انسحاب إسرائيل من لبنان

حسن نصر الله (لقطة شاشة)
حسن نصر الله (لقطة شاشة)

نصر الله يُظهر توترا

في الخطاب الثالث الذي ألقاه خلال أسبوعين يطالب نصر الله مجدّدا الحصول على مساعدة لمحاربة داعش، ويدعي أنّ حزب الله مستعد لمواجهة إسرائيل

إلقاء ثلاثة خطابات خلال أقلّ من أسبوعين هو أمر ليس معتادا عندما يتعلق الأمر بالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. قبل أسبوعين، ظهرت شائعات عن مرض نصر الله الصعب مما جعلته يتحدّث للكاميرات من أجل دحضها. في الأسبوع الماضي كان “يوم الأسير”، لذلك تحدّث نصر الله بمناسبته إلى الشعب في لبنان، وكان أمس خطاب ذكرى يوم انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

تحدّث نصر الله أمس إلى أنصاره، عميقًا من داخل ملجئه. بخلاف التوقّعات، لم يهتمّ جوهر خطاب نصر الله، كما يكون عادة في مثل هذا الوقت، بـ “العدو الصهيوني”، ولم يتضمّن تهديدات واضحة ضدّ مواطني إسرائيل، ولكن ذُكر الموضوع بشكل هامشي نسبيًّا.

بدلا من ذلك، فقد اهتمّ جزء كبير من خطاب نصر الله، مجدّدا، بالحرب التي لا تزال مستعرة في سوريا، والتي يشارك فيها حزب الله حتى أعلى رأسه، وأكثر من ذلك بالفقاعات الأخيرة في المعارك الجارية في منطقة القلمون.

دعا نصر الله اللبنانيين للتجنّد من أجل الغاية المهمّة في سوريا، وأشار إلى أن “داعش يتنقل من مدينة إلى أخرى ومن سوريا إلى العراق بمرأى من الولايات المتحدة الأمريكية، والمراهنة على أمريكا لن تعيد الموصل ولا الرمادي‎”. وقد حذّر أيضًا بأنّ “‏‎جبهة النصرة” هي كداعش إلا أنها فصيل شامي، ويعمل تحت مسمى جديد هو “جيش الفتح”، وجيش الفتح هو النصرة أي القاعدة‎”.‏

وبخصوص إسرائيل، قال نصر الله إنّ تنظيمه لن يغادر هذه الجبهة، وإنّهم “في ذروة الاستعداد”.

ومع ذلك، كما بدا ذلك من مشاهدة خطاباته الأخيرة، فإنّ نصر الله قلق جدّا من الحالة التي وصل إليها تنظيمه في سوريا، على الرغم من الانتصارات الأخيرة المنسوبة إليه في القلمون. ويقول مسؤولون إسرائيليون كبار أيضًا ممّن يتعقّبون نشاطه إنّ خطاباته الثلاثة الأخيرة “تظهر التواترات التي لم يُعرف مثلها منذ بداية الحرب في سوريا قبل أربع سنوات”، كما نُشر صباح اليوم في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. ورغم أنّ نصر الله قد بقي كاريزماتيا، وخطب بشكل ممتاز كما هو معتاد، إلا أنّ لغة جسده وشيئا ما في مظهره يشهدان على الضغوط والتوترات الكبيرة التي يعاني منها.

ويبدو أنّ إسرائيل تحديدًا راضية عن هذه الحالة، والتي كما يبدو تضمن هدوءًا نسبيا في الحدود الشمالية، طالما أنّ حزب الله متورّط عميقًا داخل سوريا، ولكنها لا تكفّ عن تعقّب نشاطات نصر الله عن قرب، والذي يحرص في جميع الأحداث الأخيرة على الاختباء في ملجئه، ولا يظهر علنًا إطلاقا، سواء خوفًا من إسرائيل، أو خوفًا من الثوار السوريين.

اقرأوا المزيد: 364 كلمة
عرض أقل
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)

15 عاما على الانسحاب من لبنان: ما الذي دفع إسرائيل إلى إخلاء “الحزام الأمني”؟

إذا سألت عضوا في حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة "قتالنا العنيف أبعدهم"، ولكن الصورة بالنسبة لإسرائيل كانت أكثر تعقيدا، إذ كانت للانسحاب من لبنان مجموعة متنوعة من العوامل

24 مايو 2015 | 15:32

بعد 15 عاما على خروج آخر الجنود الإسرائيليين من لبنان، هناك إجماع في إسرائيل على أنّ الانسحاب وفّر حياة آلاف الجنود الإسرائيليين واللبنانيين أيضًا، بل حتى حياة جنود العدوّ اللدود لإسرائيل في لبنان، حزب الله. ولكن سوى حصيلة الضحايا الثقيلة التي دفعتها إسرائيل منذ تمسّكها بالحزام الأمني في لبنان، والضغوط الشعبية التي مُورست على الحكومة، فإنّ غياب الأهداف السياسية والأمنية، وفشل المفاوضات مع سوريا، عزّزت من شعور إسرائيل بأنّ الوجود في لبنان لا طائل وراءه.

صحيح أنك لو سألت أعضاء حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة: “الجيش الإسرائيلي خرج بسببنا”. وستتحوّل القصة إلى نقاش حول بطولة التنظيم الشيعي. ولكن الاعتبارات التي جعلت إيهود باراك يخرج من لبنان عام 2000 كانت أبعد من حزب الله بكثير، دون التقليل من الرغبة الإسرائيلية في الحفاظ على حياة البشر. ونذكّر أنّ إسرائيل دخلت إلى لبنان من أجل قتال منظمة التحرير الفلسطينية وليس حزب الله، وبعد أن نجحت في طرد منظمة التحرير الفلسطينية، فقد بقيت ببساطة على مدى 18 عاما لأنّها لم تعرف كيف تخرج.

تلك هي بعض الاعتبارات العامة التي أدت بالقيادة الإسرائيلية إلى الخروج من لبنان:

ثمن كبير مقابل أهداف غير واضحة

شنّت إسرائيل حربها في لبنان عام 1982 بهدف تدمير البنية التحتية للإرهاب والتي أقامتها المنظمات الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، وهدّدت مواطني إسرائيل بالعمليات الإرهابية في الشمال. بعد أن نجحت إسرائيل في هذه المهمة بعد ثلاث سنوات من الحرب، قرّرت الانسحاب جنوبًا والبقاء في شريط ضيّق سُمّي “الحزام الأمني”.

ولكن بعد أن ضعفت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، كان بقاء الاحتفاظ بالحزام الأمني أمرا لا لزوم له بالنسبة لإسرائيل وغير مجدٍ، إذ لم تخدم إراقة دماء الجنود السنوية هدفا حقيقيا.

العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)
العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)

وحينذاك دخل تنظيم حزب الله إلى الصورة. حزب الله هو تنظيم شيعي تأسس عام 1982 وتعهّد بمحاربة إسرائيل. أدركت إسرائيل بأنّه ميليشيا تحاول ضرب جذورها في البلد الممزّق، لبنان، ولكن كل محاولة للقضاء على حزب الله أدّت إلى ردود فعل دولية شديدة، وذلك بسبب سقوط ضحايا من المدنيين بشكل أساسيّ، وقد سمحت سوريا التي كانت تسيطر على لبنان في تلك الفترة للتنظيم بالعمل بحرية.

وكان القتال ضدّ حزب الله صعبا لأنّ التنظيم عمل في “أرضه” وأخرج عمليات نوعية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي في لبنان، كان عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي كبيرا، وفي مرحلة متأخرة أدركت إسرائيل أنّ البقاء في الأراضي اللبنانية لا يمكنه إيقاف صواريخ حزب الله.

وصار التقدير الجديد في إسرائيل يقول إنّه من الممكن الدفاع عن بلدات الشمال أيضًا من الحدود الدولية مع لبنان ولسنا مضطرّين للبقاء في الحزام الأمني. وهكذا، كانت إحدى نتائج حزب لبنان الثانية التي جرت عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله الهدوء في الحدود الشمالية حتى اليوم.

ضغوط شعبية في إسرائيل

كان أحد الحوادث الدراماتيكية التي جرت في فترة السيطرة الإسرائيلية على جنوب لبنان، وأثر كثيرا على صنّاع القرار في إسرائيل، هو الحادث الجوّي القاتل أو ما عُرف في إسرائيل باسم “كارثة المروحيّات”. قُتل في هذه الحادثة 73 جنديّا كانوا في مروحيّات وفي طريقهم إلى جنوب لبنان. أدّت الحادثة القاسية إلى ضغوط شعبية كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لترك لبنان.

الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)
الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)

كانت الحركة الأكثر بروزا والتي تأسست في أعقاب هذه الحادثة هي “أربع أمهات”. تأسست الحركة من قبل أربع نساء من سكان الشمال الإسرائيلي ومن أمهات الجنود الذين خدموا في لبنان، بهدف تحقيق خروج الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني في جنوب لبنان. نقلت الحركة رسالة من القلق على “الشبان المقاتلين”.

سرعان ما اخترقت الحركة النقاش العام وبدأت في إثارة النقاش الذي أساسه “الحرص على المقاتلين” أو الشبان كما تحدّثت الأمهات عن الجنود، بعيدا عن الخطاب الذي هيمن في إسرائيل حول الاحتفاظ بالمناطق أو الانسحاب منها لدوافع استراتيجية. ورغم الانتقادات التي تلقّتها الحركة من قبل المعارضين للانسحاب فقد نجحت في تفعيل ضغوط شعبية غير صغيرة على صنّاع القرار في إسرائيل. وهناك من يدّعي في إسرائيل بأنّ منظّمة “أربع أمّهات” هي التي تقف وراء انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

انعدام الانجازات السياسية

في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أجرت إسرائيل مفاوضات مع سوريا بهدف التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وسوريا، ولكن بين إسرائيل ولبنان أيضًا (بسبب سيطرة سوريا في الواقع على لبنان حتى عام 2005). بعد لقاء الرئيس الأمريكي حينذاك، بيل كلينتون، والرئيس السوري حافظ الأسد، وعندما فهم الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية أنّه لا يوجد اتفاق، حدث تغيير دراماتيكي في الجانب الإسرائيلي وازدادت الرغبة الإسرائيلية في تنفيذ خطوة من جانب واحد للانسحاب دون التنسيق مع الدول العربية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فقد رفضت الحكومة اللبنانية مناقشة ترسيم الحدود مع إسرائيل، ونسّق إيهود باراك، الذي كان رئيس الحكومة حينذاك، هذه الخطوة مع الأمم المتحدة برئاسة مبعوثها تيري رود لارسن.

ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)
ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)

ومن الجدير ذكره، أنّ باراك قد وعد خلال انتخابات العام 1999، والتي تغلّب فيها على رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو، بأنّه لو انتُخب لرئاسة الحكومة فسوف يُخرج الجنود من لبنان، وقد ساعده الأمر ليتم انتخابه كرئيس للحكومة.

ونذكر أيضًا أنّ عملية تفكيك جيش جنوب لبنان، الذي عمل في جنوب لبنان إلى جانب إسرائيل، سرّع من انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان. من الصعب أن نقرّر ماذا أثّر على ماذا، هل شعور أعضاء جيش لبنان الجنوبي بأنّ إسرائيل قد انسحبت من لبنان هو الذي أدى بهم إلى التفكّك أم العكس؟ ولكن العلاقات بين إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي كانت من بين الاعتبارات التي رجحت كفة الميزان لصالح الانسحاب.

اقرأوا المزيد: 803 كلمة
عرض أقل
قلعة البوفور (قلعة الشقيف) (AFP)
قلعة البوفور (قلعة الشقيف) (AFP)

15 عامًا على الانسحاب من لبنان – هكذا فجّر الجيش الإسرائيلي آخر موقع له

تفجير الموقع العسكري أنهى مرحلة السيطرة الإسرائيلية على الشريط الأمني في جنوب لبنان

انقضت 15 سنة منذ انسحاب إسرائيل من لبنان وترك آخر معقل لجنودها، المُسمى في إسرائيل “موقع بوفور العسكري”، الذي تحوّل، مع السنين، بعد الاحتلال إلى هدف أساسي لمقاتلي حزب الله على إسرائيل.

تم تفجير الموقع العسكري عام 2000، بعملية تفجير مُراقبة. فقد الكثير من الجنود حياتهم في ذلك الموقع العسكري وارتبطت الكثير من القصص البطولية به، إنما الأكثر من ذلك – تحوّل إلى رمز الصمود الإسرائيلي في المستنقع اللبناني.

قلعة البوفور (قلعة الشقيف)، التي قام على أنقاضها الموقع العسكري، تم احتلالها خلال حرب لبنان الأولى كونها كانت هدفًا استراتيجيًا – وجد فيها الكثير من المخربين ملاذًا بسبب الموقع الجغرافي المريح. وصل، بعد احتلال القلعة، رئيس الحكومة حينها؛ مناحيم بيغن ووزير الدفاع حينها؛ أرئيل شارون، إلى المكان للوقوف على ذلك الإنجاز. كان الموقع العسكري في البداية داخل القلعة ومنه خرجت القوات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات ميدانية في لبنان.

في 24 من أيار عام 2000 في الساعة 23:50 تم تفجير الموقع العسكري ولأول مرة منذ 15 عامًا ينشر الجيش الإسرائيلي فيديو يُوثق عملية التفجير.

اقرأوا المزيد: 158 كلمة
عرض أقل
شرطة حماس في غزة (Flash90 Wissam Nassar)
شرطة حماس في غزة (Flash90 Wissam Nassar)

النصر هو في عيون الناظر

نتنياهو ويعلون يبذلان ما بوسعهما لإقناع الجميع أن إسرائيل هي التي انتصرت، ولكن رأي قادة حماس مختلف. ربما كان هذا سببًا من أسباب أحداث العنف في القدس

هل انتصرت إسرائيل في عملية “الجرف الصامد”؟ هذا يتعلق إلى من نوجه سؤالنا. بذل بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبيني غنتس، الذين ظهروا على شاشة التلفزة في الليلة التي تم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار، ما بوسعهم لإقناع الجمهور الإسرائيلي أن إسرائيل انتصرت: لأن الإرهابيين الذين هاجموا مدنها بالصواريخ، ونجحوا حتى بتعطيل مطارها لبعض الوقت، سيدركون عندما يخرجون من مخابئهم ويرون الدمار الذي خلّفه سلاح الجو الإسرائيلي أنه ليس من المجدي لهم أن يعيدوا تلك التجربة.

ربما اقتنع الكثير من الإسرائيليين بما قالته لهم قيادتهم وأراد آخرون أن يصدقوا ذلك، نظرًا للثمن الباهظ الذي دفعه جنود الجيش الإسرائيلي. إلا أنه، هل هذا ما سيحدد بنهاية المطاف نتائج تلك الحرب الدامية؟ كيف تنظر حركة حماس، حزب الله، إيران والفلسطينيين في غزة، في الضفة الغربية وفي القدس إلى نتائج الحرب بين 15000 مقاتل من حماس والجهاد الإسلامي وبين الجيش الإسرائيلي، الذي لديه دبابات، جيش مشاة، سلاح جو وسلاح بحرية؟

مخيّم حماس للأولاد في مدينة غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
مخيّم حماس للأولاد في مدينة غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

تعود هنا إلى الذاكرة تلك الفرحة الإسرائيلية التي تلت الانسحاب الأُحادي الجانب من الشريط الأمني في جنوب لبنان في أيار 2000، حيث قرأ حسن نصرالله إثره خطاب “النصر” الذي ادعى فيه أن كل إسرائيل وقدراتها العسكرية أشبه ببيت العنكبوت. يكفي سلاح بسيط وعزيمة قوية للقضاء عليها.

حللت وجهة النظر هذه انسحاب إسرائيل على أنه نصر لحزب الله وكإثبات على ذلك أنه بالإمكان هزيمة إسرائيل رغم قدراتها. كانت وجهة النظر هذه هي  وراء العملية الاستفزازية التي قام بها حزب الله بعد ست سنوات من ذلك ودفعت نحو اندلاع حرب لبنان الثانية.‎ يعتقد الكثيرون ضمن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أيضًا أن وجهة النظر هذه هي من الأسباب التي أدت لاندلاع الانتفاضة الثانية، بعد أربعة أشهر من الانسحاب من جنوب لبنان.

وبالفعل، أحيانًا نجد أن الطريقة التي ينظر بها الطرف الآخر للأمور هي التي تُملي استمراريتها. بهذا الشكل، المفهوم الذي وفقه هُزمت إسرائيل أمام حزب الله في حرب لبنان الثانية هو ما جعل حزب الله وحماس يخزنون عشرات آلاف الصواريخ، تلك الصواريخ الموجهة إلى المدنيين الإسرائيليين وجاهزة للإطلاق عاجلاً أم آجلاً.

في كل واحدة من جولتي القتال مع حماس – عمليتي “الرصاص المصبوب” و”عامود السحاب” – اعتقد قادة إسرائيل أنهم نجحوا في تفادي حماس عن تجديد الهجمات ضد إسرائيل، وفي كل مرة كان يتضح بأنهم أخطأوا. لم تتفق وجهة نظرهم تلك  مع وجهة نظر قادة حماس.

نتائج قصف الطيران الإسرائيلي في غزة (AFP/ROBERTO SCHMIDT)
نتائج قصف الطيران الإسرائيلي في غزة (AFP/ROBERTO SCHMIDT)

هل أخطأوا هذه المرة أيضًا؟ الأيام وحدها ستقول كلمتها، إن كان واضحًا من الآن أن قادة حماس لا يفكرون أبدًا بتفكيك سلاح التنظيم، وأن جزءًا من الأموال المتدفقة حاليًا إلى قطاع غزة سيُخصص لتسليح حماس والجهاد الإسلامي من جديد.

ومن المعقول جدًا أن وجهة النظر تلك القائلة إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من هزيمة حماس في غزة ساهمت باندلاع أعمال العنف الأخيرة في القدس. ما من شك أبدًا أن المواطنين الفلسطينيين في المدينة يعانون من حالة إهمال من البلدية والحكومة، منذ مدة طويلة، وأن هذا الإهمال هو أرضية خصبة لاندلاع مظاهرات وعنف.

حدث، إضافة إلى ذلك، تصعيد تدريجي في تلك الاضطرابات التي اندلعت بعد مقتل الفتى محمد أو خضير، والتي كانت تتزايد كلما ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة. تم تأجيج تلك الأعمال نتيجة نداءات أُطلقت من جهة حماس ومن جهة الجناح الشمالي للحركة الإسلامية. على الرغم من ذلك، لا شك أن عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على هزيمة 15000 مقاتل، من حماس والجهاد الإسلامي خلال عملية “الجرف الصامد”، ساهم بشكل كبير على تصعيد الاضطرابات في القدس. إذًا، من الذي انتصر في الحرب الأخيرة على غزة؟

نُشرت المقالة لأول مرة في موقع هآرتس

اقرأوا المزيد: 532 كلمة
عرض أقل
انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 (SVEN NACKSTRAND / AFP)
انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 (SVEN NACKSTRAND / AFP)

14 عامًا على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان: عودة عصر الانسحاب أحادي الجانب؟

اليوم قبل 14 عامًا، خرج الجيش الإسرائيلي من الشريط الأمني في جنوب لبنان، وأنشأ واقعًا جديدًا من التوازن بين إسرائيل وحزب الله. أصبحت فكرة الانسحاب من طرف واحد غير شعبية في إسرائيل، ولكنها لم تدفن نهائيًّا

قبل 14 عامًا تمامًا، في صباح 25.5 عام 2000، استيقظ سكّان شمال إسرائيل على صباح جديد. 18 سنة من الحرب في لبنان، سيطر خلالها الجيش الإسرائيلي على جميع منطقة الجنوب اللبناني، انتهت في ليلة واحدة بالانسحاب السريع. وعد رئيس الحكومة حينذاك، إيهود باراك، مع انتخابه عام 1999 بأنّه سيعمل على تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من المنطقة التي سمّيت “الشريط الأمني”، والتي خُصّصتْ لحماية سلام سكّان شمال إسرائيل من إطلاق صواريخ الكاتيوشا.

“كان ذلك بمثابة وعد الانتخابات الوحيد الذي قام إيهود باراك بتحقيقه كرئيس للحكومة ووزير للدفاع خلال تولّيه لمنصبه لفترة قصيرة”، هذا ما قاله اليوم المحامي ألدد يانيف، الذي كان مستشار باراك القريب. أراد باراك في البداية أن ينسحب من لبنان في إطار اتفاق شامل مع نظام حافظ الأسد الذي كان يسيّطر على لبنان، ولكن حين خاب أمله من ذلك الأمر وحين فهم الجيش الإسرائيلي أنّ قوات الميليشيا التابعة لأنطوان لحد (التي كانت تتعاون مع إسرائيل) قد انهارت تمامًا تقريبًا، أمر رئيس الحكومة بالانسحاب الفوري حتى خطّ الحدود.

أيّدتْ غالبية الشعب الإسرائيلي ذلك القرار وقام بدعمه. رغم ذلك، لم تحظ حكومة باراك بشعبية كبيرة، وبعد أقلّ من عام انهارت وتم تغيير باراك بأريئيل شارون. وقد تمّ استبدال الانتقادات الجارحة بالدعم العلني الذي أعطي لباراك. كان أحد أكبر منتقدي الانسحاب رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، حيث قال عام 2007: “كان هذا الانسحاب المتسرّع من جنوب لبنان هروبًا غير مسؤول”، وقد أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية عام 2006.

جنود اسرائيليون في لبنان خلال حرب تموز 2006 (Pierre Terdjman / Flash90)
جنود اسرائيليون في لبنان خلال حرب تموز 2006 (Pierre Terdjman / Flash90)

وقد اختار أريئيل شارون أيضًا المضيّ في مسار الانسحاب من طرف واحد، وذلك حين قاد عام 2005 برنامج فكّ الارتباط والذي انسحبت خلاله جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتم خلاله أيضًا إخلاء 8,600 مستوطن من منازلهم. وقد جلب تفاقم الإرهاب وإطلاق القذائف من قطاع غزة في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي الانتقادات الحادّة لإسرائيل، بشكل أساسيّ من فم نتنياهو (رغم أنّه صوّت لصالح البرنامج). بعد أن انتُخب نتنياهو مجدّدًا لرئاسة الحكومة عاد وصرّح قائلا “لن نعود إلى خطأ فكّ الارتباط”.

ويعتقد البعض الآن أنّ نتنياهو نفسه يدرس إمكانية العودة للمسار من طرف واحد يقدّر محلّلون إسرائيليون أنّ نتنياهو معنيّ بدراسة فكرة الانسحاب من طرف واحد في الضفة الغربية، حيث يترك الأراضي الفلسطينية خارج مجال إسرائيل. -وفي المقابلة التي أجراها مع وكالة “بلومبرغ” قال نتنياهو هذا الأسبوع: “إنّ فكرة الخطوات من طرف واحد تكتسب زخمًا في إسرائيل، بدءًا بمعسكر مركز اليسار وانتهاءً بمركز اليمين”. طرح نتنياهو الفكرة كطريقة لمواجهة فقدان الرغبة بدولة ثنائية القومية.

بنيامين نتنياهو (Kobi Gideon / GPO)
بنيامين نتنياهو (Kobi Gideon / GPO)

ومع ذلك، عاد نتنياهو وذكّر أنّ إسرائيل ليست معنيّة بالعودة إلى الأخطاء التي نُفّذتْ لدى فكّ الارتباط. وقد أسرعت وزارة الخارجية الأمريكية في الردّ والتعبير عن معارضتها لفكرة أنّ يحدّد أحد الطرفين في المفاوضات حقائق على أرض الواقع من جهة واحدة، ولم يُسجّل في إسرائيل أيضًا تحمّس كبير لتلميحات نتنياهو.

وقال الوزير عوزي لنداو، الذي يعارض بشدّة كلّ خطوة للتنازل أمام الفلسطينيين، إنّ كلام نتنياهو لا لزوم له ومن شأنه أن يجلب ضغوطات كبيرة على إسرائيل لاستمرار فكرة الانسحاب. ” إنّ الحديث عن خطوات من طرف واحد سيُفهم بأنّه استعداد إسرائيلي للتنازل من طرف واحد”، هذا ما قاله لنداو.

بعد 14 عامًا من خروج آخر جندي من لبنان، ما زالت فكرة الانسحاب من طرف واحد حيّة في إسرائيل، رغم جميع الانتقادات التي وُجّهتْ إليها. وستخبرنا الأيام إنْ كان نتنياهو، وهو المنتقد الأشد للانسحاب من طرف واحد والذي نفّذته إسرائيل في جنوب لبنان وقطاع غزة،  هو تحديدًا من سيعيد الحياة للفكرة ويقود انسحابًا آخر.

اقرأوا المزيد: 524 كلمة
عرض أقل