نودلز بصلصة حليب جوز الهند مع الكاري الأصفر
نودلز بصلصة حليب جوز الهند مع الكاري الأصفر

من المشرق بكلّ محبة

بعد جولة في شرق آسيا، عدتُ أدراجي بكثير من المذاقات والوصفات الجديدة، المختلفة، والمثيرة. إليكم تقريرًا مختلفًا بعض الشيء

في كل رحلة، يشكّل اكتشاف المطابخ المحلية، المذاقات الجديدة والمغايرة، طرق الطبخ المختلفة، والتوابل غير المألوفة أحد ألطف الاختبارات، بالنسبة لي على الأقلّ. وهذا ما حدث في رحلتي الأخيرة إلى منطقة الهند-الصينيّة. تعرفتُ في المطبخ الفيتنامي إلى تنوّع واسع من ثمار البحر، أعشاب التوابل، وشعرية الأرز، في كمبوديا عشقتُ الطبخ بحليب جوز الهند، أمّا في تايلند فقد أحرقتُ حنكي بخليط توابل كاري لذيذة، لكن لاذعة بشكل استثنائي.

بعد عودتي إلى البيت، حاولتُ استعادة بعض الوصفات التي تذوقتُها في جولتي، حتى إنني اخترعتُ وصفاتٍ جديدة بتأثير المذاقات الشرقية. كان صعبًا عليّ الحصول على بعض الحاجيات، اضطررتُ إلى التنازل عن بعضها الآخر، لأنني لم أجده في إسرائيل، واستبدلتُ بعضها بحاجيات محلية شبيهة. وإليكم النتائج:

إحدى أحبّ الوصفات إلى قلبي في تايلند كانت سَلَطة البابايا. تظهر هذه السلطة بشكل أو بآخر في كل قائمة غذاء جنوبَ تايلند، وهي سهلة التحضير، وغنية بالمذاقات المنعشة والمبتكَرة. المكون الأساسي هو بطبيعة الحال ثمرة البابايا، لكن من المهم استخدام بابايا خضراء، لا الثمرة البرتقالية الناضجة. وهذا هو أحد أكثر المكوّنات التي استصعبتُ إيجادَها في إسرائيل. تُقطَّع البابايا إلى شرائح دقيقة وطويلة (يمكن أيضًا استخدامُ المبرشة)، يُضاف الخيار المقطّع بنفس الطريقة، البذور، البصل الأخضر المُقطَّع دقيقًا، والكثير من الكُزبرة. الصلصة مكوّنة من الكثير من الليمون، الفستق المقطّع، الثوم، العسل، وزيت الزيتون. كما ذُكر، السلطة منعشة، ملائمة كوجبة أولى قبل أية وجبة آسيوية، أو كمجرّد مرافق منعِش للوجبة الرئيسية.

الوجبة الرئيسية التي أفضّلها هي كناية عن دمج عدد من الوجبات التي تذوقتُها في كلٍّ من الأمكنة. وأعني النودلز (شعرية البيض أو الأرز، وإذا كان صعبًا إيجادها، يمكن استخدام السباغيتي)، بصلصة حليب جوز الهند مع الكاري الأحمر اللاذع، ويمكن إضافة ثمار البحر، الدجاج أو لحم البقر، حسب المذاق. نبدأ بقلي شرائح من البصل الأبيض والبصل الأخضر، نضيف الكثير جدًّا من الزنجبيل والثوم وملعقة من مسحوق الكاري الأحمر (أو الأصفر)، الذي وجدتُه في دكان لمنتجات الشرق الأقصى. في هذه المرحلة، نضيف اللحم – القريدس أو الكالماري كما هو متّبع في الشرق، أو مكعبات صدر الدجاج، أو قطعًا من اللحم، ما يكون أسهل إيجاده في إسرائيل. أنا، بالمناسبة، أحب كثيرًا تحويل هذه الوجبة إلى نباتية، وأضيف بدل اللحم مكعبات من القرع.

صلصة حليب جوز الهند مع الكاري الأصفر
صلصة حليب جوز الهند مع الكاري الأصفر

في المرحلة التالية، تُضاف علبة حليب جوز هند محفوظ (وجدتُها في نفس الدكان)، ملعقة صغيرة من السكر وأخرى من الملح، القليل من الفلفل الأسمر، وكأس محلول مرق دجاج. نخلط جيّدًا كلّ المكونات ونبقيها على نار قوية حتى تثخن الصلصة. نذوق ونضيف توابل حسب الحاجة. في نهاية الطبخ، نضيف الكثير من الكزبرة والفستق المقطَّع، ثم النودلز التي طُبخت مسبقًا (لنحذر من أن تكون رخوة كثيرًا). إنّ نكهة الكاري وحليب جوز الهندي تُسكر وتسبّب الإدمان، بحيث يصعب جدًّا التوقف عن الأكل. لا تقولوا إنني لم أحذّركم!

وفي نهاية الوجبة الآسيوية الرائعة هذه، سأشاطركم ألذ حلوى تناولناها في المشرق. أعترف أنّ محاولة تقليدي كانت أقلّ لذة من الأصل، لكنها كانت تستحق الجهد على أية حال. وأتحدث عن فطيرة محشوّة بعصير السكر تذوقتُها في فيتنام (وقد عُدنا إلى المطعم عينه ثلاث مرات من أجل الحلوى). الفطيرة بسيطة وعاديّة (ثلاثة أرباع كأس حليب، بيضة ممزوجة، ملعقتا زيت وملعقة خلاصة الفانيل، كأس طحين، ملعقة صغيرة من مسحوق الخبز، مخلوطة معًا بشكل جيّد). خلافًا للمشرق، حيث يتواجد الأناناس بوفرة، طازجًا، كبيرًا ورخيصًا جدًّا، ففي إسرائيل استصعبتُ إيجاد أناناس جيّد في غير موسمه، لذلك استخدمتُ أناناسًا مُعلّبًا. على مقلاة كبيرة، نضع قليلًا من هريس الفطيرة، نضع عليه شرائح أناناس ونضيف المزيد من الهريس فوق الأناناس. في المرحلة التالية، تُقلى الفطيرة حتى الاحمرار. بعد أن تُصبح الفطيرة جاهزة، نسكب عليها عصارة السكر التي نحضرها من كأس سكر وكأس ماء نغليه مع عصير ليمون طبيعي خلال نحو عشرين دقيقة حتى تثخن. ومثل الوجبة الرئيسية، فإنّ هذه الوجبة أيضًا تسبّب الإدمان ولذيذة رائعة. استمتعوا!

اقرأوا المزيد: 577 كلمة
عرض أقل
المطرب عمير بنايون  (Flash90/Mendi Hechtman)
المطرب عمير بنايون (Flash90/Mendi Hechtman)

موسيقار يتخطى الحدود

لقد قرّب عمير بنايون بين أقسام المجتمع الإسرائيلي بواسطة غنائه، وكرّس أيضًا ألبومًا للثوار السوريين وأعرب عن أمله في تقديم عرض له في دمشق.

الوصول إلى لبّ الإجماع هي مهمة شاقة للغاية. صحيح أن الملاءمة لأذواق الفئات السكانية المختلفة هو الطموح الذي يطمح إليه فنانون ومبدعون كثيرون في مجال الموسيقى أيضًا، ولكن من الواضح أن هذا لا يحدث في معظم الحالات. لذلك فإن حالة عمير بنايون – وهو ملحن ومطرب إسرائيلي – هي حالة مثيرة الاهتمام بشكل خاص: لقد تحوّل إلى نوع من الإجماع بين أوساط عشاق الموسيقى، من كافة التيارات والأساليب، على الرغم بقاء نظرة الجمهور إلى شخصيته محط خلاف، إن لم نقل أنها محط عار.

وُلد بنايون قبل 37 عامًا في مدينة بئر السبع، في قلب الصحراء الجنوبية في إسرائيل. منذ نعومة أظفاره، اهتم بالموسيقى وكان يعزف مع والده وأخيه، وفي سنيّ بلوغه، بدأ يكتب أغانٍ ويوفر المال من العمل في الترميم، لإصدار أول ألبوم له. حين وصل إلى سن 24 سنة، نجح أخيرًا في تحقيق الهدف الذي وضعه نصب عينيه، وأصدر باكورة ألبوماته “أنتِ فقط”. تميّز الألبوم بأسلوب يُدعى في إسرائيل أسلوب “البحر المتوسط”، وقد استوحى عناصر من الموسيقى العربية، التركية والفارسية، تجسدت باستخدام آلات موسيقية مثل العود، وألحان بطيئة ومثيرة للانفعال. حظي الألبوم بنجاح باهر وبيع منه 40 ألف نسخة.

استمعوا إلى الأغنية “عندما تكونين حزينة”، وهي الأغنية الضاربة في ألبوم الباكورة:

في السنة ذاتها أصدر ألبومه الثاني، “نفس المكان، نفس الرياح”، الذي حظي بنجاح قليل في متاجر الموسيقى. لذلك قرر بنايون الدخول إلى الاستديو لوقت طويل، وبعد سنتين من العمل المضني، أنتجت يداه (وحنجرته) ألبومه المعجزة، “تساقط أوراق الشجر”. بفضل جودة الأغاني، نجح هذا الفنان المُبدع بالوصول إلى جماهير جديدة. إن الدمج الرائع بين الإدراك الموسيقي النادر والدقة في كل نغمة ونعمة، وبين اللغة العبرية الثرية والعميقة، أتاح أيضًا لمن لا ينتمي إلى الطوائف الشرقية (أي اليهود الذين عاشوا في الدول العربية والمسلمة قبل قدومهم إلى إسرائيل)، ومن لم يعتد على الاستماع إلى موسيقى “البحر المتوسط” أن يجد الزوايا التي تهمه وتلامسه.

وكان الحب هو الموضوع الأساسي في أغاني بنايون في تلك الفترة. وتُدعى إحدى أغاني الألبوم بهذا الاسم، وأغان كثيرة أخرى تركز على هذه المشاعر، في توق إلى الزوجية والألم على فقدانها. الأغنية الوحيدة في الألبوم التي لم يكتبها المبدع كانت “أنتِ لستِ هنا” التي كتبها بالأصل جف لين باللغة الإنجليزية، وهو عازف منفرد في فرقة E.L.O، ويغنيها بنايون في الألبوم باللغتين العبرية والعربية معًا.

استمعوا إلى أداء بنايون الرائع لأغنية “أنتِ لستِ هنا”بالعبرية وبالعربية:

وقد وصل بنايون إلى ذروة مجده في العام 2004، حيث أصدر ألبومه الرابع “تغلبتِ معي على كل شيء”. وقد تمت عملية دخوله في ساعات بث الذروة، وتحوّلت الأغنية التي تعبّر عن موضوع الألبوم إلى أغنية بنايون الضاربة في كافة الأزمنة وتم إسماعها في كافة محطات الإذاعة دون توقف. على الرغم أن الأغنية، في أول استماع لها، لا تبدو أكثر من أغنية عاطفية وليس فيها أي تميّز، إلى أننا بصدد خطأ فاحش، فهذه أغنية تمجد الموسيقى، التي يقول بنايون أنها أنقذته من غياب النسيان، التي وصل إليها بعد أن أدمن على المخدرات القوية.

استمعوا إلى بنايون يمجد الموسيقى في أكثر أغانيه شعبية:

لقد حذت به محبته الكبيرة للموسيقى إلى اتخاذ خطوة دراماتيكية بشكل خاص، بعد أن نال جائزة هامة جدًا في صناعة الموسيقى الإسرائيلية. لقد صعد إلى منصة الخطباء في الحفل، وارتأى أن ينتقد الإتجار بالموسيقى في إسرائيل، وتخلى بذلك عن الجائزة التي كان سيستلمها وتبرع بها للمحتاجين. بعد شهر من ذلك الوقت، أعلن عن اعتزاله الموسيقى، لنفس الأسباب التي ذكرها في الحفل.

لقد حذا نضال بنايون ضد الصناعة به إلى اتخاذ خطة ذات أسبقية وإقامة شركة مستقلة، يمكنه عن طريقها إنتاج الألبومات وتسويقها. بعد أقل من سنتين، أصدر ألبومًا جديدًا، “كل شيء حتى هنا”، الذي مثل اتجاهًا جديدًا في الكتابة، وركّز على المشاعر الشخصية – مثل البحث عن الذات وخيبة الأمل من اختيارات خاطئة كان قد اختارها – كما يتجسد ذلك في أغانٍ مثل “هارب”، “كل شيء حتى هنا” و “أردت أن أكون”. من الناحية الموسيقية، قام بنايون بتعميق معلوماته مع مرور السنين. بفضل ذلك، تحوّلت إبداعاته إلى أكثر تعقيدًا، ولعبت الآلات الوترية مثل السنطور والتشلو والكمان دورًا هامًا جدًا.

الحب هو الموضوع الأساسي في أغاني بنايون (Flash90/Yossi Zeliger)
الحب هو الموضوع الأساسي في أغاني بنايون (Flash90/Yossi Zeliger)

من الموقع الذاتي تحديدًا، نشأت في بنايون الحاجة إلى الاعتراف أن عليه أن يستخدم الموسيقى كوسيلة لتمرير الانتقادات الكبيرة على مواضيع موجودة في قلب الحوار الجماهيري. فعلى سبيل المثال، بعد إصدار ألبومه “واقف على البوابة”، هاجم في مقابلة صحيفة الجمهور العلماني في إسرائيل، حيث ادعى أن هذا الجمهور لا يشارك في ما يحدث خارج تل أبيب؛ وانتقد اليهود الحاريديين (“إنهم يخيفونني”)، وتفوّه ضد أفراد اليسار والعرب في إسرائيل. في أعقاب الضجة التي أحدثتها المقابلة، نشر بنايون رسالة اعتذار تحت عنوان “هكذا حوّلوني إلى عنصري”، حيث ادعى أنه قد تم تحريف أقواله وأنه يحب الإنسان.

في العام 2011، في إطار محاولاته للتعبير عن تقديره الكبير للعرب ولثقافتهم، وبروح “الربيع العربي” الذي أغرق دول المنطقة، أصدر بنايون ألبوم صغير “Zini”، وكل أغانيه بالعربية. وقد اقتبست النصوص عن التوراة (سفر الجامعة) وقام بنايون ذاته ووالده مكسيم بترجمتها إلى العربية. وفي المقابلات التي أجراها في تلك الفترة، تحدث بنايون كثيرًا عن رغبته في مساعدة الثوار السوريين وحتى أنه أرسل إليهم الألبوم المصغّر. وأعلن بجدية تامة “أريد أن تمنح الأغاني “حافزًا” للتظاهر وطلب الديموقراطية”. وقد روى عن علاقاته بالعرب الذي عمل معهم في البناء، وقال أنه ربما سيحظى أن يكون “الفنان الإسرائيلي الأول الذي سيقدم عرضًا في سوريا”.

طرقه المتعرجة تتواصل، والحقيقة؟ لا نعرف أين ستنتهي. بالنسبة لبنايون فإن عرض في نادٍ في وسط دمشق سيشكّل استمرارًا لائقًا لمسيرة مفعمة بتناقضات موسيقار فذ بشكل خاص.

استمعوا إلى بنايون يحاول تقريب القلوب ونشر السلام.

اقرأوا المزيد: 842 كلمة
عرض أقل