هل كان بالإمكان لحماس أن تقومَ بإدارة المُواجهة مع إسرائيل بشكل شرعيّ، من حيث تقنيّات القتال-بغضّ النظر عن مسألة تبرير ومصداقيّة قرار الاقتتال؟ تُصاغ الكثير من الادعاءات الإسرائيليّة حول حماس بشكل كاسح للغاية، أيضا حول مسألة اتباع مُقاتلي حماس العمل بالاختباء وسطَ المدنيّين، وأيضا بشأن إلحاق الأذى بالمدنيّين الإسرائيليّين.
لا يوجد لكل إرهابيّ أو مُقاتل عصابات، أو كيفما يُسمّوْن، أيّ خيار آخر سوى العمل وسطَ المدنيّين، وبالتالي تعريضهم إلى أخطار وإصابات سيّئة إلى حدّ ما. اتّبعت جميع العمليات السرّية “الجيّدة” و”السيّئة” الواقعة تحت الأرض هذه الطريقة دائما. ينطبق هذا الأمر أيضا على الأنفاق والعمليات اليهوديّة التي حدثت في أرض إسرائيل قبل قيام الدولة. لا تعمل حماس في قطاع غزة – على عكس ما في الضفة الغربيّة – تحت الأرض، إنما هي السلطة هناك في الواقع. لكنّ قطاع غزة يُعتبر منطقة صغيرة مبينة باكتظاظ شديد، والتي من الصعب فيها أن يتمّ إبعاد المقرّات العسكريّة عن المدنيّين.
تقوم أيضا دول ذات مقدرة أعلى في الفصل بين قوى الجيش وبين الجبهة المدنيّة من مقدرة المنظمات التي تعمل تحت الأرض بسريّة، وحتى أعلى من حكم حماس في غزّة، بوضع منشآت داخل مدنها والتي تُعتبَر أهدافا مشروعة لهجمات العدو، بما في ذلك منظمات تعمل تحت الأرض. وبذلك تقوم هذه الدول بتعريض مدنيّيها للخطر. وأيضا تتواجد الحفر والأنفاق، كما هو معروف، في قلب المدن. هذا وبالإضافة إلى أنّ المجموعات المُتحاربة، التي تعمل تحت الأرض داخل الدولة، تُفضّل مُهاجمة منشآت داخل المدن، لأنّ قدرتها على النجاح بمُهاجمة وحدات عسكريّة بمُخيّماتها هي في مُعظم الحالات محدودة. يصحّ القول أيضا عن المنظمات التي تعمل تحت الأرض في الدولة، كما يصحّ عن أيّ دولة تُقاتل أفراد العصابات، إنّها عندما تقوم بقتل المدنيّين الأبرياء، فليس بالضرورة أن يكون بذلك جريمة حرب أو عمل إرهابيّ وحشيّ. يُمكن أن يكون هذا “ضررا جانبيّا” حتميّا، في وسط عمليّات عسكريّة شرعيّة.
يتوجّب أيضا على الدولة وعلى المنظمات السريّة أن تُحاول الحدّ من إلحاق الضرر بالأبرياء من الجهة الأخرى – بما في ذلك الاستعداد لتنفيذ إلغاء حملات شرعيّة بحد ذاتها، وهذا ضمن الاعتبارات الإنسانيّة، وكذلك المحاولة لتقليص الأخطار على المدنيّين كنتيجة للأعمال التي تُنفّذ وسطهم. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ قدرة العمليات السريّة لفعل ذلك هي في الحقيقة ضئيلة أكثر من مقدرتها على تقليص الأخطار.
يُمكن أيضًا مناقشة أيّ هدف يكون مشروعًا في الدولة، التي تضم منظمات سريّة ضدّها، حتّى حينما لا يوجد هدف عسكريّ مُعتبر – على سبيل المثال، منشآت بنى تحتيّة استراتيجيّة (التي ابتدأ منها الكونغرس الوطنيّ الأفريقيّ في جنوب أفريقيا اقتتاله)، أو منشآت الحكومة، من رؤساء ومُمثّلين. لكنّه من الواضح، أنّ الهجمات على الباصات، الأسواق والمطاعم، بهدف قتل العديد من المارّة – كما تقوم حماس- ليست مشروعة بأيّ شكل من الأشكال. هذه هي أعمال إرهابيّة – جرائم قتل من الطرف الذي يريد أن يتمّ اعتباره مُقاتِلا. لا يجب أن يكون هنا أي ّ غفلة أو إهمال في الحفاظ على أرواح المدنيّين أو اللامبالاة لمصيرهم (المكروهة أيضًا)، هذا قصد مُفصَّل بهدف القتل.
كذلك أيضا في غزة، إذ أنّ أساليب قِتال حماس إجراميّة. لا يجب أن يتمّ تنفيذ مُحاربة إسرائيل من داخل غزة بواسطة إطلاق الصواريخ على منطقة مدنّية في إسرائيل – تملك إسرائيل حول قطاع غزة قوى عسكريّة؛ يُمكن مُحاربتها واستهدافها؛ كما تمّ وقتَ حادثة خطف جلعاد شاليط، التي كانت حادثة حرب لكن ليس جريمة حرب.
اختارَت حماس أنْ تُحوّل إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيليّة إلى سلاح مركزيّ، لكنّها لم تُكرَه على فعل ذلك. لكن لا يجب لِمن يُصرّ على إطلاق الصواريخ بأن يقوم بتوجيهها قربَ المدارس والمشافي، كما فعلت حماس حسبَ ما تمّ توثيقه. وعلى الرغم من الاكتظاظ في غزّة، إلّا أنّه يوجد هناك أراضي غير مبنيّة لا بأسَ بعددها؛ كان من الممكن أن يتمّ إطلاق الصواريخ من هناك، برعاية نظام الأنفاق والمَخابئ الذي أقامته حماس في القطاع. وحتى حينما يتم إطلاق الصواريخ من داخل منطقة مُكتظة سُكّانيّا، فلا يجب وضعُ ركائز إطلاق الصواريخ (ومخازن الأسلحة وأماكن إنتاجها) قربَ مناطق حسّاسة جدّا من الناحية الإنسانيّة.
تُعبّر طرق القتال هذه عن احتقار وازدراء لحياة الإنسان، الإسرائيليّ والفلسطينيّ على حدّ سواء. لا يعفي ذلك إسرائيل من الالتزام بالمُحاولة لتقليل الخسائر ضمن مواطنيها في الحرب، إنّما يجب أيضا أن يتمّ اعتبار هذه الحقائق ضمن كلّ نقاش منطقي حول أساليب القتال الإسرائيليّة.
يُدرّس بروفيسور بنباجي في كليّة الحقوق في جامعة تل أبيب، وهو زميل أبحاث في مركز هارتمان؛ يُدرّس بروفيسور يعقوبسون في فرع التاريخ بالجامعة العبرية في القدس، وزميل في الأبحاث بمركز هارتمان.
نُشر المقال أولا في موقع ”هآرتس“