“أوباما، كما يبدو، يفكّر بطريقة أخرى”. خلافًا لذلك، فمن الصعب شرح كيف نجح خلال 3 سنوات بارتكاب أي خطأ ممكن تجاه مصر. مقابلة شاملة حول ما يحدث في الدولة العربية الأهمّ في الشرق الأوسط، وحول السياسة الأمريكية في المنطقة وأيضًا كلمة عن عملية السلام.
“حين أرادوا منّي خطف ضابط شرطة مصري ودفنه حيًّا، كان ذلك أكثر من اللازم بالنسبة لي. وهذا ما جعل ضميري يصحو. في هذه المرحلة بدأت بنشر رسالة الإصلاح في الإسلام، وهذه هي المهمّة الرئيسية لي إلى جانب مقاومة التطرّف”، هذا ما قاله لي صديقي العزيز الدكتور توفيق حميد؛ طبيب، أخصائي نفساني، جهاديّ سابق واليوم هو فيلسوف وإصلاحي إسلامي.
ولد حميد لعائلة مصرية علمانية عام 1961، وفي سنّ 15 بدأ بالاهتمام بالدين. لم يمرّ وقت طويل حتّى دُعيَ للانضمام إلى مجموعة إسلامية متطرّفة غير قانونية باسم الجماعة الإسلامية، والتي كان عضوًا فيها إلى جانب دراسته للطبّ. “التقيتُ في بعض الفرص بعضو الجماعة، أيمن الظواهري، والذي أصبح فيما بعد الرجل الثاني بعد بن لادن واليوم هو زعيم القاعدة. كنتُ متطرّفًا وحلمتُ بالقتال في أفغانستان، الموت في القتال والوصول إلى الجنة”.
ولكن منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة من النيل واليوم حميد هو باحث معتمد ورئيسي في معهد “بوتوماك لدراسة السياسات”. ويشغل اليوم منصب رئيس مجال التطرّف الإسلامي في المعهد، يبحث في الظاهرة ويكرّس كل ما يملك لمحاربتها في جميع أنحاء العالم. تحدّثنا معه مطوّلا حول آخر التطوّرات في بلده مصر، حول السياسة الخارجية الأمريكية في هذا الموضوع، صراعه ضدّ الإسلام المتطرّف وأيضًا حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وعملية السلام.
أولا لنضع نظامًا من التعريفات: بالنسبة لمصر، فحين تتحدث عن “إسلاميّين متطرّفين”، هل تقصد أيضًا “الإخوان المسلمين” أم فقط الجماعات الجهادية المختلفة مثل “أنصار بيت المقدس”، الذين قاموا بتنفيذ العديد من الهجمات، بما فيها هجمات ضدّ إسرائيل؟
أقصد الجميع، بالتأكيد. لا أفرّق بين “الإخوان” والآخرين. فلنكن واقعيّين: لم يفجّر بن لادن نفسه في برجي مركز التجارة العالمي، ولكنه كان المجرم الذي قاد الفكرة وخطّط للعملية. لم يقتل هتلر اليهود بيديه، ولكنّه وقف خلف هذه الأيديولوجية. “الإخوان المسلمون” لا يوسّخون أيديهم فعليًّا، ولكن تذكّر أنّ مرسي التُقط بالكاميرا وهو يشجّع الناس في تعليم أولادهم كيف يكرهون اليهود، ودعا قاتلي الرئيس السادات – رمز السلام – لحفل أقيم في ذكرى حرب تشرين.
يركّز “الإخوان المسلمون” على البُعد السياسي ويتركون المهنة القذرة للآخرين، ولذلك لا نرى كم هم مجرمون. إنّهم يدعمون، يحبّون ويشجّعون من يقوم بتنفيذ هذه الأعمال القذرة.
تلقّى “الإخوان المسلمون” مؤخرًا ضربات مؤلمة من قبل الجيش والحكومة. هل تتوقّع بأن يقوموا بتنظيم أنفسهم من جديد ويصبحوا قوة مهمّة في السياسة المصرية المستقبلية؟
حسب تقديري، فهذه هي الضربة الأخطر في تاريخهم، وستكون مهمّة تنظيم أنفسهم من جديد أكثر صعوبة. تذكّر أنّه في كلّ مرة عمل النظام ضدّ “الإخوان” كما فعل ناصر، فقد عمل ضدّهم جسديّا ولكن لم يواجهوا الأيديولوجية نفسها إطلاقًا، ودائمًا وقف الشعب إلى جانب الإخوان. ولذلك استطاعوا دائمًا العودة إلى الساحة.
اليوم الوضع مختلف، وفي نهاية الأمر فالذي يحدّد ذلك هو أنّه من الصعب على “الإخوان” الوقوف في وجه القوى العاملة ضدّهم: الجيش توجّه ضدّهم، وهذا هو السؤال الوجودي للنظام والدولة، كما هو الحال بالنسبة للسعوديين. والآن، في أعقاب محاولتهم التي مرّوا بها مع محمد مرسي، فالشعب أيضًا توجّه ضدّ “الإخوان” وضد أيديولوجيّتهم، ويقوم بشنّ حرب أيديولوجيّة ضدّهم في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الإعلام التقليدية. الطريق الوحيد لعودتهم إلى السلطة سيكون فيما لو نجحت استراتيجيّتهم (الإرهاب وتدمير الاقتصاد).
في أحد مقالاتك الأخيرة كتبت أنّك متفائل إزاء مستقبل مصر في أعقاب إسقاط الإخوان والرئيس مرسي من الحكم. هل يمكنك أن توضح، مع الإشارة إلى الحملة التي تُشنّ ضدّ “الإخوان المسلمين” والتنظيمات الجهادية؟
بالتأكيد. قبل كلّ شيء، اسمح لي أن أوضّح: لقد كتبت أنّ الطريقة ستكون صعبة للغاية، وأيضًا لو كان هناك سبب للتفاؤل فهذا لا يعني أنّ كلّ شيء سيمرّ بسهولة.
في الواقع، فإنّ بعض عناصر التفاؤل، كالاعتراف بأنّ الإسلام المتطرّف يشكّل تهديدًا جدّيًا على الدولة ووجودها، وهو الأمر الذي لم يكن موجودًا من قبل، وهو موجود فعليّا في الواقع المصري. إذا تتبّعت الشبكات الاجتماعية أو الإعلام الرسمي فستُفاجأ بأشخاص يعبّرون عن مواقفهم، من جميع المستويات، ضدّ الإسلام المتطرّف، الجهاديّين، وحماس. للأسف الشديد، ما زالت معاداة السامية موجودة، ولكن هناك بداية تحوّل في التفكير الذي يعارض الإسلام المتطرّف.
ثانيًا، توفّر كلّ من المملكة العربية السعودية، الكويت والإمارات العربية المتّحدة في هذه الأيام الاستثمارات والتمويل، والتي تشكّل دعمًا مهمّا لمصر في هذه المرحلة الحرجة، ممّا يمكنه أن يساعد الدولة في سدّ هذه المرحلة الانتقالية من عدم الاستقرار (ودعنا نأمل بأنّها فعلا مرحلة انتقالية مؤقّتة). فضلًا عن ذلك، بالمقارنة مع دول أخرى، فالمؤسسة العسكرية ما زالت هناك؛ ولا تزال العمود الفقري لمصر. من الصعب التعامل مع المتطرّفين، ولكن المؤسسة، الشعب والإعلام يعارضونهم، ولذلك أعتقد أنّ هذا نموذج جديد ومشجّع.
هل يمكننا أن نقول إنّه حسب رأيك من المتوقع أن تمر مصر بعهد جديد من الاستقرار تحت حكم السيسي والحكومة الجديدة؟ هل ستكون هذه حسب رأيك نسخة جديدة من نظام استبدادي أكثر علمانية أم هل ترى في ذلك بداية للتحوّل الديمقراطي؟
أرى في السيسي بُعد الاستقرار وكونه الوحيد الذي حظي بدعم غالبية المجموعات، ويرى فيه الكثيرون في مصر الرجل الذي يستطيع إعادة مصر إلى مكانتها التي كانت فيها أو حتّى قيادتها، هذا ما نأمل به، إلى مكانة أفضل. على عكس الكثير من المسؤولين الحكوميّين، يبدو إنسانًا صادقًا، يديه نظيفتين بل ولم ينجح معارضوه في الكشف عن أي صلة له بالفساد. “يبعث السيسي الأمل لدى الكثير من المصريّين الذين يريدون رمزًا للقوة والقيادة، وأتوقّع بأن يثق به الناس إذا كان هو الرئيس، ممّا سيؤدّي لجذب استثمارات جديدة. على سبيل المثال، أكّدت شركة من الإمارات المتّحدة باستثمار 40 مليار دولار في أحد المشاريع وهي تدرس الاستثمار في منطقة قناة السويس.
أعتقد كذلك أنّ خلفية السيسي في الاستخبارات العسكرية تجعله الشخص الأكثر ملاءمة ليتمكّن من التعامل مع العقبة التي يضعها المتطرّفون. إنّه يتواجد تحت ضغط من الغرب، وخاصّة من الولايات المتحدة، في قضايا حقوق الإنسان، ولكن حين يتم التعامل مع الإسلاميين المتطرّفين فإنّ الاحترام الكامل لحقوق الإنسان من قبلهم قد يعرّض الناس الأبرياء للخطر.
حين يقولون في الولايات المتحدة إنّ الديموقراطية هي الحلّ الأفضل للتطرّف والإرهاب، فهذا ليس صحيحًا، وتطبيق الديمقراطية في أفغانستان أو في العراق لم يوقف في الحقيقة هذه الظواهر. الحسين على العكس، لم نر أيّ شيء سوى المزيد من الإرهاب، والذي لم نر مثله في فترة حكم صدام حسين. ولذلك، في رأيي على العالم أن يفهم بأنّ المرحلة القادمة في مصر هي الأهم على الإطلاق بالنسبة للجميع: 70% من المستويات العليا في القاعدة كانوا مصريّين، مؤسّس الإخوان المسلمين حسن البنا كان مصريّا، مثل العديد من الزعماء المتطرّفين، وإذا توجّهت مصر ضدّ الإسلام المتطرّف، فعلى جميع العالم أن يقف إلى جانبها، وهذه في رأيي الخطوة الأولى للتعايش بسلام بين العالم الإسلامي والآخرين.
ماذا تتوقّع في رأيك للمسيحيّين المهاجَمِين، لمجموعات الأقليات الدينية وللعلمانيين؟ هل تتوقّع انتقالا باتجاه المزيد من الحماية والمساواة مع الأقليّات، وما مدى تناسب ذلك مع الدستور الجديد الذي تمّت الموافقة عليه مؤخرًا؟
لاحظ، هناك نسبة آخذة بالتزايد لدى الفئة السكانية التي فهمت أن العلمانية أفضل في الواقع للدولة، والصراع الحالي هو بين أولئك الذين يؤيّدون العلمانية والمساواة وبين أولئك الذين يريدون أن يروا تأثيرًا أكبر للدين في مختلف مجالات الحياة. تعتبر جامعة الأزهر بشكل تقليدي قوّة معتدلة، ولكن من الصعب أن نقول بأنّ هذا صحيح وفق معاييرنا. على سبيل المثال، يمكنك أن ترى ذلك في التقارير الأخيرة حول محاولتهم منع عرض فيلم عن نوح. يريد زعماء مصر دعم الأزهر باعتباره المرجعية الدينية الوحيدة التي تعارض العمليات الانتحارية وقتل الأبرياء، والتي ينفّذها المتطرّفون.
الخيارات المتاحة هنا ليست مثالية؛ فأنت ملزم بالاختيار بين مجموعات متطرّفة جدّا وبين أولئك الذين هم ليسوا علمانيّين تمامًا أو معتدلين. رغم أنّ الكثير من الأقباط قد عانى بسبب إجراءات في تفاصيل محدّدة، فلم أرَ الكثير من البنود في الدستور التي تميّز ضدّ الأقباط أو تميّز بين المصريّين على أساس الدين. بشكل عامّ، يؤكّد الدستور على المساواة أمام القانون وقد فتح الباب أمام الأقلية البهائية، والتي لم تعتبر في السابق متساوية.
سترى الكراهية (ضدّ الأقباط) والتي طُوّرت من قبل المتطرّفين خلال عقود، والتي ما زالت تلعب دورًا، ولكن الكثير من المسلمين بدأ يفهم ذلك، والعلاقات بين المسلمين المعتدلين والمسيحيّين تتحسّن. أقول هنا بشكل صريح للمرة الأولى: إنّ خطّة المتطرّفين هي ضرب صناعة السياحة، قتل السائحين، تدمير الاقتصاد، وبهذا الشكل زيادة معدّلات الفقر والجريمة. عند ارتفاع معدّلات الجريمة، سيؤدّي ذلك إلى مطالبة الناس بتطبيق قوانين الشريعة بشكل أكثر صرامة وذلك لحمايتهم من المجرمين، وسيكون “الإخوان المسلمون” والمتطرّفون هناك من أجل طرح ذلك؛ أي إبعاد مصر عن العالم المتحضّر وتقريبها من النموذج الطالباني. هنا سترى الجرائم الموجّهة ضدّ الأقباط، لكونهم أقلية ضعيفة وبعضهم غنيّ نسبيًّا، وربّما يكون لذلك ما يبرّره من الناحية الدينية كإجراءات ضدّ الكفّار.
أنت تقيم اليوم في واشنطن وأنت تشارك في شؤون اتخاذ القرارات الأمريكية. ما رأيك بالسياسة الأمريكية بإزاء مصر من بداية “الربيع العربيّ”، مرورًا برئاسة مرسي ووصولا إلى قرار شراء أسلحة روسية لها وإرسال الفاتورة للسعوديين؟ هل كان بالإمكان العمل بطريقة أخرى؟
حسب رأيي فقد أصيبت الإدارة الأمريكية بالضبابية، لم ترَ الصورة بكاملها، ومن ضمنها العوامل النفسية المختلفة للمجتمع، ويبدو أنّها لم تحصل على المشورة الصحيحة. في البداية، حتّى عندما كان نظام مبارك على شفا الانهيار، كان بإمكان شخص أكثر حكمةً أن يتخيّل كيف ستتطوّر الأمور ولم يكن سيدعم الإطاحة الفورية به. ولكن حين لم يكن هناك مفرّ من الانهيار، كان الخطأ الأكبر للولايات المتّحدة هو توجهها لمعارضة الجيش بشكل كبير. كان بإمكان الجيش أن يحلّ مكان مبارك باعتباره حليفًا معقولا، حتى وإنْ لم يكن كاملا – على الأقل الأمد البعيد – ولكن من المؤكّد أنّه أفضل من الإسلاميين.
كان الخطأ الكبير الثاني للأمريكيين هو منحهم دعمًا فعليّا معيّنا لمرسي. على سبيل المثال، حين ركّز مرسي كلّ السلطة بيده، فإنّ الولايات المتحدة لم تدنْهُ بشدّة. في ثورة 30 حزيران، كان على الولايات المتحدة تكرار ما فعلتْه مع مبارك، وأن تقول بأنّها تقف إلى جانب الشعب المصري في الثورة. خرج 30 مليون شخص إلى الشوارع، ولكنّهم تجاهلوا ذلك وتصرّفوا كمن يريد بقاء مرسي و”الإخوان” في السلطة، ولم يستطع المصريّون تقبّل ذلك حقّا.
لقد رأيتُ تحوّلا فوريّا ضدّ الولايات المتحدة حين أدانها الشعب بسبب نفاقها، حيث من المفترض أنّ تحارب المتطرّفين، ولكنّها تجنّبت دعم الشعب في صراعه ضدّ المتطرّفين، وحاربت ضدّ الإرهابيين في العراق وأفغانستان ومع ذلك منعت المصريين من مروحيّات الأباتشي التي طُلبت للصراع ضدّ الإرهابيين في سيناء، ومؤخّرًا، في كونها تقبّلت الانتفاضة ضدّ الرئيس الأوكرانيّ المنتخب، بينما رفضت الانتفاضة ضدّ مرسي.
هذا التعامل مع الانحياز كان الخطأ الأكبر للولايات المتّحدة. اتّخذت الولايات المتحدة قرارًا صحيحًا حين لم تصف إسقاط نظام مرسي بأنّه ثورة، ولكنها استغرقت الكثير من الوقت للوصول إلى هذا القرار وبذلك فقد شكّلت درجة من العداء تجاه الولايات المتحدة وفي الواقع دفعت النظام المصري إلى أحضان روسيا، إلى حدّ معيّن. وهذا تطوّر خطر، لأنه يستطيع تغيير قواعد اللعب في حال أنه يؤدي إلى وجود قواعد للروس في البحر الأحمر وفي شواطئ مصر وسوريا في البحر المتوسط.
وفّرت الولايات المتحدة لمصر نحو 80 مليارات دولار منذ معاهدة السلام بحلول العام 1979 من أجل الحفاظ على علاقات جيّدة مع هذه الدولة المهمّة، وقد فقدتها في الواقع بسبب تصريحات لم تكن في الوقت المناسب. إنّ الخلاف الذي نشأ نتيجة لِما اعتبر أنّه سياسة الكيل بمكيالين، جنبًا إلى جنب مع الدعم السعودي والإمارات في الخليج، قد يؤدّي إلى دفع مصر للاقتراب أكثر من روسيا، خاصّة وأنّها ترى كيف يقف الروس خلف حليفهم الأسد، على عكس ما فعلت أمريكا مع حليفها السابق، مبارك، ومع الجيش. إذا لم تعالج الولايات المتحدة هذا التوتّر بشكل الصحيح، فأنا أخشى أن يشكّل ذلك بداية تحوّل نموذجي في الجغرافيا السياسية للمنطقة.
هل ترى علاقة بين ما وصفته الآن وبين تواجد منظّمات مختلفة للإخوان المسلمين في مناصب استشارية في نظام واشنطن؟
نعم. بالتأكيد فإنّ “الإخوان المسلمين” يلعبون بشكل جيّد في هذه اللعبة وقد أقنعوا الكثير من الأشخاص بأنّهم معتدلون. لديهم حلفاء كثر في واشنطن، والذين يشغلون مناصب مهمّة في التأثير على النظام وعلى آخرين ومن خلال توفير معلومات زائفة، يتمّ الحصول عليها نتيجة للجهل أو بسبب عوامل أخرى. ولكن على ضوء كل هذه المعارضة للإخوان المسلمين في مصر، وحقيقة أنّ السعوديين والإمارات قد أدارتا ظهرهما لهم، فلا أعتقد بأنّ دعم الإسلاميين سيكون في صالح الولايات المتحدة، إنّهم يخسرون الحرب في مصر ودعمهم كرهان خاسر على حصان. ينبغي أن ترى الولايات المتحدة مصالحها مندمجة مع مصالح الشعب والجيش المصري، وليس مع حركة عالميّة لا حدود لها تطمح إلى السيّطرة على العالم تحت حكم الشريعة، كما عبّروا هم أنفسهم في الخطابات، الكتب، وغيرها.
باعتبارك مصلحًا، كتبت عن الصراع حول الوعي عند المسلمين. ماذا تفعل من أجل محاربة الإسلام المتطرّف في هذا المستوى؟
أسّست مركزًا يُدعى “المركز الدولي لمكافحة التطرّف”، وهدفه هو التصدّي للتطرّف على المستوى الأيديولوجي، النفسي والسلوكي. يوفر المركز كذلك دعمًا وتشجيعًا للتفاصيل التي عرّفتها بأنّها نشطة في محاربة التطرّف، من أجل إثارة موجة من العداء للتطرّف.
أحد الإصدارات التي نشرتها مؤخرًا هو تفسير عصري للقرآن، والذي يُظهر النصّ بطريقة سلميّة، ويفسّره بشكل غير حرفي يؤدّي – في نهاية المطاف، كما آمل – إلى التعايش في سلام ويساهم في الحدّ من الكراهية، معاداة السامية والعنف. قمت بإنشاء صفحة فيس بوك مع مئات من النماذج لهذا التفسير العصري، وخلال عشرة أشهر حصلت على أكثر من 1.9 مليون “إعجاب”.
هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ تشمل مشروعًا في الحرب النفسية وحملة إعلانية تلفزيونية في أنحاء العالم العربي لمكافحة التطرّف، على مستوى عمليات التفكير – يفكّر المتطرّفون عادة بأنماط معيّنة مثل الاستبداد والقضائية – وليس فقط على المستوى الأيديولوجي.
سؤالي الأخير لك يعيدنا مجدّدًا إلى إسرائيل والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: ما رأيك في الجهود الحالية غير المرهقة للولايات المتّحدة في دفع الجانبين للتوقيع على اتفاق إطاري؟
تحاول الولايات المتحدة حلّ هذه المشكلة منذ زمن طويل، ولكن في كلّ مرة يحاولون فيها، ينسون أنّ المشكلة الحقيقية من الجانب العربي ليست هي قضية حدود إسرائيل، وإنّما حقيقة وجودها. لن تثمر جهود الولايات المتحدة حتّى تعترف بذلك وتقول لزملائنا العرب بأنّها لن تستطيع عمل الكثير من أجلهم حتى يروا تأثيرًا ملموسًا يدلّ على تغيير تعاملهم وطرق التفكير عندهم ويوافقوا على قبول إسرائيل كدولة يهودية في المنطقة.
طالما أنّ الولايات المتحدة لا تضغط على الفلسطينيين ليقيموا أدلة بأنّهم خلال عامَين على الأقل حتى ثلاثة أعوام قد غيّروا تعليمهم وإعلامهم وأكملوا مع واقع وجود دولة إسرائيل، وكلّما استمرّ الفلسطينيون في تعليم أطفالهم الرياضيات عن طريق عدّ عدد اليهود الذين قتلوهم؛ فستذهب كلّ جهودهم سدى. هذه هي الطريقة التي يجب أن تكون في المفاوضات. ولكنّ الولايات المتحدة تحاول دائمًا إلقاء اللوم على الإسرائيليين وتقديم الطرفين بشكل منصف وكأنّ إسرائيل هي سبب المشكلة. على الصعيد الشخصي، فأنا آمُل في يوم من الأيام أن أنجح في جلب سلام حقيقي، انسجام وتفاهم متبادل بين أبناء شعبي، الشعب المصري، وبين الشعب اليهودي في إسرائيل، إنشاء الحبّ بدلا من الكراهية.
تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع ميدا www.mida.co.il