لا يشكل الحصول على مديح من وزيرة العدل اليمينيّة، أييلت شاكيد، أمرا مفهوما ضمنا. وفي الوقت ذاته، لا يُعد الثناء الكثير من رئيس محكمة العدل العليا سابقا، القاضي أهارون براك، ممثل اليسار الإسرائيلي، أمرا مفهوما ضمنا أيضا.
لقد أثنت هذا الأسبوع وزيرة العدل، أييلت شاكيد، ورئيس المحكمة العُليا سابقا، باراك، على القاضي العربي الأول، سليم جبران، الذي خرج للتقاعد اليوم (الخميس) صباحا، بعد انتهاء 14 عاما من العمل في المحكمة العُليا الإسرائيلية. وفق القانون الإسرائيلي يخرج قاضي المحكمة إلى التقاعد عندما يصبح عمره 70 عاما.
ويشكل القاضي جبران العربي المسيحي الأول الذي شغل منصب دائم في المحكمة العليا، مثالا على المساواة، الحفاظ على حقوق الأقليات، وإثباتا على أن الأشخاص القديرين والمهنيين يشغلون مناصب تليق بقدراتهم دون أهمية لهويتهم.
وقد يكون هذا هو السبب الذي أدى إلى أن يحظى القاضي جبران بدعم زملائه في العمل، عندما تجنب إنشاد النشيد الوطني، “هتكفاه” أثناء مراسم أداء رئيس المحكمة العُليا سابقا، آشر جرونيس، في عام 2012. أثار هذا الموقف غضبا عارما في اليمين الإسرائيلي كما هو متوقع، وناشد بعض أعضاء الكنيست بإقالته من منصبه، إلا أن زملائه في المحكمة تفهموا موقفه طالبين “عدم إجبار المواطنين العرب على إنشاد نشيد لا يمت لهم بصلة ولا يعبّر عن أصولهم”.
وتعرض القاضي جبران إلى انتقادات كثيرة بسبب استقامته كما يتعرض لها القضاة الآخرين، ولكنه تعرض لها بشكل خاصّ كونه عربيا إسرائيليا تعامل كثيرا مع قضايا تتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، إذ أنه دعم في هذه القضايا العرب.
وفي عام 2014، كان جبران من الأقلية التي اعتقدت أنه يجب التدخل في قرار لجنة الأخلاقيات في الكنيست حول إقصاء عضو الكنيست، حنين زعبي، لستة أشهر عن عملها في الكنيست، بسبب تصريحاتها حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. عمل جبران بموجب حرية التعبير أيضا عندما أقر أنه يجب إلغاء إدانة الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض على العنف وطالب بإدانته بتهمة التحريض على العنصرية فقط.
وأعرب القاضي جبران في ملفات الفساد في الدولة التي نظر فيها عن معارضته الشديدة لجرائم كهذه. مثلا، اعتقد أنه يجب إدانة رئيس الحكومة الإسرائيلية سابقا، إيهود أولمرت، بتهمة تلقي رشاوى بما معدله نصف مليون شيكل من أجل أخيه وكان من بين القلائل الذين أعربوا عن موقف شبيه. ولكن عندما نظر في إمكانية تعيين أرييه درعي (الأسير الإسرائيلي بتهمة الفساد) في منصب وزير الداخلية أعرب عن تأييده.
وبدأ يعمل القاضي جبران في المحكمة العليا في عام 2003، بعد أن اهتم بملفات جنائية في المحكمة المركزية في حيفا، إذ إنه خبير في هذا المجال. القاضي جبران هو مسيحي ماروني وُلِد في حيفا عام 1947. وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة تراسنطا في عكا ودرس للقب الأول في القانون في عام 1968 في الجامعة العبرية في القدس. في عام 1970، حصل على رخصة ممارسة مهنة المحاماة وبدأ العمل بشكل مستقل حتى عام 1982. وفي عام 1982 عُين لشغل منصب قاض في محكمة الصلح في حيفا. وفي عام 1993، عُين لشغل منصب قاض في المحكمة المركزية في حيفا وبالمقابل عمل محاضرا في كلية القانون في جامعة حيفا. وفي عام 2003، عُيّنَ قاض في المحكمة العُليا في القدس بوظيفة مؤقتة، لمدة سنة، وفي أيار 2004، عُيّنَ بوظيفة دائمة.
وتطرقت وزيرة العدل، أييلت شاكيد، اليوم صباحا (الخميس) في مراسم وداع القاضي جبران إلى أعماله ومساهمته من أجل دولة إسرائيل ومدحته. وفق أقوالها: “صنع القاضي جبران تاريخا من أجل المجتمع العربي في إسرائيل”. تطرقت الوزيرة بإسهاب إلى عمله على مرّ السنين وإلى مساهمته من أجل المجتمَع الإسرائيلي في مجال القانون طيلة أكثر من خمسة وثلاثين عاما. “نجح جبران في أن يشغل مناصب هامة وبارزة في محكمة العدل العليا وشغل منصب نائب رئيس محكمة العدل العليا”. وأضافت قائلة إنه كان طيلة سنوات عمله إنسانيا.