لأول مرة قد تتعرض دار للنشر إسرائيلية إلى المحاكمة..
في هذه الأيام، أصبح هذا السؤال يشغل بال عالم الأدب الإسرائيلي في أعقاب الضجة التي ثارت بعد انتهاك حقوق المؤلفين. تتصدر مجموعة قصص صدرت في كتاب بعنوان “حرية” وكتبتها خمسة وأربعون كاتبة عربية من الدول القريبة من إسرائيل مركز الخلاف، وذلك بعد أن أصدرتها دار النشر “رسلينغ” (Resling) الإسرائيلية، وترجمها، وأعدها الدكتور ألون فراغمان إلى العبرية. رغم أن معظم الكاتبات لم يعلقن على الموضوع، إلا أن عدد قليل منهن نجحن في إثارة فوضى. أثار عدد قليل من الكاتبات ضجة بعد أن أوضحن أن دار النشر لم تطلب إذنهن لترجمة قصصهن، وبعد أن تحدثن بشكل لاذع ضد إسرائيل، حتى أنهن صرحن أنه لو تم التوجه إليهن كن سيعارضن التعاون مع الدولة المحتلة، وإدراج قصصهن في كتاب القصص المختارة. في البداية، انتشر في شبكات التواصل الاجتماعية تهديد لتقديم شكوى ضد دار النشر.
ولكن، تقديم شكوى كهذه في المحاكم ليس أمرا سهلا. لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة سياسية. مَن يتجنب التواصل مع الإسرائيليين ويقاطعهم، يعتبر “خارقا للمقاطعة” إذا توجه إلى محكمة إسرائيلية. على مقدمي الشكاوى، وفي هذه الحال على الكاتبات، أن يوضحن للجمهور لماذا قررن تقديم شكوى في محاكم إسرائيلية. تشير هذه المشكلة إلى وضع إسرائيل مع جاراتها. مثلا، لو كان الحديث يجري عن كتّاب إيطاليين، بريطانيين، أو روسيين، فلن تشكل قضية التطبيع مشكلة. لكن، يبدو أن الكاتبات ومؤيدهن يعرفون هذه الحقيقة. حاليا، يتم استبدال المحاكمة في المحاكم الرسمية بالمحاكمة الجماهيرية، التي تدور في شبكات التواصل الاجتماعي والصحف.
لكن لا يجوز لكتاب “حرية” أن يصرف اهتمامنا عن الموضع الرئيسي. لقد ثارت قضية مجموعة القصص المختارة التي صدرت في كتاب بعنوان “حرية” تحديدا في الأيام التي أصبحت فيها طرق عمل دور النشر الإسرائيلية مع الكتّاب في الدول العربية منظمة أكثر من أي وقت مضى. يتم الآن الحصول على حقوق الترجمة وفق القانون، وبناء على ذلك تصدر كتب مترجمة. منذ عقد أو عقدين، أصبحت دور النشر تعمل بشكل مهني وتحترم أعمال الكتّاب العرب، كما أصبحت دور النشر الإسرائيلية الكبيرة تهتم بمجال الترجمة من العربية إلى العبرية، ما أدى إلى زيادة الترجمة والعمل وفق المعايير الدولية. مثلا، دار النشر كنيرت زمورا: خلال عملها في مجال الترجمة، منذ عام 2013، نجحت في إصدار ست روايات عربية مترجمة إلى العبرية. بما أنني كنت مشاركة في اختيار الكتب المترجمة، في عملية الترجمة وتحريرها، وما يحدث وراء الكواليس، يمكن أن أشهد أنه تم نشر كل الكتب المترجمة مع الحفاظ على حقوق المؤلفين. كذلك، تعمل دور نشر إضافية على ترجمة كتب عربية أخرى إلى العبرية وتحافظ على حقوق المؤلفين أيضا.
تشكل قضية كتاب “حرية” تصادما بين السياسة والأدب. أين يمكن العثور فيها على شؤون سياسية؟ تذكّرنا هذه القضية بأن مجال الترجمة الأدبية من العربية إلى العبرية يشكل رأس حربة في العلاقات الثقافية بين إسرائيل وجاراتها. يمكن القول أيضا إن هذه هي الحلبة الثقافية الوحيدة التي أصبح فيها حظر التطبيع هشا.
ففي السنوات الماضية، لم تشهد علاقات إسرائيل مع الدول الجارة تحسنا، لا سيما مع الدول الجارة التي وقّعت معها إسرائيل اتفاقية سلام. ليس هناك تطبيع تقريبا، ولا علاقات بين الشعوب. ينسب المحللون هذه المقاطعة إلى القضية الفلسطينية. تحظر مصر تدفئة العلاقات مع إسرائيل وهي تنجح في ذلك، علاوة على ذلك، لا تنجح الحكومة الأردنية في مواجهة معادة إسرائيل التي تدور في الشارع الأردني، كما أن الأردن لا يشجع السلام الحار مع إسرائيل. تعرب الإمارات العربية المتحدة، والسعودية اللتان تعتبران “صديقتي إسرائيل”، عن علاقاتهما الدافئة مع إسرائيل بشكل سري فقط. التحالفات مع هذه الدول هي عسكرية وأمنية تحديدا. في ظل هذا الواقع، يظهر كما ذُكر آنفًا تقدما في مجال واحد كل الوقت. بكلمات أخرى، الكتّاب قبل السياسيين.
تشهد الأرقام على ذلك. ففي السنة الماضية، نشرت دور النشر الإسرائيلية سبعة كتب مترجمة إلى العبرية لكتّاب عرب. صدر جميعها بموجب القوانين: رواية “نادي السيارات” (علاء الأسواني)، “أورفوار عكا” (علاء حليحل)، “الصغار يضحكون” (زكريا تامر)، “أولاد الغيتو – اسمي آدم”، و “مجمع الأسرار” (الياس خوري)، “سوينغ خط الملابس” [(أحمد داني رمضان) [(The Clothesline Swing)] و “لا أملك إلاّ الأحلام” مختارات من الشعر الأيزيدي. ظهرت الروايات الأربع الأولى في قائمة الروايات الأكثر مبيعا في البلاد في فترات مختلفة.
ربما من المفاجئ معرفة أن مصر الرائدة في حظر التطبيع مع إسرائيل، تحترم هذه التطورات. فهناك كاتبان مشهوران في القاهرة من بين الكتّات الذين تُرجمت مؤلفاتهم إلى العبرية في السنوات الماضية وهما علاء الأسواني ويوسف زيدان، وستُترجم مؤلفات لكتاب مصريين آخرين في المستقبل. حتى أن الرأي العام المصري قد هدأ قليلا. فالهجوم الذي تعرض له الأسواني في عام 2016 بعد نشر كتابه “عمارة يعقوبيان” إلى العبرية شهد انتقادا أقل مما حدث عند ترجمة روايته الثانية في هذا العام.
أدبيا، يحظى الكتّاب العراقيون الذين تعتبر دولتهم دولة عدوة باهتمام في إسرائيل. ففي مقابلة مع طه حامد الشبيب لموقع ynet في عام 2017 قال “أصبح الحلم واقعا”، وذلك بعد ترجمة روايته “ملائكة بلا بيت إلى العبرية”. تلقيت رسالة إلكترونية مؤخرا من أديبة عراقية، اقترحت ترجمة روايتها، وجاء في رسالتها: “من دواعي سروري أنكم تهتمون بترجمة نصوص كتب عراقية”.
لقد أعرب مفكرون وأدباء عرب عن تأييدهم عن أهمية العلاقات مع إسرائيل، وهكذا وضعوا الأساس الفكري للتواصل الشرعي مع دور النشر في البلاد. “يجب فحص السؤال العربي اليهودي مجددا”، قال يوسف زيدان لصحيفة اليوم السابع في كانون الأول 2013، بعد مرور شهرين من صدور روايته “عزازيل” إلى العبرية. قالت الأديبة السودانية سعاد محمود الأمين التي تظهر روايتها ضمن مجموعة القصص التي أثارت ضجة، لصحيفة الأيام: يلعب الأدب دورا هاما في نقل ثقافة المجتمعات. أَمَلت دائما بترجمة النصوص من العربية إلى العبرية ونقل طابع الحياة في مجتمعنا العربي والمشاكل التي يعاني منها الجمهور العربي في ظل الاحتلال ليتعرف عليها القراء اليهود. هكذا يمكن أن يقرأوا الروايات والقصص العربية المختلفة، ويتعرفوا إلى أدب الاعتقالات والحروب وتأثيراتها. لهذا يستفيد الأدب العربي عند ترجمته إلى العبرية: تسمح الترجمة بجذب قراء إسرائيليين يتعرفون على ما يحدث في المجتمع العربي، ويميزون بين ما يقرأونه ما يسمعونه في وسائل الإعلام التي تعمل ضد الشعوب العربية”.
إن خبير علم الاجتماع، والناشط من أجل حقوق المصريين، البروفيسور سعد الدين إبراهيم، الذي شارك في بداية كانون الثاني 2018، في مؤتمر أكاديمي في جامعة تل أبيب، يرفض الانتقادات اللاذعة التي تعرض لها والاتهمات بأنه يدفع التطبيع قدما معربا: “إن التواصل مع الأكاديميين منحني فهما واسعا أكثر حول المجتمع الإسرائيلي. أومن أنه آن الأوان للتفكير مجددا في موقفنا ضد العلاقات مع الأكاديميين الإسرائيليين […] أناشد كل من يعارض التطبيع الإشارة إلى فائدة واحدة حققها الفلسطينون منذ مرور 40 عاما رفضت فيها مصر تعزيز هذه العلاقات. ربما مر وقت كاف. آن الأوان للسماح لبعض الأشخاص فحص ما يمكن تحقيقه بشكل جاد من اختيار طريق آخر”.
يمكن النظر إلى قضية “حرية” كمفترق طرق رمزي بين الشرق الأوسط القديم والجديد. أصبح يشهد مجال الترجمة من العربية إلى العبرية تحسنا. وباتت المقاطعة تتضاءل، وبالمقابل، أصبح التشديد على حقوق المؤلفين آخذ بالازدياد، كما أصبح القراء يهتمون أكثر. رغم أنه لا يمكن أن يضمن أحد عدم خرق حقوق الكتّاب العرب، يمكن الافتراض أنه منذ الآن فصاعدا ستفكر دور النشر بشكل جاد في قضية خرق حقوق المؤلفين.
تامي تشبنيك هي محررة إسرائيلية للأدب العربي المترجم . نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي.