عند الخروج من مؤتمر “البيت اليهودي” قال لي نفتالي بينيت، رئيس الحزب الوطني-الديني الذي تتصاعد قوّته في الاستطلاعات: “حسنًا؟ أي نجاح كان لنا في المؤتمر؟ معارك وصرخات في مركز الحزب، هذا يعني أن الديموقراطية حيّة وتمضي. إنّه لشيء رائع. مثل ما لدى حزب العمل، أليس كذلك؟”
في نهاية يوم حافل بالنسبة لبينيت، كان يبدو كمن تعاطى المخدّرات المنشّطة. يشعر بسعادة غامرة جدًا، مفرط النشاط، متحمّس، يدردش مع جميع العابرين. بشّر بينيت من منصّة المؤتمر بعدم السُّكر من الاستطلاعات السياسية، ولكن بدا في بعض الأحيان أنّه في حال سُكْر سعادة بالإضافة إلى القليل من سُكْر القوة. نجح بينيت في مؤتمر الحزب، الذي جاء بعد الحرب، في نقل جميع التعديلات الدستورية التي تعزّز من موقفه وتمكّنه – كرئيس لثاني أكبر حزب – من ضمّ شخصيات جديدة للحزب، دون موافقة المركز و/أو الانسحاب من الحكومة بقراره المستقلّ.
هناك سلسلة من الابتهاج في البيت اليهوديّ، بعد عملية “الجرف الصامد”. لم يتحقّق أيّ هدف من الأهداف التي وضعها بينيت. لم تتم هزيمة حماس بشكل نهائي كما طلب بذاته، لم يستمرّ الجيش بمهمّات العمق وأعلن أنّه قضى على جميع منصّات الإطلاق، ولم يتم تنفيذ طلبات بينيت بعدم الدخول في وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، ففي البيت اليهوديّ، الذي كان يسمّى يومًا ما “المفدال” (الحزب الوطني الديني) وكان حزب الرجال البيض الذين يرتدون القبّعات المحبوكة؛ لا يمكن الاتصال بنفس الصورة القديمة. في أعقاب الارتفاع الكبير في استطلاعات الرأي السياسية، أصبح البيت اليهودي – من 12 مقعدًا في الكنيست 19 حتى 19-18 – ثاني أكبر حزب في إسرائيل، مباشرةً بعد الليكود. ويأتي مع النموّ فضول وسائل الإعلام والترقّب بأن تتقدّم مجموعة أصحاب القبّعات المحبوكة إلى الحداثة. في الواقع، ففي البيت اليهودي يتم إعطاء هامش كبير أكثر من أي وقت مضى للنساء وأيضا ولأول مرة لأبناء الأقليّات. في الوقت الراهن، فإنّ أسرة درزية واحدة، وهي أسرة حسون من دالية الكرمل، متحمّسة للصفقة.
عزّزت استطلاعات الرأي السياسية التي نُشرت في الأسابيع الماضية بينيت وأضافت الكثير من الثقة بالنفس، لذلك الذي تصرّف منذ البداية وكأنّ كلّ الساحة السياسية في إسرائيل تدور حوله فقط. أدّت الاستطلاعات، والأجواء في المؤتمر أمس إلى تقويته مجدّدًا حتى أصبح مقتنعًا بأنّ البيت اليهودي سيكون ثاني أكبر حزب وأنّه سيكون مرشّحًا شرعيًّا لرئاسة الحكومة.
في الحزب نفسه، كما شهدتُ هذا الأسبوع، لم يستوعبوا أن بينيت يريد ويستطيع أن يكون رئيسًا للحكومة. بعد كل شيء، لم يحدث في تاريخ دولة إسرائيل أبدًا أن ترأسها زعيمًا يرتدي قبّعة محبوكة ولم يترعرع داخل أحد الأحزاب الكبيرة ذات العلامة التجارية: مثل الليكود و/أو حزب العمل.
إنّ قوة الخطاب، الثقة بالنفس، حديثه عن ضمّ كامل للمناطق C وإعطاء المواطنة الإسرائيلية لنحو 50 ألف فلسطيني، الذين يعيشون حسب كلام بينيت في المنطقة C، قناعته بأنّه ليس هناك أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، وكونه ليس قلقا من مواجهة إسرائيل لعزلة دولية؛ كلّ ذلك كان يمكن الشعور به جيّدًا في المؤتمر. ولكن هل يعتقد هذا الجمهور المتحمّس أنّه يرى أمامه رجلا ينمو ليصبح زعيمًا للدولة؟ أنا أشكّ في ذلك.
والواقع أنّ مؤتمر الحزب أمس مساء في تل أبيب، كان أقرب بكثير للسياسة الصغيرة. أي من الأقسام داخل الحزب سيسيطر على تغيير دستور الحزب، ومن سينجح في ثني ذراع الآخر في كلّ ما يتعلّق بالتصويت السرّي. ولكن أيضا في خلفية الحجج الإجرائية كان بالإمكان الكشف عن رائحة الأشخاص الذين يبحثون عن القوة والمزيد من السلطة السياسية. يتجادلون حول بنود النظام، ولكن المعنى هو السيطرة. السيطرة على الحزب، السيطرة على الدولة، السيطرة على الأراضي.
في ساعات المساء، في الوقت الذي جرت في غرفة مغلقة خلف المنصّة مفاوضات مكثّفة بين شطري الحزب بشأن نظام الحزب، خرج نحو 1000 عضو من أعضاء المركز لتناول الطعام والصلاة. للصلاة وتناول الطعام. “منذ اللحظة التي جئت بها إلى هنا في الصباح، كان الجميع يصلّون كلّ الوقت” قالت لي يعراه، إحدى الناشطات في الحزب. هي متديّنة من أخمص قدميها حتى رأسها، وفقًا للتقاليد الدينية، يمكنها الضحك وإزعاج عادات زملائها في الحزب. ليست يعراه هي المرأة الناشطة الوحيدة التي تجوّلت هناك. إنْ كان بالإمكان الذهاب وفق شعار الحزب “شيء جديد يبدأ” فمن المؤكّد أنّ هناك العديد من النساء نسبيًّا (مقارنة مع الليكود على سبيل المثال) المشاركات في العمل الحزبي.
بعد الصلوات (حيث لم يكن من الصعب الوصول إلى هناك) عاد جميع أعضاء المركز إلى قاعة المؤتمرات وسارعوا خلال بضع دقائق إلى الموافقة على جميع بنود النظام الحزبي وفقًا لطلب الزعيم. من شدّة الفرح والحماسة نسوا أنّه كان من المفترض وفقًا للجدول الزمني الأصلي أن يقيموا حفل تكريم لجنود الاحتياط الذين قاتلوا في عملية “الجرف الصامد”. بعد كلّ شيء، وفقًا لـ DNA المُحدَّث للبيت اليهودي، فإنّ الخدمة العسكرية، الضابطية، القتالية بل والفخر القبلي من نوع “لقد قتلت الكثير من العرب” يشكل جميعها جزءًا من القضية. ولكنْ حتى الضابط المزيّن، عضو الكنيست يوني شتبون، لم يحظ بالاهتمام الكافي من أجل الإصرار على أن يحظى جميع جنود الاحتياط بذات التحية. كان من المفترض أن يلقي بينيت خطابًا سياسيًّا، وهذا أيضًا لم يحدث. عاد أعضاء الحزب الوطني الديني القدامى ليكونوا نشطاء للحقيقة وبعد أربع ساعات متواصلة من الجدالات، تعبوا وأرادوا أن يذهبوا في طريقهم. بعد الثامنة مساء بقليل، فرّق بينيت الاحتفال. ربّما أنّه لم يصل بعد إلى مستوى الليكود أو حزب العمل، حيث يملكون هناك القدرة على متابعة المؤتمرات حتى منتصف الليل، فيما لو كانت هناك بعض الحجج التي لم تُحلّ والتي تسوّغ أعمال الشغب.
* * * * *
أحد التغييرات التي قادها بينيت خلال السنة الأخيرة هو تغيير البند في نظام الحزب والذي يسمح للراغبين بالانضمام بأن يكونوا علمانيين ودروز أو أبناء أديان أخرى فقط إذا كانوا يتماهون مع قيم الحزب. وكما ذُكر آنفًا، فنظرًا لكونها قيمًا دينية-وطنية، بما في ذلك ضمّ الأراضي، فمن الصعب أن نتخيّل عرب إسرائيل يتعاملون بجدّية مع الحزب.
حرص بينيت على التغيير أعلاه حتى قبل الانتخابات البلدية التي أجريتْ في العام الماضي، لانتخاب مرشّح درزي من قبله في مدينة دالية الكرمل وقد نجحت هذه الخطوة. دخل غصوب حسون كعضو في المجلس وبعد أن صوّت له (حينذاك) أكثر من 1000 شخص، زعم بأنّه سيحضِر كلّ هذه المجموعة كأعضاء في البيت اليهوديّ.
حين يُسأل حسون، ما له ولحزب وطني يعبّر أعضاؤه تعبيرًا عنصريًّا تجاه العرب:
“رأيت كيف أنّ بينيت ثار فورًا على شتبون، حين تجرّأ وتحدّث ضدّ الدروز. قال له فورًا، عندنا لا يتحدّثون هكذا عن أبناء الطائفة الدرزية. كان موطي يوغيف قائد في الجيش وأنا أعتقد أنّ هناك صلة جيّدة بيننا نحن الدروز وبين هذا الحزب”.
كم عضوًا ضممتَ حتى اليوم لصالح الحزب؟
“أعتقد أنّني سأضمّ في الشهرين القريبين جميع الأشخاص الـ 1000 الذين صوّتوا لي في انتخابات بلدية دالية الكرمل. هناك تأييد للبيت اليهودي عند الدروز”.
هل تكسب رزقك من الحزب؟
“نعم، تلقّيتُ مؤخرًا الترشيح لأكون ممثّلا عن الحزب في الوسط الدرزي وبدأت بالعمل في القرى وهناك إمكانات كثيرة لضم الأعضاء”
هل تتماهى مع قيم الحزب؟
“بالتأكيد. تزايد اليمين كلّ الوقت عندنا أيضًا. استضفنا هذا الأسبوع في دالية الكرمل مجموعة من الحاخامات ممّن تمّ إجلاؤهم من غوش قطيف. لقد جاؤوا وجلسوا عندنا وتحدّثوا وتماهينا معهم بالتأكيد”.
هذا يعني أنّك تتماهى أيضًا مع القيم اليهودية؟ هل هذا مقبول عليك؟
“بالتأكيد أتماهى. ولِمَ لا أتَماهى مع قيم اليهودية؟ ما المشكلة في ذلك؟ نحن نعيش هنا في الدولة الصهيونية. ليس لديّ أيّ مشكلة مع مبادئهم، فضلا عن جميع الجوانب اليهودية”.
هل تودّ أن تصبح عضو كنيست؟
“بالتأكيد. إنّهم بحاجة إلى إدخال عضو كنيست من الوسط وكنت أرغب بأن يكون هناك ضمان مكان في الحزب وأن أكون عضو الكنيست الأول نيابة عن البيت اليهودي. أنا أول شخص يعمل لصالحهم في هذا الوسط ولذا فهذا ما أتوقّعه. آملُ أن يكون هناك تغيير في النظام الحزبي بحيث أستطيع الدخول، ومع الاستطلاعات سأكون مسرورًا أيضًا بالمركز العاشر أو أكثر بقليل”.