كان عام 2017 عاما فتاكا. فحدثت خلاله ثمانية عمليات إرهابية أسفر كل منها عن 100 قتيل. وقد خططت حركة طالبان، داعش أو القاعدة، وهي التنظيمات الإرهابية الثلاثة التي يسطع نجمها في قائمة التنظيمات الإرهابية الأكثر ثراء في العالم، لهذه العمليات وموّلتها، وقد نُفذت في سوريا، ليبيا، أفغانستان، مصر، والصومال، وأسفرت عن قتل 1500 شخص.
صاروخ حزب الله يتجه نحو إسرائيل (AFP)
وليس صدفة أن المنظمات الإرهابية الأكثر فتكا هي من بين أغنى المنظمات. وفي مُقابلة مع “فوربس إسرائيل” قال عموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية والرئيس السابق للمكتب السياسي – الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية إن “الأموال في المنظمات الإرهابية تشكل عاملا هاما ومصيريا، وضروريا لممارسة الأعمال الإرهابية وهي أشبه بوقود السيارة”.
وفي الواقع فإن منظمة إرهابية، مثل أية منظمة أخرى، تحتاج إلى أموال لمتابعة أعمالها. هناك حاجة إلى الأموال لتمويل العمليات، دفع راتب النشطاء، تمويل معسكرات التدريب، شراء الأسلحة ومواد التفجير، وسائل النقل والعتاد، ومن أجل الصيانة الدورية. تتطلب هذه النشاطات أموالا كثيرًا جدًا.
تدريب لقوات الجناح العسكري لحركة حماس في القطاع (Flash90/Abed Rahim Khatib)
مثلا، المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله وحماس أو حتى داعش مؤخرا، لديها احتياجات أكبر بكثير إضافة إلى الأنشطة المطلوبة من منظمة إرهابية “عادية”. وتحتفظ هذه المنظمات بالمنظومات الاجتماعية، الدينية، السياسية، والاقتصادية، وهي تتطلب موارد كثيرة لإدارة احتياجات السكان الخاضعين لسلطتها أو نفوذها.
وفي عدد كبير جدا من الحالات، تتشابه طبيعة أنشطة جمع الأموال بشكل ملحوظ مع طبيعة المنظمات الإجرامية – بداء من المتاجرة بالمخدرات، الأسلحة، التبغ، الإتجار بالبشر، السطو على المصارف أو رعايتها مقابل جمع الأموال وانتهاء بعمليات الاختطاف والفدية.
وفق لمجلة فوربس إسرائيل، هناك أيضا نشاطات علنية لتحويل مبالغ ضخمة من الأموال بين الجمعيات، الجمعيات الخيرية، الشركات التجارية، المؤسسات المالية، ورجال الأعمال الأثرياء فضلا عن الحكومات والبلدان المهتمة برعاية الأنشطة الإرهابية في العالم مثل إيران التي تموّل نشاطات حزب الله.
داعش في الموصل
أصبحت إيران قادرة الآن على دعم معظم المنظمات والهيئات الإرهابية في العالم بسبب تخلصها من العقوبات الاقتصادية التي فرضها عليها الغرب على مر السنين بسبب طموحاتها النووية. أدت هذه الحقيقة إلى تحسّن كبير في الحالة الاقتصادية للمنظمات التي تدعمها إيران، وأهمها حزب الله، بصفته أغنى تنظيم إرهابي في العالم، حيث تبلغ عائداته حوالي 1.1 مليون دولار سنويا.
إليكم التصنيف الكامل وفق مجلة “فوربس إسرائيل”:
نشطاء منظمة حزب الله اللبنانية (AFP)
المرتبة الأولى- حزب الله: مدخولاته السنوية 1.1 مليار دولار.
المرتبة الثانية- طالبان: مدخولاتها السنوية نحو 800 مليون دولار.
المرتبة الثالثة- حماس: مدخولاتها السنوية نحو 700 مليون دولار.
المرتبة الرابعة – القاعدة: مدخولاتها السنوية نحو 300 مليون دولار.
المرتبة الخامسة- داعش: مدخولاتها السنوية نحو 200 مليون دولار.
المركز الثامن – الجهاد الإسلامي: مدخولاته السنوية نحو 100 مليون دولار.
وردت اليوم صباحا (الإثنين)، وبعد مرور 16 عاما على أحداث 11 سبتمبر، نظريات مؤامرة مجددا حول المسؤولين عن انهيار البرجين التوأمين ووفاة نحو 3000 شخص.
ويتضح من استطلاع أجري مؤخرا ونُشر في المجلة الأمريكية Live Science أن أكثر من ثلث الأمريكيين يؤمنون أن الإدارة الأمريكية تخفي تفاصيل فيما يتعلق بالعملية الإرهابية الأكبر في تاريخ البشرية عن الجمهور الأمريكي.
ومنذ الأحداث في عام 2001، طُرح عدد من نظريات المؤامرة ضد الرواية الرسمية الأمريكية حول أحداث 11 سبتمبر. تتطرق غالبية النظريات إلى إمكانية حدوث حملة عسكريّة كاذبة عرفت فيها الإدارة الأمريكية أو المسؤولين، عن هجوم مستقبلي ورفضوا العمل وفق الحاجة، أو حتى أنهم شاركوا بشكل فعال في التخطيط والتنفيذ.
والادعاءات الأساسية التي تعزز المؤامرة متنوعة: هناك مَن يدعي أن برجي التوأم تم تفجيرهما بعبوات ناسفة وليس على يد الطائرات. كما ذُكر آنفا، لا يدعم معظم مهندسي البناء نظرية التفجير المراقب وتدعي الإدارة الأمريكية حازمة أن تنظيما إرهابيا إسلاميا سنيا متطرفا، القاعدة، مسؤول عن الهجوم.
https://www.youtube.com/watch?v=mhROd7Jt3-w
وكذلك، بحث طاقم مهندسين من جامعة ألاسكا طيلة عامين الظروف التي أدت إلى انهيار البرج الثالث وحدد أن الرواية الرسمية للانهيار (الحريق) غير مقبولة – وإذا كان الأمر كذلك، يجري الحديث عن حالة تاريخية نادرة يسقط فيها برج مصنوع من الفولاذ نتيجة تعرضه للحريق.
ومن بين عدد من نظريات المؤامرة التي طُرحت، ترد الرواية الأكثر تطرفا في إطار “الحركة لكشف الحقيقة حول أحداث 11 سبتمبر (The 9/11 Truth Movement)”. وتدعي الرواية المعتدلة التي لا تصرح عن نظرية مؤامرة بشكل واضح، أن السلطات الأمريكية بما في ذلك الجيش والاستخبارات، لم تعمل إلى حد بعيد لمنع الهجمات. إنها تدعي بشكل أساسيّ أن اللجنة للتحقيق في الأحداث سترت على هذه الانتهاكات، التي تتضمن اللامبالاة المتعمدة من قبل جهات مختلفة في الإدارة الأمريكية رغم الإنذارات المسبقة حول الهجوم.
وخلافا للرواية الأمريكية الرسمية، التي تدعي أن الإرهابيين نجحوا أكثر مما توقعوا، فإن مؤيدي نظريات المؤامرة المختلفة يعتقدون أن الهجمات حققت هدف المخطط للهجوم الحقيقي – الإدارة الأمريكية. من بين الدوافع الأساسية التي طُرحت يمكن أن نذكر: زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط؛ زيادة ميزانية الأمن العسكرية وميزانية خدمات الاستخبارات بنسب كبيرة؛ التقييدات الجديدة بشأن حقوق المواطنين، المعروضة كشن هجوم على دستور الولايات المتحدة الأمريكية.
هل إسرائيل متهمة في تنفيذ العمليات؟
ما زال الملايين في الولايات المتحدة متأكدين أن حكومة بوش هي المسؤولة عن الهجمة الإرهابية عام 2001 (Wikipedia)
كما هي الحال في كل نظرية مؤامرة، فإن اسم إسرائيل يرتبط بأحداث 11 سبتمبر. إحدى النظريات الشائعة في العالم الإسلامي هي أن اليهود والإسرائيليين هم المسؤولون عن العملية. وفق هذه النظرية، تغيّب بتاريخ 11 أيلول الكثير من العمال اليهود عن مكان العمل في برجي التوأم، وتلقوا إنذارا مسبقا عما سيحدث. نُشرت أدلة كثيرة في صحيفة الأهرام المصرية حول تورط الموساد، على ما يبدو، في العمليات. وادعت الصحيفة أيضا أنه للوهلة الأولى جرى بيع عام للأسهم على يد يهود قبل يومين من أحداث 11 سبتمبر.
وبالطبع، وخلافا لهذه النظريات، أسفرت العملية عن قتل خمسة مواطنين إسرائيليين ونحو 270 حتى 400 يهودي. تعود أسباب تغيّب الكثير من اليهود عن العمل في يوم تنفيذ العملية إلى التاريخ العبري لذلك اليوم. فقبل أسبوع من حلول رأس السنة العبرية، يصلي الكثير من اليهود صلاة إضافية خاصة وطويلة في الصباح تدعى صلاة “سليحوت” (الاستغفار).
انهيار من الأعلى أو من الأسفل؟
انهيار برجي التوأم عام 2001 (Wikipedia)
تركّز نظريات مؤامرة أخرى على فحص مقاطع الفيديو التي وثقت انهيار المباني في ذلك اليوم بشكل دقيق. يشير المهتمون بنظريات المؤامرة كما يمكن العثور في مئات مقاطع الفيديو التي نُشرت في السنوات الأخيرة في أنحاء الإنترنت إلى الدخان الكثيف الذي يعلو من الطوابق المنخفضة من المباني بعد وقت قصير من انهيار الطائرات، في مواقع أكثر انخفاضا من الطوابق التي تعرضت للضرر المباشر، مما يشهد وفق ادعائهم على أن المباني انهارت من الأسفل باتجاه الأعلى وليس العكس، وفق الرواية الرسمية. وادعى آخرون أنه لا يُحتمل أن تتعرض المباني المصنوعة من الحديد والفولاذ، للانهيار نتيجة حريق وأنه لم تحدث أحداث كهذه في الماضي تشهد على سقوط مبان لهذه الأسباب.
الضرر الذي لحق بالبنتاغون ليس معقولا؟
مبنى البنتاغون بعد تعرضه للهجمات في ال-11 من سبتمبر 2001 (AFP)
هناك نظرية مؤامرة أخرى شعبية أيضا، تفحص إمكانية اصطدام الطائرة بمباني البنتاغون، وتركز على أن موقع الضرر لا يتماشى مع طبيعة الضرر المتوقعة نتيجة انهيار طائرة بوينغ 757 فوق مباني المكاتب. هناك أيضا مَن يدعي أن صاروخ جوال أدى إلى إصابة المبنى.
ومن بين ادعاءات أخرى، هناك ادعاءات في مقاطع الفيديو المختلفة تشير إلى أن الضرر لم يحدث في مكان كبير إلى حد كاف مقارنة بقوة الضرر، وأن الثقب الذي نشأ في الجدران الخارجية من مبنى البنتاغون عرضه 23 مترا، في حين أن عرض طائرة البوينغ يصل إلى 40 مترا.
ويبدو أن نظريات المؤامرة لن تنتهي أبدا في ظل الواقع العصيب الذي مرت به الولايات المتحدة الأمريكية والعالم في ذلك اليوم. مَن يفحص فحصا متعمقا أسباب نظريات المؤامرة المختلفة، يمكن أن يلاحظ أن هناك آلية دفاعية تهدف إلى أن يواجه دماغ البشر الأحداث العالمية الخطيرة.
تعرّفوا إلى الصحفي الإسرائيلي الذي أجرى مقابلة مع نجل أسامة بن لادن، وكشف عن العلاقات اليهودية لزوجته، ونجح عبر ربع قرن في تغطية عشرات الصراعات الدامية حول العالم
لو عرفتُ أنّ السؤال الأول الذي وجهته للصحفي الإسرائيلي المحنّك، هنريك تسيمرمان، هو السؤال ذاته تماما الذي طرحه تركي الفيصل، الذي كان على مدى سنوات رئيسا لوكالة الاستخبارات السعودية وسفير السعودية في الولايات المتحدة، لن أصدّق أبدا.
كيف وصل شخص ذي إطلالة أوروبية مثلك إلى إسرائيل؟ وما الذي تبحث عنه هنا في الشرق الأوسط؟
وُلد تسيمرمان في البرتغال، وقدِم إلى إسرائيل في سنّ صغيرة جدا، وهو صحفي محنّك ونشط يعمل مع شبكات بثّ مختلفة وراء البحار. أجرى خلال السنين مقابلات مع الشيخ أحمد ياسين، ياسر عرفات، محمود عباس، عبد العزيز الرنتيسي، ومسؤولين آخرين في السياسة الإسرائيلية والدولية.
تسيمرمان مع صديقه البابا فرنسيس
“أنا سليل عائلة يهودية. قدِم والدي إلى البرتغال من بولندا وكان جدي من الناجين من الهولوكوست، وقد رفض على مدى سنوات أن يحكي لي الأحداث التاريخية القاسية التي أدّت إلى إبادة أسرته. تنحدر أمي من أسرة أكثر سعادة وهي سليلة يهود مغاربة من مدينة تطوان. كما هو معلوم، فإنّ يهود تطوان هم من المهاجرين من إسبانيا والبرتغال، إضافة إلى المسلمين المطرودين أيضًا من شبه الجزيرة الأيبيرية. في الواقع فقد قضيتُ معظم العطل الصيفية في المغرب وتأثرت من كلا الثقافتين، الشرقية والغربية على حد سواء. وفي الحقيقة، أشعر أنني أنجذب أكثر إلى ثقافة والدتي الشرقية ومؤخرا فقط أضفت اسم عائلتها إلى اسمي، ولذلك أصبح اسمي هنريك بن هاروش تسيمرمان”.
من جهة فإنّ تسيمرمان هو صحفي حائز على العديد من الجوائز العالمية، يتنقل بين دول الخليج، أوروبا، وأمريكا اللاتينية، ومقرّب من البابا فرانسيس، يتحدث خمس لغات ودائم الحضور في عدة قنوات إخبارية رائدة في العالم. يمكن أن يُلاحظ فورا من ينظر إليه إطلالة أوروبية هادئة ولكن في اللحظة التي يبدأ فيها بوصف أحداث مرّ بها أو شخصيات التقاها، تظهر فورا شخصية متنوعة مليئة بالمزاج الشرقي الواضح، الذي يعرف كيف يقصّ القصة بأفضل شكل. لقد تحدثنا، تقريبًا، عن كل العالم: تحدّثنا عن البابا، مستقبل العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، سحر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الفُضول حول محمد بن سلمان آل سعود، الجهاد العالمي، القاعدة وداعش، وحول المغرب وجمال الشرق أيضا.
في كل موضوع تحدّثنا فيه، ظهر تواضع إلى جانب حجم التفاصيل الكبير للأحداث التي نقلها على مدى نحو ربع قرن. رغم الحذر الشديد الذي يُظهره في تغطياته الإخبارية، اتضح أنه يتمتع أيضًا بإصرار متطوّر، ساعده على الوصول إلى المقابلة المشوّقة مع نجل أسامة بن لادن.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)
أي زعيم عربي كنت ستُوصي الإسرائيلي العادي بالتعرّف إليه؟
“أعتقد اليوم أنّ على الإسرائيليين التعرّف إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يشكّل المصريون اليوم نحو ربع العالم العربي وهم صنّاع القرار النهائي. يُستحسن أن تُفكّر إسرائيل وقادتها في ما يدور في الدولة المجاورة. كانت أحداث الربيع العربي ذروة التقلّبات الاجتماعية. لقد أدركت الثورات بشكل أساسيّ أنّه لا يمكن الإعلان عن الديمقراطية، بل يجب بناؤها. أعتقد أنّه لا يمكن السماح للحركات غير الديمقراطية بإدارة الديمقراطية. فعندما تُسيّطر هذه الحركات على السلطة، فأول خطوة تخطوها هي إلغاء جميع المؤسَّسات الديمقراطية. أتمنى للعرب أن يستمتعوا بالديمقراطية. لقد نشأتُ في ظل الدكتاتورية. وأدرك شعور العيش في ظل تلك الأجواء، ولذلك أعلم أيضا ما واجهه الشعب المصري. أعتقد أن عبد الفتاح السيسي شخصية رائعة لأنّه شخص حكيم ويفهم جيدا الشرق الأوسط وبشكل شاملا”.
وفقا للصحفي تسيمرمان، فقد أدّت التحوّلات العميقة التي تجري اليوم في الشرق الأوسط إلى اختفاء 5 دول من المشكوك به جدا إذا ما كانت ستعود بشكلها المعروف “لقد اختفت 5 دول وهي: اليمن، ليبيا، سوريا، العراق، والصومال. إذا كيف سيُبنى الشرق الأوسط الجديد؟ في نظري، سيرتكز على 6 دول ستكون رائدة في الـ 20-30 سنة القادمة. دولتان غير عربيّتين، وهما إيران وتركيا سواء كان جيّدا أو سيئا، ودولتان عربيّتان سنيّتان، السعودية ومصر، ومن هنا تنبع أيضًا أهمية السيسي. يشكّل المغرب، رغم بعده الجغرافي، لاعبا مهما بسبب علاقته الخاصة مع أكثر من مليون يهودي هاجروا منه إلى إسرائيل. يشكّل اليهود المغاربة دورا رئيسيا في بناء الجسور المستقبلية بين إسرائيل والدول العربية، لأنّهم ما زالوا يحبّون الملك والمناظر الطبيعية في وطنهم. يترعرع الجيل الثاني والثالث من أولئك المهاجرين، وفق ذات الثقافة والعلاقة بالمغرب. وبطبيعة الحال الدولة الأخرى هي إسرائيل. إنها قائمة وأصبحت حقيقة واقعية. في محادثة أجريتها مع مسؤول سعودي قال لي هو أيضًا إن “السعودية ومصر أدركتا أنّه لا يمكن هزيمة إسرائيل في الميدان العسكري لذلك يجب الحرص على التعاون لتحقيق المصالح المشتركة. تخيّل ما يمكننا أن نقوم به معا: يمكن بناء إمبراطورية من خلال العرب الأغنياء، الكثير من الشباب، وبمساعدة إسرائيل ذات قدرات تكنولوجية وعصرية”.
“الجهاد الآن” – القاعدة وداعش
تسيمرمان يجري مقابلة مع رئيس أركان البيشمركة في أربيل، القائد سيرفان برزاني
“من جهة يسود شر كبير في تنظيم داعش، ومن جهة أخرى، إذا أردنا مواجهة الظاهرة ومنع ولادة أحفاد هذا التنظيم وأبنائه، علينا التعرّف عليه”، كما يقول تسيمرمان، مؤلف سلسلة “الجهاد الآن”. “ولذلك يجب مواجهته. أعتقد أنّ خطاب الكراهية لا يساعد أبدا، بل العكس. إنه يُزيد حدة الظاهرة. الواقع أكثر تركيبا بكثير مما يعرضونه لنا ونحن نميل إلى ارتكاب الخطأ عبر الصور النمطية”.
ولذلك، فإنّ “الجهاد الآن” هو برنامج تم تصويره على مدى نحو ثلاث سنوات في أكثر من 15 دولة مع مجموعة متنوعة من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات بدءًا من رئيس أركان البشمركة في أربيل، مسؤولين في السي آي إي الأمريكي، ممثّلين من الـ MI5 و الـ MI6 البريطانية، دبلوماسيين سعوديين وأمريكيين وصولا إلى خبراء في الإرهاب في الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبخلاف التقارير التي ظهرت مؤخرا في التلفزيون الإسرائيلي والتي غطّت ظاهرة الإسلام المتنامي في أوروبا، استذكر تسيمرمان أكثر من 30 عاما، عائدا إلى اللحظة التي غزت فيها الجيوش السوفييتية أفغانستان. ردّا على ذلك الغزو وكجزء من الحرب الباردة سلّحت الولايات المتحدة القوات المحلية في أفغانستان بأسلحة قوية تم توجيهها بعد مرور سنوات قليلة ضدّها، أثناء سيطرة المجاهدين على المنطقة. يستمر ذلك التوجه من خلال تعزّز قوة أسامة بن لادن.
ذروة السيرة المهنية: مقابلة مع عُمر، نجل أسامة بن لادن
عُمر، نجل أسامة بن لادن في مقابلة مع مراسل AFP (AFP)
لقد ساعد إصرار تسيمرمان على نجاحه في إجراء المقابلة المشوّقة مع نجل بن لادن. قدِم تسيمرمان إلى قطر بعد لقائين تم إلغاؤهما في اللحظة الأخيرة، كان المتوقع أن يُجريا في باريس وكوبا . “في التاسعة مساء وصلتُ إلى الفندق الذي حدّدنا فيه الموعد، ولكن عُمر لم يصل. بدلا منه، كان هناك من نظر إليًّ نظرات فاحصة من رأسي إلى أخمص قدميّ. تنقلتُ عبر ثلاثة فنادق حتى وصلت إلى عُمر. وعندما وصلتُ رأيت عُمر وهو يرتدي جلبابا أبيض نقي ووقفتِ إلى جانبه زوجته ذات عينين زرقاوتين، تتحركان كثيرا، وكانت ترتدي ملابس سوداء تغطي جسمها. تحدثنا لمدة ساعتين. في البداية، لم يتم تصوير اللقاء، ولكن أقنعته لاحقا بإجراء مقابلة مدتها نصف ساعة. رأيت شخصا حزينا تماما. لقد ترك والده قبل فترة قليلة جدا من أحداث الحادي عشر من أيلول ولم يكن يعلم بها كما يقول. سافر إلى جدّته، والدة أسامة بن لادن في السعودية وكان في منزلها أثناء تلك الأحداث. وصف لي عمر بن لادن كيف أيقظه أعمامه وهم يصرخون وقالوا له إنّ “أباك قد دمّرنا” بينما كان يرى البرجين التوأم وهما يشتعلان بالنيران عبر التلفزيون. حينها جلس ذلك الرجل أمامي وقال إنّه، من جهة، ليس شريكا لتلك الأيديولوجية المتطرفة، ومن جهة أخرى، يدور الحديث عن والده وقد أعرب عن محبته”. وأكثر ما فاجأ تسيمرمان هو الشبه بين عمر ووالده “كانا يشبها بعضهما كثيرا رغم أنّ عُمر يبدو ذا جسد أضخم، ربما كان يمارس تمارين رياضة بدنية”.
من خلال محادثة تسيمرمان مع بن لادن الشاب، أدرك أنّ أسرة بن لادن تسعى لتحسين سمعتها. تتنقل هذه الأسرة التي استمرت في بناء المشاريع المرموقة في الدوحة، طوال الوقت، على طول المحور بين جدة والدوحة في قطر.
كشْف مثير: الجذور اليهودية لزوجة نجل بن لادن
عُمر وزوجته زينة في منزلهما في القاهرة، عام 2008 (AFP)
بعد اللقاء مع عُمر بن لادن، اكتشف تسيمرمان أن زينة بن لادن، زوجة عمر ابن أسامة بن لادن، قد أرسلت إليه رسالة نصية كشفت فيها أنّ والدتها من أصول يهودية.
على مدى شهور حاول تسيمرمان إقناع زينة بالحديث عن علاقة أسرتها باليهودية، ولكنها رفضت بشدّة. في شباط 2012 في مانشستر، بعيدا عن منزلها في قطر، وافقت على الكشف عن السر.
“ينحدر والد أمي من عائلة يهودية أصلها من روسيا البيضاء”، كما قالت لتسيمرمان. “لم تخفِ أمي تلك الحقيقة أبدا. فهي تعرّف نفسها باعتبارها تنحدر من أسرة يهودية. أتذكر عندما كنت أشعل الشموع يوم السبت”.
وُلدت زينة بن لادن، أو باسمها القديم، جين فيليكس براون، وعاشت في حيّ نصف سكانه يهود، قرب مانشستر. أخبرَت زينة تسيمرمان أنها اعتادت على الذهاب إلى حفلات زفاف يهودية، وعلى زيارة الكنيس في أحيان كثيرة. عام 2000 قررت جين فيليكس براون، أو زينة، مغادرة بريطانيا والاستقرار في الشرق الأوسط. التقت بأسرة بن لادن وبعمر، الابن المُفّضل لدى أسامة، قرب أهرامات الجيزة. أحبا بعضهما، وبعد أسبوعين من ذلك تزوّجا. واليوم، بعد 5 أعوام من اغتيال بن لادن – وهي بعيدة عن مناطق الحرب في أفغانستان، لم تعُد لديها مشكلة في الحديث عن جذورها اليهودية.
تسيمرمان يلتقط صورة مع رئيس كردستان العراق، مسعود برزاني
ما رأيكِ بجمود العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين؟
“أعتقدُ أن الإسرائيليين والفلسطينيين يعانون من صدمة وخيبة أمل عميقة. هناك انعدام ثقة شبه كامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في رأي أيضًا أنّه ليس هناك استعداد حقيقي للسلام لا في المجتمَع الفلسطيني ولا في المجتمع الإسرائيلي. هناك جهات تحاول طوال الوقت أن تُعكّر الأجواء. ورغم كل ذلك فلو نظرت إلى بعض الاستطلاعات وتحليلات الرأي العام، كنتَ ستكتشف أنّه سواء كان في أوساط الفلسطينيين أو الإسرائيليين فإنّ ثلثي الشعب (على الأقل) يؤمنون بالسلام ويدعمون حلّ الدولتين. المشكلة بطبيعة الحال الثقة المتبادلة وعلى هذا يجب على الزعماء العمل جيّدا”.
السؤال الأخير: أي زعيم عربي كنتَ ترغب في إجراء مقابلة معه؟ وماذا كان السؤال الأول الذي كنت ستطرحه عليه؟
“الشخصية الرائعة في نظري هي شخصية وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان. تسود في السعودية في هذه الأيام ثورة نفسية تقريبا. إذا انتقلت خيوط السلطة إليه فعلا فستحدث قفزة على مدى جيلين من الزعامة. سينجح محمد بن سلمان في تعزيز مكانة بلاده أكثر مما عرفناه حتى الآن. وقد عرض هذا العام برنامجا اقتصاديا لعام 2030، وأهمه هو محاولة السعودية الانفصال عن التعلق التام بالذهب الأسود. السؤال الأول الذي كنتُ سأوجهه إليه هو كيف يرى الشرق الأوسط في الثلاثين عاما القادمة؟”.
رغم تغيير الاسم ومحاولة إنشاء صورة "نظيفة"، يبدو أن خطوة الجولاني منسّقة مع القاعدة وليست ذات قيمة حقيقية، حيث إنّ "جبهة فتح الشام" لا تزال تُعتبر تنظيما إرهابيا
أعلن أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، في 28 تموز 2016، عن إقامة إطار جديد يدعى “جبهة فتح الشام” بدلا من تنظيم جبهة النصرة. وقد سبق إعلان الجولاني إعلان تأييد لهذه الخطوة المرتقبة من قبل زعيمَي القاعدة (أيمن الظواهري ونائبه أحمد حسن أبو الخير).
ومن خلال تحليل بيانات الجولاني وزعماء القاعدة يظهر أنّ إقامة جبهة فتح الشام قد تمت من خلال اتفاق مسبق وتنسيق مواقف بينهم. وينعكس هذا الأمر بالثناءات التي وجهها الجولاني إلى زعماء القاعدة، ودعمهم الواضح لهذه الخطوة، والتفسيرات المشابهة التي قدمها كل من الطرفين لتبرير إقامة هذا الإطار الجديد، مما يدل على تنسيق مسبق لمضمون الإعلان.
وجاء في التقييم الذي نشره “مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب” أنّ إقامة هذا الإطار الجديد يهدف إلى طمس وتشويش العلاقة بالقاعدة والانفصال عن الصورة الإرهابية التي يرمز إليها التنظيم، من أجل تعزيز هدفين أساسيين، في الساحة الدولية وفي الساحة الداخلية-السورية:
تهدف هذه الخطوة في الساحة الدولية إلى التصعيب على الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي الانضمام إلى الهجمات الجوية الدائرة ضدّ جبهة النصرة التي تنفذها روسيا. لقد ركّزت حملة الغرب في بدايتها على داعش في حين أن روسيا هاجمت أيضًا جبهة النصرة بعد أن اعتبرتها أحد الأعداء الرئيسيين للنظام السوري. ويرتبط توقيت الإعلان، وفقا للتقديرات، بأخبار حول اتفاق يتشكّل بين روسيا والولايات المتّحدة، والذي في إطاره ستتعاون كلتاهما في الحرب ضدّ داعش وجبهة النصرة. يرى الجولاني أن من شأن هذه الخطوة الجديدة أن تنشئ صورة تعكس الانفصال عن القاعدة ليصعّب بذلك على الولايات المتحدة والغرب التعامل مع الإطار الجديد باعتباره تنظيما إرهابيا (وأيضا في الواقع، يتجنّب تنظيم جبهة النصرة القيام بعمليات ضد الولايات المتحدة والغرب أو ضدّ روسيا، بخلاف الهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش وأنصارها في العالم).
وفي الساحة السورية الداخلية يسعى الجولاني إلى إيجاد أرضية مشتركة قدر الإمكان مع تنظيمات الثوار ذوي الطابع الإسلامي، حتى أولئك الذين أيديولوجيّتهم ليست بالضرورة سلفية جهادية، والقتال معهم بشكل مشترك ضدّ النظام السوري. ويبدو أيضًا أنّ الخطوة الحالية قد تمت استجابة لمطالب تنظيمات الثوار الأخرى، والتي تخشى من أن تصبح هدفا للهجمات الجوية بسبب تعاطفها مع القاعدة.
منذ تأسيسه كان يميل تنظيم جبهة النصرة إلى التعاون مع تنظيمات الثوار الأخرى، بل وانضمّ إلى تحالف “جيش الفتح”، مما ميّزه بشكل واضح عن داعش، التي تفضّل إدارة معاركها لوحدها، وتتعرض إلى مواجهات مستمرة مع تنظيمات الثوار الأخرى. من شأن التعاون مع تنظيمات المعارضة الأخرى، في نظر الجولاني، أن يحسّن من قدرات الإطار الجديد في الصمود أمام المساعي الهجومية للجيش السوري بمساعدة روسيا، إيران، حزب الله، والميليشيات الشيعية المدعومة التي تدعمها إيران. تركّز هذه الهجمات اليوم على معركة حلب، ولكن لاحقا ستقع “في مرمى” النظام السوري وحلفائه محافظة إدلب، المعقل الرئيسي لجبهة النصرة.
هل معنى إقامة الإطار الجديد هو حقّا انفصال جبهة فتح الشام عن تنظيم القاعدة؟ كلا، كما يبدو. الخطوة الجديدة هي في أساسها نتيجة الضغوط الممارَسة ميدانيا على جبهة النصرة وطموح الجولاني الأساسي لتحسين قدرات بقاء تنظيمه في الحرب المستمرّة التي لا يزال يرتقبها. أيديولوجيا، وفقا لوثيقة تأسيسي التنظيم، تستمر جبهة فتح الشام في التمسّك بالأيديولوجية السلفية الجهادية التابعة للقاعدة، وتشير التقديرات إلى أنّ الإطار الجديد سيستمرّ في إقامة علاقاته مع قيادة القاعدة. وتدل ردود الفعل الرسمية الصادرة عن الولايات المتحدة وروسيا أنّهما لن ينطلي عليهما الإطار الجديد “جبهة فتح الشام”، وأنهما مستمرتان في التعامل معه باعتباره تنظيما إرهابيا.
فيما يلي بعض البيانات عن المسلمين، الإسلام، والعنف من بعض الاستطلاعات الكبرى والأكثر موثوقية مما تم إجراؤها في السنوات الأخيرة.
بداية، فإنّ الغالبية العظمى من المسلمين يبغضون داعش ويعارضون إيذاء المدنيين. في الواقع، لا يميل المسلمون إلى تأييد العنف ضدّ الأبرياء أكثر من الأمريكي العادي.
ثانيا، كان معظم القتلى أثناء العمليات الإرهابية في الغرب على أيدي أفراد– متطرفين يمينيين، قوميين، مؤيّدين لتفوّق البيض وغيرهم، وليس على أيدي مسلمين.
الغالبية العظمى من المسلمبنيبغضون داعش ويعارضون إيذاء المدنيين
ثالثا، ليست هناك علاقة بين مستوى التديّن وبين مستوى تأييد العنف في أوساط المسلمين. يكمن الفرق الرئيسي بين المسلمين الذين يبرّرون العمليات الإرهابية وبين غيرهم في “السياسة، وليس في التديّن”، والقصد من كلمة “السياسة” هو بشكل خاصّ المفاهيم حول ما يفعله الغرب.
معظم منفّذي العمليات المسلمين هم، إذا كان الأمر كذلك، متطرفون سياسيون، “أكثر شدّة في اعتقادهم أنّ السيطرة السياسية، العسكرية، والثقافية الغربية تشكل تهديدا رئيسيا”. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يفسّر لماذا يسود في الأراضي المحتلة الفلسطينية وفي أفغانستان الدعم الأكبر (30%-40%) للإضرار بالأبرياء “في حالات معينة”. في الواقع، فإنّ استطلاع العمليّات الانتحاريّة بين عامي 1980 و 2004 يُظهر أنّ جميعها تقريبا كانت ردّا على الاحتلال الأجنبي.
فرنسيون في مواقع الحزن في باريس (AFP)
وما يتوقعه معظم المسلمين من مواطني الدول الغربية هو “ألا يسعوا إلى تغييرهم، وإنما أن يسعوا إلى تغيير ما يفعلونه”. وتوصلت مجموعة بحثية تابعة للإدارة الأمريكية منذ العام 2004 إلى استنتاج مشابه: “المسلمون لا “يكرهون حريّتنا”، وإنما سياستنا. تُعرب الغالبية الساحقة عن معارضتها لتأييدنا من جهة واحدة لصالح إسرائيل وضدّ الحقوق الفلسطينية، ودعمنا الطويل والمتزايد لِما يعتبره المسلمون كمجموع ديكتاتوريات، مثل مصر، السعودية، الأردن، باكستان ودول الخليج، من جهة أخرى”.
وفقا للباحثين، فإنّ تأييد المسلمين للجهاديين قد قفز بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. وهذا ما جعل “شبكة هامشية” [القاعدة] تصبح حركة منتشرة في جميع أنحاء العالم من المجموعات المقاتلة”. منذ ذلك الحين، بطبيعة الحال، تعزّز هذا الاستنتاج تعزيزا كبيرا.
إذا درسنا أعمال القتل الجماعي للأبرياء التي ارتُكبت بعد الحرب العالمية الثانية (وإذا لم نأخذ بالحسبان الصين في فترة الزعيم ماو، وهي حالة فريدة قُتل فيها 30-70 مليون إنسان)، فإنّ الدول ذات الغالبية المسيحية مسؤولة عن الغالبية العظمى من قتل الأبرياء.
ليست هناك علاقة بين مستوى التديّن وبين مستوى تأييد العنف في أوساط المسلمين
كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن موت نحو 4 ملايين إنسان في الستينيات والسبعينيات خلال الحرب في فيتنام، وكان معظمهم من الأبرياء، وربما نصف مليون طفل، وبالمجمل نحو 800 ألف شخص، وخلال فرض عقوباتها على العراق في بدايات التسعينيات، وعن موت عشرات وربما مئات الآلاف أثناء غزوها لأفغانستان والعراق، ومئات وربما آلاف في هجمات الطائرات من دون طيار في عهد أوباما.
كانت دول أمريكا اللاتينية بين عامي 1950-1980 مسؤولة عن قتل مئات آلاف البشر (ففي غواتيمالا وحدها، من أجل التوضيح، قُتل نحو 200 ألف من أبناء المايا في بدايات الثمانينيات، بدعم أمريكي وبواسطة أسلحة أمريكية وإسرائيلية). قُتل نحو مليون إنسان في التسعينيات في رواندا، وفي الكونغو قُتل مئات آلاف البشر في العقدين الأخيرين.
الشعب السوري أتعس شعوب العالم (AFP)
يتعلق الفرق بين وجهة نظر المسلمين وبين الآخرين حول قتل الأبرياء، إذا كان الأمر كذلك،، ليس بحجم أعمال القتل أو تأييدها، وإنما بكونه جزءا كبيرا من الإرهاب الذي ينفّذه مسلمون باسم الدين، في حين أنه لدى الآخرين فإنّ الأيديولوجية التي تبرّر القتل هي القومية، الشيوعية، الديمقراطية-الليبرالية وما شابه ذلك (وفي أحيان كثيرة كتغطية للصراع على الموارد الاقتصادية).
يعود سبب ذلك إلى أن الدين بقي مكون هوية رئيسيا بالنسبة لمعظم المسلمين، بخلاف الغرب على سبيل المثال، ويميل الناس إلى ربط مثل هذه الأفعال بهويّتهم. هناك أسباب كثيرة تتعلق بمركزية الدين بالنسبة للمسلمين (وهم ليسوا الوحيدين في هذا الشأن)، والتي ليست لدي الإمكانية ولا العلم الكافي لنقاشها. ومع ذلك، هناك ملاحظتان في هذا الشأن.
معظم المسلمين لا يرى توترا جوهريا بين تمسّكهم بالدين وبين الحياة في المجتمع الحديث. معظمهم كذلك، بالمناسبة، يفضل الديمقراطية ولا يجد تناقضا بينها وبين الإسلام
بداية، يجب توخي الحذر من مثل هذه الرؤى التي ترى وكأن مركزية الدين تعني أن غالبية المسلمين يعارضون العالم الحديث. يشكل الدين في نظر معظم المسلمين، وكذلك في نظر معظم اليهود أو المسيحيين المتدينين، طريقة داخل العالم الحديث، وليس تعبيرا عن معارضته. في الواقع فإنّ معظم المسلمين لا يرى توترا جوهريا بين تمسّكهم بالدين وبين الحياة في المجتمع الحديث. معظمهم كذلك، بالمناسبة، يفضل الديمقراطية ولا يجد تناقضا بينها وبين الإسلام. لا يختلف الكثير جدا منهم رغم أنهم يميلون إلى القيم المناهضة لليبرالية، وخصوصا في مجال العلاقات بين الجنسين، عن مجموعات دينية مسيحية ويهودية، وكذلك عن مجموعات في دول مثل روسيا والصين.
ثانيا، وحصريا بخصوص صعود الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ثمة علاقة مباشرة إسرائيلية بذلك. حطّمت حرب الأيام الستة القومية العربية، العلمانية في أساسها، والتي تشكّلت في شخصية الرئيس المصري عبد الناصر. توجّه الكثير من المسلمين في الشرق الأوسط إلى الإسلام السياسي كبديل. في المقابل مثّل الاحتلال في نظر المسلمين انعدام العدالة في علاقة الغرب معهم. ثمة أسباب أخرى كثيرة لصعود الإسلام السياسي بدءًا من السبعينيات – أموال النفط من المملكة العربية السعودية والتي ترعى نسخة متطرفة من الإسلام، والثورة الإيرانية عام 1979 وغيرها. ولكن لا يمكن لهذه الأسباب أن تلغي الآثار الإقليمية للسياسات الإسرائيلية في الأراضي.
أعلنت جماعة أجناد بيت المقدس السلفية الجهادية، التي تتخذ من تنظيم القاعدة العالمي جزءًا من فكرها وأيديولوجيتها، مسئوليتها عن إطلاق صاروخ واحد قالت أنه “مطور” تجاه موقع ناحل عوز العسكري، جنوبي إسرائيل، كما ذكرت في بيانها.
الجماعة التي أعلنت مساء الثلاثاء إطلاقها صاروخين (لم تشير أي مصادر فلسطينية أو إسرائيلية أنباء عن إطلاقهما) ذكرت أنها قررت استئناف عمليات إطلاق الصواريخ تجاه مجمعات إسرائيلية في الجنوب لما قالت عنه “استمرارا لأداء فرض العين المتمثل في الجهاد في سبيل الله تعالى ضد اليهود”.
وأضاف بيان الجماعة الجهادية “نعلن أننا من خلال استهداف اليهود في هذه الأيام، نسعى لنزع فتيل يوشك على الانفجار بسبب التصرفات الرعناء من أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس في قطاع غزة التي بدأت حملة مداهمات واقتحامات واعتقالات ضد المجاهدين من أبناء التيار السلفي الجهادي، فرأينا عبر توجيهات مشايخنا في الداخل والخارج أن الحل يكمن في توجيه البوصلة ضد اليهود ودعوة جميع الجماعات السلفية لذلك. لتجنب ما نراه يلوح في الأفق من أمور لا تحمد عقباها بسبب الأفعال القمعية لتلك الأجهزة الأمنية التي تدفع وتسرع في حدوث صدام داخلي لطالما نأى التيار السلفي بنفسه عنه رغم ما تعرض له من أذى على مدار سنوات حكم حماس لغزة عبر الاعتقال والتعذيب ومصادرة السلاح”.
عناصر من أجناد بيت المقدس
كما وتقول مصادر من غزة أن حماس عادت، في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لتشدد من حملتها ضد السلفيين الجهاديين في إطار اتفاقها الأمني مع مصر لضبط الحدود ومنع تسلل الجهاديين إلى سيناء.
وأشارت المصادر، أن حماس داهمت منازل ناشطين جهاديين بشكل كبير وأن بعضهم اعتقلوا من داخل المساجد أثناء صلاة الجمعة، الأمر الذي شهده حي الشيخ رضوان يوم الجمعة الماضي عقب ملاحقة ثلاثة جهاديين بينهم محمد زغرة، أبرز الملاحقين لحماس والناشط السابق في القسام.
المصادر أوضحت أن الحديث عن اتفاق، كان سيتم التوصل إليه بوساطات خارجية لوقف الاعتقالات تماما ووقف إطلاق الصواريخ من غزة، لم يتم بين الجهاديين وحماس في أعقاب لقاء الأخيرة مع المسئولين المصريين الذي يبدو أن قيادة الحركة تريد إظهار التزامها وولائها للاتفاق مع مصر لفتح آفاق جديدة أمامها في ظل الوضع الصعب الذي تشهده الحركة على كافة المستويات.
وتوقعت المصادر أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة عمليات إطلاق صواريخ بشكل شبه يومي على مستوطنات غلاف غزة ردا على حملات الاعتقال، وهو ما يعني أن حماس ستعمل على نشر قواتها بشكل مكثف لمنع إطلاق الصواريخ بأي ثمن حتى لا تدخل في مواجهة جديدة مع إسرائيل وأن الحركة قد تلجأ للبحث عن أي حلول وبأي ثمن لوقف إطلاق الصواريخ.
تقلص عدد نشطاء داعش بشكل ملحوظ منذ العام 2014، في أعقاب موجة العمليات العسكرية في العراق وسوريا. وقد تقلصت المناطق التي استولت عليها المنظمة الإرهابية واحتلتها أيضا بشكل كبير خلال العام الماضي. في العراق انخفضت نسبة الأراضي التابعة لداعش بأكثر من أربعين في المئة، في حين انخفضت هذه النسبة في سوريا بنحو عشرة في المئة. هذا وفقا لتقرير صحيفة “ديلي ميل” ومسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية.
ومع ذلك، في حين تعمل قوات عسكرية محلية ودولية جاهدة للقضاء على المنظمات الإرهابية الوحشية، تزداد قوة مقاتلي تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان.
عناصر طالبان في أفغانستان (AFP)
وتشير تقديرات المخابرات الأمريكية منذ أيلول في العام 2014 إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية قد جند في حينه بين 20,000 -31,500 جندي. وينبغي أن يكون عدد المقاتلين الآن أقل بكثير.
في الوقت نفسه، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع في أفغانستان إن تنظيم القاعدة الإرهابي يكتسب زخما في أفغانستان، ويقيم علاقات جديدة مع نشطاء حركة طالبان، التي تزداد قوة أيضا. على الرغم من أن طالبان لا تزال تحاول “الابتعاد عن الأضواء”، فوفق ادعاء مسؤول أفغاني: “يعمل عناصرها جاهدين جدا، وبهدوء ويقومون بتنظيم أنفسهم من جديد في إطار التحضير لهجمات أكبر”.
يمكن أن يكون التجوال في باريس في الشتاء القارس، تجربة غير ممتعة. وإن كان الحديث يجري عن إحدى المدن الأكثر رومانسية مما تقدّمه القارّة الأوروبية. والأهم، أن التنزه في شوارع باريس المزدحمة بعد فترة الأعياد ليس لطيفا إطلاقا، حيث تتجوّل دوريات الشرطة والجيش التابعة للجمهورية الفرنسية في كل مكان، بحثا عن وجه مشتبه به وأملا بخلق شعور الأمن في شوارع المدينة، قرب المسجد الكبير في باريس، في أسواق المهاجرين وفي قلب المعالم الأكثر سياحة في المدينة: برج إيفل، متحف اللوفر وقوس النصر.
“الشعور بالأمان يهم الفرنسيون. ولقد أضرت عمليات تشرين الثاني، التي راح ضحيتها عشرات القتلى، بالشعب الفرنسي. أعتقد أنّ الفرنسيين بدأوا رويدا رويدا يدركون أنّهم يخوضون حربا من أجل قيمهم”، هذا ما قالته لي صديقة فرنسية طيّبة كانت تتجوّل معي في باريس، في حين كنت أحاول أن أفهم عمق الأزمة بين المسلمين وغيرهم في بلد ذات علم يحتوي على الأعمدة الثلاثة الملونة.
مسلمون يصلّون في مسجد علي في باريس (AFP)
كوني شخصًا زار فرنسا أكثر من مرة وفرنكوفونيا، عاش الثقافة الفرنسيّة منذ طفولته، شعرت بإحساس غريب أثناء زيارتي الخاطفة للمدينة. لقد تغيّر شيء ما بالتأكيد. لن أستنتج استنتاجات سريعة ولن أقول إنّه قد نشأت فجوات واسعة في المجتمَع الفرنسي إثر الأحداث الإرهابية الأخيرة في 13 تشرين الثاني وأحداث مجزرة صحيفة تشارلي إيبدو أو متجر المأكولات اليهودي “هايبر كشير”. وبخلاف الكثيرين في العالم ممن استطلعوا المشاعر في المدينة بعد الأحداث فورا، اعتقدتُ أنّه سيكون من الأفضل دراسة النسيج المجتمعي الحساس، بعد أن تهدأ العاصفة.
فرنسيون بكل معنى الكلمة ومسلمون في آن واحد
لا شك أنّ العمليات الإرهابية في فرنسا قد أبرزت مشكلة كانت السلطات الفرنسية تميل حتى اليوم، بشكل أساسيّ لأسباب تتعلق بالصواب السياسي، إلى تجاهلها، أو على الأقل التقليل من أهميتها – مكانة الجالية المسلمة في فرنسا.
في فرنسا، يبلغ تعدادها نحو 10% من مجموع السكان (وفقا للتقديرات بين 5-8 مليون. بموجب القانون الفرنسي يحظر إجراء استطلاعات وفقا للتقسيم الديني).
في الأصل، كانت تتألف هذه الجالية بشكل أساسيّ من مهاجري بلدان شمال أفريقيا، والذين هاجروا إلى فرنسا في الفترة التي كانت بلدانهم خاضعة للسيطرة الفرنسية – منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر حتى تفكك الإمبراطورية الفرنسيّة في النصف الثاني من القرن العشرين. ونتيجة لسياسة الحدود المفتوحة للاتحاد الأوروبي بدأ التدفق الجماعي للمهاجرين من بلدان لم تكن جزءا من دائرة النفوذ الفرنسية.
قدّر الباحث الإسرائيلي، الدكتور يسرائيل بار نير مؤخرا أنّ “المبنى الديمغرافي للجالية المسلمة في فرنسا قد تغيّر بسبب الملايين من المهاجرين الجدد الذين جلبوا معهم التخلف الاقتصادي والثقافي”. وادعى بار نير أيضا أنّه “ليس هناك أي ارتباط لدى المهاجرين الجدد بالثقافة والتراث الفرنسي، ويتقن القليلون فقط من بينهم اللغة الفرنسية. اضطر القليلون الذين نجحوا في إيجاد عمل إلى الاكتفاء للقيام بأعمال مثل إخلاء القمامة وكَنْس الشوارع. إنّ التناقض بين القيم الأساسية للتراث الفرنسي، ولا سيما، الفصل بين الدين والدولة (Laicite) – وهو من الأصول غير القابلة للتغيير في النظام الفرنسي منذ عهد الثورة – ومكانة المرأة في المجتمع، وبين نمط الحياة الذي جلبه المهاجرين الجدد من بلدانهم، شكلا عقبة لا يمكن اجتيازها أمام دمج المهاجرين الجدد في المجتمَع الفرنسي”.
دقيقة صمت لنساء مسلمات لذكرى ضحايا العمليات في باريس (AFP)
“نحن لا نفهم من هي داعش. بالنسبة لنا فالمسلمون لا يتصرّفون كذلك. نحن فرنسيون وفخورون بكوننا فرنسيين. لقد أضرّ الإرهاب بالأساس بالجالية المسلمة في فرنسا. أعتقد أنّ اليمين المتطرّف في فرنسا يكن كراهية كبيرة للمسلمين في الآونة الأخيرة”. هذا ما قاله لي علاء، وهو بائع متجوّل في أحد الأسواق في جادة باربس (Le Boulevard Barbes).
في جوّ بارد يصل إلى 4- درجة مئوية، مضيتُ في طريقي إلى المسجد الكبير في باريس. في ساعات الغروب، قبل دقائق من صلاة المغرب، دخلتُ إلى المسجد مع صديقتي. حاولت أن أفهم إلى أين تتوجّه الجالية المسلمة في فرنسا وكيف يمكن سد الفجوات في الثقة.
وعند دخولنا إلى المسجد توجّهنا نحو امرأة كانت ترتدي حجابًا. وقد أوضحتُ لها، متحدثا بلهجتي الفلسطينية، أنّنا نرغب بإجراء جولة في المكان وإلقاء نظرة على المسجد. “فقالت عليكما أن تدفعا 2 يورو للشخص مقابل الدخول”. تهامستُ مع صديقتي وفورا سألتني السيّدة إذا كنتُ مسلمًا. “الحمد لله”، ردت قائلة بعد أن أخبرتُها أنّني أنا مسلم أيضا.
في داخل المسجد الواسع والمزخرف، يستعدّ الرجال للصلاة. أوضحت لي صديقتي بأنّه قد ثار مؤخرا، وعلى خلفية الهجمات الإرهابية، نقاش عام واسع في فرنسا. “يسعى زعماء بارزون في أوساط الجالية المسلمة إلى مضاعفة عدد المساجد في البلاد”. وفقا للتقديرات يوجد اليوم ما يقارب 2200 مسجد في أنحاء فرنسا، والتي يفترض أن تخدم أبناء الجالية، التي يبلغ تعدادها كما ذكرنا بين 5-8 ملايين مؤمن. يدّعي زعماء الجالية أنّ عدد المساجد هذا لا يكفي بل ويحثّون السلطات على بناء المزيد والمزيد من دور العبادة المراقَبة من أجل منع تجمّعات الشباب المسلمين في الأوساط المتطرّفة التي قد تُسمّم عقول الشباب المخطئين.
ظل داعش يحلّق في الأحياء الفقيرة واليائسة
حاولت الحكومة الفرنسية إيقاف توسع الإسلام المتطرف لمنع التطرف والعنف اللذين يميّزانه تحت رعاية منظّمات مثل القاعدة أو داعش. اتخذت الحكومة قرارا بتنظيم مجلس إسلامي قُطري – وهو هيئة يُنتخب ممثلوها انتخابا ديمقراطيًّا من جميع الجاليات المسلمة المحلية في فرنسا. والغاية هي تطوير “إسلام فرنسي”، تعتبره السلطات حجر الأساس لدمج الأقلية المسلمة في المجتمع الفرنسي.
كانت هناك أفكار أخرى وهي تنظيم حلقات دراسية لتأهيل الأئمة الناطقين بالفرنسية ليتعرفوا ويحترموا نمط الحياة الفرنسي، بالإضافة إلى منظومة دعائية بأنّ “قوانين الإسلام غير قابلة للتنفيذ في فرنسا لكونها تخالف القانون الفرنسي”. وفقا للدستور الفرنسي، فإنّ فرنسا هي دولة علمانية، تحترم التنوّع الديني فيها. وهي علمانية، أساسا.
مسلمة ترتدي الحجاب في شوارع باريس (AFP)
وقد فشلت معظم هذه المحاولات. “عندما هاجرتُ إلى باريس عام 1968 لم يكن هناك مسلمون في المدينة تقريبا، فكنّا أقلية. والآن أصبح لديّ أبناء وأحفاد. نحن نفهم العربية الفصحى ونتحدث أيضا باللهجة التونسية والفرنسية. ولكن لا يفهم أحفادي العربية الفصحى. فنتحدث إليهم بالفرنسية فقط. لمزيد الأسف فإنّ الأئمة في هذا المسجد يتحدثون العربية بمستوى عال جدّا مما يصعّب على أطفالنا فهمها. تخيّل أنّ الكثير من الشباب الذين واجهوا صعوبات التأقلم في المجتمع الفرنسي وهم عاطلون عن العمل يريدون الحصول على الاستشارة. إلى أين سيذهبون؟ هل سيطلبون المشورة من أولئك الأئمة؟ لا، فهم يتوجهون إلى الأوساط المتطرفة التي تستقبلهم بدفء وتمنحهم شعورا زائفا بالقبول. يجب على السلطات وعلى رجال الدعوة في فرنسا إدراك ذلك”، كما يقول لي أبو محمود (68 عاما)، صاحب محل حلاقة في حيّ شاتو روج (Chateau Rouge).
زعيم مجموعة سلفية متطرفة في باريس، “فرسان العزة” (AFP)
ويعكس قلق أبو محمود قلق الكثيرين من أبناء الجيل الأول من التونسيين، المغاربة والجزائريين الذين قدِموا في وقت ما من الخمسينيات والستينيات إلى فرنسا بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. الخوف من أن ينجرّ أبناؤهم، مثل الأخوين كواشي (اللذين نفّذا المجزرة في هيئة تحرير الصحيفة الساخرة، “شارلي إيبدو”)، وراء المجموعات المتطرفة. إنهم يخشون، أكثر من كل شيء، من أن تزيد عمليات الإرهاب الأخيرة من نار كراهية الأجانب، الملتهبة على أية حال من قبل مجموعات اليمين المتطرفة في فرنسا.
بين الحجاب وأعمال الشغب
مهاجرة مسلمة تقدّم الورود للمارّة بعد مجزرة شارلي إيبدو (AFP)
أعترف أن خلال فترة إقامتي القصيرة في المدينة لم أصادف مظاهر العنصرية تجاه المسلمين. ولكن مؤخرا يعاني الكثير من المسلمين بشكل مباشر من كراهية الأجانب الحقيقية.
اقتحم متظاهرون فرنسيون غاضبون في نهاية العام الماضي (27.12.2015) قاعة صلاة إسلامية في جزيرة كورسيكا الفرنسية وأحرقوا مصاحف من القرآن. فأدانت الحكومة الفرنسية هذا الفعل بشدّة، والذي تم تنفيذه في عيد الميلاد.
وكانت النساء المرتديات للحجاب المتضرّرات بشكل أساسي. بعد أكثر من عشر سنوات من اعتماد فرنسا لقانون غطاء الرأس الأول، والذي يحظر على التلميذات ارتداء النقاب أو الحجاب في المدارس الحكومية، أصبحت قضية غطاء الرأس للنساء المسلمات المتديّنات – من الأوشحة الحريرية الملوّنة وحتى العباءة السوداء – إحدى نقاط الاحتكاك الأكثر أهمية بين الدولة والسكان المسلمين.
يستمر السياسيون الفرنسيون المنتمون إلى التيار المركزي بالعمل على منع قبول النساء المنقبات إلى أماكن العمل، المؤسسات التعليمية والفعاليات الجماهيرية. وقد برّروا ذلك أكثر من مرة بقولهم إنّهم يعملون من أجل النظام العام وقيم الـ laïcité.
“لم تساهم هذه الخطوات في استيعاب المسلمين في المجتمع العلماني. وبالمناسبة فهم أنفسهم يطالبون بأن يكونوا جزءًا من الشعب الفرنسي. على العكس، لقد زادت من التمييز ضدّهم بشكل عام وضدّ النساء بشكل خاص. تُسمع في الأخبار مرات عديدة عن نساء تعرّضن للإهانة والعنف، والتي تتمثّل بالبصق عليهن، بشدّ غطاء رأسهن أو دفعهنّ. وقد تم استغلال هذا الحظر من قبل جهات إسلامية، تسعى إلى دقّ إسفين أعمق بين المسلمين وغيرهم في فرنسا”، كما قالت لي صديقتي بعد أن خرجنا من المسجد الكبير.
مستقبل العلاقات، إلى أين؟
من غير الواضح الآن كيف سيكون مستقبل هذه العلاقات بين المسلمين والفرنسيين، في المستقبل القريب.
صالة الشاي خلف المسجد الكبير في باريس
في زاوية شارع المسجد الكبير دخلنا إلى عالم آخر، فقاعة برعاية الساحة الخلفية للمسجد، والتي يبدو فيها العالم ورديا وواعدا أكثر. يصطف فرنسيون محليّون وأبناء مهاجرين إلى جانب بعضهم البعض، حول طاولات مذهّبة مصنوعة من النحاس، يحتسون الشاي بالنعناع المحلّى. هناك طاولات مزدحمة بالحلويات من المطبخ المغربي، راحة الحلقوم، البقلاوة والغريبة. في مجلس الشاي هذا أشعر بومضة الأمل. إذا تم استبعاد العنف ولم يُعطَ للمتطرّفين حيز عمل فربّما لن يُفقد الأمل لتعزيز علاقات أعمق وأفضل بين المسلمين والمدافعين عن العلمانية، الغربيين، الفرنسيين.
يشتبه بالمقاتل ماثيو بيسونت، وهو مقاتل في الفرقة 6 التابعة لوحدة أسود البحر والذي يزعم أنّه أطلق النار على زعيم التنظيم الإرهابي في باكستان، بن لادن، أنّه احتفظ في حاسوبه الشخصي بصورة سرية لجثّة زعيم القاعدة سابقا. بالإضافة إلى ذلك، تُنسب إلى بيسونت المزيد من الاشتباهات. كجزء من التحقيق الجاري ضدّه، سلّم بيسونت القرص الصلب الخاص بحاسوبه الشخصي للمحقّقين، وتظهر فيه تلك الصورة المذكورة.
من الجدير ذكره أنّ حكومة الولايات المتحدة لم تنشر أبدا صورا لجثّة بن لادن، وزعمت أنّ الجثّة قد تم إلقاؤها في البحر بعد فترة قصيرة من اغتياله. وبرّر رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، هذا الفعل بقوله إنّ “الولايات المتحدة لا تحتاج إلى التلويح بـ “كؤوس انتصارها”. بالإضافة إلى ذلك، فقد وُجدت على القرص الصلب وثائق تصف عمل بيسونت كمستشار أمني خلال خدمته في الفرقة السادسة التابعة لأسود البحر.
تصوير سكاي إيطاليا – صورة مزوّرة للجثّة تم نشرها في الماضي
وترتبط الشبهات الجديدة والأخرى المطروحة ضدّ بيسونت بمواد وُجدت على حاسوبه وتدلّ على كونه عمل مستشارًا لشركة وفّرت معدّات عسكرية لأسود البحر، في الوقت الذي كان فيه مقاتلا في تلك الوحدة العسكرية، من بين أمور أخرى، وفرت معدّات للتخلّص من القنابل، الأسلحة، السكاكين وغيرها. وتتركز الاشتباهات حول بيسونت ربما لكونه استغل مكانته كمقاتل في الوحدة من أجل التأثير على عقود الشراء.
المقاتل ماثيو بيسونت
وكما هو معلوم، فقد ادعى بيسونت في كتابه بأنّه هو الذي أطلق النار على بن لادن – ولكن ادعى أيضًا روبرت أونيل، وهو مقاتل آخر في الوحدة، أنّه هو الذي ضغط على الزناد، وتشير التقديرات إلى أنّه هو قائل الحقيقة فعلا.
كُشف في قطاع غزة، أن مجموعة عسكرية موالية لتنظيم القاعدة تقف خلف الهجوم بالصواريخ منذ يومين على بلدة سديروت جنوب إسرائيل.
الجماعة التي تطلق على نفسها “أجناد بيت المقدس” هي مجموعة سلفية جهادية تتبنى فكر القاعدة وتوالي التنظيم وتختلف فكريا وأيديولوجيا مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
بيان أجناد بيت المقدس
وتقول مصادر خاصة لـ المصدر، أن تلك الجماعة لم تنشط عسكريا منذ أكثر من ثلاثة أعوام في ظل ملاحقات حماس وضعفها أمام تصاعد مناصرة تنظيم داعش في غزة من قبل الغالبية الكبرى للسلفيين الجهاديين. ويهدف هذا التبني للتذكير بان فكر تنظيم القاعدة لا زال متواجدا في قطاع غزة، رغم أن الأنظار كلها متجهة نحو تنظيم الدولة الاسلامية. كما ويهدف الى التنافس على تعاطف مناصري العمل الجهادي ، في وقت تشكل الدولة الإسلامية مصدر الاستقطاب الرئيسي للشباب السلفي.
ومن بين مئات السلفيين الجهاديين في غزة، فإن عدد محدود جدا قد لا يتعدى الخمسون شخصاً يوالون تنظيم القاعدة، فيما الآخرين يوالون تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ويناصرونها بشكل كبير ويحتفون بهجماتها وعملياتها وهم يأملون بتمددها، كما أنهم حاولوا تبني بيعة سابقة وجهوها للبغدادي إلا أنها رفضت من قبل زعيم التنظيم لأسباب تتعلق بظروف فلسطين في الوقت الراهن. ورجح قيادي سلفي أن يستمر هذا التأييد للدولة الإسلامية على حساب تنظيم القاعدة “الا إذا قام الإخوان الداعمون والمباعيون للقاعدة وللدكتور أيمن الظواهري بتنفيذ عملية كبيرة ضد العدو، حينها سيفكر بعض مؤيدو العمل الجهادي بخيار الانضمام الى القاعدة، لكنني لا اتوقع بأي شكل، على الأقل ليس في المستقبل القريب، أن ينجح تنظيم القاعدة باستقطاب مناصرين له في ظل التطور الكبير في عمل الاخوان المجاهدين في الدولة الإسلامية”.