“حركة نشطة ولكن المشتريات قليلة”، هذه العبارة التي تتكرر عشرات المرات خلال كل جولة في أسواق الضفة الغربية. فقد يشهد رمضان هذا العام بهجة خاصة بعد أن قضاه الفلسطينيون في العام الماضي في ظل حرب (قطاع غزة) ومتابعة وقلقاً جراء هذه الحرب (في الضفة الغربية). فأسواق رام الله ونابلس والخليل وجنين ومدن وبلدات الضفة الغربية تعج بالزائرين الذين يمضون ساعات ما قبل الإفطار في الأسواق وبين البسطات والمحال التجارية.
الشلل السياسي الذي يتمثل باستقالة الحكومة وبانعدام أي أفق للحل مع إسرائيل لا يلعب اي دور في هذه الفترة. كذلك الأمر بالنسبة لقرار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية التوجه لمحكمة الجنايات الدولية. حتى الانقسام الفلسطيني لم يعد يعكر أجواء الشارع الفلسطيني، على الأقل ليس في هذه الفترة من العام الا وهي فترة شهر رمضان. فقد بدأ الفلسطيني يُسلم بأن العملية السياسية دخلت في حالة من الموت السريري، واستقالة الحكومة ليس لها أي وزن أو تأثير على الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني، بينما تُعتبر قضية التوجه الى محكمة الجنايات الدولية خطوة سياسية لن تختلف نتائجها عن الخطوات السابقة. ففقط في العام الأخير ، وتحديداً بين رمضان العام الماضي ورمضان هذا العام، شهد الفلسطينيون عدة خيبات أمل: بدء من خيبة الأمل بعد فشل مساعي السلطة لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية في مجلس الأمن وفرض مبادرة سياسية على إسرائيل، مروراً بخيبة أمل مؤتمر الفيفا ووصولا الى نجاح اسرائيل، على الأقل في هذه المرحلة، في التعامل ومواجهة أي مبادرة من شأنها فرض ضغوط أو عقوبات عليها.
لا يدع الفلسطينيون كل هذه الامور تُفسد عليهم بهجة رمضان. فمن ناحيتهم، وحتى تحصل معجزة سياسية، سواء على المسار الداخلي أو على مسار العملية السياسية مع اسرائيل أو حتى في ملف الانقسام لم يبق لهم إلا أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي ورمضان هو فرصة للخروج بعض الشيء من أجواء اليأس والاحباط التي تميّز حياة الفلسطينيين طيلة أيام العام.
فما يهم الفلسطيني في هذه الأيام هو ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية وتحديداً سعر اللحوم. “الأسعار بالعلالي وخاصة اللحوم” يقول حسن وهو مدرس فلسطيني من رام الله. حسن يتجول مع زوجته وأبناءه في الأسواق لكنه لا يشتري الا الضروري. “الأسعار ارتفعت بنسب تصل الى 50% ولا نرى أي رقابة ولا نرى أي تدخل لأي جهة حكومية تسعى للجم التجار. هذا ما يهم المواطن، وليس التصريحات السياسية الكبيرة التي يطلقها في الإعلام كل المسؤولين. قضية الأسعار بالنسبة لي هي في هذه الأيام القضية الأولى، فكيف يمكن لنا أن نعيش مع رواتب لا نتلقها بانتظام ولا نتلقاها كاملة بينما نرى أسعار لحم العجل يرتفع من 45 او 50 شيكل للكيلو ليصل الى 70 شيكل أو اكثر وكذلك لحم الخروف الذي يباع طيلة أيام العام بسعر 60 ليصل في هذه الايام في بعض الأحيان الى 90 شيكل”.
ويضيف حسن “لا تفهمني خطاء – فأنا مهتم بما يحصل في غزة وأنا اتألم لما أصاب ابناء شعبنا في اليرموك وسوريا ولكن ارتفاع الأسعار وتدبر أمور العائلة اليومية هو أمر هام بالنسبة لي. فالجميع يعرف اننا على استعداد أن نضحي بكل شيء إذا ما أحوج الأمر، ولكن بما أننا لسنا بهذا الصدد الأن، فقضية الأسعار وارتفاعها الجنوني هي الشغل الشاغل لي ولغالبية البسطاء من عامة الشعب”.
في محاولة لتنشيط الحركة التجارية أمر الرئيس الفلسطيني بعدم تقديم أي تصريح دخول الى إسرائيل في هذه الأيام سوى في الحالات الضرورية. فلم يغب عن المسؤولين الفلسطينيين ما قامت به إسرائيل في الأعوام الماضية من السماح للألاف من الفلسطينيين بالدخول الى داخل الخط الاخضر خلال شهر رمضان وتحديداً خلال الأعياد، وهو الأمر الذي عاد بالفائدة على التجار وأصحاب المحل التجارية في إسرائيل لكنه تسبب بانتكاسة للتجار الفلسطينيين الذين ينتظرون هذه المواسم.
الأمر في قطاع غزة لا يختلف كثيراً. الشكاوي حول ارتفاع الأسعار هي نفسها والحركة النشطة في الأسواق لا تُترجم الى ارتفاع خارق في الايرادات. فهنا أيضاً، ورغم الازدحام في الأسواق، لا يشتري المواطن سوى الحاجات الضرورية. فقط بند الحلوى يضاف الى الميزانية والى المصروفات فرمضان بلا حلوى وبلا قطائف هو ليس رمضان. لكن غزة ورغم بهجة رمضان لا زالت تعيش تحت أثار الدمار التي سببته الحرب الاخيرة وفقدان عشرات الالاف لمساكنهم وغياب الكثير من الأحبة الذين قُتلوا او اُصيبوا في الحرب. فلا يمكن لحركة تجارية أن تكون مثالية عندما لا يتلقى ما يقارب الـ 50 الف موظف من موظفي حكومة حماس السابقة رواتبهم وحينما يتلقى ما يقارب 100 الف موظف أو عاطل عن عمل رواتبهم او مخصصاتهم من حكومة رام الله بشكل جزئي وبتأخير كبير. “الحركة في رمضان ناشطة بطبيعة الحال وهي أكثر نشاطاً من الأيام العادية لكن لا يمكن الحديث عن نقلة نوعية أو عن طفرة” يقول ناشط من غزة. ويُضيف الناشط أن الأسواق تعج بالزائرين لكن القدرة الشرائية للناس تبقى محدودة جداً “فالرواتب إما لا تصل أو تصل مجزئة ويذهب جزء كبير منها لتسديد الديون ألتي تراكمت على الموظف بين راتب وأخر وتذهب لتسديد القروض ألتي كان قد أخذها عشرات الالاف من البنوك ما يعني أن الراتب حينما يصل لا يتبقى منه الا القليل”.
في ظل هذه الأمور ومع غياب حرب أو حراك سياسي كبير يُذكر، وفي ظل الصعوبات التي أصبحت جزء من الحياة اليومية، يبقى الفلسطيني في الضفة وغزة في هذه الأيام منقسماً ليس بين حماس وفتح أو بين ضفة وغزة ولكن بين رجل الدين الذي يهيب به استغلال هذا الشهر لشحن روحانياته وإيمانه وعباداته وبين أبو عصام ومعتز وأم زكي وسائر نجوم “باب الحارة” والمسلسلات الأخرى.