أعلن البابا فرنسيس الأول أنه سيتخلى عن المركبات المضادة للرصاص خلال رحلته إلى الشرق الأوسط، مصرا على استخدام سيارة عادية وذلك لكي يكون قريبا من الناس بأقصى قدر ممكن. وسيصطحب في رحلته إلى الأرض التي شهدت ولادة المسيح حاخاما وشخصية مسلمة مرموقة من الأرجنتين في مبادرة تظهر الاهتمام الذي يخصصه لقضية الحوار بين الأديان. فمن هو البابا الذي سيزور المنطقة بين 24 و26 مايو (أيار) الجاري والتي ستكون الأولى له كبابا الكنيسة الكاثوليكية؟
لمحة إلى البابا فرنسيس
يُعدّ الحبر الأعظم فرنسيس، المولود باسْمِ خورخي ماريو برغوليو في الأرجنتين، أول بابا من العالم الجديد وأمريكا الجنوبية والأرجنتين، كما أنه أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غريغوري الثالث. هو البابا الـ266 للكنيسة الكاثوليكية. هو من الرهبنة اليسوعية. عُين رئيس أساقفة على بوينس آيرس في فبراير (شباط) 1998. ورقي إلى كاردينال في عام 2001. ترأس مجلس أساقفة الأرجنتين بين عامي 2005 ـ2011. وفي 13 مارس (آذار) 2013، أُختير من قبل مجمّع انتخاب البابا، الأقصر في تاريخ المجامع المغلقة، لمنصب بابا الكاثوليك.
ومع تتويجه أصبح نجما حقيقيا، إذ يعلّق مئات الملايين من الكاثوليك حول العالم على الحائط في منازلهم صورة وجه الجدّ المفضّل البابا فرنسيس، والتي تختلف كثيرًا في شكلها عن صورة الرهبة لسلفه بندكت السادس عشر. لقد أعطاهم نجاح فرنسيس في تقريب الكنيسة للشعب شعورًا حميميًا بالانتماء والذي خسروه على مدى تسع سنوات بعد وفاة يوحنا بولس الثاني.
لم يمنحهم بندكت الألماني هذا الشعور، والذي تم تصويره من خلال وسائل الإعلام بأنّه رجل عجوز غضوب ومتزمّت، وصعوبة تواصله مع العالم الخارجي جعلته عاجزًا عن التعامل مع سلسلة من الفضائح التي ضربت أعلى قمّة الكنيسة الكاثوليكية خلال فترة ولايته.
وقد نجح برغوليو خلال وقت قصير جدًّا في تغيير النظرة إلى الكنيسة بشكل لم يتصوّره أحد. يصرّ الكاهن المتواضع على الاستمرار في حمل أوراقه بنفسه، يسافر في فورد فوكس بسيطة بدلا من الليموزين، يضرب الأكتاف مع السيّاح في ساحة القدّيس بطرس ويستجيب لهم لالتقاط الصور الذاتية. خلال أسابيع معدودة تحوّل إلى نجم، بل وأصبح “رجل العام” في مجلة تايم وبالتباين، أن يظهر على غلاف مجلة “رولينغ ستون” فيجعل نفسه أيقونة ثقافية ليس فقط بالنسبة للمؤمنين من الكاثوليك، وإنما بالنسبة للعلمانيين وأبناء جميع الديانات حول العالم الذين يتوقون كما يبدو لصورة جدّ الحكمة والرحمة.
في الواقع يستمر فرنسيس في الإصلاحات التي بدأ بها سلفه المحافظ، الذي استطاع سرًّا وقُبيل انتهاء فترة ولايته أن يُقيل المئات من القساوسة المتّهمين بالاعتداء الجنسي. ولكن بندكت حظي فقط في الإدانات بينما يطفو فرنسيس فوق أيّ انتقاد.
أقوال وتصريحات
يمكننا أن نتعلّم الكثير مثلا من أقوال البابا المحبوب. منذ أن أُختير للكرسيّ المقدّس قبل أكثر من عام، اشتهر البابا بمواقفه الليبرالية والتجديدية. وبالمقابل طالب بجعل الفاتيكان أكثر تواضعًا وتركيز نشاطات الكنيسة على حاجات الفقراء.
ويقول البابا قبل كل شيء بلسان لطيف ومعتدل: “من نحن بني آدم كي نحكم على الآخرين”، واعدا بتقبل كل شخص على أبواب الكنيسة.
وحظيت أعماله وتصريحاته بصدى إيجابي جدًّا حول العالم، حتى من خارج صفوف الكنيسة. فعلى سبيل المثال قال خلال مؤتمر صحفي عقد فورًا بعد تتويجه، في 16 آذار 2013: “أوه، كم كنت أريد كنيسة فقيرة من أجل الفقراء”.
اقتباس آخر يدلّ على خشوعه كان في 28 آذار 2013 في خطاب للقساوسة: “علينا أن نخرج للخارج من أجل تحقيق كهنوتنا، أن نصل إلى حيث توجد المعاناة، الدماء، العمى أو الأسرى المستعبدين لسادة الشرّ”.
في مجال منح الحقوق للمجتمع المثليّ فاجأ وقال: “إذا كان شخص ما مثليًّا ولديه رغبة في استيعاب الله في حياته، فمن أنا كي أحاكمه؟” في 29 تموز، في حديث مع صحفيين على طائرة في طريق العودة من البرازيل.
وقد طالب فرنسيس أيضًا مكافحة صورة سوبرمان الجديد التي ألصقت به في الإعلام وحول ذلك قال: “إنْ كنت لا أخطئ فهذا كما قال سيغموند فرويد إنّه في كل تمجيد هنا عدوانية. إنّ وصف البابا كنوع من السوبرمان، نجمٌ ما، يبدو لي عدائيًّا تجاهي. البابا هو إنسان يضحك، يبكي، ينام بهدوء، ولديه أصدقاء كما لكل إنسان عادي”. 5 مارس في مقابلة مع صحيفة إيطالية.
زيارة إلى الأراضي المقدسة
ويبدأ البابا فرنسيس زيارته الأولى للشرق الأوسط يوم السبت مصطحبا معه حاخاما وإماما في مهمة معقدة للترويج لرؤيته بشأن الحوار بين الأديان كقاطرة للسلام في المنطقة.
وقد خُصّصت الزيارة لتأكيد العلاقات الوثيقة مع المجتمع اليهودي ودعوة الفاتيكان للسلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وستكون زيارة فرنسيس هي الرابعة لبابا الفاتيكان إلى إسرائيل. في عام 1964 زار البلاد بولس السادس، وفي عام 2000 يوحنا بولس الثاني وبعد تسع سنوات بندكت السادس عشر.
لكن في منطقة يمتزج فيها الدين بالسياسة فإن الزيارة التي تستغرق ثلاثة أيام وتشمل الأردن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل ستجعل زعيم 1.2 مليار كاثوليكي في العالم يسير على حبل دبلوماسي مشدود.
وسوف تسلط الأضواء بقوة على كل اقوال وأفعال البابا سواء اجتماعاته مع الفلسطينيين واللاجئين السوريين أو لقاءاته مع المسيحيين الذين تتناقص أعدادهم في الأراضي المقدسة أو محادثاته مع زعماء المنطقة بحثا عن أي مدلولات سياسية.
ويذكر أن البابا فرنسيس حافظ على صلات وثيقة بالجالية اليهودية في بوينس أيرس. وقدر عبّر عن تأثيره بفكرة وقوفه أمام حائط المبكى، وحسب تعبيره “داخل كلّ مسيحي ثمة يهودي؛ اللاسامية هي خطية، ويجب الحرب ضدّها”.