الدار البيضاء، يوم الجمعة، قبل وقت الصلاة بقليل. تسطع مئذنة مسجد الحسن الثاني، ثالث أكبر مسجد في العالم، والذي يصل إليه في رمضان نحو مائة ألف مصلّ، كمنارة من بعيد. تم استثمار ستّ سنوات وثلاثة مليارات دولار في بنائه، كما تقول المرشدة إلهام، التي تقودنا إلى الداخل. طُلب من كل مواطن مغربي (بما في ذلك اليهود منهم) من قبل الملك أن يتبرع من جيبه لبناء هذا المبنى الفخم، الذي يُفتح سقفه الضخم في أيام الصيف بهدف التخفيف قليلا من وطأة الحرّ.

تأسس هذا المسجد المثير للإعجاب عام 1993، في مراسم احتفالية حضرها الملك وخطبت فيه أيضًا أمينة مريلي، الحائزة على جائزة الدولة للأدب في المغرب. إنّ سهولة زيارة المكان مثيرة للإعجاب أيضا. لقد قادتنا إلهام إلى الداخل نحو ثلاثة طوابق: طابق الوضوء، طابق الصلاة وطابق النساء. إنها مرشدة مخضرمة تمكّنت من تجميع قاموس مفردات مفيد في عدة لغات، من بينها أيضًا العبرية، التي هي إحدى اللغات الأربع الأكثر شيوعا بين زوّار المكان، كما يتضح. هنا، وفي أماكن أخرى في المغرب، يمكن أن نشعر أننا ضيوف مرغوب بهم رغم جواز سفرنا الإسرائيلي. لا تزال اللافتات العبرية حول متجر حلال موضوعة بشكل علني ولا تخجل الجالية المغربية الصغيرة من الاحتفال بيهوديتها بفخر.

الملك حسن السادس في زيارة الى المسجد (AFP)
الملك حسن السادس في زيارة الى المسجد (AFP)

عندما انضممنا إلى الوفد في أعقاب الجاليات اليهودية في المغرب لم يخطر ببالنا أنه سيتم إرشادنا في المسجد من قبل امرأة مسلمة مكشوفة الرأس وتتحدث بالعبرية. أين يمكن أيضًا أن نشاهد مشاهد من هذا النوع؟ حلّقت الأفكار للحظة إلى مسجد آخر، لا يقل أهمية، حيث وقفت هناك في نفس الوقت نساء أخريات، المرابطات، في نضالهن الروتيني. يمكن الشعور بأصداء الاضطرابات في الحرم القدسي وخارجه في المغرب أيضًا والتي تؤجج التوتر المتزايد بين اليهود والمسلمين. بعد عودتنا إلى البلاد بقليل، خرج 20 ألف مغربي، من أنصار الحركة الإسلامية، في مظاهرة “أعدموا” فيها دمى ليهود قرب مجسّم للحرم القدسي. لم تزر إلهام نفسها المسجد الأقصى بعد، وهزت كتفيها عندما تحدثنا عنه. بالنسبة لها، وبالنسبة لبعض موظفي الوقف في المسجد والذين التقينا بهم في الداخل، من الواضح أن قداسة المكان يجب أن تكون مفتوحة، متاحة وتستقبل الزوار.

مؤخرا، بادرت فرنسا إلى اقتراح وضع مراقبين دوليين في جبل الهيكل/الأقصى بهدف التوصل إلى تهدئة النفوس في الباحة والتقليل من التوتر الديني بين اليهود والمسلمين. حتى لو افترضنا أن حكومة إسرائيل والمملكة الأردنية، من خلال الوقف، قد اتفقتا على تغيير ترتيبات السيطرة على الحرم، فهناك شك إذا كانت ستُحل المشكلة الجذرية. إن أعمال الشغب في الحرم القدسي ليست متعلقة بأعداد رجال الشرطة والمنظمين، حتى لو وُضعت في المكان قوة دولية كبيرة ونوعيّة فلن يتنازل اليهود عن رغبتهم بالصلاة في جبل الهيكل، ولن يوافق المسلمون على السماح بذلك.

المرابطات لحماية مسجد الأقصى (Flash90/Yonatan Sindel)
المرابطات لحماية مسجد الأقصى (Flash90/Yonatan Sindel)

قد يأتي الحلّ من مكان آخر، حاوٍ وتبادلي. قيادة دينية مشتركة يمكنها أن تقترح خطوطا عريضة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان وقداسة المكان. إذا وافق اللاعبون الرئيسيون في الحرم القدسي على لجنة كهذه، فبإمكانها أن تقترح ترتيبا مشابها للمعمول به في مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، المفتوح مجانا للمصلين ولكن فقط في ساعات الصلاة، وأن تتيح الزيارة مقابل الدفع للسياح من جميع أنحاء العالم في الأوقات الأخرى. في الواقع، فإنّ إغلاق جبل الهيكل أمام الزائرين في ساعات الصلاة الإسلامية، كما هو معمول به اليوم، يقع ضمن هذا النموذج.

هذا الترتيب قابل للحياة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، حيث إنّ رسوم الدخول إلى الموقع المقدس قد تموّل شبكة تنظيم وإرشاد يهودي – إسلامي مشترك بمجموعة متنوعة من اللغات. إذا تم اعتماده فسوف تنشأ في المكان روح جديدة، بدلا من الكراهية التي تغلي فيه، وستجد العناصر المتطرفة صعوبة في إثارة المكان. إذا تم تغليف القداسة ببعض العلمانية، كما فعل الملك محمد السادس في المسجد الضخم في الدار البيضاء، سيتم الحفاظ على جمال المكان وسيعم التسامح. إذا كنا نفكر في وضع راهن جديد فربّما من المستحسن استشارة ملك المغرب، الذي يتولى أيضًا منصب رئيس لجنة القدس في منظمة الدول الإسلامية. شيء ما من الروح المغربية يلائم أكثر بقليل رؤيا أشعياء: “بَيْتِي بَيْت الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ”.

نشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 621 كلمة
عرض أقل