العيد، خاصة عيد الأضحى، هو الوقت الذي يزور فيه الأقارب والجيران بعضهم بعضًا، مهنئين الواحد الآخر ب “ينعاد عليكم بالخير والصحة” و “كل عام وأنتم بخير”. هو هذا الوقت من السنة الذي تلتئم فيه العائلات لتناول اللحم المشوي. هو أن نزور قريبا لم نره منذ زمن، وأن نفتح أبواب البيوت ونستقبل الأهل ونضع في صدر مائدة العيد الكعك والمعمول. لكن الوضع بدأ يتغيّر منذ سنوات، وأيام العيد بالنسبة للمسلمين والدروز في إسرائيل أصبحت أيام السفر وقضاء الإجازة في إيلات، وطابا، وإسطنبول وأبعد من ذلك.
هل هي ظاهرة خاصة بالمحتفلين في إسرائيل؟ أم أن المحتفلين بعيد الأضحى أينما كانوا، في مصر والأردن والسعودية وغيرها، باتوا يفعلون نفس الشيء. ينتظرون العيد لكي يقضوا إجازة خارج البلاد. نطرح بعض الأسباب التي نظن أنها تؤثر على اتخاذ القرار لصالح الإجازة وضد العيد. وننوه بأن العوامل المذكورة لا تستند إلى معطيات أو دراسة رسمية، إنما إلى مراقبة عامة وغير عميقة.
ربما أكثر الأسباب أهمية وذات دلالة على وضع المجتمع العربي هو أن الروابط بين الناس تتغير. والسفر إلى خارج البلاد دليل قاطع على أن العلاقات التي تربط بين أفراد المجتمع الإسلامي والدرزي تأخذ قالبا جديدا. قالب أقرب إلى الغرب منه إلى الشرق. هذه العلاقات تتسم اليوم بالبرودة والهوان، وهذا بدوره يؤدي إلى أن العيد نفسه أصبح مناسبة باردة، وقد أصبح تقليد المعايدة تقليدا غير ملزم. فكلما اتجهت الحياة نحو الفردية وخفّ إحساس المجموعة، تصبح عادات العيد التي تعد في أساسها احتفالا اجتماعيًا، عادات فردية، كل فرد يفعل ما يشاء.
العروض المغيرة في مجال الرحلات إلى خارج البلاد لها دورها الكبير في إقناع الناس تفضيل السفر إلى خارج البلاد، خلال العيد، على البقاء في البيت. فمجال الرحلات الجوية يشهد منذ سنوات ثورة كبرى من ناحية الأسعار. هذه الرحلات التي كانت في الماضي متوفرة لأصحاب الاقتصاد القوي. أما اليوم فنشهد منافسة قوية بين شركات الطيران، ودخول شركات ال “لو كوست” إلى خط المنافسة والتي تمكن الجميع من السفر.
لا شك في أن بعض شركات الطيران تنتهز عيد الأضحى لعرض تخفيضات خاصة أو عروض مغرية لرحلات خارج البلاد، مستهدفة محتفلي العيد، ما يدفع كثيرين إلى السفر.
تقليص نفقات العيد. لقد سمعنا عن هذا السبب من عدة أشخاص. يقول هؤلاء إن السفر إلى خارج البلاد يكون أرخص من شراء لوازم العيد من ملابس جديدة، ولحمة، وحلويات. إضافة إلى العزومات العائلية التي تكون مكلفة. فبالنسبة لكثيرين، السفر لقضاء إجازة خارج البلاد حل أوفر لهذه المصاريف.
الرأسمالية تقضي على العادات والتقاليد. في السابق كان اقتناء الأضاحي بالنسبة لمعظم المحتفلين من “العيد للعيد”. وكانت يد الناس قصيرة لشراء اللحم. أما اليوم، في زمن الثراء، واستقرار أغلبية السكان من المسلمين والدروز في الطبقة الاقتصادية الوسطى في إسرائيل، فشراء اللحم متاح كل أيام السنة. ولا حاجة لانتظار العيد لتحقيق هذه الغاية. فبات العيد فرصة للاحتفال على طريقة أخرى وهي السفر.
نضيف إلى ذلك أن الشعوب في الشرق الأوسط وخاصة في إسرائيل، أصبحت تتبنى العادات الأجنبية في احتفالها أعيادها. ومثلما يحتفل الأجانب بعيدهم بالسفر صرنا نسافر نحن أيضا.
ربما هنالك أسباب أخرى لم ننتبه إليها، لكن في المجمل، الإحساس هو أن عيد الأضحى أصبح وقتا لأخذ إجازة بدل زيارة القرباء والجيران، وقد تراخى الالتزام بالعيد على أنه احتفال مجتمعي حضوره واجب والمشاركة به على الصورة التقليدية يبقيه عبر العصور مميزًا عن بقية أيام السنة وأيام الإجازة المتاحة خلال السنة والمخصصة للسفر إلى خارج البلاد.
شاركونا رأيكم في أسباب أخرى، أو أقنعونا بالحجة إن كنا مخطئين في تقييمنا لحال العيد..
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني