يعرف الكثير عيد الأنوار (حانوكا) الذي يحتفل به اليهود في هذه الأيام، لكن لا يعرف الكثير منهم التاريخ المثير من ورائه، والذي يتمثل في الأساس بالتمرد الكبير الذي قام به اليهود ضد حكام أرضهم من اليونانيين. الصراع اليهودي ضد الحكم الأجنبي لليونانيين، الذين حاولوا تدمير الروح اليهودية، تدنيس معبدهم، وإجبارهم على ترك دينهم، انتهى بانتصار ساحق للمحاربين اليهود.
حتى اليوم يقدم اليهود الشكر لله الذي أنعم عليهم وخلصهم من أعدائهم ومستعبديهم- وعيد الأنوار هو يوم الاحتفال بالحرية والاستقلال اليهودي. ليس عبثًا أن عاد وصار هذا العيد عيدا مركزيا بعد قيام دولة إسرائيل، وهذا على الرغم من إهماله على مدى الأجيال ووضعه في الهامش. لقيَت قصة انتصار اليهود المحاربين من أجل استقلالهم استحسان الصهيونيين، الذين رأوا في أنفسهم المكمّلين في الطريق الذي بدأه المكابيّون، وهم المحاربون الذين هَزموا اليونانيين.
حانوكا، عيد الأنوار اليهودي ( Mendy Hechtman/Flash90)
الحاكم اليوناني الظالم لمملكة السلوقيين، أنطيوخوس الرابع، الذي حكم بين عامي 174-165 قبل الميلاد، هو الذي قمع اليهود حتى انفجروا متمردين. سنة 169، زحف أنطيوخوس بجيشه إلى القدس، التي كان فيها الهيكل اليهودي، وسلب ممتلكاته.
وذلك، من غير أي تحرش من جانب اليهود. بل العكس هو الصحيح- آمن الكثير من اليهود بأن الثقافة اليونانية هي الثقافة المتفوقة، وبدأوا بترك سبيل الله. لقد دنس أنطيوخوس الهيكل، ونصب هناك مذبحا للإله اليوناني زيوس.
بعد ذلك حكم أنطيوخوس على اليهود بأحكام لا سابق لها في التاريخ: منع اليهود من إقامة شعائرهم الدينية. ومنع اليهود خاصة من الختان، قراءة التوراة، والحفاظ على قدسية يوم السبت. عدا عن ذلك، أجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وألغيت عبادة الله في الهيكل في القدس. وتحتها أقيمت عبادة الآلهة اليونانيين.
لذلك، وبسبب الكثير من ذلك، كان تمرد اليهود على اليونانيين حربا من المؤمنين ضد عبّاد الآلهة. سنة 167 قبل الميلاد اندلع تمرد يهودي شامل، استمر لسبع سنوات. كان أغلب التمرد في منطقة يهوذا، في المكان الذي تقع فيه اليوم مدينة موديعين والمدينة الفلسطينية رام الله، بين أريحا والبحر الميت غربا، القدس في الوسط، والخليل من الجنوب.
حانوكا، عيد الأنوار اليهودي (Nati Shohat/Flash90)
كان القائد الروحي للتمرد هو الكاهن الكبير متتياهو الحشمونائي. كان ابنه، يهودا المكابي، قائدًا عسكريًّا للتمرد. كانت دلالة الاسم مكابي ثنائية: أولا، مكابي هو المقاتل الذي يحمل معه مطرقة حرب. ثانيًا: “مكابي” هي أوائل حروف التعبير العبري: “لا إلهَ مثلُك، يا رب”. لا يؤكد هذا الأمر إلا تعلق المقاتلين بالله.
أولا، توجه اليهود إلى الحرب الأهلية، ضد أبناء امتهم الذين اتخذوا الثقافة اليونانية وعبادة الآلهة اليونانية سبيلا لهم. مات الملك اليوناني أنطيوخوس خلال محاولته إخماد التمرد في أرمينية، وانهزم العسكريون اليونانيون أمام المحاربين المكابيين.
بعد سبع سنوات من التمرد الدموي، نجح المقاتلون المكابيون، الجيش اليهودي في ذلك الزمن، بإعادة الهيكل للسيادة اليهودية. لقد طهروا من جديد بيت عبادة الله، وأعادوا إليه الشمعدان المقدس. أعجوبة إنقاذ الهيكل وإعادة السيادة اليهودية إليه هي الأعجوبة الأولى المذكورة في “الحانوكاه”.
حانوكا، عيد الأنوار اليهودي (Nati Shohat/Flash90)
لكن حسب السيرة اليهودية، مع وصولهم إلى الهيكل المدنس، اكتشف المكابيون أنه لم يبق من الزيت ما يضيئ الشمعدان المقدس. لم يجدوا إلا جرة صغيرة من الزيت، وكان فيها ما يكفي لإشعال الشمعدان لوقت قصير. وعندها وقعت الأعجوبة الثانية- لقد كانت الجرة كافية لإضاءة القنديل لمدة ثمانية أيام. وعلى هذا يحتفل بعيد التدشين منذ ذلك اليوم وحتى هذه الأيام لمدة ثمانية أيام.
يرمز إشعال الشمعدان، وهو شمعدان الشموع، إلى نفس الشمعدان الذي كان في تلك الأيام في الهيكل المقدس. حتى لو تخلى الكثير من اليهود عن حلمهم في إقامة نفس الهيكل القديم، فما زالوا يشكرون الله على استقلالهم وحريتهم.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني