برعاية مركز الوساطة وحلّ النزاعات في جامعة تل أبيب، اجتمع الدكتور نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية في فتح، والممثّل السابق للفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل، ودان مريدور، نائب رئيس الوزراء السابق ووزير الاستخبارات الإسرائيلية، وذلك لنقاش في موضوع المفاوضات واتفاق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

كانت أهداف النقاش أن يعرضا على جمهور المستمعين، وخصوصًا الطلاب الإسرائيليين والأمريكيين، مواقف كلّ جهة من الأطراف في المفاوضات، والمواقف الشخصية لكلّ واحد من المتحدّثين بخصوص احتمال نجاحه.

كان أوّل من تحدّث الدكتور شعث، والذي افتتح كلامه بتفاؤل كبير، وحين عاد إلى أيام أوسلو، حينها، بحسب أقواله، اعتقدوا اعتقادًا جازمًا أنّ صنع السلام وشيك، سينتهي الصراع ويأتي معه ازدهار اقتصادي وإقليمي هائل، والذي سيتضمّن كذلك تعاونًا لجميع الدول العربيّة مع إسرائيل وفلسطين.

الدكتور نبيل شعث (Flash 90)
الدكتور نبيل شعث (Flash 90)

ولكن كلّما مرّ الوقت، واختلفت الظروف، ازداد تباعد الجانبين عن الاتفاق. الوقت، بحسب أقواله، هو عامل مهمّ، أكثر ممّا نظنّ جميعًا. “العالم يتغيّر”، قال الدكتور شعث. من كان يتوقّع الربيع العربيّ، وما حدث في أعقابه؟ من يعلم ماذا سيكون بعد عام؟ كلّما مرّ الوقت، يخسر كلا الجانبين. اختار مريدور، الذي تحدّث بعده، تلخيص أقواله في جملة وهي “جاء الوقت بأنّ يتخذ كل جانب قرارات شجاعة، وسنصل في النهاية إلى نهاية الصراع.

ولكن هل من الممكن حقّا أن تكون نهاية الصراع قريبة؟ حين ننظر إلى العمق على كل واحدة من القضايا التي يطرحها الزعماء، يمكننا أن نكشف عن بصيص من التفاؤل، ولكنه بصيص صغير جدًّا، قد ينطفئ في أيّة لحظة.

الدكتور نبيل شعث والوزير السابق دان مريدور في الجلسة
الدكتور نبيل شعث والوزير السابق دان مريدور في الجلسة

دولتَان لشعبَين

“أحد الاعترافات الأهمّ التي قام بها الفلسطينيون هو أنّ كلا الشعبَين هنا من أجل البقاء”، يقول شعث. إذا كانت الحرب في الماضي ضدّ محتلّ خارجي، مثل الإنجليز والعثمانيين، وكان الطموح هو أنّه من الممكن طردهم حتى يرحلوا، فاليوم يفهم الفلسطينيون بأنّه لا يوجد مكان آخر للإسرائيليين ليذهبوا إليه. ولذلك هناك حلّان ممكنان فقط. إمّا دولة واحدة تشمل كلّ الأراضي وجميع المواطنين، أو دولَتين لشعبين”.

يقول شعث إنّه كان في الماضي من مؤيّدي فكرة الدولة الواحدة، ولكن الإسرائيليين لم يكونوا مستعدّين أبدًا لقبول ذلك، واليوم الفلسطينيون أيضًا يفهمون بأنّ هذا ليس ممكنًا، ممّا يبقي فقط حلّ الدولَتين.

هذا ما يعتقده مريدور أيضًا. “يجب أن يكون الهدف الأول لكل من الجانبين تحقيق دولتَين لشعبَين. ولكنّ هذه ليست هي القضيّة المعقّدة. ففي السنوات العشرين الأخيرة حدث تقدّم كبير في وعي الشعب الإسرائيلي وزعمائه. لقد خشي رئيس الحكومة الراحل إسحاق رابين، الذي اعتبر أحد الروّاد والأكثر تقدّمًا فيما يتعلّق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، من الاعتراف بصوت عالٍ بإمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود عام 1967، وتكون عاصمتها القدس. اليوم، معظم الشعب الإسرائيلي، ونتنياهو نفسه، يعترفون بالحاجة لوجود دولة فلسطينية، ومن المفترض قيام تلك الدولة، عاجلا أم آجلا. المشكلة هي في التوصّل إلى اتفاق حول الشروط التي ستقوم بها”.

بحسب أقوال مريدور، فعلى الإسرائيليين توفير كلّ الجهود من أجل تحقيق اتفاق تقوم في إطاره دولة فلسطينية، ولكن إنْ لم يتمّ الأمر، ولم تسفر المفاوضات عن نتائج، فإنّ الإسرائيليين يحتاجون إلى اتخاذ قرار حول الدولة الفلسطينية، مع حدود متّفق عليها، “وباقي الأمور يتمّ الاتفاق عليها لاحقًا”. إنْ لم يكن ذلك ممكنًا أيضًا، يقول مريدور، فإنّ الإسرائيليين يحتاجون إلى تحديد الحدود من جهة واحدة والانسحاب ممّا بقي من أراضٍ. “على أيّة حال”، يلخّص، “علينا إيقاف الاستيطان”.

دان مريدور (Flash 90)
دان مريدور (Flash 90)

قضية الحدود والترتيبات الأمنية

بينما ادّعى مريدور أنّ هناك اتفاقية عامة قائمة حول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مع تبادُل الأراضي، و “فقط يجب الوصول إلى اتفاقات على بعض التفاصيل الصغيرة”، كان موقف شعث أكثر تعقيدًا. بالنسبة للدكتور، المولود في صفد، لقد قام الفلسطينيون بتنازلات مؤلمة، حين اعترفوا بأنّ “فلسطين ستقوم فقط على 22% من فلسطين التي ولدت وترعرعت فيها”، ولكن حسب أقواله، يضطر الفلسطينيون دومًا أن يقدّموا تنازلات أخرى، وأن يكونوا أكثر مرونة وفقًا للمطالبات الإسرائيلية.

“طوال السنوات، يضطر الفلسطينيون إلى أن يكونوا مرنين. كنّا مرنين حين اتفقنا على حدود عام 1967 مع تغييرات، ولكن بماذا سيستمرّون بمطالبة الفلسطينيين؟ نحن نحتاج للتنازل ليس فقط عن القدس، وإنما عن أراضِ شاسعة من الضفة، حيث يطالب الإسرائيليون بالسيطرة على قمم الجبال والمجال الجوّي الخاص بنا، يريدون تواجدًا في غور الأردن، ويريدون الاستمرار باستخدام مياهنا؟ ماذا تبقّى للفلسطينيين؟

يطالب شعث في رؤيته أن يرى حدودًا مفتوحة، يمرّ منها الناس بحرية، السلع والإيديولوجيات، ولكن هذا سيتحقّق فقط إذا “أعطانا الإسرائيليون سيطرة على أراضينا”. في هذه المرحلة، يمكننا أن نرى بأنّ الدكتور شعث، الذي بدأ خطابه بسرور وتفاؤل، بدأ يفقد السلام.

منطقة غور الأردن (Flash90/Yossi Zamir)
منطقة غور الأردن (Flash90/Yossi Zamir)

“يريد الإسرائيليون إبقاء التواجد العسكري في غور الأردن، وبعد عشر سنوات، أو ثلاثين وفقًا لبعض الطلبات، سيفحصون إنْ كان الفلسطينيون قادرين على حماية الحدود بأنفسهم. ولكن كيف بالضبط يتوقّعون أن نستطيع حماية حدودنا إن كانوا يطلبون أن نكون دولة منزوعة السلاح؟”

القدس

في هذه القضية أيضًا يستمرّ شعث بالشكوى. “يحاول الإسرائيليون إملاء الواقع، وكل ما يفعله كيري هو صياغة ذلك بشكل أكثر قبولا للرأي بالنسبة للفلسطينيين”. حسب ادعائه، لا يُعقل أن يقترح الإسرائيليون بأن تكون العاصمة الفلسطينية حيًّا صغيرًا خارج الأسوار في القدس الشرقية، أو كما اقترحوا سابقًا، فيلا أو قصرًا رئاسيًّا يقام في القدس الشرقية ويرفرف عليها العلم الفلسطيني، وتكون هذه هي العاصمة. ولا يعقل أن يصوغ الأمريكيون ذلك على أنه “عاصمة فلسطينية في “القدس وضواحيها”.

هناك أيضًا، يمكننا أن نشير إلى أنّ مريدور أكثر تفاؤلا. لقد سعى في الواقع إلى عدم الدخول بعمق لقضية القدس، لأنّها “معقّدة”، ولكنه قال إنّه حسب رأيه يمكن الوصول إلى تفاهمات واتفاقات في الموضوع، طالما أنّ هناك هدفًا واضحًا وترتيب أولويات واضح. بالنسبة للإسرائيليين، كما قال، فإنّ قضية اللاجئين هي الأهمّ، وعليها ستقام أو تسقط المفاوضات. “كلّ ما عدا ذلك يمكن حلّه. أما بالنسبة لهذه القضية، فلستُ متأكّدًا”.

مدينة القدس (Nati Shohat/Flash90)
مدينة القدس (Nati Shohat/Flash90)

اللاجئون الفلسطينيون

في قضية اللاجئين يختار مريدور توضيح وجهة نظره من خلال كتاب لكوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، في فترة مؤتمر أنابوليس. في الفصول المخصّصة للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية تقول رايس إنّ رئيس الحكومة حينذاك، إيهود أولمرت، اتصل بها وأخبرها بأنّه يعتقد بأنّه يمكن التوقيع على الاتفاق. قضية الحدود، بما في ذلك أجزاء من القدس، تم الاتفاق عليها، مع تنازلات واسعة وصعبة من الجانب الإسرائيلي، وقد وافق عليها الفلسطينيون. ولكن في نهاية المطاف، في لحظة قبل التوقيع، قال محمود عباس: “كيف يمكنني أن أقول لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني بأنّه لا يوجد أمامهم مكان للعودة إليه؟”

وكما ذُكر آنفًا، يعتقد مريدور أن سائر القضايا محلولة، “بل وإنّ حماس ستعترف بدولتَين لشعبَين”، ولكن بالنسبة للفلسطينيين فهناك قضية رئيسية، وبالنسبة للإسرائيليين، فهي القضية الأولى في ترتيب الأولويات ولا يمكن تقديم تنازلات فيها دون تعريض مستقبل الدولة اليهودية للخطر. وقد أكّد مريدور أيضًا أنّه بسبب ذلك تحديدًا، على إسرائيل أن تعمل بأكثر ما يمكنها من أجل الوصول لاتفاق، لأنّه “في هذه اللحظات يقف المجتمع الدولي إلى جانب إسرائيل في تلك القضية، بخلاف سائر القضايا. ولكن هذا فقط في هذه اللحظات، ولا نعرف ما سيحدث بعد ذلك. يجب على قيادتنا اقتناص ذلك”.

الدولة اليهودية

في كتيب صغير تم توزيعه للمشاهدين في بداية الحدث، تم تفصيل “الموقف الفلسطيني” بخصوص القضايا المتداوَلة في المفاوضات. وحين يتم الوصول إلى قضية الاعتراف بالدولة اليهودية، كُتب بتهكّم: منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بدولة إسرائيل منذ 1993… إذا كانت إسرائيل تريد تغيير اسمها، يمكنها التوجه إلى الأمم المتحدة وطلب اعتراف مجدّدًا”.

ولكن دان مريدور يجد صعوبة في أن يفهم ما السبب وراء كلّ هذه الضجّة. بإمكان كلّ شخص البحث في جوجل “‏Yaser Arafat, Jewish State‏” وأن يرى عرفات، بصورته وصوته، الذي اعترف بالدولة اليهودية منذ وقت طويل”. إنّه لا يفهم كيف تحوّلت القضية فجأة إلى عقبة كبيرة لهذه الدرجة في المفاوضات الحاليّة، ومن الواضح من تصريحاته أنّه يلوم كلا الجانبين، الإسرائيليين الذين أصرّوا فجأة على الاعتراف، والفلسطينيّين الذين يصرّون على المعارضة كاستجابة لذلك.

https://www.youtube.com/watch?v=GqeFIbDhJ8w&feature=youtu.be

الرواية

طوال السنين، تقف الرواية الإسرائيلية دومًا أمام الرواية الفلسطينية وتتصادما، والسؤال: “من كان هنا من قبل”، أو “من يملك البلاد” يعود ويظهر في الجدالات، والتي تخرج تقريبًا دومًا عقيمة، حيث يتمسّك كل واحد من الجانبين بمواقفه.

لهذا السبب بالذات، برزت بشكل خاصّ أقوال الدكتور شعث. تحدّث كيف أنّه منذ سنوات الستينات درس الرواية الإسرائيلية بعمق، درس المحرقة وتعرف على نتائجها الفظيعة، ونجح في فهم الألم والخوف الذي انتاب الشعب اليهودي، وأنّ هذا هو الذي جعله يعترف أنّه لا يوجد لليهود مكان آخر ليذهبوا إليه، والاعتراف أنّه في نهاية المطاف ستكون هنا دولتان.

ولذلك، فهو يطالب ويقول إنه على الإسرائيليين أن يدرسوا الرواية الفلسطينية، ويفهموا الألم والمعاناة المستمرين لدى الفلسطينيين، وإنهاء الجهل من كلا الجانبين. هكذا فقط يستطيع كلا الشعبين الوصول إلى السلام، والذي نحتاجه بشكل كبير هنا.

يوجد أمل

“أنا أؤمن بالسلام، أريد السلام، وأعتقد أن السلام ضروريّ”، يلخّص شعث، “ولكن مع الأسف، لست متأكدًا بأن ذلك سيحدث في الجولة الحالية مع جون كيري”. هو يقترح طرقًا جديدة لحلّ الصراع، ومن بينها إقامة مؤتمر دولي مثل مؤتمر جنيف الذي تم عقده من أجل محاولة إيجاد حلّ للأزمة في سوريا.‎ ‎

حسب تعبيره، حتى إنْ لم ينته المؤتمر باتفاق إطاري في نهاية المطاف، “فلن تكون تلك نهاية العالم”، ومصلحتنا هي الاستمرار في الحوار. إنّ التوقيع على الاتفاق الإطاري لا يمثّل شرطًا لإطالة المحادثات، التي يمكن أن تتم في شروط جديدة، هي تجميد البناء والإفراج عن أسرى آخرين.

وكما ذكر مريدور، فهو يعتقد أنّ “الوقت ليس في صالحنا، ولذلك حان الوقت لكي يتّخذ زعماء شجعان قرارات شجاعة”. وقد وافق شعث على ذلك.

اقرأوا المزيد: 1390 كلمة
عرض أقل