في نهاية السبعينيات، عندما افتتح الشيف حسام عباس مطعم عباس في يافا، قدم المأكولات ذاتها التي يقدمها اليوم في فروع مطعم البابور الثلاث التي يملكها. تزاحم الصحفيون الإسرائيليون، في تلك الفترة، على المأكولات الفلسطينية الأصيلة. وأعربت الصحافة الإسرائيلية والعالمية أيضًا موضحة أن “عصر المطاعم الشرقية انتهى، وفي المقابل، بدأ عصر المطاعم العربية (الفلسطينية)”، كما جاء في أحد العناوين.
لكن يبدو أنه منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم يتغيّر التعريف كثيرا – حتى اليوم من الصعب جدا إيجاد مطعم في تل أبيب أو في إسرائيل يقدم “مأكولات فلسطينية”. إن “المأكولات الفلسطينية” عبارة يخشى منها عدد غير قليل من الناس لأنّها تربط بين الطهي والسياسة.
سواء كانت لغما سياسيا أم لا، فلا شك أن المأكولات الفلسطينية أصبحت في السنوات الأخيرة محببة على قلوب الجمهور الإسرائيلي. يتحقق الاتصال شبه التلقائي بينها وبينه بسبب توفرها وإنتاجها المحلي والموسمي. موسميًّا، فالشتاء على سبيل المثال هو موسم الفحفحينة، الخبيزة، اللسينة، والعكوب، والصيف هو موسم البامية، اللوبية، والباذنجان البلدي، ومحليا، يدور الحديث عن كل المواد الخام التي يزرعها الناس (القرويون غالبا) في الحقل أو في ساحة المنزل، والحيوانات التي يربونها كالماعز، الخراف، والدواجن.
تأثر المطبخ الإسرائيلي بالمطبخ الفلسطيني الجار. وأصبح يبدي المزيد من المطاعم التي تقدم وجبات طعام اهتماما بالمطبخ الفلسطيني. من يعرف المأكولات الفلسطينية، يعلم بالضرورة، أنّه مطبخ مركّب سواء من حيث المكونات أو صعوبة الطبخ. إن وصول الكثير من الإسرائيليين إلى هذا المطبخ، محدود.
وكان هذا حلم كاتبة الوصفات وخبيرة الأكل، ميخال فكسمان، التي تجرأت على اختراق حدود أخرى للوصول إلى أعماق المطبخ الفلسطيني، النظر إلى الأواني أثناء الطبخ، والتوثيق بحرص شديد كل مراحل إعداد الوصفات الفلسطينية البسيطة والمعقدة على حد سواء. الهدف الأساسي: دراسة “المطبخ الجار”، تعلم أسراره، وجعله قريبا ومتاحا أمام الجمهور الإسرائيلي. كانت حصيلة هذه المحاولة إصدار كتاب طهي، فيه أكثر من 100 وصفة من المأكولات الفلسطينية الجليلية الفاخرة، مكتوب باللغة العبرية، بينما تظهر أسماء الوجبات باللغة العربية في العناوين.
في محادثة مع ميخال فكسمان، حاولنا أن نفهم ما الذي جعلها، بصفتها إسرائيلية، تصر على نقل تقاليد الطبخ القديمة (التي تُنقل عادة من الأم إلى ابنتها شفهيًّا) عن طريق الكتابة، إلى الإسرائيليين.
“قضيت جزءًا كبيرا من العامين الأخيرين في الناصرة، في المطبخ المنزلي لعائلة صفدي. وما بدأ في لقاء اجتماعي لذيذ صدفة بيني وبين الشيف دخل صفدي، أصبح رويدا رويدا حلما يتحقق وانتهى بكتابة كتاب صدر قبل أكثر من شهر بقليل. من الصعب أن أصف بالكلمات قوة تجربتي الشخصية من إجراءات العمل على هذا الكتاب، وحجم تأثري مع صدوره”.
شهدت فكسمان التي بحثت في مجال الطهي على مدى سنوات وأصدرت كتبا تناولت تغذية الرضع والأطفال، ووصفات سريعة وصحية للأشخاص المشغولين في العمل، أنّ هذه الخطوة التي بدأت مع الشيف دخل وبنات أسرته، جعلتها تشعر بدهشة ولا سيما أنها جذبتها كليا.
“في نهاية الصيف، قبل لحظات من عيد الأضحى، بدأ لقاء اجتماعي في الناصرة، بنزهة خاصة بالطهي في المدينة، ومن ثم بتناول وجبة فاخرة حول مائدة مزدحمة بالأطعمة الرائعة في مطعم ديانا (الذي يملكه دخل)، وانتهى بإعلان النية عن إصدار كتاب يوثق عاما في المطبخ العربي العائلي، الذي يدور حول السوق، التقاليد، الأعياد، المواسم، ذكريات الطفولة والأشواق”، كما كتبت فكسمان في مقدمة كتاب الوصفات، الذي سمته “بلدي”.
التقت فكسمان بالشيف دخل (الجيل السادس في مدينة الناصرة والجيل الثاني في المطبخ الاحترافي وابن سلالة من الطباخين والطباخات)، في كل مرة زارت فيها مطعمه ديانا، ورأته وهو يقطع بسكين كبيرة ومشحوذة لحما للكباب، يشوي أضلاعا على الفحم، أو يخلط بيديه أوراقا خضراء طازجة مع الكثير من زيت الزيتون، عصير الليمون، والسلطة الهشّة والطازجة.
ما الذي يجذبك تحديداً في المطبخ الفلسطيني؟
“دائما وأبدا، حتى قبل اهتمامي بالأطعمة كان المطبخ العربي مركز حياتي المهنية، وأثار لدي فضولا كبيرا. على مدى السنين اقتنصت كل فرصة لتذوّق مذاقاته التقليدية، آملة أن أتعلم المزيد عنه، ومتمنية أن يصادف يوما وأحظى بإلقاء نظرة عميقة للتعرّف على أسراره، إذ يمكنني توثيقها، تعلمها وترجمتها إلى أوان وأطباق في مطبخي”.
لقد استقبلت عائلة صفدي فكسمان، على مدار السنة بدفء ومحبة. تشهد فكسمان أنّ ربة الأسرة، والدة دخل، استقبلتها بحب كبير وبالتعاون مع بقية نساء الأسرة أتاحت لها فرصة تعلم العجين، التقطيع، الرق، الحشو، الطيّ، وفي أثناء ذلك القيام بالثرثرة، الضحك، تناول الطعام، العمل وأيضا قضاء الوقت في حضن عائلتها الموسعة. وأن تكون جزءًا من الوجود الفلسطيني، الأصيل فيما يتعلق بالطعام.
ما هو تعليقك على من سيتّهمك بـ “الاستيلاء الطهوي”؟
“هذا سؤال هام جدا. أعتقد أنّ من يقرأ الكتاب، لن يستطيع اتهامي بالاستيلاء الطهوي أبدا. كان هدفي الأول والأخير هو التعلم ولن أفكر في جعله ملكا لي أو “للإسرائيليين”. إذا تمت تغييرات في الوصفات، فقد كان ذلك دائما من خلال استشارة دخل ووالدته. كان الهدف واضحا، وهو كتابة وصفات يمكن لكل امرأة تقرأ العبرية أن تعدّها في المنزل. لا شك أن “استعمارية الطعام” هو مصطلح إشكالي، ويزعجني جدا. حرصت على تسمية الوجبات بأسمائها العربية… من جهتي، كان يمكن أن يشكل هذا الكتاب كتابا توثيقيا للطعام الإيطالي، أو الياباني أو التايلندي”.
لماذا تعتقدين أن الإسرائيليين يدعون الطعام الفلسطيني طعاما شرقيا؟
“تحريف الكلمات في إسرائيل، كما هو معلوم، صعب جدا. من الصعب عليّ أن أشرح السبب تحديدا. إذا نظرنا إلى المطاعم الإسرائيلية في العالم، والتي أصبحت اتجاها ضخما في الطهي، في نيويورك، لندن وباريس، والتي يقف خلفها أيضًا طهاة إسرائيليون كبيرون، نلاحظ أنهم يقدّمون دائما “طعاما شرق أوسطي”، والذي يشمل الحمص، الفلافل، ورق العنب المحشو، وغيرها…. ولا تُسمّى الوجبات باسمها الحقيقي ولا يُشار إلى المطبخ الفلسطيني. هكذا الأمر وليست لدي إجابة لماذا يفضّلون أن يسمّوا هذا الطعام طعاما شرقيا. أعتقد أننا لم نتقدم بعد بما يكفي من أجل تسمية المطبخ الفلسطيني، باسمه “مطبخ ومأكولات فلسطينية…”.
“بلدي” ليس مجرد كتاب وصفات للمأكولات الفلسطينية بقدر ما يعبر عن الوجود الفلسطيني. يعرض أيضا التعقيد السياسي والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في بداية كلامها تقول فكسمان، إنّ مشروع كتاب الوصفات، قد بدأ العمل عليه في سنوات سياسية صعبة جدا “كنا أنا ودخل مقتنعَين أننا سنهتم بالأكل وبالمطبخ فقط. ولكن لا يمكن أن يكون الطعام مجرد طعام أبدا، بشكل أساسي في مدينة مثل الناصرة، التي تجد صعوبة في التصدي للعواصف التي تُثار فيها داخليا وخارجيا. على مدى عام تم غلي وطهي الأطعمة في مطبخ أسرة صفدي، ولكن بدا أحيانا بأنّ الواقع الإسرائيلي يقع في فقاعة كبيرة جدا، بحيث تهدد بالفوران في كل لحظة. سقطت حكومة إسرائيلية وقامت أخرى، هزت العمليات هذه البلاد الممزقة، دفع ضحايا بحياتهم ومستقبلهم، أقيمت مظاهرات، أصبحت مطاعم فارغة من روادها، وتجنّد الطهاة والخبازون للدعم وكافح جميعهم على حدٍّ سواء من أجل الحفاظ على البيت ومصدر الرزق”.
وسط كل هذه الأحداث السياسية – الاجتماعية، وجدت فكسمان نفسها تراقب، توثق متحمسة، وتعزز العلاقة المبنية على المحبة والاحترام بينها وبين دخل وأفراد أسرته، وبالمدينة والطعام، أكثر فأكثر.
ما هو الطعام الذي تحبين طبخه كثيرا لزوجك وأطفالك، من الطعام الفلسطيني؟
“طبخت كل وصفات الكتاب، أكثر من 100 وصفة، في مطبخي الشخصي، على الأقل مرة واحدة. في يوم الجمعة الأخير أعددت وجبة “المحمّر”، أطبخ المجدّرة بشكل دائم، السلطات، “العرايس”، الحساء على أنواعه. أعددت كعك العيد بالتمر في منزلي أيضًا”.
هل هناك طعام فلسطيني لا تحبينه؟
“كلا. هناك وجبات أحبها وأحب مذاقها. ولكن أكلت وأحببت كل وجبة موجودة في الكتاب غالبا”.
وفي النهاية نحن نتشرف بمشاركتكم بوصفتين من المأكولات الفلسطينية الأصيلة، اللذيذة وسهلة التحضير من كتاب “بلدي”.
جرجير مع فجل صغير ورمان
المقادير:
باقة جرجير كبيرة، من دون السيقان السميكة، مقطعة طوليا لشرائح غير سميكة
بصلة حمراء صغيرة مقطّعة طوليا لشرائح رقيقة
فجلتان مقطعتان لشرائح رقيقة، كل شريحة مقطعة لعصيّ صغيرة رقيقة أو منصّفة
حفنة من بذور الرمان
ملعقة صغيرة من السُماق المطحون والطازج
ملح وفقا للمذاق
عصير ليمون من ليمونة واحدة
زيت زيتون بسخاء
طريقة التحضير:
في وعاء كبير، نخلط كل مكوّنات السلطة باليدين، بحيث تمتزج المذاقات معا
نأكلها فورا، كي لا تذبل أوراق الجرجير.
شوربة عدس صحيح
المقادير:
1/2 كيلو عدس أسود مغسول جيدا ومنقّى
سنّان من الثوم المقطّع
بصلة كبيرة مقطّعة لمكعّبات
1/2 كأس زيت زيتون
6 كؤوس ماء
ملح وفلفل أسود، وفقا للمذاق
للتقديم:
شطة منزلية، فجل، وبصل أخضر
طريقة التحضير:
نضع في طنجرة كبيرة جميع مكوّنات الوصفة فيما عدا الملح.
نخلطها، نغطيها، ونتركها تغلي.
يجب غلي العدس بدرجة معتدلة لنصف ساعة أو حتى يصبح طريا ولكن ألا يذوب.
قبل انتهاء الطبخ، عندما يصبح العدس طريا، نزيد الملّح ونخلط جيدا.
نأكل الشوربة ساخنة مع إضافة الشطة المنزلية، وفق الرغبة، ومع البصل الأخضر والفجل أيضا.