كانت المقابلة التي أجريناها معها قبل سنتين ونصف (في الرابط التالي) الأكثر قراءة في ذلك الحين. كانت ردود الفعل بشأنها متباينة: أعرب الكثيرون عن تقديرهم للشابة الإسرائيلية التي تكرس وقتا طويلا من أجل ضحايا الحرب الأهلية السورية، وبالتباين، كالمعتاد، كان هناك من أعرب عن شكوكه. بعد عامين ونصف، أصبحت إليزابيث تسوركوب، الصوت البارز في إسرائيل حول القضية السورية، وهي مطلعة على الواقع السياسي والوضع في سوريا بشكل شخصي. في الآونة الأخيرة، تعيش في الولايات المتحدة، وعندما سألتها إذا تعرفت إلى أصدقاء إسرائيليين، أوضحت أنه لم يتسنَ لها، مشيرة إلى أن لديها أصدقاء سوريون…
“أكرس كل أوقات الفراغ من أجل سوريا”، قالت إليزابيث، وأضافت: “أنا على علاقة يومية مع السوريين، وأكرس ساعات من أجل ذلك يوميا”.
لقد أعلن الروس، الإيرانيون، وحزب الله طبعا عن الانتصار في سوريا، ورغم أن هذا هو الانطباع، إلا أنه يبدو أن الحرب لم تنتهِ بعد. ما هو الوضع الآن؟
لا شك أن الروس والإيرانيين معنيون بالقول – انتصرنا. وذلك من أجل الرأي العام في إيران وروسيا والحرب النفسية ضد المعارضة، ولكن ما زالت نهاية الحرب في سوريا بعيدة. لقد بات واضحا مَن سيكون المُسيطر في سوريا بعد انتهاء الحرب. فطرأ تغيير هام على توازن القوى في سوريا، ومن الواضح الآن أن نظام الأسد أو لمزيد من الدقة النظام السوري هو الذي سيحكم سوريا بعد انتهاء الحرب. لم تكن هذه الحقيقة واضحة في عام 2015، مثلا، أدى دعم دول الخليج إلى تقدم المعارضة نحو مناطق العلويين، لهذا تدخلت روسيا وإيران في سوريا حينذاك.
إذا، ما هي الأسئلة المطروحة الآن؟
ليس واضحا بعد كم من الوقت يحتاج نظام الأسد للسيطرة مجددا على مناطق في سوريا ومَن سيحكم سوريا؟ لا شك أن النظام السوري هو الذي سيحكم، ولكن السؤال هو إذا كان الأسد سيظل في الحكم. لم يُتخذ القرار بعد. يشعر الروس أنهم ملزمون أقل تجاهه، وهم يعرفون أن بقاءه في الحكم، يشكل صعوبة لدى الجهات المعارضة في التوصل إلى اتفاقات، ويضمن ألا تصل مساعدات مالية لإعادة إعمار سوريا من دول الخليج أو الدول الأوروبية، لأن الأسد هو بمثابة خط أحمر في نظرها. ربما ستصل إلى سوريا مساعدات من الأمم المتحدة، ولكن لن تصل المبالغ الضرورية الكافية لإعادة إعمارها. يطمح الروس إلى أن تكون سوريا قصة نجاح فحسب، ولكن إذا تركوها مدمّرة فستكون قصة فشل. الروس معنيون بتغيير الأسد وبقاء نظام الحكم في الوقت ذاته: أن تظل مؤسسات الدولة والجيش.
مَن سينتصر؟
ليس واضحا إذا كان النظام سيسيطر على كل المناطق التي كانت خاضعة له في عام 2011 أو أن سوريا ستصبح مؤلفة من دول كثيرة خاضعة لجهات مختلفة مثل الأكراد في الشمال – هل سيحظى الأكراد باستقلال تقديرا للمساعدة التي قدموها لأمريكا ضد داعش؟ تجدر الإشارة إلى أن تركيا تدخلت في شمال حلب، ويبدو أنها معنية بأن تلعب دورا شبيها في إدلب – فهي ترغب في محاربة الأكراد بنجاعة أكبر ومنع دخول المزيد من اللاجئين إلى أراضيها. هناك 4 ملايين سوري في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. في وسع الكثير منهم العيش في ظل النظام السوري، ولكن هناك آخرون لا تتوفر أمامهم هذه الإمكانية لهذا عليهم الهروب. في المقابل، إذا سيطرت تركيا جزئيا على بعض المناطق، يكون هؤلاء السوريون قادرين على الفرار إليه. طُرد جزء من مقاتلي فصائل المعارضة الذين ينتمون إلى مجموعات متطرفة أكثر، ونشطاء – أشخاص لدي علاقة معهم – إلى إدلب بعد أن عارضوا النظام بشكل علني. إذا سيطر نظام الحكم على كل الأراضي السورية مجددا، فسيعمل هؤلاء المطرودون جاهدين للهروب إلى تركيا ولكن إذا ظلت الحدود مغلقة، فسيتعرضون للخطر.
يتساءل الكثيرون إذا كانت روسيا غارقة في المستنقع السوري. هل تعتقدين أن بوتين يحاول الهرب من سوريا؟
لا أعتقد ذلك. منذ الأشهر الأولى، اعتمدت روسيا على مقاتلي المرتزقة. سمحت هذه الحقيقة لروسيا بأن تنكر أعمالها في سوريا، وأصبح ثمن القتال أقل. قُتِل بعض الأشخاص، وظهر ذلك في مواقع تابعة للمعارضة الروسية فقط. روسيا ليست معنية في بقاء قواتها العسكرية في سوريا لفترة غير محدودة، ولكنها تتعرض الآن لاشتباكات مع إيران حول بلورة مستقبل سوريا في اليوم ما بعد الحرب. إن الطريق لخروج روسيا من سوريا ما زالت بعيدة. ستعمل روسيا على تقليص حجم قواتها بعد أن يسيطر نظام الحكم بشكل مؤكد، وبعد أن تضمن مصالحها في سوريا.
أنتِ لست الوحيدة التي تتحدثين عن الخلافات بين الإيرانيين والروس. هل تعتقدين أننا نبالغ في القضية إلى حد معين؟ علينا أن نتذكر أن الحديث يجري عن حليفتين حاربتا معا
إيران وروسيا لا تنظران إلى إسرائيل بنفس المنظار. فروسيا ليست معنية بخوض اشتباكات مع إسرائيل. على الأمد القصير، مصالحهما متشابهة، ولكن هناك خلافات بينهما حول مستقبل سوريا، وطبعا حول تقسيم الغنيمة غير الكبيرة. لا شك أن إسرائيل تحاول تعزيز الخلاف، من خلال تسريبات وخطوات أخرى.
لقد ذكرتِ إسرائيل. هل تعتقدين أن إسرائيل ستخلط الأوراق مجددا ردا على الاستفزاز الإيراني، وستتورط في الحرب في سوريا؟
أعتقد أن سياسة القيادة الإسرائيلية، رغم انتقاداتي لها حول قضايا كثيرة، واضحة جدا في هذا الشأن. يشير الإجماع الإسرائيلي إلى أن محاولة تغيير الدولة داخليا مصيرها الفشل. أسفرت الحرب في سوريا عن ضحايا أكثر من الحرب في لبنان.
ولكن لا يمكن أن نتجاهل أننا منذ الشهرين الماضيين نشهد حالات تتدخل فيها إسرائيل أكثر من الماضي
هذه التدخلات ما زالت محدودة أيضا. هناك الكثير من الأفراد في سوريا الذين يأملون جدا أن تتدخل إسرائيل لصالحهم، ولكن لا أعتقد أن هذا سيحدث. لأن خطوة كهذه تعني التعرض لمواجهات مع روسيا وإيران من أجل تحقيق إنجازات غير محددة. لنفترض أن إسرائيل تدخلت وصنعت منطقة آمنة جديدة فهذا لن يمنع المليشيات الإيرانية من إطلاق صواريخ ضدها من الأراضي السورية. إذا كانت إسرائيل ترغب في منع التمركز الإيراني في سوريا فعليها أن تحتلها. ليس هناك أي احتمال أن تقوم إسرائيل بخطوة كهذه.
ما هي الإمكانيات التي تقف أمام إسرائيل؟
في وسعها زيادة حجم المساعدات التي تقدمها للمعارضة والمساعدات الإنسانية الأخرى، وفتح المناطق الحدودية أمام الاقتصاد الإسرائيلي – تسويق المنتجات الزراعية إلى إسرائيل والمتاجرة بها. قد تجعل هذه الخطوة المنطقة العازلة واضحة أكثر. تتطلب خطوة كهذه حماية القرى ذات الصلة منعا لتعرضها للنيران من قبل قوات النظام. تجنبت إسرائيل القيام بخطوة كهذه حتى الآن.
أنتِ تتحدثين عن المُساعَدة الاقتصادية، ماذا بالنسبة للمُساعَدة العسكرية؟
يتضح من بحث أجريته في الأشهر الأخيرة أن إسرائيل تقدم مساعدات عسكرية ل7 فصائل مختلفة، متضامنة مع الجيش السوري الحر، في القنيطرة ودرعا. فهي تدعم من خلال تقديم أسلحة خفيفة فقط، وتساعد في الأجور. إضافة إلى هذا زادت إسرائيل مساعداتها الإنسانية لهذه المناطق، وبالمناسبة لا تصل المساعدات في حالات كثيرة من إسرائيل بل من متبرعين يهود ومنظمات يهودية في الولايات المتحدة. بفضل هذه المُساعَدات، أقيمت في سوريا عيادات في مناطق خاضعة للمعارضة، وأقيم مخبز يبيع الخبز للمواطنين بسعر زهيد. إضافة إلى هذا تقدّم مساعدات إنسانية كثيرة مثل الأطعمة، الحفاظات، وغيرها.
ماذا عن المساعدات في ساحة المعركة؟
إنها تُقدّم مساعدات لفصائل المعارضة في نضالهم ضد داعش في منطقة المثلث الحدودي مع الأردن. تشن إسرائيل هجمات مباشرة ضد داعش بالطائرات المسيّرة أو الصواريخ المضادة للطائرات، بما في ذلك اغتيال زعماء داعش. تتوقع إسرائيل أن تتقدم قوات المعارضة برًا ولكن هذا لا يحدث فعلا.
لماذا أنت مهتمة بسوريا إلى هذه الدرجة؟
أنا أعرف سوريين كثيرين من داخل سوريا قبل بدء الحرب الأهلية في عام 2011. عندما اندلعت الثورة، بدأ يستخدم الكثير من السوريين الشبكات الاجتماعية وتدريجيا ازداد عدد المستخدمين بشكل ملحوظ. في البداية كنت أتحدث مع بعض السوريين وتابعت الأخبار مثل الآخرين. ولكن اليوم لدي أكثر من 3000 صديق سوري في الفيس بوك. اضطررت لحذف 1000 إسرائيلي من صفحتي في الفيس بوك لضم سوريين كان جزءا منهم لاجئا يعيش خارج سوريا. هناك أشخاص هم أصدقائي بكل معنى الكلمة – أشخاص أعرف عائلتهم وما يحدث معهم مثلا إذا كانوا مرضى أم أصحاء. ليست هناك اليوم منطقة في سوريا ليس لدي أصدقاء فيها. في أحيان كثيرة، يتوجه إليّ إعلاميون إسرائيليون للوساطة بينهم وبين السوريين. طبعا، أستجب لهذه الطلبات مجّانًا رغبة في إسماع صوت هؤلاء الأفراد في إسرائيل.
إذا كنتِ قادرة على العودة إلى الماضي، هل كنتِ ستوصين أصدقاءكِ بألا يتمردوا؟
لا أعتقد أن تشجيع الغرب هو ما دفع السوريين للتمرد. لم يأخذ السوريون بعين الاعتبار أن الأسد لديه حليفتان وهما روسا وإيران أقوى من حلفاء القذافي. ومن جهة أخرى، كانت هناك إدارة أوباما التي لم ترغب في إثارة غضب إيران.
تجري تساؤلات بين السوريين حول إذا ارتكبوا خطأ في ظل حجم القتل والدمار في سوريا. إن نظام الحكم في سوريا غير قابل للإصلاحات، أي أنه كان يجب متابعة العيش في ظل الدكتاتورية. أنا لست قادرة على الحكم على السوريين والتوضيح لهم كيف عليهم العيش.
لا شك أنكِ تُسألين كثيرا هذا السؤال، ولكن كيف يثق بكِ السوريون الذين ترعرعوا على أن إسرائيل دولة عدوة؟
يصف الأشخاص الذين لدي علاقة معهم وضعا إنسانيا خطيرا في سوريا ويشعرون أن العالم لا يهتم بهم. أصبحت وسائل الإعلام تهتم بسوريا أقل مقارنة بالماضي. هذا هو أحد الأسباب الذي يدفع السوريين إلى التحدث معي رغم أني أوضح لهم أني إسرائيلية. إنهم يرغبون في أن يشاركوا الآخرين بضائقتهم. هناك حقيقة أخرى تحظى باهتمام أقل وهي معاناة السوريين غير المرتبطة بالنظام فحسب. يعاني السوريون حاليا من القصف الذي يطلقه الروس والنظام ويضطرون أيضا إلى مواجهة حكم فصائل المعارضة السلطوي، ويشاهدون فاسدا رهيبا من قبل تنظيمات المجتمع المدني، ومحاكم شرعية تتخذ قراراتها أحيانا استنادا إلى الرشاوى، وهم غير قادرين على التحدث عن كل هذه الأعمال الرهيبة مع المراسلين الآخرين الذين لا يهتمون بهذه الأخبار. يهتم الكثير من الباحثين بسوريا بالنواحي الاستراتيجية. يفكر الكثيرون أن ما يمر به المواطِنون السوريون غير هام. ولكن أنا أعتقد غير ذلك.
للإجمال، السؤال الهام هو هل لديكِ علاقة أية كانت مع الموساد الإسرائيلي؟
أنا زميلة باحثة في منتدى التفكير الإقليمي. وهو معهد بحث مستقل. نحن لا نتلقى تبرعات أو مساعدات من السلطات الحاكمة في إسرائيل، وننشر مقالات انتقادية ضد الحكومة، لا سيّما حول الشأن الفلسطيني. رغم أن الكثيرون يعتقدون كذلك، ولكني لست عميلة في الموساد. أهتم بسوريا وبالسوريين الذين يعيشون في ظل الحرب. حتى أن قادة من فصائل المعارضة يتوجهون إلي ويطلبون مني أن أعمل على الوساطة بينهم وبين الموساد.. ولكن لم أقم بخطوة كهذه ولست معنية بذلك.