يتصدر شبه جزيرة سيناء العناوين مجددا: يدير الجيش المصري حرب ضارية ضد ولاية سيناء التابعة لداعش، أطلق مسلحو التنظيم الإرهابي الداعشي النار على ثكنة عسكرية خارج دير سانت كاترين مما أسفر عن مقتل شرطي وجرح ثلاثة آخرين، ويدور نزاع سيطرة بين قبائل كبيرة في سيناء وبين النظام المصري من جهة، ومن جهة أخرى ضد داعش، وأكثر من ذلك يرفرف خطر تضرر السياحة الضرورية ليظل شبه جزيرة سيناء، المنطقة الأجمل في العالم.
المرشد والصحفي الإسرائيلي، تسور شيزاف
بعد الحادثة الأخيرة في دير سانت كاترين في سيناء، وبعد أن أغلقت إسرائيل معبر طابا في خطوة غير مسبوقة وحظرت سفر الإسرائيليين إلى سيناء أثناء عيد الفصح الأخير (نيسان 2017)، اجتاز المرشد، تسور شيزاف والصحفي الإسرائيلي، الحدود إلى مصر. الهدف: إجراء جولة مع رؤوساء القبائل البدو لمعرفة إذا كان شبه جزيرة سيناء، الذي يتجول فيه منذ 40 عاما، يشكل خطرا حقيقيا. الصورة التي حصل عليها شيزاف مركّبة ومليئة بالأمل حيث أن الصحراء وشواطئ سيناء الزرقاء ستحافظ عليها لتكون جنة عدن إلى الأبد.
في حديث لنا مع شيزاف حاولنا معرفة ماذا لا يعرفه الإسرائيليون عن سيناء، ماذا لا يعرفه المصريون عنها، وهل هناك احتمال أن يسود في سيناء ثانية الهدوء والمشهد المميز في الشرق الأوسط المستعر؟
محبة سيناء من النظرة الأولى
سيناء- جنة عدن (Flash90/Johana Geron)
“بدأت أحب سيناء قبل سنوات كثيرة. كسائر الجنود الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، فقد أنهيت خدمتي فيه في سن 21 عاما، وأصبحت مرشد رحلات عن طريق الخطأ. لقد اقترح علي صديق قريب أن أكون مرشد رحلات في سيناء ووافقت طبعا. وصلت إلى سيناء في بداية الثمانينيات، حيث كانت فترة حساسة جدا من ناحية علاقتي بشبه الجزيرة ومحبتي لها. تميزت تلك الفترة بقضاء الوقت، حيث وصل شبان وشابات إسرائيليّون إلى شبه الجزيرة للتمتع وكان بحوزتهم القليل من الملابس. كانت سيناء في الثمانينيات، بالنسبة للإسرائيليين مكانا شهوانيا وممتعا وكان يُفرض فيها القليل من القوانين والحدود. أعتقد أن سيناء هي المكان الأجمل في العالم”، قال لنا شيزاف بينما يتذكر الماضي والذكريات في شبه الجزيرة.
يقول شيزاف إنه في الفترة القصيرة التي سيطرت فيها إسرائيل على سيناء، لمدة 15 عاما فقط، لا سيّما منطقة شرق سيناء، نجح المرشدون في المنطقة في التعرّف إلى المناطق النائية في الجزيرة التي لم يهتم بها البدو المحليون. رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأ المرشدون الإسرائيليون الشبان يتعرفون إلى القبائل البدوية التي كانت تتنقل في الجزيرة وبدأت تزدهر السياحة المحلية، التي جذبت اهتمام الإسرائيليين.
الإسرائيليون ما زالوا يزورون سيناء
معبر طابا البري (Flash90)
يتضح أن هناك إسرائيليين ما زالوا مدمنين على جمال سيناء وهم ينقسمون إلى مجموعتَين: مجموعة تتألف من الإسرائيليين القدماء الذين عرفوا شواطئ الجزيرة وصحراءها في الثمانينيات، وما زالوا يصرون على زيارتها مرة في السنة على الأقل. تتضمن هذه المجموعة عرب إسرائيل الذين يفضّلون زيارة المنطقة الجنوبية من الجزيرة القريبة من شواطئ شرم الشيخ لقضاء الوقت مع العائلات في فنادق فاخرة.
أما المجموعة الثانية فتتألف من الإسرائيليين الشبان الذين يفضلون قضاء الوقت في شواطئ تقع شمال الجزيرة بين طابا ونويبع باتجاه مدينة دهب. يحب السكان الذين يرغبون في قضاء الوقت في هذه الشواطئ ركوب الجمال والتنقل في الصحراء أيضا.
أدى قرار إسرائيل غير المسبوق لإغلاق معبر طابا في شهر نيسان الماضي أمام المستجمين الإسرائيليين إلى كارثة سياحية في سيناء. ففي زيارة شيزاف الأخيرة إلى سيناء تحدث مع رؤوساء القبائل البدو الذين يعتاشون من استضافة السياح. وجه معظمهم انتقادات لاذعة ضد قرار إسرائيل لإغلاق المعبر الحدودي لأنه منح شرعية من وجهة نظرهم لتعزيز مكانة ولاية سيناء في شبه الجزيرة. ادعى رؤوساء القبائل أمام شيزاف أن مقاتلي ولاية سيناء قد نشروا في مواقع التواصل الاجتماعي أفلام فيديو وإعلانات أوضحوا فيها أنهم نجحوا في إلحاق ضرر بالبدو في جنوب سيناء من خلال حظر وصول السياح الإسرائيليين إلى شواطئ سيناء ومن ثم إلحاق ضرر بمصدر رزق البدو في جنوب الجزيرة.
ولاية سيناء والبدو في سيناء
https://www.youtube.com/watch?v=0Pg70JzFFiI
تطمح داعش إلى أن تصبح جزيرة سيناء جزءا من “الخلافة” لذلك تعمل على بسط سيطرتها عليها وإثبات أنها قادرة على تطبيق قوانين الإسلام في أرض الواقع. حتى الآن، عملت “ولاية سيناء” على المستوى العسكري بشكل أساسيّ. نجح التنظيم في إقامة منظومة عسكريّة منتظمة تعمل ضد القوى الأمنية المصرية وضد الجهود التي تبذلها ضده.
رغم ذلك، يعرض رؤوساء “ولاية سيناء” ونشطاء الإعلام الذين يعملون في شبكات التواصل الاجتماعي على نشر حملة ولاية سيناء الدعائية، صورة توضح أن التنظيم يسيطر على المنطقة وقادر على فرض سياسته على السكان وتطبيق نظام حكم إسلامي وفق رؤيته الدينية.
تعمل عناصر تسمى “الحسبة” لدى ولاية سيناء وهي مسؤولة عن تشجيع العمل وفق أوامر الشريعة، ومعاقبة المخالفين. أعلن رئيس الحملة الإعلامية التابع لـ “ولاية سيناء” في مقابلة معه أن عناصر الحركة تعمل يوميا على التربية والحث على العمل وفق وصايا الإسلام وتجنب عادات مرفوضة، مثل التدخين، أو التهريب وحتى أنها تفرض وصاياها على السكان البدو المحليين في الجزيرة، الذين سئموا مؤخرا فرض تطبيق قوانين الشريعة المبالغ به.
إحدى المشاكِل الأساسية التي تشكل صعوبة لدى الجيش المصري في حربه ضد نشاط داعش في سيناء هي غياب المعلومات الاستخبارية الدقيقة وعدم معرفة موقع جنود ولاية سيناء في اللحظات الحقيقية. لكن يبدو أن المشكلة تم حلها إثر تورط فرع داعش في سيناء مع قبيلة الترابين البدوية وهي القبيلة الأكبر في سيناء.
دير سانت كاترين في سيناء (AFP)
تشير التقارير في وسائل الإعلام المصرية إلى أن نشطاء داعش اختطفوا في الأسابيع الماضية عددا من السكان البدو في شمال سيناء وقتلوهم. إضافة إلى ذلك، نفذوا عمليات انتحارية باستخدام سيارات مفخخة بالقرب من مجمعات بدوية في جنوب رفح، أسفرت عن مقتل بدويين وجرح ثلاثة آخرين.
دارت خلافات بين تنظيم داعش وقبيلة الترابين، من بين أسباب أخرى، بسبب خلاف في الرأي حول نشاطات التهريب من سيناء إلى قطاع غزة، إلا أن هناك غضبا أيضا في أوساط قبيلة الفواخرية ضد التنظيم لأنه اختطف رئيس القبيلة، الشيخ حمدي جودة. غيّرت القبائل البدوية، التي رفضت في السنوات الثلاث الماضية التعاون مع الجيش المصري ضد داعش في شمال سيناء، رأيها بعد أن طفح الكيل بسبب مضايقات داعش لها.
هل تتعاون إسرائيل مع البدو في شمال سيناء ضد داعش؟
“أعتقد أن إسرائيل تتعاون حقا على الأقل على المستوى الاستخباراتي وتساعد القوى الأمنية المصرية في حربها ضد فرع داعش في سيناء”، يقول شيزاف.
في بداية أيار 2017، قالت وكالة الأنباء “أعماق” التابعة لداعش إنه تم التصدي لهجوم شنه مسلحون من قبيلة الترابين في شمال سيناء ضد ثكنات لفرع داعش في سيناء، حيث حصل خلاله مسلحو قبيلة الترابين على مساعدة جوية إسرائيلية.
البدو: يسيطرون على سيناء
البدو هم أسياد سيناء على أرض الواقع (AFP)
البدو هم المسيطرون على سيناء حتى وإن كانت مصر الدولة السيادية. لدى البدو قانون العرافة – وهو قانون معروف ومتبع. هذا القانون ليس مكتوبا في أي مكان، ولكنه يعتبر قانون ملزم ويهيمن على قوانين الدولة، ويعرف كل بدوي أنه في حال خرقه، تكون عقوباته مختلفة، بدءا من الإبعاد والمقاطعة وحتى السماح بقتل المخالف للقانون. ليس في وسع مَن يخرق قانون العرافة أن يبقى جزءا من القبيلة وعلى قيد الحياة.
يتم التعامل بين الأفراد على مستوى العائلات في سيناء. تسود علاقات متشعبة على المستوى العائلي والقبلي بين الأفراد، وهناك تحالف قبلي واتفاقات أخرى تعمل بموجبها الشبكة القبلية في شبه الجزيرة. لا يمكن السيطرة على أية منطقة في الشرق الأوسط دون التحالف مع البدو. يبدو أن نظام الحكم في مصر فهم هذه النقطة في وقت متأخر نسبيًّا وبدأ مؤخرا فقط بدعم البدو في سيناء. “في سيناء، لم تقع المنطقة الجنوبية تحت سيطرة داعش، ويبدو أنه في الآونة الأخيرة قرر البدو في الشمال، أنه بهدف أن يكونوا أحرار في أنحاء الصحراء يُستحسن أن يتعاونوا مع الجيش المصري”، وفق أقوال شيزاف.
هل يمكن أن نجمل ونقول إن سيناء تشكل خطرا؟
الجيش المصري يحاول جاهداً السيطرة على سيناء واستقرارها (AFP)
“الأخبار الجيدة حاليًّا أن داعش تفقد سيطرتها على المناطق في هذه الأثناء وهذا يضعف تحالفها مع جزء من البدو في شمال سيناء. أعتقد أن سيناء لا تشكل خطرا. لا تشكل المنطقة جنوب درب الحج خطرا وهي آمنة. تكمن المصلحة الإسرائيلية الكبرى في الاعتناء بالسياحة في سيناء لمنع البدو من إقامة مصالح متبادلة مع المقاتلين المناصرين لولاية سيناء. هذا ما كنت سأقترحه على الحكومة الإسرائيلية لو دُعيت للمشاركة في جلسة للجان الخارجية والأمن التابعة للكنيست. هذه هي الطريق الأفضل للحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية، وفق اعتقادي”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني