مرأة عربية تدلي بصوتها في الانتخابات الإسرائيلية (Flash90/Miriam Alster)
مرأة عربية تدلي بصوتها في الانتخابات الإسرائيلية (Flash90/Miriam Alster)

أيها العرب، تدفقوا إلى صناديق الاقتراع

لا ينبغي على المواطن العربي في دولة إسرائيل، شأنه شأن المواطن اليهودي في الدولة، أن يقفا مكتوفَي الأيدي أمام سلب الحقوق الأساسية للأقلية في دولة ديمقراطية

النائب دافيد بيتان، رئيس الائتلاف الحكومي، معروف بصفته مثير العواصف الأكثر شعبوية في الكنيست الإسرائيلي الحالي، رغم المنافسة الشرسة.

تطرّق بيتان، الذي لا تدلّ تصرفاته حتّى الآن سوى أنه بوق نتنياهو، إلى دعوة رئيس الحكومة لمقترعي اليمين في يوم الانتخابات أن يذهبوا إلى مراكز الاقتراع، لأنّ العرب يتدفقون بجماهيرهم إلى الصناديق. “كنتُ أفضّل ألّا يتدفق العرب إلى صناديق الاقتراع، بل ألّا يذهبوا إليها أبدًا”، قال بيتان. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل إنه يعرف أيضًا ما هو الأفضل للعرب: “97% منهم ينتخبون القائمة المشتركة، التي لا تمثّلهم، بل تمثّل المصلحة الفلسطينية”.

تُخفي توضيحات اليوم التالي وسذاجته مثل “لا أفهم ما ليس على ما يُرام هنا” و”كل حزب يريد أن لا يصل خصومه إلى صناديق الاقتراع” حقيقة عنصرية قاسية. ما غير السليم هنا؟ في الواقع، كلّ شيء.

لا تُدهشني ظلامية النائب بيتان. ليس هذا جديدًا، فما تغيّر هو وقاحة اليمين المتطرف بالكشف عن وجهه الحقيقي دون حياء أو خجل. لا تجلب هذه الأقوال المتطرفة سوى المصائب. أفلا يعرف النائب بيتان التاريخ؟ إنّ أقوالًا كهذه، لو قيلت ضدّ اليهود في أوروبا أو الولايات المتحدة في أيامنا، كانت ستُحدث عاصفة مخيفة. فهل ستكون الخطوة التالية لبيتان تقليص ظهور العرب في المشهد العامّ؟ ربّما نختصر المراحل ونعلّق سمة مميّزة على ملابسنا، أو إشارة تعريف في الطريق إلى صندوق الاقتراع في الانتخابات القادمة !

النائب دافيد بيتان ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (Flash90/Miriam Alster)
النائب دافيد بيتان ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (Flash90/Miriam Alster)

تُخفي دعوة النائب بيتان إلى سلب حق الاقتراع خطرًا كبيرًا آمل أن لا يقتصر فهم خطورته على العرب. مَن لا يريد أن يرى في إسرائيل عربًا، لن يرغب لاحقًا في رؤية يهود من اليسار، وأظنّ أنه لن يرغب بعد ذلك في رؤية تعدّد أحزاب، وبالتأكيد يُفضِّل أن ينتقل الحُكم بالوراثة من زعيم إلى خلَفه داخل حزب الليكود. هناك ما يكفي من الأنظمة من هذا النوع في الشرق الأوسط. شكرًا !

لا يزال بعض العرب في البِلاد سُذَّجًا بما فيه الكفاية ليتوقعوا على الأقل استنكارًا من جانب رئيس الحكومة نتنياهو. حتى إنّ البعض يحلمون في إقصاء النائب. فليستمروا في أحلامهم… بيتان هو نتنياهو، ونتنياهو هو بيتان بالنسبة إلى النظرة الدونية تجاه السكّان العرب في إسرائيل، حقوقهم، صراعاتها، وهويتها القومية.

كلمات بيتان هي تحريض وقِح لم يكن ليمُرّ مرور الكرام في ديمقراطية صالحة. بيتان هو كالكثيرين في الحزب الحاكم (الليكود وإلى اليمين منه) الذين فهموا المعادلة: الشعبوية والتحريض ضدّ الأقليات = زيادة القوة السياسية.

لا يمكن لمواطني إسرائيل اليهود أن يسمحوا لأقوال كهذه بأن تمرّ بهدوء. يُقال بالعربية: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

أدعو زملائي العرب من الجيل X والجيل Y في إسرائيل الذين يرَون كيف تضرب أمواج الشعبوية الرخيصة والعنصرية أُسس الديمقراطية الإسرائيلية: تدفّقوا بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع بكلّ وسيلة ممكنة: بالسيارات، مشيًا على الأقدام، وبالحافلات المنظّمة. برِّروا تصريح نتنياهو من الانتخابات السابقة، وبرهِنوا للنائب بيتان أنّ لكلّ قول غير موزون عملًا مُضادًّا. اختاروا ممثّليكم، من أي حزب كانوا. شارِكوا في اللعبة الديمقراطية بكلّ قوتكم، وإلّا فإنها ستدوسكم.

اقرأوا المزيد: 439 كلمة
عرض أقل
لاجئون سوريون يحاولون عبور الحدود اليونانية (AFP)
لاجئون سوريون يحاولون عبور الحدود اليونانية (AFP)

ضرر أزمة الهجرة بالدول الديمقراطية في أوروبا

الديمقراطية الأوروبية في تراجع كبير عقب تهديدات الهجرة، الانهيار الاقتصادي عام 2008 والخوف من الإرهاب الإسلامي المتطرف

ألقت أزمة الهجرة التي اجتاحت أوروبا في صيف 2015 بظلالها على الديمقراطية الأوروبية وأضعفت بشكل أكبر العلاقات بين الدول، بالمقابل اكتسبت الأحزاب الشعبوية زخمًا، وفقا لتقرير جديد حول وضع الديمقراطية في العالم.

سيستمر تأثير هذه الأزمة في “العقود القادمة” وسنرى دول الاتحاد الأوروبي وهي تتخذ قرارات أكبر على المستوى الوطني – كما قالت وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) في تقريرها حول مؤشر الديموقراطية لعام 2015.

وفقًا لتصنيفها، لم تعد دولة واحدة في أوروبا، وهي فرنسا، تُصنَّف كديمقراطية كاملة. هذه هي “نتيجة الانهيار في التماسك الاجتماعي”، وأشار التقرير إلى صعود “الجبهة الوطنيّة” (FN) كـ “مجرد نموذج واحد لشهية متزايدة في أوساط الناخبين في أوروبا الغربية تجاه الأحزاب الشعبوية، ضدّ المهاجرين وأحزاب اليسار”.

ويقدّر معدّو التقرير أنّ القلق وعدم الأمان قد حدثا بسبب التهديدات الإرهابية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم ولا سيما في أوروبا.‎ ‎‏ تخشى أوروبا من زيادة قوة روسيا، إثر موجات الهجرة، انخفاض الأسعار، الاقتصاد العالمي والإرهاب الإسلامي.

السياسية الفرنسية مارين لوبان (AFP)
السياسية الفرنسية مارين لوبان (AFP)

ووجد الباحثون أيضًا، أنّ تيّار اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، طرح أيضًا “أسئلة مقلقة” حول تحقيق الديمقراطية والسيادة الوطنية.

وإضافة إلى مشكلة اللاجئين، أدى الانهيار الاقتصادي العالمي عام 2008 إلى انخفاض ثقة الشعب بالمؤسسات الحكومية في أوروبا الغربية، وهناك تأثير سلبي للأزمة في منطقة اليورو على علامات الديمقراطية عام 2011 في دول مثل اليونان، إيطاليا، البرتغال، إسبانيا وإيرلندا.

وهاجم معدّو التقرير الأداء الضعيف لأوروبا في القضايا الاقتصادية، القيادة السياسية الضعيفة والفجوة المتزايدة بين الأحزاب السياسية التقليدية وجمهور الناخبين. تستغل شخصيات مثل مارين لوبان في فرنسا، وخيرت فيلدرز في هولندا عدم الثقة بالقيادة.

خارطة توثّق الضرر بالديمقراطية الأوروبية في أعقاب موجات الهجرة

اقرأوا المزيد: 242 كلمة
عرض أقل
  • انتخابات في الأرجنتين (AFP)
    انتخابات في الأرجنتين (AFP)
  • انتخابات في تنزانيا (AFP)
    انتخابات في تنزانيا (AFP)
  • انتخابات في بولندا (AFP)
    انتخابات في بولندا (AFP)

بالصور: الانتخابات في أرجاء العالم

ملايين البشر في جميع أنحاء العالم يمارسون حقهم الديمقراطي في الانتخابات، في بولندا، هايتي، غواتيمالا والأرجنتين. أحضرنا لكم بعض الصور من الاحتفالات الديموقراطية

هايتي

انتخابات في هايتي (AFP)
انتخابات في هايتي (AFP)

أكثر من 50 مرشحا يتنافسون في الانتخابات الرئاسية في هايتي، ولا يوجد حتى اللحظة مرشّح واحد يبدو كرائد

جمهورية الكونغو

انتخابات في جمهورية الكونغو (AFP)
انتخابات في جمهورية الكونغو (AFP)

تصويت على استفتاء شعبي حول تمديد فترة ولاية رئيس الكونغو الحالي، دنيس نغواسو

بولندا

انتخابات في بولندا (AFP)
انتخابات في بولندا (AFP)

في بولندا سُجّل تغيير في النظام مع فوز حزب “القانون والعدالة” من اليمين المحافظ، والذي سيُقيم كما يبدو حكومة دون شراكة ائتلافية

غواتيمالا

انتخابات في غواتيمالا (AFP)
انتخابات في غواتيمالا (AFP)

تجري الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى الانتخابات الأولى للرئاسة منذ عزل الرئيس ونوابه من مناصبهم عقب احتجاج شعبي كبير بسبب تورّطهم في الفساد. الممثل الكوميدي جيمي موراليس، الذي ليست لديه أية خبرة سياسية، قد أعلن بالفعل عن فوزه

الأرجنتين

انتخابات في الأرجنتين (AFP)
انتخابات في الأرجنتين (AFP)

تردّد الناخبون في الأرجنتين بين إذا ما كانوا سيصوّتون لصالح استمرار الحكم وبين الإصلاح الاقتصادي في الوقت الذي صوتوا فيه لشخص يخلف الرئيسة كريستينا دي كيرشنر ويضع حدّا لسلاسة كيرشنر في البلاد. حكمت كيرشنر البلاد على مدى ثمانية أعوام بعد أن توفي زوجها – الذي تولى منصب الرئيس لأربع سنوات – عام 2010.

ساحل العاج

انتخابات في ساحل العاج (AFP)
انتخابات في ساحل العاج (AFP)

اقتراع للانتخابات الرئاسية في ساحل العاج من المتوقع أن يفوز الرئيس الحالي في الانتخابات على خلفية الانقسام القائم في المعارضة.

تنزانيا

انتخابات في تنزانيا (AFP)
انتخابات في تنزانيا (AFP)

ناخبة تمارس حقّها في الانتخاب في صندوق الاقتراع في دار السلام، تنزانيا. وفقا للتقديرات فمن المتوقع أن تكون هناك نسبة مرتفعة من التصويت في الانتخابات العامة التي يتواجد فيها الحزب الحاكم لأكثر من عدّة عقود في الحكم، ويقف في المقابل ائتلاف موحّد.

اقرأوا المزيد: 202 كلمة
عرض أقل
مظاهرات الربيع العربي في تونس (AFP)
مظاهرات الربيع العربي في تونس (AFP)

الاقتصاد والدمقرطة في الشرق الأوسط

الدمقرطة الحقيقية في الشرق الأوسط تستلزم تغييرات سياسية واقتصادية في آنٍ واحد، ومن هناك تأتي صعوبة تحقيقها

عندما أقدّم عملي كمحاضر لدراسات الشرق الأوسط تكون ردة الفعل في أحيان كثيرة هي “ليس مملا لديكم”، بصيغة كهذه أو أخرى. وقبل أن يتّجه الحديث إلى أسئلة حول موضوع الصراع أو التهديد الإيراني، سأضيف بأنني مهتمّ بالتاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط. في أحيان كثيرة يوقف هذا الأمر المحادثة. في أحيان أخرى يتم سؤالي، رغم ذلك، عن رأيي كخبير في الأحداث الجارية. فإنّ كل “مستشرق” عليه أن يفهم في هذه الأمور، أليس كذلك؟

يبدو أنّ جزءًا من الإجابة نابع من تعريف اشتغالي بـ “التاريخ”. معظم الشعب في إسرائيل مهتمّ بما يحدث الآن ولا يتشاطر الرأي مع المؤرخين بأنّه من أجل فهم الحاضر فعلينا معرفة شيء من الماضي. إنّ محاولة المؤرخين في التفكير بما يحدث كجزء من سياق أوسع، بخلاف تقارير وسائل الإعلام عن “الأحداث”، يواجهها هو أيضًا أكثر من مرة بالدهشة، بما في ذلك في الدورات التي يعلّمها في الجامعة. ينبع جزء آخر من الصمت المطبق من قبل من يحاورني، في بعض الأحيان، من اشتغالي في اقتصاد الشرق الأوسط. يصنّف الكثيرون “الاقتصاد” كمجال مستقلّ ومتميّز عن “الاجتماعي” أو “السياسي”. يفهم الجمهور “الشرق الأوسط” كمجال يتطلّب خبرة في كلّ ما يتعلق بالإسلام، وأنّ ما يربطه بالمجالات الأخرى من النشاط البشري ليس واضحا تماما.

https://www.youtube.com/watch?v=CyxtAQ3bmX0

ولكن، هل يمكن حقّا أن نفهم ما يحدث في المنطقة دون التطرق إلى الاقتصاد، في بعض الأحيان على الأقلّ، وفي فهم تأثير العوامل الاقتصادية على الواقع المتغيّر في المنطقة؟ على سبيل المثال، هل يمكن تفسير صعود تنظيم داعش وسرّ قوته العسكرية دون فهم نموّه على أساس الموارد التي مصدرها تهريب النفط؟ كانت الدولة العراقية المتفكّكة، التي يعمل داعش من داخلها، نتيجة لصراع إمبراطوري من أجل السيطرة على مصادر النفط، وهكذا هو أيضًا الصراع المدني – العسكري فيها اليوم. في سورية، فإنّ المساعدات المالية الكبيرة من قبل دول الخليج للمعارضة التي تقاتل الأسد هي عامل مهمّ يفسّر استمرار المعارك. ويعود أصل الحرب الأهلية في ليبيا إلى الصراع على تقسيم عائدات النفط. من جهة أخرى، فإنّ تقسيم عائدات النفط كوسيلة سياسية لشراء الاستقرار المدني يفسّر لماذا تجنّبت أحداث السنوات الأخيرة دول النفط الخليجية (باستثناء البحرين، التي لم تعد مصدّرة مهمّة للطاقة). تشير كل هذه الأمور إلى لعنة النفط السياسية: بدءًا من تكريس الأنظمة العربية الموجودة، وصولا إلى تمويل الحروب الأهلية والحركات المتطرّفة.

اقتصاد “الربيع العربيّ”

EGYPT-POLITICS-UNREST-DEMO

في السنوات الأخيرة، نعيش تأثير “الربيع العربي” على منطقتنا. في إسرائيل، كما هي الحال في إسرائيل، فإنّ القضية الرئيسية التي تشغل الإعلام هي آثار هذه الأحداث على أمن البلاد. وهكذا، فقد تعاونت إسرائيل ومصر الرسمية حتى ذلك الحين في مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك التنسيق الأمني بخصوص حماس التي تسيطر على غزة، وأعرب محلّلون عن الخشية من أن يتضرّر هذا التعاون إذا ما جرى تغيير في الحكم بمصر. وقد أظهر محلّلون آخرون اتجاها آخر، أكثر بهجة، كان له داعمون أيضًا في الصحافة الدولية وفي مجتمع الباحثين في الشرق الأوسط حول العالم. عرض هذا التوجه “الربيع العربي” كاحتجاج أوسع ودعوة للدمقرطة التي من شأنها أن تجلب عهدا جديدا لمصر. رغم أنّ صعود الإخوان المسلمين قد فاجأ الكثيرين، إلا أنّ الكثيرين أشاروا إلى استعداد الإسلاميين لقبول قواعد اللعبة الديمقراطية كتغيير إيجابي في أوساط الإخوان. الأمر الذي غاب عن هؤلاء أيضًا هو حقيقة أنّ “الربيع العربيّ” كان بدرجة كبيرة ردّة فعل على مشاعر الظلم والحرمان الاقتصادي، وبأنّ التغيير الاقتصادي، المطلوب أيّا كان، لن يأتي كنتيجة فورية للدمقرطة. سقط الإخوان المسلمون لاحقا بعد ذلك بقليل، بشكل أساسيّ بسبب عدم قدرتهم على التغيير الاقتصادي السريع. كان الجيش المصري هو الذي أطاح بهم من الحكم، ولكن كان الأمر بدرجة كبيرة على خلفية خيبة الأمل الشعبية الواسعة من وتيرة التغيير. أقول بين قوسين إنّ حكم السيسي أيضًا يواجه في هذه الأيام التحدّي نفسه.

غزة والحصار الاقتصادي

أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

انطلقت إسرائيل في الصيف الأخير في حرب أخرى في غزة، عملية “الجرف الصامد”، التي كانت، للوهلة الأولى، محاولة أخرى من أجل تحقيق الاستقرار في توازن الرعب مع حماس. كانت وسائل الإعلام مشغولة غالبًا في التقارير عن أحداث الحرب، عن الحالة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولاحقا عن محاولات وقف إطلاق النار. سعى القليلون إلى الوقوف على اعتبارات حماس في الخروج إلى حرب ستلحق فيها الفلسطينيون خسائر في الأرواح، إصابات وأضرارا في الممتلكات. أما من تطرّق لاعتبارات التنظيم فقد أشار غالبا إلى “طبيعة” التنظيم الإسلامي، المتطرف، وإلى الإرهاب كطريقة عمل لديه. وأشار آخرون إلى مشاركة جهات أخرى، من إيران ومصر حتى قطر، في اتخاذ قرارات حماس. لم يُشر معظم الصحفيين والمحلّلين، أو قلّلوا من أهمية الحقيقة، بأنّه منذ صعود حماس للسلطة عام 2007، تم فرض حصار بحري على غزة، وتضخّمت الأزمة الاقتصادية هناك بشكل كبير. كان أحد الاعتبارات الرئيسية لدى التنظيم في اختيار التوقيت هو ضرورة إنهاء الحصار، حتى لو بسعر باهظ لمواجهة إسرائيل، بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة في القطاع وآثارها السياسية على استقرار حكمه.

لعنة النفط

حقول النفط القطرية (AFP)
حقول النفط القطرية (AFP)

ما هي الموضوعات الاقتصادية الرئيسية التي يُستحسن الاهتمام بها في محاولة فهم الأحداث الإخبارية في الشرق الأوسط؟ الإجابة على ذلك، باختصار، هي مركزية النفط في اقتصاد الشرق الأوسط، ومحاولة الإصلاح الاقتصادي في المنطقة، والذي هو قبل كلّ شيء التحرّر من الاعتماد على النفط وتنمية الموارد الاقتصادية البديلة والمستدامة.

منذ السبعينيات من القرن الماضي، مع انتقال العديد من اقتصادات الشرق الأوسط من الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على النفط ومؤخرا أيضًا الغاز، كان للتغييرات في سوق الطاقة الدولية آثار فورية على اقتصاد المنطقة. رغم أنّه ليست جميع البلدان في المنطقة من مصدّرات النفط الكبرى، فإنّ تصدير كميات محدودة من الطاقة من دول أخرى في المنطقة، العائدات على نقل الطاقة (مثلا: في الأنابيب أو عن طريق قناة السويس)، الهجرة الاقتصادية لدول النفط، والاستثمارات والمدفوعات التي تأتي من دول النفط إلى دول أخرى، أنشأ كلّ ذلك اعتمادا إقليميا اقتصاديا على هذا المورد.

يؤثر صعود أو هبوط أسعار النفط على إيرادات الدولة، ومن ثمّ على الخدمات الاجتماعية التي تقدّمها لسكّانها. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يكون نطاق الخدمة العامة في دول الشرق الأوسط كبيرًا جدّا، حيث إنّ ضمان التوظيف في خدمة الدولة بالنسبة لأصحاب التعليم العالي شائع في العديد من البلدان. إن الأسئلة حول الظلم في التوزيع مرتبطة غالبا بعدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل اللائقة ومستوى العيش الكريم لمواطنيها، وهذان مرتبطان جدّا بإيرادات الدولة من بيع الطاقة. يؤثر صعود أو هبوط أسعار النفط أيضًا على السياسية الإقليمية. ومن الأمثلة الواضحة لذلك، في السنوات الماضية، كان هناك تدخّل لقطر في ليبيا وفلسطين، ودعم السعودية للاقتصاد المصري واليمني والتدخّل الحالي لدول الخليج في الحرب الأهلية السورية. على صعيد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإنّ كل اتفاق سلام مستقبلي سيستلزم بالتأكيد إعادة بناء مكثّف للاقتصاد الفلسطيني، وإنّ جزءًا كبيرا من الأموال المخصّصة لذلك يجب أن يأتي من دول النفط الغنية.

التحدّي الاقتصادي القادم

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

التحدي الاقتصادي الرئيسي لاقتصادات الشرق الأوسط هو البحث عن بدائل للنفط كمحرّك اقتصادي رئيسي، بالتأكيد على ضوء الهبوط الكبير في أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وبشكل يضمن نموّا اقتصاديا مستقلّا مع مرور الوقت. في الماضي، قبل عصر النفط في اقتصاد الشرق الأوسط، سعت العديد من البلدان في المنطقة لتحقيق تنمية اقتصادية كهذه، بشكل أساسيّ من خلال التصنيع والمشاركة الكبيرة للدولة في الاقتصاد. وقد فشلت هذه المحاولات في معظمها. لاحقا، فشلت أيضًا الإصلاحات الاقتصادية النيو-ليبرالية، التي رأت وجوب تقليص تدخّل الدولة في الاقتصاد والخصخصة، بما في ذلك الخدمات التي وفّرتها الدولة لمواطنيها، فشلت هي أيضًا في معظم دول المنطقة ومثّلت الركيزة التي أشعلت الربيع العربيّ. التحدّي هنا هائل، حيث إنّ اقتصادات المنطقة بحاجة إلى توفير مستوى عيش وفرص عمل “معقولة” للمواطنين، وفي نفس الوقت، التنافس مع الاقتصادات الأخرى في العالم، ذات مستوى عيش وأجور منخفضة أكثر. من أجل فهم حجم التحدّي يجب أن نتذكّر بأنّ الشرق الأوسط ما زال في حالة “الزخم السكاني”؛ فبخلاف الصورة المنتشرة، تعيش المنطقة تباطؤًا كبيرا في الحجم السكاني بدءًا من الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن معظم السكان في المنطقة هم من الشباب، وهم في المراحل الأولى من اكتساب التعليم والدخول إلى سوق العمل. في الوضع الاقتصادي الراهن، لم تستطع دول المنطقة إنشاء منظومة جيّدة للتأهيل المهني وسوق عمل بإمكانها استيعاب العمّال الجدد بشكل يضمن مستقبل الشباب الاقتصادي وقوة الاقتصاد. في معظم دول المنطقة ليست هناك قوة بشرية بإمكانها أن تنافس الاقتصادات النامية الرائدة؛ من حيث الأسعار، وأيضًا من حيث المهارات.

https://www.youtube.com/watch?v=7-QYnF78kZs

في الماضي، قبل الربيع العربيّ وخلاله، قيل كثيرا إنّ الدمقرطة ستسمح أيضا بالشفافية الاقتصادية، وستشجّع روح المبادرة وستحافظ على حقوق الملكية، ومن ثمّ ستؤدي إلى نموّ اقتصادي. تكمن المشكلة أنّه دون إيجاد أفق جديد للتوقّعات الاقتصادية لدى مواطني بلدان الشرق الأوسط، فسيكون التغيير السياسي صعبًا للغاية. بكلمات أخرى، فإنّ التغيير السياسي والتغيير الاقتصادي ضروريّان في آنٍ واحد، ومن هنا تأتي الصعوبة في تحقيقهما. فهما يتطلّبان جرأة وقوة سياسية بهدف إقناع بل وإجبار عدد كبير من السكان في بلدان المنطقة، بما في ذلك النخبة الاقتصادية – السياسية فيها، على الموافقة على الإصلاح الاقتصادي. من جهة أخرى، بماذا يمكن أن تَعِدَ اليوم قيادة دول المنطقة سوى بالتغيير الاقتصادي التدريجي بل والمؤلم بالنسبة لجزء كبير من السكان المحلّيّين؟ إنّ الاضطراب الإقليمي، على خلفية الحرب الأهلية في ليبيا، سورية والعراق، يزيد من احتدام هذه المعضلة، ومن هنا تأتي التوقعات المتشائمة جدّا بخصوص تنفيذ الإصلاح الاقتصادي والدمقرطة في دول المنطقة.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 1399 كلمة
عرض أقل
بنيامين نتنياهو (Kobi Gideon / GPO)
بنيامين نتنياهو (Kobi Gideon / GPO)

يهودية أم ديمقراطية؟

الجدل الداخلي حول صورة إسرائيل يصل إلى معلم تاريخي على إثر "قانون القومية". نتنياهو يصرّح أنّه "فقط للشعب اليهودي هناك حقوق وطنية في إسرائيل"، ولبيد يردّ: "بن غوريون كان سيعارض هذا القانون"

يبدو أنّ النقاش حول “قانون القومية” الذي صادقت الحكومة الإسرائيلية عليه اليوم الاحد يمسّ بالأعصاب المكشوفة حول طابع دولة إسرائيل. عرّفت دولة إسرائيل نفسها دائما بأنّها “يهودية وديمقراطية”، ولكن تفسير معنى هذه العبارة بقي غامضا دائما.

هناك من ادعى بأنّ كون الدولة “يهودية” فيه معنى ديني، وأنّ الصهيونية تحتاج أن تستجيب للمتطلّبات الدينية اليهودية. وهناك من قال إنّ تفسير عبارة “دولة يهودية” هو دولة الشعب اليهودي، وليس الدين اليهودي. وهناك من سخر وقال إنّ “يهودية وديمقراطية” تعني يهودية بالنسبة للعرب، وديمقراطية بالنسبة لليهود.

يسعى “قانون القومية” إلى تبديد الغموض حول هذه العبارة، وإعادة ترتيب علاقات القوة بين يهودية إسرائيل، وبين ديمقراطيتها. حسب كل الآراء، يسعى القانون إلى إعطاء أفضلية معيّنة لخصائص دولة إسرائيل اليهودية، مع أخذ الطابع الديمقراطي بعين الاعتبار.

دولة القومية اليهودية

وتشمل صيغ أخرى، أكثر صرامة من مشروع القانون هذا، جعل اللغة العبريّة اللغة الرسمية الوحيدة في دولة إسرائيل، مقابل اللغة العربية التي ستكون ذات “مكانة خاصة” ولكن لن يتم الاعتراف بها كلغة رسمية للبلاد.في صياغة اقتراح القانون الذي أيده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كانت المكانة التي أعطيت للديمقراطية وليهودية الدولة متساوية. إنّ الهدف المعلن للقانون الذي اقترحه نتنياهو هو “تعريف هوية دولة إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، وترسيخ قيمها كدولة يهودية وديمقراطية، بروح المبادئ التي في إعلان إقامة دولة إسرائيل”.

وقد شدّد نتنياهو على الطابع القومي لدولة إسرائيل. كما أنّ بريطانيا هي دولة الشعب البريطاني وفرنسا هي دولة الشعب الفرنسي، فإنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي

وقد شدّد نتنياهو نفسه على الطابع القومي لدولة إسرائيل. كما أنّ بريطانيا هي دولة الشعب البريطاني وفرنسا هي دولة الشعب الفرنسي، فإنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي. وفقا لهذا الموقف، فإنّ حقوق الإنسان والمواطن في إسرائيل الديمقراطية تُمنح لكلّ مواطن؛ أيّا كان دينه. ولكن حقوق التعريف الذاتي والقومي في دولة إسرائيل محفوظة لليهود، ولهم فقط.

يهود وعرب يعيشون مع بعض في القدس (Zuzana JankuFLASH90)
يهود وعرب يعيشون مع بعض في القدس (Zuzana JankuFLASH90)

كما وشرح نتنياهو الاقتراح في افتتاحية جلسة مجلس الوزراء الهائجة والتي ناقشت القانون، فقال: “في دولة إسرائيل هناك مساواة في الحقوق الشخصية لكل مواطن، ولكن حقوق القومية هي فقط للشعب اليهودي. العلم، النشيد الوطني، حقّ كلّ يهودي في الهجرة إلى البلاد؛ كل تلك تُمنح فقط لشعبنا في دولته الواحدة والوحيدة”.

وقد جاء في اقتراح قانون نتنياهو: “ستعمل الدولة على تمكين كلّ مواطن في إسرائيل، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنسية، من العمل للحفاظ على ثقافته، تراثه، لغته وهويته”. ومع ذلك، وفقًا للقانون، فإنّ رموز الدولة، علمها ونشيدها الوطني تعكس بشكل حصريّ يهودية الدولة، ولا تزعزع هوية الفلسطينيين من مواطني إسرائيل.

تشريع يضرّ بالديمقراطية

كانت معارضة اقتراح نتنياهو داخل الحكومة شديدة. قاد المعارضة في الحكومة وزير المالية، يائير لبيد، والذي قال إنّ اقتراح القانون هذا يتناقض جوهريّا مع رؤيا مؤسسي دولة إسرائيل. وبحسب اقوال لبيد، فالسبب الوحيد الذي جعل نتنياهو يدعم القانون هو كسب تأييد العناصر اليمينية. وقد أشار إلى أنّ زعماء الصهيونية التاريخيين من جميع ألوان الطيف السياسي، دافيد بن غوريون، زئيف جابوتنسكي ومناحم بيجن – والذين يرى نتنياهو نفسه سائرا على خطاهم – لم يكونوا ليوافقوا على هذا القانون.

بحسب اقوال لبيد، فالسبب الوحيد الذي جعل نتنياهو يدعم القانون هو كسب تأييد العناصر اليمينية

وأضافت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، أنّها ستعارض “كل اقتراح قانون يضرّ بقيم دولة إسرائيل كما تمّ تحديدها في وثيقة الاستقلال”. قالت ليفني في جلسة مجلس الوزراء إنّ نتنياهو يحاول أن يجعل الوزراء يصوّتون ضدّ اقتراح القانون، كي يتمكّن من إقالتهم.

وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد (Flash90)
وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد (Flash90)

وكتب رئيس الشاباك الأسبق، يوفال ديسكين، وهو من زعماء المعارضين لنتنياهو في الآونة الأخيرة، في صفحته على الفيس بوك كلمات قاسية ضدّ الاقتراح. بحسب تعبيره: “إنّ هويّة البلاد يتمّ تحديدها في نقاش عامّ وخصوصا في الإجراءات وليس من خلال تشريع يضرّ بالديمقراطية. إنّ كون الدولة يهودية سنحافظ عليه فقط عندما تكون هناك دولتان لشعبين”.

المجتمع العربي في إسرائيل بين المطرقة والسندان

كما ذكرنا، فإنّ القضية الرئيسية للقانون، حتى لو تم قبول اقتراحه “المعقّد”، هي التحديد بأنّ الحق في التعريف القومي في إسرائيل محفوظ لليهود فقط، وليس للفلسطينيين. وسينال مواطنو إسرائيل العرب جميع حقوق الإنسان والمواطن التي تشمل كل أنواع الحريات الشخصية، ولكن دون الاعتراف بكونهم مجموعة قومية.

نتنياهو: “أنا لا أفهم أيضًا أولئك الذين يطالبون بدولتين لشعبين وفي نفس الوقت يعارضون ترسيخ ذلك في القانون”

إنّ الجانب الخفيّ لمؤيّدي القانون هو علاقته مع حلّ الدولتين. قبل أنّ نعلن حلّ “دولتين لشعبين”، علينا أنّ نذكّر بأنّ الدولة الواحدة – إسرائيل، هي دولة الشعب اليهودي. نتنياهو نفسه قال اليوم: “أنا لا أفهم أيضًا أولئك الذين يطالبون بدولتين لشعبين وفي نفس الوقت يعارضون ترسيخ ذلك في القانون. إنّهم يبتهجون بالاعتراف بدولة قومية فلسطينية ويعارضون بشدّة دولة قومية يهودية”.

وفقًا لموقفه، فقبل الاعتراف بدولة القومية الفلسطينية، التي لم تقم بعد، هناك حاجة لتعريف تدقيق للدولة اليهودية. ولكن من سيعاني أكثر من الجميع من هذا التعريف، هم المليون ونصف مواطن عربي في إسرائيل.

يعتقد معارضو الاقتراح بأنّ ترسيخ حصرية الحقّ القومي للشعب اليهودي هو تعميق للفجوة القائمة في إسرائيل بين اليهود والعرب. إنّ تعريف الدولة، رموزها ومؤسساتها بمجموعة واحدة فقط من بين مواطني البلاد – الغالبية اليهودية – سيبرز فقط حقيقة أنّ اليهود والعرب لا يتمتّعون بالمساواة المدنية الكاملة.

 

اقرأوا المزيد: 766 كلمة
عرض أقل
احتفالات في تونس بمناسبة ثلاث سنوات لإطاحة بن علي (AFP)
احتفالات في تونس بمناسبة ثلاث سنوات لإطاحة بن علي (AFP)

“ربيع عربي” رغم كل شيء: تونس تتقدم نحو تحقيق الديمقراطية

في الأسابيع الأخيرة يسود انطباع بأن تونس تحقق غاية "الربيع العربي". خلافًا لبقية الدول التي خلعت الحُكام المستبدين في "الربيع العربي" ولكنها بقيت غارقة في حروب أهلية أو عاد ليحكمها النظام العسكري، تمر تونس بعملية ديمقراطية حقيقية

حدث أمر مؤثر واستثنائي مع انتهاء الجدل الذي دارت رحاه في البرلمان التونسي على خلفية الوضع القانوني للنساء في البلاد:  أنشد ممثلو الشعب والجمهور في القاعة معًا النشيد الوطني للبلاد. يبدو أن ذلك كان تحريرًا تلقائيًا للتوتر الذي تراكم طوال الأشهر الأخيرة، بينما خاض إسلاميون وليبراليون صراعًا حول  هوية تونس. منذ مقتل كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي، سياسيين ليبراليين ونقاد لاذعين ضد الحركات الإسلامية، يتصارع المعسكران في الشوارع والبرلمان، وكان يبدو للحظات أن تونس أيضًا تقف على حافة هاوية من الشلل السياسي والفوضى الاجتماعية، كما حدث في مصر.

إلا أنه بعد الأشهر القليلة، التي توقفت فيها عملية كتابة الدستور التونسي، عاد المشرّعون إلى اللجنة وتابعوا عملهم. أظهر ذلك الجدل الكثير من الخلافات، ومنها الخلاف حول قانون حرية الضمير، حيث ادعى إسلاميون أن اطلاق مثل هذه الحرية من شأنه أن يتيح للمسلمين تبديل دينهم بأديان أخرى ومثل هذا الأمر يخالف أحكام الشريعة الإسلامية. نشب خلاف آخر أيضًا حول مسألة المساواة بين الرجال والنساء، حيث حاول حزب النهضة، الحزب الإسلامي المعتدل، طرح صيغة تتمحور حول مفهوم “التكامل” بين الجنسين وليس “المساواة”. دفع الاعتراض الشديد الذي أثارته هذه المحاولة في أوساط المعسكر الليبرالي مشرّعي حزب النهضة إلى التراجع عن الصيغ التي تختزل من حقوق النساء.

فاجأ حزب النهضة خصومه عدة مرات باستعداده للتنازل. ليس لأنه أبدى ليونة  فيما يخص التفاوض على بنود الدستور فحسب، بل أيضًا بكل ما يتعلق بالتخلي عن الهيّمنة السياسية. حتى أنه بعد اغتيال شكري بلعيد أصر حمدي جبالي، الذي كان رئيس الحكومة التونسية من قبل حزب النهضة، على الاستقالة. علي العريض، والذي هو أيضًا من حركة النهضة، وكان قد حلّ مكان الجبالي، ولكن قبل نحو أسبوع، في 9 كانون الثاني، استقال هو أيضًا على خلفية وقوع اغتيال سياسي وهو اغتيال محمد البراهيمي عند مدخل بيته وأمام عائلته. دفعت جريمة الاغتيال هذه الكثيرين للادعاء أن حركة النهضة لا تواجه الإسلاميين المتطرفين بجدية، رغم أنه بعد استقالة العريض أثبتت النهضة ثانية بأنها تستمع إلى نبض الشارع التونسي وبأنها لا تريد التمسك بالحكم بأي ثمن.

تونس، الدولة التي أشعلت "الربيع العربي" (AFP)
تونس، الدولة التي أشعلت “الربيع العربي” (AFP)

يمنح التعامل المعتدل لحركة النهضة و التعاون بين المشرّعين الإسلاميين وزملائهم الليبراليين دعمًا للديمقراطية التونسية. إن التقدم الديمقراطي في هذه الدولة هو  نتيجة عاملين أساسيين. الأول هو ليونة التيار البراغماتي بين أوساط الإسلاميين أي حركة النهضة.  رغم أن هذا الحزب خرج من الانتخابات البرلمانية التونسية ولديه الأفضلية، إلا أنه بخلاف نهج “الإخوان المسلمين” في مصر بعد فوزهم بالانتخابات، ظل على اطلاع على الرأي العام في الدولة، وعندما واجه معارضة شديدة على نهجه أو نقد شديد على إدارته السياسية، تنازل وحتى أنه غيّر سياسته. استعداد الحزب للتخلي عن منصب رئاسة الحكومة وإتاحة الفرصة لحكومة تكنوقراطية لتحل محل رئيس الحكومة الذي انتخب من قبله،  يشير إلى أن هذا الحزب يضع في سلم أولوياته تماسك الأمة ومصلحتها.

العامل الثاني لتقدم الديمقراطية في تونس هو الجيش. خلافًا للجيش المصري، المنخرط منذ عشرات السنين في اقتصاد وسياسة الدولة، فإن  الجيش التونسي يبعد  عن هذين المجالين. لذا، ليست لديه مصالح سياسية أو اقتصادية خاصة  ولا يطالب بالحقوق التي طالب بها الجيش المصري – وحصل عليها – عند صياغة الدستور المصري. لم يتدخل الجيش التونسي ولم يصعب الأمور على واضعي الدستور في وقت الأزمة أيضًا.

تقف أمام حكام تونس الكثير من التحديات، وعلى رأسها الاقتصاد. في الواقع، لا يهتم الكثير من المواطنين في الدولة، رجالاً ونساءً على حد سواء،  بتلك التفاصيل  البسيطة في البرلمان المتعلقة بحقوق المرأة والخلافات التي ترافقها؛ إنما ما يقلقهم أكثر هو أنهم لا يملكون ما يكفي من المال للمعيشة، ولإطعام أولادهم والاهتمام بتعليمهم اللائق. غير أن تقدم توسن المستمر، وإن كان بطيئًا، باتجاه الديمقراطية يعطي أملاً بأن حكامها المستقبليين سيواجهون الفساد بشكل حازم وأن تونس ستنجح بالدفع بحركة الاقتصاد وإرساء الحكم. إن نجحوا بذلك، سنشهد نظام حكم واحد على الأقل يتحقق  فيه “الربيع العربي” فعلا.

نشر المقال على موقع Can Think،  والمختص في شؤون الشرق الأوسط. ونضيف أن الموقع “Can Think” هو مشروع مستقل، لا يمت بصلة إلى أي جهة سياسية أو اقتصادية، ويعمل بموجب نموذج اشتراكي. الكُتاب والعاملون في الصحيفة هم أكاديميون، يقدمون تحليلات موضوعية من منظور بحثي.

اقرأوا المزيد: 623 كلمة
عرض أقل