جيش لبنان الجنوبي

استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)
استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)

كيف حصل حزب الله على مركبات قتالية مصنعة في أمريكا ؟

استعراض القوة في القُصير يثير تساؤلات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول إذا كانت مركبات المشاة، المُصنّعة في أمريكا، قد سُرقت من جيش لبنان أو أُخذت من مكان آخر؟

نشرت وسائل إعلام عربية، في الأسبوع الماضي، صورًا من الاستعراض العسكري لحزب الله في سوريا بمشاركة المئات من مُقاتلي الحزب. ونشرت وسائل إعلام وجهات مُقرّبة من حزب الله تقارير عن الاستعراض العسكري أيضا. لم تنشر المنظمة الشيعية بشكل رسمي تلك الصور التي يدور الحديث عنها.

ويأتي الاستعراض العسكري لحزب الله في الفترة التي تُجرى فيها ترتيبات سياسية في لبنان، بعد انتخاب الرئيس ميشيل عون – حليف حزب الله.

استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)
استعراض عسكري لحزب الله في القصير (Twitter)

حاولت المواقع الإخبارية اللبنانية أن تفهم الرسالة التي يُريد الحزب إيصالها، وخصوصًا أنه لم ينشر الصور رسميًا. وأشارت تعليقات في بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ربما بعض الوسائل القتالية، مثل مركبات المشاة القتالية M-113، من إنتاج الصناعة الأمريكية أُخِذ من الجيش اللبناني.

إلا أن رد حزب الله الرسمي لم يتأخر. “الاستعراض العسكري هو رسالة واضحة للجميع ولا حاجة لتوضيحات أو تحليلات تستكمل معناها”. هذا ما أوضحه نعيم قاسم البارحة (الأربعاء)، نائب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في تعليق على الاستعراض العسكري الذي قام به حزبه في مدينة القُصير عند الحدود السورية اللبنانية وأثار عاصفة في الدول العربية.

لكن السؤال المركزي، الذي بقي مفتوحًا وأثار اهتمام وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، هو: كيف وصلت إلى أيدي مُقاتلي الحزب مركبات المشاة القتالية 113‏M، التي كما هو معروف مصنّعة في أمريكيا.

توقع المُحلل السياسي الإسرائيلي المُخضرم، رون بن يشاي (يديعوت أحرونوت) أن “المعدّات القتالية التي تم استعراضها هي جزء من كتيبة المدرعات التي أنشأها حزب الله قبل عام وباتت قتالية الآن. يمكن أن نلاحظ وجود دبابات تي – 72 روسية الصنع ومركبات مشاة قتالية من نوع M-113، يمتلك مثلها الجيش الإسرائيلي أيضًا. يبدو أن الحزب حصل على مركبات المشاة تلك من جيش اللبناني”.

مركبة المشاة القتالية M-113 من صنع الولايات المتحدة (U.S. Army Flickr)
مركبة المشاة القتالية M-113 من صنع الولايات المتحدة (U.S. Army Flickr)

وأشار تحليل آخر نُشر البارحة (الأربعاء) في صحيفة واشنطن بوست إلى أن تلك المركبات أخذها مقاتلو حزب الله في عام 2000 مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وبعد تفكيك جيش لبنان الجنوبي. انشغلت جهات من البنتاغون ووكالات المُخابرات الأمريكية بالسؤال كيف وصلت تلك الآليات العسكرية إلى حزب الله، وتبين بعد الفحص أن الحديث يدور عن أنواع قديمة من مركبة المشاة القتالية M-113 ومن الأرجح أن الحزب حصل عليها بعد تفكيك جيش لبنان الجنوبي وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

يحصل الجيش اللبناني، كما هو معروف، على دعم كبير من الولايات المُتحدة كل سنة. وتُشير التقديرات إلى أن المعدّات العسكرية التي أرسِلت إلى الجيش اللبناني تقدر قيمتها بـ 221 مليون دولار (عام 2016) وذلك لمساعدة لبنان على التصدي للإرهاب ومنع تغلغل الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إلى الأراضي اللبنانية.

اقرأوا المزيد: 380 كلمة
عرض أقل
أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل (AFP)
أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل (AFP)

اللبنانيون يحتجّون: لن نسمح بدفن أنطوان لحد في لبنان

آلاف اللبنانيين يحتجّون في مواقع التواصل على نية إقامة جنازة ومراسم تشييع للجنرال أنطوان لحد، قائد جيش لبنان الجنوبي الأسبق

13 سبتمبر 2015 | 11:25

أثارت وفاة قائد جيش جنوب لبنان الجنرال أنطوان لحد (88 عاما) في باريس عاصفة في لبنان. غضب اللبنانيون من نيّة إقامة جنازة أو مراسم تشييع في القرية التي ولد فيها وانضمّ الآلاف للاحتجاج في مواقع التواصل الاجتماعي. لقد دعوا إلى إقامة مظاهرة يوم الإثنين القادم بعد الظهر في الشارع المؤدي إلى المطار الدولي في بيروت داعين إلى منع دفنه في لبنان.

وكما هو معروف، فقد عمل لحد كقائد لجيش لبنان الجنوبي منذ العام 1984 وحتى تفكّكه خلال خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان في أيار عام 2000. في نهاية الأسبوع ذكرت وسائل إعلام فرنسية بأنّ لحد قد أصيب بنوبة قلبية. ووفقا لنفس المصدر، فستقام جنازته في 18 أيلول في باريس، وستقام أيضًا مراسم التشييع في 20 أيلول في مسقط رأسه بقرية كفر قطرة جنوب لبنان.‎ ‎

https://twitter.com/alaa9127/status/642974643255537664

ولد لحد في قرية كفر قطرة، ابنًا لأسرة من المزارعين والتجار المسيحيين الأثرياء. انضمّ في سنّ مبكّرة إلى الجيش اللبناني وبدأ بالتقدم في مسيرته العسكرية. يعتبر لحد أحد المقربين من الرئيس اللبناني كميل شمعون، مما ساعده في التقدّم في سلّم الرتب. ومع اندلاع حرب لبنان عام 1982 عمل لحد كقائد لمنطقة جونية.

عام 1983 بدأت المنظومة الأمنية بالبحث عن بديل لسعد حداد، قائد جيش لبنان الجنوبيّ في تلك الفترة، والذي كان يعاني من مرض شديد. بعض مفاوضات تولّى لحد المنصب (عام 1984) وانتقل مع أسرته من بيروت إلى جنوب لبنان. عمل لحد خلال ولايته كقائد لجيش لبنان الجنوبي على تحويله من ميليشيا منظّمة ذات هوية مسيحية إلى منظمة عسكرية مهنية ملتزمة إزاء جميع سكان جنوب لبنان.

حوكم لحد في لبنان (غيابيا) بثلاثة أحكام إعدام بتهمة الخيانة العظمى.‎ ‎ومع خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000 طلب اللحاق بزوجته وأطفاله الذين يعيشون في باريس، ولكن تم رفض طلبه من السلطات الفرنسية. انتقل للعيش في إسرائيل. وفي المقابلات التي أجراها لاحقا وجّه انتقادات حادّة لتصرّفات الحكومة الإسرائيلية، وبشكل أساسي رئيس الحكومة حينذاك إيهود باراك، خلال الانسحاب من لبنان.

عام 2003 افتتح مطعما على النمط اللبناني في كورنيش تل أبيب. كان يتنقّل خلال السنين بين تل أبيب وباريس، وقبل خمس سنوات حدّد مكان إقامته في باريس. وكما ذُكر آنفًا، فقد استطاع خبر وفاة لحد إثارة الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان. على سبيل المثال تم إطلاق صفحة فيس بوك تدعو إلى عدم السماح بدفنه في الأراضي اللبنانية على خلفية تعاونه مع إسرائيل.

https://twitter.com/zahri_abbas/status/642760859664674816

وأُطلقت في تويتر وسوم خاصة تدين “خيانة” لحد للوطن. الوسوم الشعبية: #انطوان_لحد و #نهايه_كل _عميل .

ومن بين مئات التعليقات يمكننا أن نعثر على إدانات شديدة لفكرة عودة لحد إلى قريته ودفنه هناك، حيث كتبت إحدى المعلّقات: “قالولي بدن يجيبو انطوان لحد يدفنو بلبنان منعتذر نحنا عم نشتغل على عقد مع المانيا نطمر زبالتنا برا..وهيك” وقالت متصفّحة أخرى إنّ لحد كان مسؤولا عن الكوابيس الأكبر لها عندما كانت طفلة وكتبت: “الرعب الذي سببه لي العميل‏‎” ‎‏انطوان لحد‏‎” ‎‏في طفولتي كما العديد من الاطفال الجنوبيين محفور في ذاكرتي ووجداني الى آخر العمر ‏‎#‎‏لن‏‎ ‎‏نسامح”.

اقرأوا المزيد: 451 كلمة
عرض أقل
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)

15 عاما على الانسحاب من لبنان: ما الذي دفع إسرائيل إلى إخلاء “الحزام الأمني”؟

إذا سألت عضوا في حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة "قتالنا العنيف أبعدهم"، ولكن الصورة بالنسبة لإسرائيل كانت أكثر تعقيدا، إذ كانت للانسحاب من لبنان مجموعة متنوعة من العوامل

24 مايو 2015 | 15:32

بعد 15 عاما على خروج آخر الجنود الإسرائيليين من لبنان، هناك إجماع في إسرائيل على أنّ الانسحاب وفّر حياة آلاف الجنود الإسرائيليين واللبنانيين أيضًا، بل حتى حياة جنود العدوّ اللدود لإسرائيل في لبنان، حزب الله. ولكن سوى حصيلة الضحايا الثقيلة التي دفعتها إسرائيل منذ تمسّكها بالحزام الأمني في لبنان، والضغوط الشعبية التي مُورست على الحكومة، فإنّ غياب الأهداف السياسية والأمنية، وفشل المفاوضات مع سوريا، عزّزت من شعور إسرائيل بأنّ الوجود في لبنان لا طائل وراءه.

صحيح أنك لو سألت أعضاء حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة: “الجيش الإسرائيلي خرج بسببنا”. وستتحوّل القصة إلى نقاش حول بطولة التنظيم الشيعي. ولكن الاعتبارات التي جعلت إيهود باراك يخرج من لبنان عام 2000 كانت أبعد من حزب الله بكثير، دون التقليل من الرغبة الإسرائيلية في الحفاظ على حياة البشر. ونذكّر أنّ إسرائيل دخلت إلى لبنان من أجل قتال منظمة التحرير الفلسطينية وليس حزب الله، وبعد أن نجحت في طرد منظمة التحرير الفلسطينية، فقد بقيت ببساطة على مدى 18 عاما لأنّها لم تعرف كيف تخرج.

تلك هي بعض الاعتبارات العامة التي أدت بالقيادة الإسرائيلية إلى الخروج من لبنان:

ثمن كبير مقابل أهداف غير واضحة

شنّت إسرائيل حربها في لبنان عام 1982 بهدف تدمير البنية التحتية للإرهاب والتي أقامتها المنظمات الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، وهدّدت مواطني إسرائيل بالعمليات الإرهابية في الشمال. بعد أن نجحت إسرائيل في هذه المهمة بعد ثلاث سنوات من الحرب، قرّرت الانسحاب جنوبًا والبقاء في شريط ضيّق سُمّي “الحزام الأمني”.

ولكن بعد أن ضعفت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، كان بقاء الاحتفاظ بالحزام الأمني أمرا لا لزوم له بالنسبة لإسرائيل وغير مجدٍ، إذ لم تخدم إراقة دماء الجنود السنوية هدفا حقيقيا.

العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)
العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)

وحينذاك دخل تنظيم حزب الله إلى الصورة. حزب الله هو تنظيم شيعي تأسس عام 1982 وتعهّد بمحاربة إسرائيل. أدركت إسرائيل بأنّه ميليشيا تحاول ضرب جذورها في البلد الممزّق، لبنان، ولكن كل محاولة للقضاء على حزب الله أدّت إلى ردود فعل دولية شديدة، وذلك بسبب سقوط ضحايا من المدنيين بشكل أساسيّ، وقد سمحت سوريا التي كانت تسيطر على لبنان في تلك الفترة للتنظيم بالعمل بحرية.

وكان القتال ضدّ حزب الله صعبا لأنّ التنظيم عمل في “أرضه” وأخرج عمليات نوعية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي في لبنان، كان عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي كبيرا، وفي مرحلة متأخرة أدركت إسرائيل أنّ البقاء في الأراضي اللبنانية لا يمكنه إيقاف صواريخ حزب الله.

وصار التقدير الجديد في إسرائيل يقول إنّه من الممكن الدفاع عن بلدات الشمال أيضًا من الحدود الدولية مع لبنان ولسنا مضطرّين للبقاء في الحزام الأمني. وهكذا، كانت إحدى نتائج حزب لبنان الثانية التي جرت عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله الهدوء في الحدود الشمالية حتى اليوم.

ضغوط شعبية في إسرائيل

كان أحد الحوادث الدراماتيكية التي جرت في فترة السيطرة الإسرائيلية على جنوب لبنان، وأثر كثيرا على صنّاع القرار في إسرائيل، هو الحادث الجوّي القاتل أو ما عُرف في إسرائيل باسم “كارثة المروحيّات”. قُتل في هذه الحادثة 73 جنديّا كانوا في مروحيّات وفي طريقهم إلى جنوب لبنان. أدّت الحادثة القاسية إلى ضغوط شعبية كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لترك لبنان.

الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)
الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)

كانت الحركة الأكثر بروزا والتي تأسست في أعقاب هذه الحادثة هي “أربع أمهات”. تأسست الحركة من قبل أربع نساء من سكان الشمال الإسرائيلي ومن أمهات الجنود الذين خدموا في لبنان، بهدف تحقيق خروج الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني في جنوب لبنان. نقلت الحركة رسالة من القلق على “الشبان المقاتلين”.

سرعان ما اخترقت الحركة النقاش العام وبدأت في إثارة النقاش الذي أساسه “الحرص على المقاتلين” أو الشبان كما تحدّثت الأمهات عن الجنود، بعيدا عن الخطاب الذي هيمن في إسرائيل حول الاحتفاظ بالمناطق أو الانسحاب منها لدوافع استراتيجية. ورغم الانتقادات التي تلقّتها الحركة من قبل المعارضين للانسحاب فقد نجحت في تفعيل ضغوط شعبية غير صغيرة على صنّاع القرار في إسرائيل. وهناك من يدّعي في إسرائيل بأنّ منظّمة “أربع أمّهات” هي التي تقف وراء انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

انعدام الانجازات السياسية

في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أجرت إسرائيل مفاوضات مع سوريا بهدف التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وسوريا، ولكن بين إسرائيل ولبنان أيضًا (بسبب سيطرة سوريا في الواقع على لبنان حتى عام 2005). بعد لقاء الرئيس الأمريكي حينذاك، بيل كلينتون، والرئيس السوري حافظ الأسد، وعندما فهم الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية أنّه لا يوجد اتفاق، حدث تغيير دراماتيكي في الجانب الإسرائيلي وازدادت الرغبة الإسرائيلية في تنفيذ خطوة من جانب واحد للانسحاب دون التنسيق مع الدول العربية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فقد رفضت الحكومة اللبنانية مناقشة ترسيم الحدود مع إسرائيل، ونسّق إيهود باراك، الذي كان رئيس الحكومة حينذاك، هذه الخطوة مع الأمم المتحدة برئاسة مبعوثها تيري رود لارسن.

ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)
ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)

ومن الجدير ذكره، أنّ باراك قد وعد خلال انتخابات العام 1999، والتي تغلّب فيها على رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو، بأنّه لو انتُخب لرئاسة الحكومة فسوف يُخرج الجنود من لبنان، وقد ساعده الأمر ليتم انتخابه كرئيس للحكومة.

ونذكر أيضًا أنّ عملية تفكيك جيش جنوب لبنان، الذي عمل في جنوب لبنان إلى جانب إسرائيل، سرّع من انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان. من الصعب أن نقرّر ماذا أثّر على ماذا، هل شعور أعضاء جيش لبنان الجنوبي بأنّ إسرائيل قد انسحبت من لبنان هو الذي أدى بهم إلى التفكّك أم العكس؟ ولكن العلاقات بين إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي كانت من بين الاعتبارات التي رجحت كفة الميزان لصالح الانسحاب.

اقرأوا المزيد: 803 كلمة
عرض أقل
اللبنانيون في إسرائيل (AFP)
اللبنانيون في إسرائيل (AFP)

اللبنانيون في إسرائيل: بين الحنين والبحث عن مستقبل أفضل

"اللبنانيون في إسرائيل"- مصطلح انبثق بعد عام 2000، ليمثل شريحة من الشعب اللبناني اضطرت الى دخول دولة اسرائيل قسرا، اثر الانسحاب الاحادي الجانب الذي نفذته قوات الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان

يعيش اليوم في إسرائيل اكثر من ثلاثة الاف لبناني، يتمركزون في شمال إسرائيل، اغلبيتهم في مدينة نهاريا الحدودية. هؤلاء اللبنانيون دخلوا إلى إسرائيل بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، تطبيقا للقرار الدولي رقم 425، وهم بأكثريتهم الساحقة من عناصر جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم.

بين المرارة على مصير انهى قضية نضال يعتبرونها الاشرف والحنين الى وطن لم يقدر تضحياتهم، يعيش عناصر جيش لبنان الجنوبي تناقضات المنفى، وفي هذا الاطار يقول سامر أ. رقيب سابق : ” قدمنا اغلى ما لدينا من اجل لبنان، واذا به يفضل اعداء هويته على حراس لبنانيته”.

جيش لبنان الجنوبي
جيش لبنان الجنوبي

لا يزال هؤلاء اللبنانيون يعيشون وفق حضارتهم وعاداتهم، متمسكين بهويتهم، محاولين استكمال الحياة رغم صعوبة الواقع المفروض ” اربعة عشر عاما، ونحن نصارع البقاء معنوياً، ليس من السهل بعد نضال استمر عقود من الزمن، من اجل قضية،  ان تقتلع من ارضك ويسدل الستار بسهولة عن تاريخ جبل بالدماء “، قال ابو سمير بحرقة، والدمعة تلمع في عيونه، تختصر عمرا من الكفاح، وهو ضابط سابق في “الجنوبي” وفي سؤال عن المسؤول عن واقعهم؛ اسرائيل، الدولة اللبنانية او حزب الله اجاب: ” الكل يتحمل المسؤولية… نحن دفعنا ثمن تسوية دولية ومصالح خاصة للاسف”

اتشعرون بالندم؟ سؤال اخر طرحناه، محاولين الولوج الى اعماق تفكيرهم فاجاب ريمون وهو من خدم في صفوف “الجنوبي” لاكثر من ثلاثين عاما ” ابدا!! عندما حملنا السلاح كان هو الخيار الاخير لمواجهة مشروع الفلسطيننين والدولة البديلة ومشروع دولة الفقيه برعاية حزب الله، نحن فخورون بماضينا واذا كنا اليوم نعيش المنفى ، فهذا دليل على اننا لم نساوم يوما على حبة من تراب وطننا”

شادي أ قال:” حملنا السلاح بشرف، وما حذرنا منه طيلة ثلاثين عاما، وصل اليه لبنان… كنا اول من فضح المشروع الفلسطيني واول من واجه ارهاب حزب الله، لم تعِِ الدولة اللبنانية ما فعلت، اتهمتنا بالعمالة(..) لكن عدالة التاريخ اثبتت اننا كنا على حق وان حزب الله وجه سلاحه ضدنا وليس ضد اسرائيل لاننا كشفنا مخططه ورفضناه”.

أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل (AFP)
أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة “جيش لبنان الجنوبي” الموالي لإسرائيل (AFP)

بين العنفوان والتأكيد على عدم الندم، تنضح معاني الغضب من كلمات مَن التقيناهم من عناصر “الجنوبي”،  لاعداد هذا التقرير، ليبادرنا نبيل  قائلا: “طبعا هناك غضب! غضب على الدولة اللبنانية التي باعت شعبها اكراما لمصالح دول اقليمية، غضب على حكومة إيهود باراك التي لم تحترم حلف الدم والمصير المشترك الذي جمع الجيش الجنوبي بالجيش الإسرائلي”.

ليؤكد : “نحن نحترم الشعب الاسرائيلي، ونكن له كل التقدير، علاقتنا به عميقة، يجمعنا به التاريخ والحلم المشترك؛ اي السلام… ومن اجله صغنا حلف الدم معه(..) هو ايضا دفع ثمن سياسة باراك الفاشلة التي انعكست سلبا على دولة اسرائيل، والمفارقة ان الاغلبية من الشعب،  دائما تعتذر منا على ما اقترفته حكومتها بحقنا” .

شكل دخول عناصر جيش لبنان الجنوبي عام 2000، وغيرهم من سكان المنطقة الحدودية الى اسرائيل، ظاهرة اكبر لجوء انذاك، وضع الدولة الاسرائيلية في حالة بلبلة حول كيفية استيعابهم، لتشرع حدودها فيما بعد امام اكثر من ثمانية الاف لاجئ.

يستعيد نمر هذه اللحظات قائلا؛ “عبرنا الحدود وايقنا ان الستار اسدل على تاريخ من المعارك والحروب ودخلنا اسرائيل في رحلة نحو المجهول، مزقنا الالم والحرقة على فراق عائلاتنا وقرانا ووطنا، فحضتنا هذه الدولة وعاملتنا اسوة بمواطينيها، هنا تشعر انك انسان وبالتالي تعي اهمية قيمة الانسان ” .

الامتنان لدولة اسرائيل لم يخفِ عتبا على سياسة حكوماتها تجاه ملفهم الذي لا يزال عالقا في اروقة الدوائر الحكومية دون حل نهائي.

وعن هذا يحدثنا سعيد:” عندما دخلنا اسرائيل، دخلناها كجسم واحد، وفي السنة الاولى كان لنا مرجع واحد، حتى اتخذ القرار بتقسيم هذا الجسم الى قسمين، الاول ، يتمثل بضباط وكبار القياديين في الجيش والذين احيلوا الى وزارة الدفاع، متمتعين بامتيازات شتى اهمها امتلاك دور خاصة بهم، ويقدر عددهم بـ250 عائلة، فيما احيل القسم الثاني، الذي يضم 470 عائلة، وهم من الجنود، الى وزارة الاستيعاب التي تعنى بشؤون القادمين الجدد، لا امتيازات لهم وبالتالي عليهم ان يؤمنوا مسكنهم ومستلزمات عيشهم بمفردهم” .

ويضيف سعيد:” هذا القرار كان ظالما وغير منطقي، حتى شخصيات سياسية اسرائيلية اعترفت بذلك، معتبرة هذا الملف صيغ بصورة غير عادلة  وبانه بمثابة معضلة”

اما اليأس فكان له مداخلة حول هذا الموضوع قائلا: “الصعوبة تكمن في عدم قدرتنا على الاندماج في سوق العمل، فالمعدل الوسطي لعمر عناصر الجنوبي يتخطى الخمسين عاما، كما ان واقع الحروب الذي عشناه حال دون تعلم مهنة، ضف الى صعوبة اتقاننا اللغة العبرية…كلها عوامل تعبر عن المأزق الذي نحن فيه نتيجة هذا القرار “.

رغم مرور 15 عام على القرار الا ان عناصر “الجنوبي”، الذن صنفوا على الاستيعاب لم يعرفوا الاستسلام، وها هم لا زالوا في حالة نضال من اجل احقاق الحق .

وهنا يقول نقولا: “لا نريد ان نكون متساووين 100% بالضباط، ولكن هناك خطوط عريضة لا بد من اعتمادها ان تكون.. وزارة الدفاع الإسرائيلية مرجعنا وبالتالي تأمين دور سكن لكل عائلة ، لاننا ناضلنا ودفعنا شهداء نحن ايضا وعندما كان حزب الله يزرع العبوات فهو لم يميز ابدا بين ضابط وجندي “.

وبين عتب وغضب الجيل الاول يبرز الجيل الثاني الذي يبدو اكثر استقرارا وتصالحا مع واقعه.

وهنا تقول نادين ابنة السادسة عشر ربيعا : “انا لبنانية اولا واخيرا وايضا اسرائيلية، كبرت هنا، ترعرعت هنا.. واشعر بالانتماء الى المكان الذي انا فيه”.

بين الهوية اللبنانية والهوية الاسرائيلية مصالحة يعكسها ابناء جيش لبنان الجنوبي،  كانت جلية اكثر في سؤال استفزازي، نوعا ما، طرحناه على جورج ابن العشرين ربيعا؛ من تفضل لبنان او اسرائيل ؟

فكانت الاجابة اكثر ذكاءً ووفاءً: “اجيبك على السؤال، حين تقول لي ايهما تفضل عينيك اليمنى او اليسرى؟ “.

عناصر من جيش لبنان الجنوبي عام 2000 (AFP)
عناصر من جيش لبنان الجنوبي عام 2000 (AFP)

في المدارس اليهودية يتلقى ابناء “الجنوبي” تعليمهم، يتفاعلون مع الحضارة الاسرائيلية واعيادها الدينية والوطنية،  ولكن دون الغاء للثقافة اللبنانية،  وعن هذا الموضوع حدثتنا نوال المسؤولة عن نشاطات الشبيبة اللبنانية: “نحن متمسكون بثقافتنا اللبنانية، ونحاول قدر الامكان زرعها في الاجيال الصاعدة عبر لقاءات ونشاطات اسبوعية، تتم بمعظمها برعاية كاهن رعية الجالية اللبنانية، لقد استطعنا خلق نوع من الكيان المستقل، اقله دينيا، فلنا رعيتنا الخاصة التي تعرف برعية “مار بطرس وبولس الللبنانية” ولنا ايضا كنائسنا الخاصة في عكا وطبريا… حتى كاهننا لبناني، فنحن نربي جيلا فيه من اللبنانية اصالته مع احترام الحضارة الاسرائيلية والعيش فيها دون ان يمحي كيانه الحضاري..والحمدلله بالامكان القول اننا نجحنا “.

الصفعة التي تلقتها عائلات الجنوبي في عام 2000، اثرت بهم لكنها لم تكسرهم، فقرروا السير قدما في الحياة، في اسرائيل، ليحققوا نجاحات على صعد مختلفة، من الاعمال الى الفن وصولا الى الجمال، تاركين الاثر وبصمتهم الخاصة.

وهنا تبادرنا كاسندرا وهي فتاة تطمح الى حمل لقب ملكة جمال اسرائيل يوما :” الوطن ليس بمكان جغرافي بل هو شيئ تشعر به وتعيشه، حلمي ان اصل الى لقب ملكة جمال اسرائيل، عند اصبح مستعدة، اللقب ليس هدفي بقدر ما الرسالة هي غايتي، وتتمحور :  فتاة لبنانية تمثل الجمال الاسرائيلي وبهذا اعكس حقيقة شعبي وحقيقة الدولة حيث اعيش”.

يذكر ان للجالية اللبنانية في إسرائيل، موقع خاص، على الرابط الآتي:

http://www.lebaneseinisrael.com

ينقل الموقع اخبار الجالية ومواقفها، وعن هذا يقول المسؤول عن الموقع: “هذا الموقع هو صرح اعلامي لنا، يتم تحديثه اسبوعيا بمقالات يكتبها ابناء الجالية بالاضافة الى مواقفنا وردودنا على الكثير من المقالات التي تهاجمنا ضف الى الشائعات التي تفبرك بحقنا.. كما يهمنا ان نحفظ تاريخنا وبطولات رجالنا.”

وبهذا، تبقى هذه الفئة جسرا بين هويتين يجمعهما العداء، هدفها كسر الجفاء بين الارزة ونجمة داوود لبناء اسس السلام وحسن الجوار بين دولتين فرضت الجغرافيا الجوار ونضح منذ فجر التاريخ بذور التعاون والتبادل الحضاري .

ونختم التقرير بقول لسيدة سبعينية من الجالية: “السلام قدر بين لبنان واسرائيل … وسنكون جسره وهمزة التواصل بين الشعبين “.

اقرأوا المزيد: 1118 كلمة
عرض أقل