هناك علاقة معقّدة تجاه الدين اليهودي لدى الإسرائيليين. من جهة، يحترم معظمهم تقاليد الآباء الدينية، حتى لو لم يكونوا حريصين على جميع أوامر الدين كما في الشريعة. إنّهم يسافرون يوم السبت، ولا يحرصون على التفريق تماما بين تناول اللحوم والحليب، لا يصلّون إطلاقًا تقريبا، وذلك على النقيض تماما ممّا تأمر به التوراة.
ولكن هناك علاقة قرابة مع الدين تقريبا لدى جميع اليهود في إسرائيل، وجميعهم تقريبا يحرصون على الأداء الصارم لجزء صغير من الوصايا. من الصعب أن تجد في إسرائيل يهودا يأكلون لحم الخنزير، ولا يصومون يوم الغفران أو لا يحتفلون بالأعياد.
ومن ضمن ذلك، فإنّ العلاقة مع الكتاب المقدّس معقّدة بشكل لا نهائي. حرص جميع اليهود تقريبا في الماضي البعيد على الدراسة المنتظمة للكتاب المقدّس، كجزء من التعليم الديني. ولكن كلما مرت السنين وقلّ عدد المتديّنين في المجتمع، وخصوصا منذ قيام دولة إسرائيل، أصبحت العلاقة مع الكتاب المقدّس أكثر تعقيدا وإشكالية.
مؤخرا، بدأت هذه الموجة بالتغيّر، وتعود قراءة الكتاب المقدّس رويدًا رويدًا إلى التيّار المركزي الإسرائيلي
وتُظهر استطلاعات أجريتْ أنّ تلاميذ المدارس العلمانية يذكُرون بشكل مستمرّ بأنّ تعلّم الكتاب المقدّس يُشعرهم بالملل. في ظلّ غياب السلطة الدينية، يشعر الإسرائيلي صعوبة في العثور على مصدر يتماهى معه في كتاب كُتب بالعبرية القديمة، ويبدو غير ذي صلة تماما مع الحاضر، وإنما مع الماضي فقط.
ولكن مؤخرا، بدأت هذه الموجة بالتغيّر، وتعود قراءة الكتاب المقدّس رويدًا رويدًا إلى التيّار المركزي الإسرائيلي. يبدي المزيد والمزيد من الإسرائيليين اهتماما متجدّدا بقصص إبراهيم، إسحاق ويعقوب، وقصص الملكين داود وسليمان والأنبياء أشعياء، إرميا، حزقيال وآخرين.
أحد المشاريع الاجتماعية الرائدة في هذا التغيير هو مشروع 929؛ والذي سُمّي كذلك مقابل الفصول الـ 929 التي في الكتاب المقدّس، والمقسّمة إلى 24 كتابا. يهدف المشروع إلى القراءة المشتركة لإسرائيليين في الكتاب المقدّس، بحيث يتم كل يوم قراءة فصل واحد، طول مدة 929 يومًا والتي هي عامان ونصف.
ويقف خلف المشروع الاعتقاد بأنّ لكل إنسان، متديّنا كان أم علمانيّا، هناك ارتباط بالكتاب المقدّس الذي يمكن من خلاله لكل شخص من أي وسط كان أو مجموعة أن يستخرج معاني شخصية وعامة، ذات صلة ومعاصرة. أحد أهداف المشروع المعلنة هو الجمع بين اليهود المتديّنين والعلمانيين في المجتمع الإسرائيلي، بل ويقف على رأسه شخص متديّن وامرأة علمانية: الحاخام بيني لاو، والصحفية العلمانية غال غباي.
الحاخام بيني لاو: “من المقبول عليّ جدّا أن يقال إنّ الكتاب المقدّس هو ليس للمتديّنين فحسب، وأنا منفتح للتعلّم كيف يفسّر الجمهور العلماني فصول الكتاب المقدّس”
في إطار هذا المشروع تمّت دعوة العشرات من المثقّفين، المتديّنين والعلمانيين، لمشاركة الجمهور تفسيرهم الشخصي لفصول عديدة من الكتاب المقدّس. ولكن أثارت بعض تفسيرات أولئك الكتّاب من غير المتديّنين حفيظة المشاركين المتديّنين. أثار أحد الكتاب العلمانيين ممّن كتبوا بشكل اعتُبر غير محترم حول شخصية نوح كما في الكتاب المقدّس وفعل الطوفان أكثر الانتقادات. جاء في النصّ: “أي شخص هذا الذي يخلق بصورته وشخصيته إلهًا كهذا؟”، وهو تلميح متحدّ بأنّ الإنسان هو الذي خلق الله وليس العكس.
الحاخام بيني لاو (Facebook)
وكان الردّ الديني شديدًا: أمر أحد الحاخامات الذين سمعوا عن هذه المبادرة معلّما استشاره قائلا: “عليك أن ترفض النقاش في الصفّ في هذا البرنامج الفظيع، حتى لو كان على حساب الاستقالة من المدرسة. من أجل مناقشة قضايا الكفر فستجتاز حظر خطير في التوراة”، وقال حاخام آخر إنّ هذا المشروع يقلّل من شأن الكتاب المقدّس إلى مستوى “الصرف الصحّي”.
ورغم الصعوبات، فلم يتخلّ الحاخام لاو عن محاولاته في منح حقّ الوصول إلى الكتاب المقدّس لكلّ الشعب في إسرائيل. وفي مقابلة أجريتْ معه مؤخرا، قال: “من المقبول عليّ جدّا أن يقال إنّ الكتاب المقدّس هو ليس للمتديّنين فحسب، وأنا منفتح للتعلّم كيف يفسّر الجمهور العلماني فصول الكتاب المقدّس وكيف ينظرون إلى الله”.
أضاف الحاخام قائلا: “مهمّتنا هي خلق حوار حول مصادرنا، حوار لم يكن ليحدث لولا هذا المشروع. وإنْ كانت هذه خطيئة؛ فأنا على استعداد لتحمّل العقوبة”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني