يتفق الإسرائيليون على أمر واحد في أعقاب العملية في الكنيس في القدس هذا الأسبوع، الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين لا يمكن أن يبقى كما هو. تذكّر موجة العنف المتزايدة في المدينة الكثير من الإسرائيليين بأنّ ادعاء أنّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني غير قابل للحل، ومن ثم يجب التعامل معه باعتباره عاملا ثابتا؛ هو ادعاء غير مقبول.
يتمسّك وزير الدفاع، موشيه يعلون، بالمنهج الذي يقول إنّه يجب “إدارة” الصراع مع الفلسطينيين وليس “حلّه”. بالغ وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، وشبّه الصراع بـ “الشظايا في المؤخرة”، قال: “لديّ صديق عنده شظايا في المؤخرة، وقالوا له إنّه يمكن إجراء عملية ولكن سيبقى معاقا. ومن ثمّ قرّر أن يستمرّ في العيش معها. هناك حالات يضر السعي فيها لتحقيق الكمال أكثر ممّا ينفع”. بحسب ادعائه، فإنّ محاولة حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، هي تماما مثل الحالة الطبية لصديقه، ستؤدي إلى الضرر فقط.
ولكن في كلّ مكان في إسرائيل يدرك الناس أنّها ليست شظايا صغيرة في المؤخرة، وأنّه لا يمكن “إدارة” هذا الصراع. في كلّ مكان يُطلب من الحكومة: قدموا لنا حلولا، اقضوا على العنف. حالة يُقتل فيها أربعة مصلّين في كنيس ليست حالة يمكن التسامح معها.
إذا كان الأمر كذلك، فما هو الحل للأوضاع الصعبة التي تواجهها القدس؟ يبدو أن لدى كل شخص اقتراحات للحلّ خاصة به، وهي كثيرة ومتنوعة، ولكن أحدا لا يستطيع أن يعد الإسرائيليين بالهدوء والسلام.
اليد الحديدية أم الأيدي المقيّدة؟
بداية، هناك من يعتقد أنّ تكثيف السياسات القاسية، أو “اليد الحديدية” ضدّ القدس الشرقية وسكانها: هدم منازل الإرهابيين، حظر التجوّل، استخدام الذخيرة الحيّة لتفريق المظاهرات، وزيادة قوات الشرطة والجيش في المدينة؛ هي التي ستهدئ المنطقة.
تمّ اتخاذ قرار هدم منازل الإرهابيين بشكل شبه فوري بعد العمليات الإرهابية، ولكن فعالية هذا الإجراء مثيرة للجدل. هناك من يدعي أنّ هدم المنازل يردع منفّذي العمليات المحتملين في القادم، والذين يخشون من هدم منازلهم، وهناك من يدعي أنّها تضع الوقود على النار فحسب.
صدرت شكاوى كثيرة في الأسابيع الماضية ضدّ نتنياهو وأهرونوفيتش، لأنّ سياسة الحكومة تقيّد أيدي الشرطة وتمنعها من معالجة العنف كما يجب في القدس الشرقية
صدرت شكاوى كثيرة في الأسابيع الماضية ضدّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وخصوصا ضدّ وزير الأمن الداخلي، يتسحاق أهرونوفيتش، لأنّ سياسة الحكومة تقيّد أيدي الشرطة وتمنعها من معالجة العنف كما يجب في القدس الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، هناك شكوى شائعة بأنّ بعض المستشارين القانونيين يقيّدون استخدام الوسائل العسكرية لمعالجة الأوضاع.
وبحسب بعض مسؤولي اليمين في إسرائيل، فإنّ عدم وجود استجابة قوية وحاسمة من قبل إسرائيل يُفسّر من الجانب الفلسطيني بوصفه مظهرا من مظاهر الضعف، ويشجّع أعمال العنف هذه. هكذا على سبيل المثال يتم تفسير دعوة عضو الكنيست يوني شتبون من حزب البيت اليهودي، والذي دعا إلى هدم منازل القتلة من جبل المكبر، وحرمانهم من جميع استحقاقات الدفع من الحكومة الإسرائيلية وخلق “شعور بالاضطهاد في الأحياء العربية كي لا يجرؤوا”، كما قال.
يتساءل الكثير من الإسرائيليين إذا ما كانت العقوبة الجماعية إجراءً مناسبا في هذا السياق. من جهة، يدعي كثيرون بأنّ فرض العقوبات الجماعية سيفرض الخوف على الذين يخطّطون لتنفيذ هجمات ضدّ الإسرائيليين، وسيردعهم عن القيام بذلك. بالمقابل، يدعي آخرون أنّ عقوبة كهذه ستجرّ أيضًا الأشخاص الذين لا يريدون إيذاء الإسرائيليين إلى دائرة العداء. يعتقد هؤلاء أنّ العقوبة الدقيقة والشديدة ضدّ المنخرطين في الإرهاب أفضل كأداة لمكافحة الانتفاضة.
العصا والجزرة
هناك من يعتقد أنّ إسرائيل لو أرادت التأكيد على أنّ سيادتها قائمة في شرقيّ المدينة، فعليها أنّ تتحمّل المسؤولية وتجدّد البنى التحتيّة
هناك قضية مهمة في هذا السياق وهي تعزيز السيادة على القدس الشرقية. إلى جانب الأصوات المنادية بتعزيز وتشديد العقوبة ضدّ السكان العرب في القدس من أجل التأكيد على أنّ اليهود هم “أصحاب الأرض”، هناك من يعتقد أنّ إسرائيل لو أرادت التأكيد على أنّ سيادتها قائمة في شرقيّ المدينة، فعليها أنّ تتحمّل المسؤولية وتجدّد البنى التحتيّة بشكل مكثّف.
أثبتت السنوات الأخيرة بأنّه في الأحياء التي يجري فيها الإهمال الأشدّ، مثل العيسوية على سبيل المثال والمخيّم الفلسطيني شعفاط، حدثت أحداث العنف الأقسى ولذلك فإنّ تعزيز السيادة الإسرائيلية ألزم بأنّ يكون معه تحسين لأوضاع السكان الفلسطينيين.
وكذلك فإنّ بعض رجال اليمين الذين يعتقدون في صميم قلوبهم بالحاجة إلى السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، مثل وزير الدفاع الأسبق موشيه أرنس، لا يتجاهلون الإهمال الهائل القائم في شوارع القدس الشرقية، وينادون باستثمار الأموال الإسرائيلية في ترقية الأوضاع المادية للسكان الفلسطينيين. إنّ جودة الحياة الأفضل، كما يعتقدون، تعني درجة أقلّ من العنف.
عودة فكرة الانسحاب من جهة واحدة
في هذه الأثناء، يبدو أنّ فكرة الانسحاب من طرف واحد من الأراضي في الضفة الغربية والقدس الشرقية تشق طريقها مرة أخرى إلى الرأي العام الإسرائيلي، وذلك بعد أن فقدت الكثير من شعبيّتها في السنوات الماضية. بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 والنتيجة التي تضمّنت إطلاق الصواريخ الذي لا يتوقف تقريبا على جنوب إسرائيل، يعتقد الكثيرون بأنّ الانسحاب من طرف واحد ليس حلّا إنّما مشكلة.
ومع ذلك، فإنّ العملية عادت وذكّرت الكثير من الإسرائيليين بأنّه في القدس الشرقية، حتى لو تمّ ضمّها لإسرائيل، يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لا يرغبون بالانتماء إلى الدولة اليهودية. يسأل الإسرائيليون أنفسهم: لماذا في الواقع كلّفت إسرائيل نفسها عناء ضمّ أراض تحوي كثيرين من السكان الفلسطينيين إلى أراضيها، وبدأوا يدركون بأنّه ربما كان الحلّ كامنًا بالانفصال عن أولئك السكان.
يحيموفيتش: “جبل المكبّر ليس دولة إسرائيل ولا ينبغي أن يكون في دولة إسرائيل. كيف يمكن لحقيقة أنّنا حولناهم إلى سكان إسرائيليين في حيّ مقدسي أن تساهم في أمن إسرائيل؟”
أوضحت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش خطّا واحدا وواضحا في هذه المسألة، في ردّها على العملية التي حدثت في القدس. كتبت يحيموفيتش في صفحتها على الفيس بوك: “يجب الانفصال عن جبل المكبر. إنّه قرية عربية أصررنا على تزويد سكانها بالهوية الزرقاء وتحويلها إلى حيّ مقدسي. جبل المكبّر ليس دولة إسرائيل ولا ينبغي أن يكون في دولة إسرائيل. كيف يمكن لحقيقة أنّنا حولناهم إلى سكان إسرائيليين في حيّ مقدسي أن تساهم في أمن إسرائيل؟ في سلامة مواطني إسرائيل؟ في مكانة عاصمتنا القدس؟”. حظيت كلمات يحيموفيتش هذه بتأييد كبير في الشبكات الاجتماعية.
وماذا عن عملية السلام؟
وفي النهاية، هناك من لم ييأس بعد من خيار التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي سيؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل. رغم أنّ العملية قد زادت كثيرا من مستوى التوتر بين اليهود والفلسطينيين، ولم تظهر فكرة السلام بعيدة أكثر من الآن، فهناك من يعتقد أنّه في نهاية المطاف، فإنّ دولة فلسطينية مستقرّة هي فقط ما سيضمن أمن إسرائيل على المدى البعيد.
في هذا السياق برز صوت عضو الكنيست زهافا غلؤون، التي تمسّكت بإيمانها بعملية السلام مع الفلسطينيين حتى في هذه اللحظات الصعبة، بخلاف الطريقة المتشككة لرئيس الحكومة نتنياهو. في أعقاب ردّة فعل نتنياهو على العملية في القدس، قالت غلؤون: “يدرك نتنياهو أنّ الأشهر الأخيرة هي نتيجة سياسات، وهي الثمار الفاسدة لاستراتيجية ‘إدارة الصراع’ التي اعتمدها؛ لا تتضمن أمنًا، سلامًا، أفقًا سياسيًّا”.
بحسب كلامها: “عندما يمضي رئيس الحكومة في عملية سياسية تشمل تسوية حقيقية، سنكون أول من يمنحه شبكة أمان”. ولكن على ضوء قلة الإسرائيليين الذين يشاركون غلؤون في رأيها، وكثرة أولئك الذين يطالبون بسياسة “اليد الحديدية”، فمن الصعب أن نصدّق بأنّ نتنياهو سيطلب من غلؤون شبكة أمان كتلك.