تدهور ملحوظ في الأسابيع الأخيرة في سوريا والعراق. داعش تكتسب موجة من الانتصارات، والأسد وقوات الجيش العراقي يعانون من الهزائم ويرتبط معهم ما يبدو بأنّه فشل أمريكي.
في شرق سوريا، سقطت مدينة تدمر بيد “الدولة الإسلامية” وتسيطر داعش الآن على نحو نصف مساحة البلاد، بما في ذلك المناطق الحدودية مع العراق والأردن. نظام الأسد يخسر المعابر الحدودية مع العراق، المطارات العسكرية في الصحراء – مطار تدمر و “تي 4” – سقطا أيضا. تم ذبح مئات الأشخاص من سكان المدينة الذين تعاونوا مع النظام بسكاكين الجهاديين، وتم إلقاء جثثهم في الشوارع. يخشى العالم على آثار تدمر، بقايا ثقافات العالم القديم. سيكون مصيرها مثل تدمير الآثار في العراق، كما يبدو.
نظام الأسد يخسر المعابر الحدودية مع العراق، المطارات العسكرية في الصحراء – مطار تدمر و “تي 4” – سقطا أيضا
في غرب سوريا حيث يعيش معظم السكان وتتركّز الصناعة والزراعة، تدور عدة نقاط صراع بين النظام وتحالف من التنظيمات، معظمها إسلامية، والتي تطمح إلى إسقاط الأسد. النقاط الرئيسية هي جبال القلمون ومنطقة إدلب. في كلتا المنطقتين تدور معارك وحشية، وعلى مدى الأسابيع الأخيرة يخسر النظام وحزب الله الذي يقاتل معه المزيد والمزيد من الجنود، العتاد والأراضي.
ألزم تدهور الأوضاع في سوريا حسن نصر الله، زعيم حزب الله، الذي ورّط التنظيم في المستنقع السوري، بالظهور وإلقاء الخطابات ما لا يقل عن ثلاث مرات أمام أنصاره، حتى ولو لمقاومة سهام الانتقادات القادمة من الطائفة الشيعية في لبنان. رفع عدد القتلى في أوساط حزب الله من احتمال التجنيد العام لدى أبناء الطائفة. نتيجة لذلك، لم يعد أولياء أمور تلاميذ الصفوف العليا في المدارس الشيعية يرسلون أبناءهم إلى المدارس، خوفا من التجنيد القسري لهم.
بشار الأسد (AFP)
أدخل الوضع الخطير الذي وصل إليه النظام الطائفة العلوية تحت ضغط كبير: حيث يعلم أبناء الطائفة جيّدا ماذا سيكون مصيرهم إذا سقطوا بأيدي الجهاديين. سيكون ذلك مجزرة فظيعة. تدفع الضغوط الناس إلى البحث عن المذنب، والمرشّح الطبيعي هو بشار الأسد. يتّهمه الكثير من أبناء الطائفة العلوية بتدمير البلاد والوضع الذي يعرّض كل الطائفة إلى خطر الإبادة؛ وتعدادها نحو مليوني إنسان. فهم يعلمون جيّدا ماذا تشعر الغالبية السنّية تجاههم، بعد 45 عامًا من حكم عائلة الأسد.
يخشى العلويون من اللحظة التي ستُفتح فيها قبور الجموع، والتي دُفن فيها نحو 20 ألف شخص، الذين “اختفوا” في سجن تدمر بين عامي 1981-1980. كان معظمهم من المدنيين المسالمين الذين اشتبهوا بكونهم نشطاء في تنظيم “الإخوان المسلمين”. الكشف عن القبور وعرضها أمام الكاميرات سيزيد من طموحات الانتقام والرغبة بالقتل في أوساط الغالبية السنّية.
رفع عدد القتلى في أوساط حزب الله من احتمال التجنيد العام لدى أبناء الطائفة. نتيجة لذلك، لم يعد أولياء أمور تلاميذ الصفوف العليا في المدارس الشيعية يرسلون أبناءهم إلى المدارس، خوفا من التجنيد القسري
يفرّ العلويّون من المدن والأحياء التي أقيمت في المدن الكبرى – دمشق، حلب، حمص، حماة – إلى منطقتهم الأصلية شمال غرب البلاد، ولكن الثوار يغلقون عليهم هناك أيضًا. وتستمر الشكوك بين أبناء الطائفة بالازدياد: هناك من يُشتبه بهم بالتعاون مع الثوار أو بالنيّة في الفرار إلى الخارج من أجل إنقاذ أنفسهم. في مدينة القرداحة، الموطن الأصلي لعائلة الأسد، تطوّر قبل عدة أيام شجار قُتل فيه اثنين من أبناء عمومة بشار الأسد.
العلويّون معرّضون لخطر الإبادة
الطائفة الدرزية أيضًا، التي كانت حليفا مخلصا للطائفة العلوية، بدأت بالتخلي عن الأسد وطائفته. قال الشيخ حمود الحنّاوي، من زعماء الطائفة الدرزية الروحانيين، هذا الأسبوع إنّه “بعد الأحداث الأخيرة، فإنّ الاعتماد على ما كان يُدعى في الماضي “الجيش السوري” لا يفيد على الإطلاق”. يئس الشيخ من قدرة الجيش السوري على حماية المناطق الدرزية جنوب سوريا، وخصوصا بعد أن نقل الجيش قواته إلى مناطق سيطرته في جبال القلمون ومحافظة إدلب، وبقي الدروز دون حماية ضدّ الثوار السنّة. ودعا الشيخ الحنّاوي إلى إعطاء الدروز أسلحة ثقيلة ومتوسطة كي يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم.
يتّهم الكثير من أبناء الطائفة العلوية الأسد بتدمير البلاد والوضع الذي يعرّض كل الطائفة إلى خطر الإبادة. فهم يعلمون جيّدا ماذا تشعر الغالبية السنّية تجاههم، بعد 45 عامًا من حكم عائلة الأسد
وقد أدّى فقدان السيطرة والهزائم بالنظام إلى فقدان ضبط النفس في عملياته: ففي الأسبوعين الأخيرين ازدادت حوادث قصف المدنيين ببراميل متفجّرة مع غاز الكلور، وإطلاق صواريخ سكود كثيرة لضرب مواقع البلدات التي سقطت بأيدي الثوار، حتى لو قتلت المدنيين الأبرياء. في المقابل، تجمّعت بعض تنظيمات الثوار تحت مظلّة قيادية ولوجستية واحدة، من أجل استخدام الزخم لضرب النظام حتى سقوطه.
وقد فقد بشار الأسد منذ زمن ثقته برجال أمنه، والقوة التي تحرسه لمدة أربع وعشرين ساعة على مدار الأسبوع مؤلّفة من الإيرانيين فقط، وهم رجال “قوة قدس” التابعين للحرس الثوري.
وقد حدثت في الساحة الإقليمية أيضًا تحولات دراماتيكية والشيء الرئيسي هو التعاون بين السعودية وتركيا بهدف إسقاط الأسد. وتعني هذه الوحدة أنّ السعودية ستموّل شراء الأسلحة، الذخيرة، أجهزة الاتصالات ووسائل القتال الأخرى، وسيتم إرسالها إلى تركيا وستُنقل من هناك إلى أيدي الثوار. وستُسهّل تركيا مرور المتطوّعين من جميع أنحاء العالم إلى سوريا، كي ينضمّ هؤلاء إلى تنظيمات الثوار ويعزّزوا من احتياطاتهم.
https://www.youtube.com/watch?v=0NgfKiuz55Y
وتنتشر في الأسبوعين الماضيَين أنباء عن المكان الذي قد يفرّ إليه بشار الأسد، ويتم الحديث عن روسيا، إيران وسويسرا. في روسيا وإيران هناك أصدقاء، وفي سويسرا هناك حسابات سرّية. تُمكّن الموارد المالية لعائلة الأسد أفرادها من البقاء على قيد الحياة لسنوات طويلة في المنفى.
ولكن من الواضح لدى الجميع أنّه إذا غادر الأسد أو قُتل فلن تنتهي مشاكل سوريا. لن يهدأ مستنقع الصراعات التنظيمية والطائفية، وستستمرّ أنهر الدماء بالتدفّق حتى يتم تقسيم سوريا إلى أقاليم متجانسة أهمّها: الأكراد في الشمال الشرقي، العلويّون في الشمال الغربي، الدروز في الجنوب، البدو في الشرق، دمشق وحلب. ومن المرجّح أن يسيطر حزب الله على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل إنشاء منطقة آمنة للطائفة الشيعية. سيعزّز تفكّك البلاد الدولة الإسلامية، وقد تهدّد أيضًا الأردن والأسرة المالكة.
ستبقى إيران في دمشق حتى لو سقط الأسد
من المرجّح أن يسيطر حزب الله على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل إنشاء منطقة آمنة للطائفة الشيعية (AFP)
يقول الأسد في الأشهر الأخيرة إنّه حتى لو سقط هو ونظامه، فستصل الموجات الاهتزازية إلى الدول التي ساعدت في إسقاطه، الأردن، السعودية، تركيا، إسرائيل، الولايات المتحدة والناتو. فلن يهرب هؤلاء – كما يحذّر الأسد – من الجهاد الفاسد والقاتل. سيمنح سقوط الأسد دفعة كبيرة للجهاديين. سيزداد تيار المتطوّعين للمشاركة في السطو والنهب وبناء الجيش الإسلامي. سوف يتّجه المجهود الحربي تجاه بغداد من أجل السيطرة على العراق، وسيتطوّر أيضًا تهديد على تركيا وسائر البلدان الإسلامية التي تشكّلت من قبل الإمبريالية الغربية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.
فقد بشار الأسد منذ زمن ثقته برجال أمنه، والقوة التي تحرسه 24/07 مؤلّفة من الإيرانيين فقط، وهم رجال “قوة قدس” التابعين للحرس الثوري
ستستمر الحرب في سوريا، تماما كما استمرت الحرب في ليبيا لأربع سنوات بعد مقتل القذافي. بشار الأسد هو فقط جزء من المشكلة، وسيترك خلفه خليطا قاتلا من التنظيمات والمجموعات الجهادية التي ستستمر في القتال على جسد الدولة السورية الميتة. وهناك بين تلك المجموعات القوة الإيرانية أيضًا، ويمكننا الافتراض بأنّ هذه القوة ستبقى في المنطقة كي تحرص على مصالح آيات الله في المنطقة. وقد تُسيطر قوة إيرانية على دمشق من أجل الحفاظ على الأماكن المقدّسة للشيعة والتي تقع حولها.
في النهاية، هناك احتمال أن تسيطر روسيا على مدينة اللاذقية وما حولها، “بشكل مؤقت” بطبيعة الحال، كي تحافظ لنفسها على ميناء آمن في البحر المتوسّط. إذا تحقّق هذا السيناريو، فقد يتضمّن مدنا ساحلية أخرى على الساحل السوري مثل طرطوس وبانياس.
ستستمر الحرب في سوريا، تماما كما استمرت الحرب في ليبيا لأربع سنوات بعد مقتل القذافي. بشار الأسد هو فقط جزء من المشكلة، وسيترك خلفه خليطا قاتلا من التنظيمات والمجموعات الجهادية التي ستستمر في القتال على جسد الدولة السورية الميتة
أصبح نظام الأسد في هذه الأيام شيئًا من الماضي. من الصعب أن نصدّق بأنّه بدلا من الاستبداد الشمولي الذي عرفناه، سوف تحتدم فوضى جهادية قاتلة. قد تتحوّل سوريا إلى أفغانستان على حدود إسرائيل، حاضنة إرهابية عالمية.
هل سيشتاق العالم يوما إلى أيام الأسد، كما يشتاقون في ليبيا اليوم إلى القذافي ويصلّون في العراق من أجل عودة صدّام حسين من القبر؟ يقترب الشرق الأوسط فعلا إلى أيام الإسلام الأولى مع كل الحروب القبلية، ربما أيضًا إلى أيام الجاهلية التي سبقت ظهور محمد. ستحلّ السكاكين، السيوف والجمال مكان المدافع الثقيلة، الصواريخ بأنواعها، وجميع السيارات المدرّعة.
من يرغب يمكنه أن يتخيّل استهداف قنبلة نووية إيرانية لكل هذه الغابة الصحراوية الدامية. حينذاك سيطلب من إسرائيل أيضا أن تساهم من أجل السلام والمصالحة الإقليمية من خلال إقامة آخر دولة عربية في العالم.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع ميدا
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني