتهم، في إطار المفاوضات المستقبلية للسلام في الشرق الأوسط. على هذه الخلفية، كان تصريح المدير العامّ للوزارة بشأن النشاط السري الذي يجري في هذه الأيام، مفاجئا.

اقرأوا المزيد: 211 كلمة
عرض أقل
الحكواتي، يوسي الفي (Noam Moskowitz)
الحكواتي، يوسي الفي (Noam Moskowitz)

الحكواتي البصراوي الذي يُحي القصص العربية في إسرائيل

وُلد في البصرة بالعراق، تلقى تعليمه في إطار الثقافة العربية اليهودية، تنكّر في شبابه للثقافة الشرق أوسطية واكتشفها من جديد في كبره. قصة الحكواتي اليهودي الأكثر شهرة في إسرائيل

كانت لديّ دائما علاقة مميّزة مع الأصدقاء، الذين كان والداهم يهودا من مهاجري البلدان العربيّة. علاقة ثقافية، وعاطفية، وحسّية، وطهوية أولية. لقد أثارت اهتمامي دائما القصص العائلية عن الحياة في بغداد، البصرة، دمشق، حلب والدار البيضاء. كذلك بساطة الحياة، الغطس في نهري دجلة والفرات في أيام الصيف الحارّة، احتفالات الميمونة في مدينة فاس لدى انتهاء عيد الفصح وحفلات الزفاف الفخمة في الأحياء الملوّنة بمراكش.

من أجل فهم أفضل للثقافة اليهودية العربية المنسية هذه، سافرتُ للقاء حكواتي يهودي، الأخير تقريبا، الذي ما زال باستطاعته أخذي لجولة خيالية في أحياء البصرة الصغيرة والعبقة.

اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)
اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)

يوسي ألفي (70 عاما)، هو رجل مسرح، كاتب، محاضر، وإعلامي إسرائيلي معروف جدا في إسرائيل. ألفي، الذي يعتبر أبا للمسرح الجماهيري، هو مؤسس مهرجان “رواة القصص” الذي يجري كل عام في فترة عيد المظالّ.

“عليك أن تفهم، أن الثقافة العربية والثقافة اليهودية قريبتان جدا. فهما شرق أوسطيّتين. في الثقافة اليهودية هناك قصص. ويستند الكتاب المقدّس كله إلى القصص. وقد قدّست اليهودية أيضًا القصة كي تتذكر الأجيال على مر السنوات التقاليد. لقد أخذ الإسلام تقاليد القصص ومزجها مع الرؤيا الدينية الخاصة به ولكنه لم يقدّسها. في المسيحية والعالم الغربي لا يوجد قصص، هناك أساطير، وهذا يختلف جدا”، هذا ما يقوله لي بحماسة ألفي وهو جالس خلف طاولة العمل المليئة بالأوراق، في خضمّ الاستعدادات المحمومة قبيل المهرجان بعد نحو أسبوعَين.

الحكواتي، يوسي الفي (Noam Moskowitz)
الحكواتي، يوسي الفي (Noam Moskowitz)

جاءت فكرة المهرجان عندما كان ألفي قد اعتاد على التجوّل في البلاد وقراءة الأشعار التي كتبها. كانت هناك قصة وراء كل قصيدة. اقترح رئيس بلدية جفعتايم (مدينة في وسط إسرائيل فيها تركيز كبير من العائلات اليهودية من مهاجري العراق) اقتراحا مغريا لألفي وطلب منه أن يحكي القصص للجمهور العريض من على منصة المسرح في المدينة. توسع الموضوع كل عام وتوافد المئات على المسارح لسماع القصص، ذكريات الطفولة، تذكّر عبق الطعام، ليلمسوا بخيالهم الجدران الملّونة للمنازل في الأزقة المزدحمة بالأطفال المشاغبين في المدن العربية المفعمة بالحياة في وقت ما في سنوات العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.

لماذا لا يزال الناس ينجذبون لرواة القصص؟

“إنهم يريدون سماع أنفسهم. عندما يرغب أحد ما بشراء بطاقة لمهرجان فهو يرغب بسماع القصص عن الحياة الصعبة التي عاشها المهاجرون اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل بين عاميّ 1948-1949. وهو يرغب بإسماع صوته عن طريق راوي القصص. فمن خلاله يعيش طفولته وشبابه. يريد الناس تذكّر الألم. يمنحهم الألم القوة للاستمرار إلى الأمام”.

وُلد ألفي في البصرة بالعراق عام 1945، أي قبل نحو ثلاثة سنوات قبل الإعلان عن قيام دولة اليهود في إسرائيل. “أتذكّر الكثير من طفولتي في البصرة. أذكر جلالة (غطاء). وأنا مستلقٍ عليها وتلوح فوق رأسي سعف النخيل. أذكر السطح الذي كنا نقضي الوقت عليه مع العائلة. كما وأذكر قدومي إلى إسرائيل بالضبط”.

وحين كان يخبرني عن قدومه إلى إسرائيل، أرى علامات شوق كبير، لفترة تم نسيانها. “خرجنا من البيت في جوف الليل”. وحينها سألته مباشرة، لماذا يقول جميع اليهودي إنهم قد فرّوا في جوف الليل؟ “هل ستهرب في النهار أمام أنظار الجميع؟ كان هناك خوف حقيقي. هل تعرف من يكون شفيق عدس؟ لقد كان جارنا. رجل أعمال ثري جدا ومقرّب للسلطات وشخصية عامة معروفة جدا. تولى شفيق بنفسه إقامة وإدارة وكالة شركة السيارات الأمريكية “فورد” في العراق. لقد تمّ اعدامه شنقا بتهمة بيع السلاح لدولة إسرائيل الجديدة حينذاك. لقد شاهَدَتهُ والدتي مشنوقًا على عمود الكهرباء قرب منزلنا. كان ذلك صادمًا، حتى أطفاله شاهدوه مشنوقًا. القصة الحزينة هي أنّ العائلة أرادت إنزاله كي يتم إحضار جثّته للدفن، ولكن السلطات لم تسمح لهم. جاءت شاحنة لجمع القمامة وأخذت جثّته للقمامة، في اليوم التالي”.

السيد شفيق عدس (Wikipedia)
السيد شفيق عدس (Wikipedia)

“سافرتُ أنا مع جدّتي التي لم توافق على التخلي عنّي رغم أنه كان ممنوعا الذهاب مع الأطفال الصغار. اجتزنا شط العرب من البصرة إلى عبدان في قارب. ثم قضينا عدة أيام في عبدان عند أقاربنا وبعد ذلك اجتزنا كل الطريق حتى طهران، حيث أقمنا هناك في مقبرة. ومن هناك أكملنا رحلتنا إلى إسرائيل، وعندما وصلنا إلى الأراضي المقدّسة، تم إسكاننا في مخيّم انتقالي. عشنا أنا وجدّتي في خيمة صغيرة خلال عامين في ظروف مادية صعبة جدّا. جئنا في ذروة الحرب بين الدول العربيّة وإسرائيل، لم يكن هناك طعام ولا مياه جارية”.

لقد صُدم ألفي من اللقاء مع الثقافة الجديدة في إسرائيل. لقد كان يتحدّث العبرية بصعوبة، وكان يتحدّث العربية وكان عليه التكيّف سريعا مع الثقافة الجديدة، التي أورثتها الدولة العبرية لمواطنيها الجدد.

ما هو الأمر الذي كان الأكثر صدما بالنسبة لك خلال انتقالك من البصرة إلى إسرائيل؟

“عندما قاموا بخنقي. كان ممنوعا أن نقول كلمة في الطريق من البصرة إلى إسرائيل. في شط العرب لم يكن بالإمكان الحديث بكلمة وقد بكيتُ وحاولت جدّتي إسكاتي. وضعوا عليّ الحِزَم والخرق وضغطوا عليّ جميع الأمتعة. لا زلت أذكر ذلك حتى اليوم، كان الناس يدوسون على وجهي من أجل إسكاتي خشية من الانكشاف”.

الجالية اليهودية العراقية في سنوات ال-30 من القرن الماضي (Wikipedia)
الجالية اليهودية العراقية في سنوات ال-30 من القرن الماضي (Wikipedia)

قدِم والدا ألفي إلى البلاد عندما كان في الخامسة أو الخامسة والنصف من عمره. لقد تعلّم ألفي العبرية سريعًا جدا. وهو يعترف أنه في شبابه لم يكن يرغب بأن يسمّى عراقيّا، لقد أراد التخلّص من التقاليد، وأراد التجديد بالهويات الجديدة، الغربية التي جاءت بها الدولة الجديدة. بعد دراسته بدأ يفهم معنى التقاليد العراقية القديمة. واليوم وهو كبير فهو يعرّف نفسه “يهودي عربي”.

أبناء ألفي، غوري وشيري هما أيضًا فنانان ناجحان في إسرائيل. شيري ممثّلة ومغنية إسرائيلية ناجحة وقد نجحت أيضا في إثارة عاطفة والدها، في عيد ميلاده الستين، عندما قامت بأداء أغنية التهليل بالعراقية والتي كان يحبّها جدّا، “فوق النخل”. قال ألفي حينذاك، إنه تأثر بهذه البادرة حتى ذرف دموعا. ويُعتبر غوري ألفي، ابنه البكر، أيضًا أحد الفنانين الكوميديين الأكثر نجاحا اليوم في صناعة الترفيه الإسرائيلية.

ألفي: "الجالية العراقية اليهودية التي تعيش اليوم في إسرائيل تبحث عن السلام. إنه جزء لا يتجزأ من دمنا"
ألفي: “الجالية العراقية اليهودية التي تعيش اليوم في إسرائيل تبحث عن السلام. إنه جزء لا يتجزأ من دمنا”

في التسعينات، أي سنوات الأمل بالسلام الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين، بعد أن تم التوقيع على اتفاق السلام مع الأردن، كان ألفي يستضيف في المهرجان العديد من الفنانين العرب: مصريون، أردنيّون وفلسطينيون. سمحت أساليب العمل في المسرح الجماهيري الذي أسسه ألفي في أرجاء البلاد، بإنشاء حوار مثمر من خلال المسرح. “كان المستهلِك الأكثر إخلاصا للمسرح الجماهيري هم عرب إسرائيل. كان هناك نقص في التواصل بين اليهود والعرب، وسمح المسرح بسدّ الفجوات وعرض المشاكل، المزايا والعيوب لدى كل طرف”.

ما رأيك ببرامج الواقع؟ إذ إن الناس اليوم لا يذهبون تقريبًا إلى المسرح

“خطيئة وظلم في عصرنا. كم من الممكن أن ننظر المزيد في الحياة الخاصة لشخص ما وهو يجلس في برنامج “الأخ الأكبر”؟ هذا ليس فنّا، وهذا النوع الفني التلفزيوني آخذ بالانحطاط. برامج الواقع هي معاداة تامّة للثقافة. إنها تكاد تصل إلى النازية. يقتلون أرواح الناس في بثّ حيّ. إنه تماما مثل حروب المصارعين في فترة الرومان: جمهور كبير يتجمّع كي يرى من ينجح في البقاء على قيد الحياة من خلال القتل. يواجه الناس صدمات قاسية بعد مشاركتهم في مثل هذه البرامج”.

ماذا كنت ستقول عن الجالية العراقية اليهودية التي تعيش اليوم في إسرائيل؟

“خاصية واحدة وبسيطة. نحن نبحث عن السلام. إنه جزء لا يتجزأ من دمنا. كنت سأنقل هذه الرسالة للعراقيين الأصلاء في بغداد، البصرة والموصل اليوم. سأخبرك بأكثر من ذلك، إذا كان في يوم من الأيام رئيس حكومة في إسرائيل من أصول عراقية، فسيطمح أكثر من جميع رؤساء الحكومة الإسرائيليين السابقين لتحقيق السلام مع جيراننا. نحن نتحدث بنفس اللغة ونحن نموت شوقًا للذهاب إلى العراق وزيارتها. نحن الوحيدون في العالم الذين لا نستطيع العودة إلى أوطاننا. هناك مثلي آلاف العراقيين الذين يعيشون في البلاد وأنت ترى البريق في أعينهم وهم يلتقون في الخارج بعراقيين أصلاء”.

من مهرجان رواة القصص (Facebook)
من مهرجان رواة القصص (Facebook)

ما الذي يجعل الإنسان راوي قصص ناجح؟

“القدرة على الإنصات. أن يكون بإمكانه استيعاب الآخر”.

أي قصص تثيرك؟

“أتأثر من القصص الشخصية”.

لو طلبت منك أن تحكي لي قصة عراقية قصيرة، ماذا كنت ستحكي لي؟

“حمار وعصفور يجلسان في طائرة. يضغط العصفور على زرّ مكتوب عليه “المضيفة”. تأتي المضيفة وتسأل بأدب: “نعم، كيف يمكنني أن أخدمك؟”. يجيب العصفور: “والله ودي اتشاقى وياكي” (بلهجة عراقية: أريد أن أتشاقى معك). ابتسمت المضيفة للعصفور بأدب وذهبت. يكرر العصفور الضغط على الزرّ ويستدعي المضيفة. تأتي المضيفة اللطيفة مرة أخرى وتسأله كيف يمكن أن تساعده. ومرة أخرى يقول العصفور: “والله ودي اتشاقى وياكي”. ومجدّدا تبتسم المضيفة بأدب وتعود إلى مكانها. رأى الحمار أن الأمر جيد وأن العصفور سعيد، يبتهج ويغرّد. قال لنفسه أنا أيضًا أريد أن أتشاقى مع المضيفة. ضغط على الزرّ واستدعى المضيفة. جاءت المضيفة وسألت الحمار كيف يمكن أن أساعدك. ضحك الحمار وقال: “والله ودي اتشاقى وياكي”. ابتسمت المضيفة بأدب وعادت إلى قمرة القيادة غاضبة وأخبرت الطيّار عن المسافرَين اللذين يزعجانها. قال لها الطيّار في المرة القادمة التي يزعجانك فيها، افتحي النافذة وألقي بهما منها. استغلّ الحمار مرة أخرى هذا الوضع وضغط مرة أخرى على الزرّ. ولكن هذه المرة جاءت المضيفة، فتحت باب الطائرة وألقت بكليهما. وهما يسقطان سأل العصفور الحمار، وهو يطير بجانبه: “يا حمار تعرف اطير؟” أجاب الحمار: “لا”. فأجابه العصفور: “ما بتعرف اطير ليش تتشاقى؟”.

اقرأوا المزيد: 1325 كلمة
عرض أقل
ابو مازن يستقبل مندوبين إسرائيليين عن طائفة اليهود الشرفيين في رام الله (facebook)
ابو مازن يستقبل مندوبين إسرائيليين عن طائفة اليهود الشرفيين في رام الله (facebook)

لقاء مفاجئ بين رئيس السلطة الفلسطينية ومجموعة من الإسرائيليين الشرقيين

اجتمع محمود عباس في المقاطعة بممثلين إسرائيليين من أبناء الطوائف الشرقية في إطار مبادرة جديدة.. "حاولنا تحقيق السلام مع الشكناز وفشلنا. والآن نحن نحاول الحديث مع الشرقيين" قال الرئيس

التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمس بمجموعة من الممثّلين الإسرائيليين من حركة “القوس الديمقراطي الشرقي”. كانت الزيارة نتيجة لتوجّه من قبل المكتب الفلسطيني للعلاقات مع المجتمَع الإسرائيلي، وهو مكتب يعني بتعزيز الحوار والعمل المشترك مع مجموعات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي.

تحدثت أورلي نوي، وهي ناشطة سياسية إسرائيلية حضرت في اللقاء وتناضل منذ زمن طويل ضدّ قمع ثقافة الشرق إلى هامش الخطاب الإسرائيلي، للصحيفة الإلكترونية الإسرائيلية “محادثة محلية” حول كيف بدأ كل شيء: “قبل نحو شهرين اتصل بي الدكتور زياد درويش، وهو صحفي فلسطيني وعضو في اللجنة الفلسطينية للعلاقات مع المجتمع الإسرائيلي التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة محمد المدني. “نحن نريد أن نبدأ في عملية حوار مع المجتمع الشرقي في إسرائيل”، كما قال. “تعالي للقاء مع المدني”.

استجابت نوي لذلك والتقت بالمدني الذي بدأ حديثه قائلا: “أريد أن أنقل لكم رسالة مباشرة من الرئيس. حاولنا تحقيق السلام مع الشكناز وفشلنا. والآن نحن نحاول الحديث مع الشرقيين”.

القيادة الفلسطينية ليست غافلة عن الخطاب الطائفي الذي يطفو في كثير من الأحيان ويثير التوترات في دولة إسرائيل. فالمسؤلون يعرفون جيّدا الهجرات الشرقية المختلفة والتاريخ الشرقي في البلاد ويرون إمكانية تعزيز الحوار مع الشرقيين.

ابو مازن يستقبل الناشطة اليسارية أورتال بن ديان في رام الله (facebook)
ابو مازن يستقبل الناشطة اليسارية أورتال بن ديان في رام الله (facebook)

كان الطريق من لقاء نوي مع المدني في فندق في القدس الشرقية إلى اللقاء مع رئيس السلطة محمود عباس بنفسه أمس في المقاطعة برام الله قصيرا.

وقد حضرت أورتال بن ديان، وهي ناشطة يسارية شرقية نسوية وشخصية إسرائيلية معروفة، هي أيضًا للزيارة وكتبت في صفحتها الفيس بوك: “في إطار الزيارة، التقينا بالرئيس أبي مازن وأعربنا عن صدمتنا وإدانة شديدة لقتل سعد وعلي دوابشه في قرية دوما. وأعرب أبو مازن أمامنا عن أمله في تجديد المفاوضات السياسية، ووقف العنف من كلا الطرفين، وأمله بحياة من السلام والعدالة. استقبلنا أبو مازن ومسؤولون آخرون التقينا بهم باحترام وتقدير.

أعجبت بأنّ يد أبو مازن ممدودة للسلام، شجاع وصادق، وذلك بخلاف تشويه صورته التي يرسمها به نتنياهو وسياسيون آخرون من اليمين. هناك شريك”. وأضافت قائلة: “أكّد في المحادثة على أنّه يرى الإمكانية الكامنة في العلاقة الثقافية والتاريخية القائمة بين الشرقيين والعرب معربا عن أمله بأنّ يشكّل الشرقيّون جسرا للعدالة، السلام ووقف سفك الدماء”.

حركة “القوس الديمقراطي الشرقي”، والتي شارك أعضاؤها في زيارة المقاطعة، هي حركة إسرائيلية تأسست من قبل نساء ورجال من أبناء الجيل الثاني والثالث من يهود الدول العربية والشرق. تعمل الحركة على القضاء على الآراء المسبقة واقتلاع الصور النمطية من جذورها، والتي بحسب الحركة توجّه المؤسسات التعليمية والثقافية في دولة إسرائيل. وتعارض الحركة أيضًا الطريقة التي تتعامل فيها النخبة الثقافية في إسرائيل مع الثقافة الشرقية في دولة إسرائيل والمهاجرين من الدول الشرقية.

اقرأوا المزيد: 391 كلمة
عرض أقل
اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة  (صورة من موقع جيمنا)
اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)

ثقافة مشتركة بين اليهود والعرب

بدأ اليوم لوبي جديد بالعمل من داخل الكنيست من أجل الحفاظ على الإرث الثقافي ليهود البلدان العربية والإسلامية وتنميته

اجتمع في الكنيست اليوم (الإثنين) للمرة الأولى لوبي من نوّاب الكنيست من أجل الحفاظ على الإرث الثقافي ليهود البلدان العربية والإسلامية وتنميته. كان المبادر إلى هذا اللوبي هو النائبة كسانيا سبتلوبا من المعسكر الصهيوني، والتي عملت سابقا صحفية وباحثة متخصصة في الشرق الأوسط، وخصوصا في مصر.

في مستهلّ الجلسة ألقى رئيس القائمة العربية المشتركة، أيمن عودة، خطابا، والذي هو أيضًا عضو في اللوبي. قال عودة، من بين أمور أخرى،  إنّهم في إسرائيل “يتحدثون كثيرا عن أهمية الثقافة التعددية في هذه الأيام، ومع الأسف يتحدثون أكثر من اللازم عن العرب من جهة واليهود من الجهة الأخرى… إنّ ثقافة يهود البلدان العربية، اليهود والعرب، هي مفتاح لخيار آخر: لماذا لا نتحدث عن ثقافة يهودية عربية متكاملة، مشتركة.  فإنّ ثقافة يهود البلدان العربية لم تكن فقط ثقافة مجتمعية وتقليدية لهذه الجاليات الخاصة، وإنما أيضًا جزءًا من ثقافة المنطقة العربية بأسرها…”.

رئيس القائمة العربية الموحدة أيمن عودة (Yonatan Sindel/Flash90)
رئيس القائمة العربية الموحدة أيمن عودة (Yonatan Sindel/Flash90)

وقال أيضًا: “للأسف، فإنّ واقع دولة إسرائيل لم يسمح بهذا الثراء الثقافي، ليس فقط لأنّ هذه الثقافة اعتُبرت “أقلّ شأنًا”، وإنما لأنّها طمست الحدود التي حاولت الهيمنة الثقافية رسمها بين اليهود والعرب. كان ممنوعا التصوّر بأنّ اليهود والعرب يمكنهم الاستفادة من نفس الثقافة المشتركة. هذا هو السبب في كوننا ملتزمين، من أجلنا، من أجل مستقبلنا، في تمجيد هذه الثقافات المنسية، والتي كانت فيها ثروة كبيرة فُقدت معظمها”.

وقد نُشرت كلمات عودة المؤثرة على صفحة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في الفيس بوك، وأثارت ردود فعل مؤيدة من العديد من اليهود الذين تعود أصولهم أو أصول عائلاتهم إلى البلدان العربية، وشعروا بأنّ كلمات عودة قد لامستهم بشكل شخصيّ، وأعربوا عن أملهم بالتغيير الحقيقي في تصوّر الثقافة الشرقية في إسرائيل، وفي الاحتمالات الكامنة فيها من أجل التقارب بين اليهود والمسلمين في إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 263 كلمة
عرض أقل
فرقة A-wa
فرقة A-wa

الإيقاع اليمني يجتاح إسرائيل

واحدة من أكثر الأغاني شيوعًا في أشهر الملاهي الليلية في إسرائيل هي أغنية يمنية، وتنضم هذه الأغنية إلى موجة الموسيقى الشرقية الأصيلة التي تأخذ مكانها وتزداد رُقعتها في الواقع الإسرائيلي

يبدو أنه ما من حفل زفاف أُقيم في مدينة تل أبيب، في الشهر الأخير، دون أن تكون أغنية “حبيبة قلبي” جزءًا منه. الأغنية التي تم تسجيلها من قِبل فرقة A-wa، لثلاث أخوات من عائلة “حاييم”، هي أغنية يمنية شعبية، باللغة العربية، ويُرافقها إيقاع راقص، خفيف ومُبهج، والذي أشرف على توزيع موسيقاها تومر يوسف، موسيقي إسرائيلي ناجح، وهو من أصول يمنية أيضًا، ومعروف في العالم بفضل فرقته “البلقان بيت بوكس” (“صندوق الإيقاع البلقاني”).

تم تصوير الكليب الخاص بالأغنية في جنوب إسرائيل، في منطقة صحراوية (بالقرب من مسقط رأس الشقيقات المُغنيات)، وهو يدمج بين أجواء الصحراء، الحرية، تعزيز مكانة المرأة، والتقاليد اليمنية، والشيء الأهم – الإيقاع.

تحوّلت الأغنية التي حصدت لما يُقارب 400 ألف مشاهدة على اليوتيوب، وأكثر من 300 ألف مشاهدة أُخرى على الفيس بوك، إلى واحدة من أكثر الأغاني المسموعة في إسرائيل، في الفترة الأخيرة. يتم إجراء الكثير من المقابلات مع الشقيقات المُغنيات اللواتي يتحدثن دائمًا عن كيفية تأثرهن بالثقافة اليمنية، وكيف نشأن على الموسيقى الشرقية في البيت، إنما ليس هذا فقط، وكيف أن قوتهن النسائية تم التعبير عنها من خلال هذا العمل الذي يُعزز مكانة المرأة والنساء، في احتجاج مُعيّن على مكانة النساء في اليمن، اللواتي بتنا يتلاشين من الحيز الجماهيري العام.

في مكان مثل إسرائيل، ليس أمرًا مفهومًا ضمنًا بأن تتحوّل أغنية باللغة العربية إلى إحدى أنجح الأغاني، تُغنى في المناسبات، في الإذاعات وفي العديد من البيوت، وهذا أمر مُبهج جدًا. وهذه الأغنية ليست الوحيدة. تحوّلت الموسيقى العالمية، والموسيقى العربية تحديدًا، إلى صيحة في السنوات الأخيرة، وخاصة في إطار مشهد الموسيقى البديلة.

فرقة A-wa
فرقة A-wa

يدمج الكثير من الفنانين عناصر شرقية وعربية، مثل المواويل والتلوين الموسيقي، موسيقى كمان عربية، وإيقاع الدربكة، في أعمالهم، التي باتت مشهورة ومطلوبة لدى هواة الموسيقى، وخاصة كل ما يتعلق بموسيقى الملاهي والرقص، إنما ليس فقط.

كان من بين رودا هذا المجال، في السنوات الأخيرة، فرقة “يمن بلوز”، التي تستند موسيقاها على الموسيقى اليمنية، مع دمج موسيقى ذات طابع أمريكي مثل موسيقى البلوز و “هيب هوب”، وموسيقى روحانية، على مختلف أنواعها.

إنما يبدو أن الرائدة الحقيقية التي شقت هذه الطريق أولاً هي المغنية عوفرا حازا، التي أطلقت في بدايات الثمانينيات ألبومها الذي كان أغانٍ يمنية بأكمله، ومنها أغنية “إن أغلِقَت” (Im Nin’alu)، المأخوذة عن صلاة يهودية، ولقد نال الألبوم شهرة عالمية.

الجمهور الإسرائيلي ليس الوحيد المُعجب بهذا النوع من الموسيقى. هناك لدى فرقة “A-WA”، فرقة “يمن بلوز”، وعدد من الفنانين الإسرائيليين الذين يُنتجون موسيقى شرقية، جمهور كبير جدًا في الشرق الأوسط.  في حين لا تزال اليمن غارقة في الحرب، وإسرائيل ليست لديها علاقات دبلوماسية مع غالبية الدول العربية، وبينما العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست الأفضل، يبدو أن الموسيقى تنجح بجسر الهوة وتقريب القلوب وترقيص الأرجل.

اقرأوا المزيد: 411 كلمة
عرض أقل
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)

شرق أوسط مشتعل: الشوق لليهود في العراق

يعيش الإسرائيليون بمعزل عن التطوّرات في العالم العربي الذي حولهم. كلّما كانت حدودهم وحياتهم مهدّدة فإنّهم يستيقظون في حالة من الذعر، ولكنهم ليسوا على بيّنة من التغييرات الإيجابية والمهمّة والتي سيكون لها تأثير على المدى البعيد. كذلك هو حال الخطاب العربي حول الجالية اليهودية التي تمزّقت في العراق، والذي أثير على خلفية المعاناة الصعبة للأقليات الأخرى في البلاد

توفّر لنا الثورة الرقمية اجتياز الحدود الافتراضية دون وساطة. هذا ما حدث معي أيضًا، عندما التقيت في فيس بوك عراقيين متسامحين مع اليهود، بل ويجرؤون على المطالبة بأن يحصل هؤلاء على ممتلكاتهم التي سُلبتْ منهم.

مع الصعب أن نصدّق، من بين أمور أخرى، بسبب أن حكومة إسرائيل نفسها لم تدرك ذلك. ولكن الحنين والشوق ليهود العراق، الواضحين أيضًا في مقالات لكتّاب عراقيين في مواقع عربية، هما ليسا افتراضيين فقط. فهما حاضران بذاتهما أيضًا في لقاءات وجهًا لوجه.

أتاحت لي رحلتي الأخيرة إلى لندن لعرض فيلمي الوثائقي “ظلّ ببغداد”، في إطار منتدى مئير بتسري وبرعاية المركز الثقافي العراقي، محادثات رائعة وأعادت تواصلي من جديد مع ألحان محبّبة.

يتناول الفيلم البحث عن والدي، الذي اختفى في بغداد في بداية السبعينيات بعد أن هربت مع شقيقي من العراق. وقفتُ مندهشة أمام جمهور كبير من العراقيين المسلمين، بعضهم لاجئين من بلادهم، ممّن تماهوا مع مصير والدي المرير ورأوا فيه قصة شائعة من فترة النظام الدموي للبعث في العراق.

“إنها صرخة عشرات آلاف العراقيين الذين تقاطع مصيرهم مع مصير والدك”

اندمج التعاطف في صوت المشاهد العراقي الذي بارك لي على هذا الكشف الشجاع وقال: “إنها صرخة عشرات آلاف العراقيين الذين تقاطع مصيرهم مع مصير والدك”. توجّه لي في الاستراحة طبيب مع زوجته وابنته، والتي وُلدت في بريطانيا، وعانقني. “جعلتِنا نبكي”، كما قال، وحكى لي إنّ ابنته رفضت الذهاب للمنزل قبل أن تشاهد الفيلم كاملا.

سيقول المنتقدون: هؤلاء يعيشون في لندن منذ سنوات وهم ليسوا عراقيّين بعد. أوافق على ذلك، ولكن هذه الأصوات تُسمع الآن في العلن ودون خوف.

تذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث

إنّنا نعيش بمعزل عن التطوّرات في العالم العربي الذي حولنا. كلّما كانت حدودنا وحياتنا مهدّدة فإنّنا نستيقظ في حالة من الذعر، ولكن نحن لسنا على بيّنة من التغييرات الإيجابية والمهمّة والتي سيكون لها تأثير على المدى البعيد.

يُكثر باحثون وكتّاب عراقيون في السنوات الأخيرة من الحديث عن يهود العراق. الأمر مستَغرَب، إذا نظرنا إلى انهيار البلاد وتفكّكها لمكوّناتها العرقية. ربما يكمن التفسير في المثل اليهودي الذي يقول “عندما تكون حزينًا تذكّر حفل زفافك”.

تذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث

في موقع “ونلتقي” بالعربية، والذي أنشط فيه مع شركاء عرب من المنطقة، أوضح مدير المركز العراقي للتعدّدية الثقافية، غيث التميمي، بأنّ العودة إلى المسألة اليهودية كامنة في هيمنة ذكرى اليهود في الوعي الجماعي العراقي، وبكون التحوّلات السياسية بعد سقوط نظام صدّام قد أثارت المسألة اليهودية في النقاش العام من جديد، والتي يرتبط العديد من مكوّناتها بما يحدث في العراق اليوم: الحرمان من المواطنة، انتزاع الملكية، طريقة تسوية النزاعات، وإعادة تأهيل الضحايا ودمجهم في المجتمع العراقي من جديد.

وتذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث (بدءًا من العشرينيات من القرن العشرين). وقد لقيت هذه الكلمات صدى في مقال نُشر في الصحيفة الرائدة “الشرق الأوسط”، والتي تصدر في لندن، حيث قيل فيه إنّ اختفاء يهود العراق وسلبهم من ممتلكاتهم أكثر ملاءمة للتطوّرات الحالية في الشرق الأوسط: السرقة والترحيل التي هي مصير الأقليات في الشرق الأوسط كالمسيحيين واليزيديين.

ليندا منوحين هي صحافية إسرائيلية تكتب في مواقع إخبارية عربية، وقد هربت من العراق إلى إسرائيل في سن العشرين.

نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع ‏Can Think‏

اقرأوا المزيد: 532 كلمة
عرض أقل
  • يهود المغرب
    يهود المغرب
  • الرئيس الإسرائيلي رؤوفين (روبي) ريفلين (Hadas Parush/Flash90)
    الرئيس الإسرائيلي رؤوفين (روبي) ريفلين (Hadas Parush/Flash90)
  • يهود المغرب
    يهود المغرب
  • قدوم يهود اليمن إلى إسرائيل في الخمسينات (Wikipedia)
    قدوم يهود اليمن إلى إسرائيل في الخمسينات (Wikipedia)
  • عائلة حباني اليمنية تحتفل بعيد الفصح للمرة الأولى في إسرائيل (GPO)
    عائلة حباني اليمنية تحتفل بعيد الفصح للمرة الأولى في إسرائيل (GPO)
  • عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
    عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)

ريفلين للدول العربية: “أعيدوا لنا أموال اليهود”

ألقى رئيس دولة إسرائيل كلمات في المراسم الأولى من نوعها لذكرى طرد اليهود من البلاد الإسلامية: "كنوز الثقافة والممتلكات التي بقيت هناك دمرتها حكومات مليئة بالكراهية وسلبتها"

رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، ذكر اليوم (الإثنَين) في الحدث الذي أقيم للمرة الأولى في دولة إسرائيل طرد اليهود من الدول الإسلامية، والذين قدموا إلى إسرائيل. حتّى الآن لم يحظ هؤلاء اليهود باعتراف رسمي من دولة إسرائيل. اليوم قال ريفلين: “هذه القصّة يجب أن تُذكر في محتويات الجهاز التربوي، في الإعلام، في الأروقة الثقافية، وفي مؤسسات الدولة الرسمية”.

قال ريفلين في المراسم إنه يجب استرجاع أموال اليهود التي بقيت في تلك الدول، بينما تركها أصحابها الأصليون ولجأوا إلى إسرائيل. “ينبغي ترديد قصة هؤلاء اليهود في الأوساط العالميّة، من أجل تصحيح الظلم التاريخي، بصورة حقيقية، من دفع التعويضات وإرجاع الأموال”.

عبّر ريفلين عن أسفه أنه “حتى اليوم، ما زالت طهران وحلب، مراكش، وبغداد، صنعاء وطرابلس، أماكن ممنوع دخول اليهود الإسرائيليين إليها، وبقيت الكنوز الثقافية والأملاك ودمرت وسلبت، غير مرة، من قبل حكومات تغمرها الكراهية”.

حسبما قال ريفلين “يوم الخروج من الدول العربية وإيران هو فرصة لتطبيق العدل التاريخي، من خلال نظرة معتدلة، جديدة، لا تتجاهل مشاكل الماضي. لكن أكثر من ذلك، يتطلب منا هذا اليوم أن نذكره ونتبنى في قلوبنا الكنوز الثقافية التي انتجتها الجاليات في البلاد العربية وإيران، والاعتراف بمساهمتهم المهمة والفخمة في صنع المستتقبل المشترك، الذي يتشكل اليوم، وفي تاريخ دولة إسرائيل. في المراسم التي أقامها ريفلين تمت استضافة مطربين وفنانين من مواليد الدول العربيّة وإيران.

بل وامتدح ريفلين مساهمة القادمين الجدد من الدول العربيّة وإيران في بنائهم لدولة إسرائيل: “لم يخضع القادمون أبدا. رغم الصعوبات فقد حملوا على كاهلهم قسطا مركزيا من نمو وازدهار دولة إسرائيل. واليوم نحن نحظى بسماع الصوت العالي، المفتخر والأنيق من أفواه أبنائهم وبناتهم”.

 

اقرأوا المزيد: 246 كلمة
عرض أقل
يهود المغرب
يهود المغرب

القانون يوافق: إسرائيل ستحيي ذكرى “نكبة اليهود الشرقيين”

لجنة الكنيست توافق على أن يتم في الثلاثين من تشرين الثاني من كلّ عام إحياء ذكرى يوم مغادرة وطرد اليهود من الدول العربية إحياء رسميًّا

وافقت لجنة التربية في الكنيست اليوم قبيل القراءة الثانية والثالثة على اقتراح قانون لإحياء ذكرى مغادرة وطرد يهود الدول العربية وإيران. سيدخل القانون حيّز التنفيذ بعد الموافقة عليه من قبل الهيئة العامة للكنيست.

في السنوات التي سبقت تأسيس دولة إسرائيل، عاش مئات الآلاف من اليهود في دول شمال إفريقيا، الشرق الأوسط والخليج العربي. وعقب الصراع العربي – الإسرائيلي تضرّر اليهود في الدول العربية وإيران من العنف والقوانين التمييزية على خلفية يهوديّتهم، ولم يحظوا بحماية السلطة الحاكمة في تلك البلاد. حتى أنه في بعض الدول حدث طرد اليهود.

حسب ادعاء المبادرين إلى القانون، فإنّ الأغلبية الساحقة لليهود الذين تركوا تلك البلاد، أو طُردوا منها، تركوا خلفهم ممتلكاتهم أو ممتلكات تابعة للجالية اليهودية وحُظر عليهم حظرًا تامًّا استخدامها  أو إخراجها من البلاد.

جوقة يهودية في الإسكندرية (Wikipedia)
جوقة يهودية في الإسكندرية (Wikipedia)

في العراق وقعت حادثة الفرهود في حزيران عام 1941، وهو اسم أطلق على سلسلة من أعمال الشغب التي قُتل فيها 179 يهودي، وأصيب 2,118، وأصبح 242 طفلا أيتامًا وتمّ نهب الكثير من الممتلكات. وبلغ عدد الأشخاص الذين نُهبتْ ممتلكاتهم خلال الفرهود نحو 50,000 شخص. بعد ذلك، عانى سائر يهود البلاد العربية من المذابح: بعد قرار الأمم المتحدة بإقامة دولة يهودية وعربية في 29 تشرين الثاني عام 1947 أقيمتْ مذابح ضدّ يهود عدن، وقُتل 82 يهوديًّا. وقد أقيمت في المغرب بعد إعلان دولة إسرائيل مذابح وجدة وجرادة والتي قُتل فيها 42 يهوديًّا. هذه هي ثلاثة نماذج من بين مواجهات كثيرة أخرى.

يقترح قانون إحياء ذكرى مغادرة وطرد اليهود من الدول العربية أن يتمّ تحديد يوم الثلاثين من تشرين الثاني، وهو اليوم الذي تلا قرار التقسيم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947، باعتباره يوم ذكرى مغادرة وطرد اليهود من الدول العربية وإيران. ستتطرّق الكنيست إلى هذا اليوم في نقاش خاصّ، سيختصّ بحالة يهود الدول العربية وحقوقهم.

اقرأوا المزيد: 276 كلمة
عرض أقل
يهود اليمن يغادرون عدن
يهود اليمن يغادرون عدن

نكبة اليهود الشرقيين

أكثر من 800 ألف يهودي تمّ طرده أو اضطرّ لترك دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الاضطهاد. يتزايد الاتجاه الذي يعترف بهم كلاجئين

لقد عبّأوا حقيبة واحدة بأثمن ما يملكونه، غادروا في جوف الليل، أو طُردوا بعنف وتحت الاضطهاد والتهديدات. عندما بدأ يهود الدول العربية وإفريقيا بالوصول إلى إسرائيل بالثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين كانوا يعتبرون “قادمين” وصلوا إلى إسرائيل من أجل الصهيونية، ولكن، هم في الحقيقة لاجئين بكل معنى الكلمة.

لا يعرف الكثيرون ذلك، ولكن تم طرد أو فرار أكثر من 800 ألف يهودي عاش في الدول العربيّة بسبب الاضطهاد. في حرب عام 1948، في الوقت الذي فرّ فيه مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قاصدين الدول العربية في ما يعرف بالوطنية الفلسطينية بـ النكبة، فرّ مئات الآلاف من اليهود إلى الاتجاه المعاكس تمامًا.

عام 1948 كان في الشرق الأوسط أكثر من 800 ألف يهودي. اليوم، في جميع الدول العربيّة يعيش أقلّ من 5,000 يهودي.

بين عامي 1944 و 1964، وصل اليهود من سوريا، العراق، اليمن، مصر، المغرب، الجزائر، تونس وغيرها إلى إسرائيل كملاذ أخير، بعد أن أجبِروا على أن يتركوا وراءهم منازلهم، حياتهم، تراثهم، وفي الواقع، بلدان منشأهم.

تاريخيًّا، سكن اليهود في أنحاء الشرق الأوسط منذ السبي البابلي (قبل نحو 2500 عام) وفي شمال إفريقيا منذ العصر الروماني (أقلّ من ألفين عام بقليل). في فترة الاحتلال العربي سكن في المنطقة معظم اليهود في العالم. ومنذ ذلك الحين انتقل مركز العالم اليهودي إلى أوروبا الشرقية، بسبب الهجرة، إسلام اليهود والتنصير في أوروبا. في عام 1940، عاش نحو 16 مليون يهودي في العالم، وفقط 5% منهم، 800 ألف، كانوا في البلدان العربية.

زفاف يهودي في حلب، عام 1914
زفاف يهودي في حلب، عام 1914

تغيّرت أوضاع اليهود في البلدان العربية بين العصور والمناطق: ففي أحيان اندمجوا مع المجتمع وحظوا بمكانة عالية، وفي أحيان أخرى فُرضت عليهم القيود، ومن حين لآخر كانت هناك مذابح واضطهاد.  كتب الأشخاص الذين زاروا العراق في القرن التاسع عشر أنّ اليهود يسيّطرون على الاقتصاد، وكانت الأسواق تُغلق يوم السبت بل وشغل اليهود مناصب حكومية. حين تم إنشاء مهن مثل المحاماة، برز اليهود فيها أيضًا. في سوريا، كان المسلمون أكثر تشدّدًا وفرضوا القيود على اليهود. في شمال إفريقيا، تأرجحت أوضاع اليهود بين الفقر والحياة البسيطة في القرى، حتى كونهم التجار الأكثر موهبة ونضوجًا في المملكة، والذين قدّموا خدماتهم في الديوان الملكي.

في معظم الأحيان، استطاعوا أن يعملوا بما يرغبون، واشتغلوا بشكل أساسيّ في الخياطة، صناعة الأحذية، صناعة الأدوات المعدنية، الأختام، تجارة التوابل، محلات البقّالة، باعة متجوّلون، والتجارة الدولية. وبعض هذه المجالات كانت معروفة كتخصّص حصري لليهود، وكان جيرانهم المسلمون يتوجّهون إليهم في كلّ وقت يطلبون فيه خدماتهم، وأقاموا معهم تجارة ناجحة وحسن الجوار. حتى بدأ كلّ شيء يتغيّر.

مع الوطنية جاءت الكراهية

في القرن التاسع عشر، مرّ العالم العربي بمرحلة الاستعمار: سيّطرت بريطانيا على مصر، وفرنسا على تونس، والجزائر والمغرب، وإيطاليا على ليبيا. بقي كلّ من العراق، سوريا وفلسطين تحت الحكم العثماني، ولكنّها تفكّكت وسيطرت القوى العظمى الغربية عليها بالتدريج، حتى قاموا باحتلالها في الحرب العالمية الأولى.

“اليهود من الدول العربية يمكن أن يشكّلوا نقطة التقاء وجسرًا حضاريًّا بين اليهود الأوروبيين الشرقيين وجيران إسرائيل العرب.‎ ‎ ‎نريد أن تُسمَع قصّتنا وتُشمَل أصواتنا.”

في البداية، كان الوضع الجديد لصالح اليهود. لقد أصبحوا وسطاء بين أوروبا والعرب، واستغلوا معرفتهم باللغات وعلاقاتهم مع أوروبا، وحظوا بثقة كلا الطرفين. باعوا للأوروبيين الأقمشة، الخيوط والمنتوجات الزراعية العربية والسلع الغريبة مثل ريش النعام من إفريقيا، واستوردوا من أوروبا الملابس والمنتجات الصناعية.  أصبح الكثير منهم أغنياءً، وخصوصًا في المدن التي تقع على ساحل البحر المتوسّط والعراق.

في البداية، تقبّل المسلمون مشاركة اليهود باحترام. كان ذلك مريحًا لهم. اعتمدوا على اليهود أكثر من بعضهم البعض، وبالطبع أكثر من سائر المحتلّين الأوروبيين. ولكن في القرن العشرين، حين نشأت الوطنيات العربية والصهيونية، انهارت هذه الثقة ببساطة.

بدأ وضع اليهود يتدهور حتى قبل إقامة دولة إسرائيل. في عام 1932 تحوّلت العراق من الانتداب البريطاني لتصبح دولة مستقلّة وبدأت فورًا بتجريد اليهود. لم يتمّ قبولهم في المدارس والجامعات، وأقالوهم من الوظائف بشتّى أنواع الحجج. قاد هذه القرارات القوميّون العرب والمسلمون المتشدّدون. بدأوا بدعاية مفادها أنّه “لا ينبغي أن يسيّطر اليهودي على المسلم”، وخرجوا بشكل خاصّ ضدّ اليهود في المناصب الكبيرة مثل القضاة أو المسؤولين. بدأت الكراهية بالتسرّب.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

الطرد، النهب والاضطهاد

مع تأسيس دولة إسرائيل انجرف العالم العربي في أعمال شغب عنيفة، مجازر ونهب لليهود. شاركت بعض الدول العربية في القتال ضدّ إسرائيل، والتي أصبحت العدوّ الأكبر للقومية العربية. أثارت بعض الحكومات العربية أعمال الشغب والنهب ضدّ اليهود، بل صادرت الحكومة العراقية الممتلكات، كما لو كان الأمر “تعويضًا” عن اللاجئين الفلسطينيين.

عام 1951، وافقت حكومة العراق، بهدوء، على السماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل، وقد هاجر الجميع تقريبًا. بالمقابل، صدر قانون تمّ بموجبه تأميم جميع الممتلكات اليهودية: المنازل، المصانع، السلع، المجوهرات والحسابات المصرفية. سنّ الزعيم المصري، جمال عبد الناصر، قوانين مماثلة بعد حرب السويس. طُرد يهود ليبيا وتمّ تأميم ممتلكاتهم في سنوات الستينات.

لم تؤمّم كلّ من سوريا، تونس والجزائر الممتلكات، ولكن اليهود فرّوامن تلك الدول حين حظيت باستقلالها، وبعد ذلك نهب المسلمون الممتلكات التي خلّفوها وراءهم. هذا ما حدث أيضًا لممتلكات يهود اليمن الذين هاجروا إلى البلاد في عملية البساط السحري. نجح بعض يهود المغرب في الخروج مع أموالهم وممتلكاتهم، وخلّفوا منازلهم وراءهم.

اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)
اليهود والمسلمين المغاربة في احتفال الميمونة (صورة من موقع جيمنا)

هاجر آخرون دون أن يأخذوا أي من أغراضهم، ولا يحملون إلا الملابس التي على أجسادهم. ترك الناس خلفهم في البلاد العربية الفنادق والمنازل الفاخرة، المتاجر، الأقمشة الثمينة، المجوهرات والكثير من سبائك الذهب، وبدأوا حياتهم من جديد في الفقر المدقع.

عام 1948 كان في الشرق الأوسط أكثر من 800 ألف يهودي. اليوم، في جميع الدول العربيّة يعيش أقلّ من 5,000 يهودي.

العدالة التاريخية

وكما هو معلوم، فقد اعتُبِر اليهود الذين أتوا إلى إسرائيل من البلاد العربية في معظمهم كمن أتى برغبته، بدافع الصهيونية وحبّ إسرائيل، كالكثير من سكّانها في السنوات الأولى. في السنوات الأخيرة فقط حدث تغيير في موقف الحكومة الإسرائيلية والجهات الخارجية تجاه خطاب اللجوء: تعترف قرارات رسميّة للحكومة الإسرائيلية من السنوات 2002 و 2003، وكذلك قرار الكونغرس الأمريكي من عام 2008؛ باليهود الذين نزحوا من الدول العربية كلاجئين.

“في الوقت الذي فرّ فيه مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قاصدين الدول العربية في ما يعرف بالوطنية الفلسطينية بـ”النكبة”، فرّ مئات الآلاف من اليهود إلى الاتجاه المعاكس تمامًا.”

تستعد إسرائيل في السنوات الأخيرة لتثمين قيمة الممتلكات، التي تقدّر بمليارات الدولارات، والتي تمّ تأميمها من قبل الدول العربيّة. في شباط 2010، وافق الكنيست على قانون للحفاظ على حقوق التعويض للاجئين اليهود القادمين من الدول العربية. يفصّل القانون أنّ هدفه هو “الحفاظ على حقوق التعويض للاجئين اليهود القادمين من الدول العربية وإيران في إطار مفاوضات من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط”. ينصّ القانون على أنّه “في إطار المفاوضات من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ستدرج الحكومة قضية التعويض عن الخسائر في ممتلكات اللاجئين اليهود القادمين من الدول العربية وإيران، بما في ذلك الممتلكات التي كان المجتمع اليهودي يملكها في تلك البلدان”.

يعتقد بعض المسؤولين الحكوميين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى خبراء حقوق الإنسان والمؤرّخين أنّ هناك تماثلا بين خطاب لجوء اليهود من الدول العربيّة وبين خطاب اللجوء الفلسطيني، ولذلك ينشأ ارتباط بين الاعتراف الدولي بكلا الروايتين وبين الأمل بكلّ حلّ عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي. وغنيّ عن القول، إن القيادة الفلسطينية والدول العربية يرفضون هذا التماثل بشكل تامّ.

زيادة الوعي والحفاظ على التراث

إحدى المشكلات البارزة في قضية لجوء يهود العالم العربي هي عدم وجود الوعي العام حولها.JIMENA، هي منظّمة يهودية – شرقية تمثّل أحرفها الأولى الكلمات “اليهود المولودون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وضعت لها هدفًا وهو نشر هذه الرسالة. بدأت المنظمة في العمل في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول وجاء في تعريفها: “لملأ ثغرة تاريخية في روايات الشرق الأوسط واليهود المتبنّاة، التي تتجاهل بشكلٍ عامّ حضارة وحالة اللاجئين اليهود الـ 850 ألفًا من الدول العربيّة.‎”

النساء اليهوديات في طرابلس، ليبيا (صورة من موقع جيمنا)
النساء اليهوديات في طرابلس، ليبيا (صورة من موقع جيمنا)

بدأت المنظّمة مؤخرًا في تشغيل موقع إنترنت وصفحة فيس بوك باللغة العربية أيضًا، وتوسيع المعلومات أيضًا لمواطني الدول العربية أنفسهم، الذين يجهلون في الغالب تاريخ طرد اليهود من دولهم.‎ ‎إنّهم يعملون لحماية التراث وتوثيقه، يجمع القادة وثقافة يهود العالم العربي، الأدلّة، المقتنيات والصور من اليهود الذين فرّوا. تم تسجيل بعض الشهادات وتصويرها ويمكن مشاهدتها في موقع الإنترنت التابع للمنظّمة.

“ثمة حاجة إلى الاعتراف بخسائر وحضارة جميع مجموعات اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتعامل معها.‎ ‎‎ ‎نريد أن يتبنى العالَم فهمًا أكثر تنوّعًا لمركزية التراث اليهوديّ في تركيب وتاريخ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

هذا ما تقوله إحدى نساء المنظّمة لموقع المصدر. ‎”كان لليهود من الدول العربية والمتحدِّرين منهم حضور مستمرّ في الشرق الأوسط لأكثر من ألفَين وخمسمائة عام، وهم يشكّلون اليوم أكثر من نصف سكّان إسرائيل اليهود.‎  ‎‎  ‎‎إنّ حضارتهم، خسائرهم، وتجاربهم يجب أن تُدرَك وتُشمَل في النقاش حول التاريخ اليهوديّ وتاريخ الشرق الأوسط”.

‎ ‎‎تؤمن جيمينا أنّ “اليهود من الدول العربية يمكن أن يشكّلوا نقطة التقاء وجسرًا حضاريًّا بين اليهود الأوروبيين الشرقيين وجيران إسرائيل العرب.‎ ‎ ‎نريد أن تُسمَع قصّتنا وتُشمَل أصواتنا”.‎

اقرأوا المزيد: 1322 كلمة
عرض أقل